الرئيسية الريادة كيف قدّم مسلسل بيت التنين درساً عمليّاً في التّسويق؟

كيف قدّم مسلسل بيت التنين درساً عمليّاً في التّسويق؟

حتى لو لم ترقَ السلسلة إلى مستوى التوقّعات من حيث السرد أو الإبداع الفنّي، يبقى من الضّروري احترامُها كجزءٍ من استراتيجية تسويقٍ ذكيّة ترتبط بجذور "صراع العروش"

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

كلّما شاهدت حلقةً جديدةً من "بيت التنين" (The House of the Dragon)، شعرتُ بمزيجٍ من الترقّبِ والإحباط. هذا العالم الذي عرفناه وأحببناه في "صراع العروش" (Game of Thrones) ما زال موجوداً، لكنّ شيئاً ما يبدو ناقصاً. تلك الحماسة التي كانت تدفعني لمتابعةِ كلّ حلقةٍ بلهفةٍ، وتلك المفاجآت التي كانت تثير فينا الرغبةَ في نقاشِ الأحداث مع الأصدقاء، تبدو الآن بعيدةً. ومع ذلك، أستمرُّ في المتابعة، منتظراً الجزء الثالث بشغفٍ، بل ويزعجني أنَّ عليَّ الانتظار حتى 2026 ليصدر.

فلماذا نظلُّ ملتزمين بمشاهدةِ مسلسلٍ لا يُلبي توقّعاتِنا؟ لماذا نستمرُّ رغم أنَّنا نعلم أنَّ خيبةَ الأمل قد تكون بانتظارنا؟ الإجابة تكمن في شعورٍ مألوفٍ وعميق: الحنين.

الحنين: الدافع الخفي وراء الاستمرار

 حين بدأ عرض "بيت التنين"، لم يكن مجرّدَ مسلسلٍ جديدٍ، بل كان عودةً إلى عالمٍ نشأنا على حبِّه. "صراع العروش" لم يكن مجردَ عملٍ دراميٍّ، بل تجربةً جماعيةً، لحظاتٍ من الإثارةِ والترقّبِ التي عشناها معاً. هذا الحنين لتلك التّجربة هو ما يدفعنا للاستمرارِ في متابعة "بيت التنين"، حتى وإنْ لم يرتقِ إلى مستوى توقّعاتنا.

الحنين ليس مجردَ استعادةٍ لذكرياتٍ جميلةٍ، بل هو رغبةٌ عميقةٌ في استعادة تلك اللحظات. نحن نشاهد "بيت التنين" لا لنعرف فقط ما سيحدث، بل لنبحث عن ذلك الشعور الذي رافقنا خلال متابعة "صراع العروش". هذا الحنين هو ما يجعلنا نتغاضى عن بعض العيوب، ويحفّزنا على أمل عودة تلك اللّحظات الرائعة. وهو الوتر الذي تعزف عليه الشّركات الناجحة، كلّما أرادت أن تجدّد ولاءك لها، متعهّداً أن تلبّي النداء، كلّما غزا منتجٌ جديدٌ لها الأسواق. 

فالحنين ليس مجردَ شعورٍ شخصيٍّ؛ إنه أداةٌ قويةٌ تستخدمها العلاماتُ التجارية لتعزيز ولاءِ العملاء. في كتاب "The Power of Nostalgia"، يتناول مؤلّفاه كيف يمكن للحنين أن يتحوّل إلى استراتيجيةٍ فعّالةٍ تسهم في بناء علاقةٍ متينةٍ بين العملاء والعلامة التجارية.

ففي عالمِ التسويق، لا يُعتمد فقط على جودة المنتج أو الخدمة، بل على تلك الرّوابطِ العاطفيةِ التي تربط العميلَ بالعلامة التّجارية. والحنين يعزّز هذه الروابط، حيث يربط الماضي بالحاضر، ويخلق شعوراً بالاستمراريةِ والانتماء.

استراتيجيات استغلال الحنين: دروس من الواقع

لتحويل فكرة الحنين إلى استراتيجيةٍ ناجحةٍ، يجب أن ننظر إلى كيفيةِ استغلالِه بذكاءٍ في التّسويق. وهناك العديد من الأمثلة الحيّة التي تُظهر كيف يمكن للحنين أن يكون أداةً قويةً لتعزيزِ الولاءِ للعلامة التّجارية، وخاصّةً في أوقات الأزمات أو عند مواجهةِ المنافسة الشّديدة. فعندما يشعر العميلُ بالارتباطِ العاطفي بمنتجٍ معينٍ، يصبح هذا المنتج الخيارَ الأولَ له، حتى في ظل وجود خياراتٍ أخرى قد تكون أكثرَ جاذبيةً من حيث السعر أو الجودة. يتشكّل هذا الرابط العاطفي على مر السّنين، ويصبح عميقاً لدرجة أنَّ العميل يتجاهل في كثيرٍ من الأحيان العروض الأخرى، ويفضّل المنتجَ الذي يذكِّرُه بلحظاتٍ خاصةٍ أو بفتراتٍ من حياته والذي تعهّد له بالولاء.

إحياء المنتجات الكلاسيكية

إحدى أبرز الأمثلة على هذا النهج هي شركة كوكاكولا. في الثّمانينات، عندما حاولت الشركة تغييرَ طعمِ مشروبِها الشّهير، واجهت انتقاداتٍ شديدةً من جمهورها. ولكن بمجرد أنْ أعادت إطلاق "كوكاكولا كلاسيك"، تمكّنت من استعادة ولاءِ المستهلكين الذين شعروا بارتباطٍ قويٍ بالنّكهة الأصلية. هذا القرار لم يكن مجردَ استجابةٍ لرغبات العملاء، بل كان إعادةَ إحياءٍ لذكرياتٍ مرتبطةٍ بفتراتٍ من حياتهم، مما أدّى إلى تعزيزِ مكانةِ كوكاكولا في قلوبِ مستهلكيها.

إعادة إحياء الحملات التّسويقية القديمة

اتبعت ماكدونالدز نهجاً مشابهاً، حيث أعادت إحياءَ حملاتٍ إعلانيةٍ شهيرةٍ من الثّمانينات والتسعينات، مثل "I’m Lovin’ It". هذه الحملات لم تكن مجرّدَ إعلانات، بل كانت جزءاً من ذاكرةِ جيلٍ كاملٍ. عندما يرى النّاس هذه الإعلانات مرّةً أخرى، تعود بهم الذاكرةُ إلى تلك الأيّامِ التي كانت تحمل في طيّاتِها مشاعرَ الطفولةِ أو الشباب. هذا الشّعور بالحنين يعيد إحياءَ الارتباطِ العاطفي بالعلامة التّجارية، ويجعل العملاء يشعرون بأنّهم جزءٌ من قصةٍ مستمرّةٍ مع ماكدونالدز.

تصميم منتجات مستوحاة من الماضي

 قدّمت شركة نينتندو درساً عمليّاً في كيفية استغلالِ الحنين عندما أطلقت جهازَ (NES Classic Edition) في عام 2016. الذي لم يكن مجرّدَ منتجٍ تقنيٍّ، بل كان بوابةً إلى ذكريات الطفولة للعديد من عشّاقِ الألعاب. بالنسبة لهم، مثّل هذا الجهاز فترةً من حياتهم مليئةً بالفرح والتّسلية. والنتيجة كانت مبيعاتٍ ضخمةً وعودةً قويةً لعلامة نينتندو في قلوبِ الجماهير، حيث نجحت في جذبِ اللاعبين القدامى، ومعهم جيلٌ جديد.

كيفية تطبيق استراتيجيات الحنين في عملك

ليس الأمر مجرّدَ إعادةِ إحياءٍ لشيءٍ من الماضي، بل يتعلّق بكيفيةِ تقديمِ هذا الماضي في قالبٍ عصريٍّ يلامس القلوب، ويعيد إحياء الذكريات. إليك بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تساعدك على تحقيقِ ذلك:

إحياء الشعارات أو المنتجات القديمة

إذا كان لشركتك تاريخٌ طويل، فإن إعادةَ تقديمِ شعاراتٍ أو منتجاتٍ قديمة يمكن أن يكون وسيلةً فعّالةً لربطِ العملاء بتاريخِ العلامة التّجارية. لكنّ الأهم هو تقديم هذه الشعاراتِ أو المنتجاتِ بطريقةٍ حديثةٍ تتناسب مع تطلّعاتِ العملاء اليوم. على سبيل المثال، يمكن إطلاق نسخةٍ جديدةٍ من منتجٍ قديمٍ بتصميمٍ عصريٍّ أو بتحسيناتٍ تلبي احتياجاتِ العصر، ممّا يجعل العملاء يشعرون بأنّهم يعيشون تجربةً جديدةً ومألوفةً في الوقت ذاته.

السّرد القصصي

يُعتبر السّردُ القصصي من أقوى الأدوات في بناء الارتباط العاطفي. يمكنك استخدامُ القصصِ التي تربط علامتكَ التجاريةَ بتجاربَ شخصيةٍ مر بها عملاؤك أو بمجتمعاتٍ كاملة. مثلاً، يمكن سرد قصصٍ عن كيفيةِ استخدامِ منتجك في الماضي، وكيف أنَّه كان جزءاً من حياة الناسِ في لحظاتٍ معينةٍ، مما يعزز شعورَ الحنين لديهم. هذا النوع من القصص يمكن أن يخلق رابطةً قويةً تجعل العميلَ يشعر بأنَّ علامتكَ التجاريةَ تفهمه وتقدِّر ذكرياته.

التّفاعل الحسّي

الحنين ليس مجرد مشاعرٍ أو أفكار؛ بل تجربةٌ حسيّةٌ أيضاً. فالرّوائح، الأصوات، والألوان التي ترتبط بفتراتٍ زمنيةٍ معينة يمكن أن تستخدم لإثارة مشاعرَ الحنين. مثلاً، إعادةُ استخدام أغاني أو أصواتٍ كانت مرتبطةً بحملاتٍ إعلانيةٍ قديمة، أو تصميم عبواتٍ بصريةٍ تُذكِّر العملاء بماضيهم. هذه الاستراتيجيات يمكن أن تحفّز مشاعرَ الحنين بشكلٍ فعّال، وتعيد إحياء ذكرياتٍ جميلة مرتبطة بعلامتك التجارية.

أخيراً، حتى لو لم ترقَ سلسلة "بيت التنين" إلى مستوى التوقّعات من حيث السرد أو الإبداع الفنّي، يبقى من الضّروري احترامُها كجزءٍ من استراتيجية تسويقٍ ذكيّة ترتبط بجذور" صراع العروش"، والتي ظهرت جليّة في رؤيا ديمون في أواخر المسلسل.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: