كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على تسويق الأعمال الصغيرة؟
لامست تطورات الذكاء الاصطناعي التوليدي الكثير من المهن، بما في ذلك مجال كتابة المحتوى والتسويق والفن، فكيف يمكن استخدامه بفعالية لزيادة الإبداع؟
كان الوقت أواخر خريف 2022، عندما كنتُ أكتب بحماسٍ في مكتبي المنزليّ، وكنت أعيش حينها عامي الثامن عشر كـ"كاتب إعلانات تسويقية مستقل"، مستمتعاً بكلِّ لحظةٍ، وبعد تجاوزي سن الخامسة والخمسين، شعرتُ أنّ بإمكاني الاستمرار إلى الأبد، فأعملُ لأطول فترةٍ أرغب بها. التّقاعد خلال بضع سنوات؟ بالتّأكيد لا أفكّر به... لا يناسبني! ثم تلقّيت بريداً إلكترونيّاً من أحد العملاء يقول: "هل سمعت عن ChatGPT؟" ومن هنا تغيّر كلّ شيءٍ.
تغيّرت الأمور بالنّسبة لي، كذلك للشّركات حول العالم، ولا يزال التّطور مستمرّاً حتى اللّحظة، لا نعرف إلى أين سيقودنا الذكاء الاصطناعي أو ما هو مدى تأثيره الفعليّ، لكن أصبح من الواضح بشكلٍ متصاعدٍ أنّ هذا التّأثير سيكون جذريّاً، وشخصيّاً، شعرتُ للحظةٍ كأنّني سائق عربةٍ ينظر إلى السيارة الأولى تسير على الطّريق (حقيقةٌ طريفةٌ: يعود اسم عائلتي -فورمان- إلى مهنة سائق العربات).
على العموم في هذا المقال، سأحاول تقديم بعض الأفكار حول الذكاء الاصطناعي من وجهة نظري ككاتب نصوصٍ تسويقيّةٍ مستقلٍّ ومحترف تسويقٍ، بما في ذلك: شرح كيف يؤثّر الذكاء الاصطناعي ويساعد الشّركات النّاشئة والمتوّسطة الحجم من النّاحية التّسويقيّة، وخاصةً في كتابة النّصوص الإعلانيّة، وتسويق المحتوى، والرّسومات.
كتابة النصوص التسويقية
لي صديقةٌ كانت تعمل كاتبة نصوصٍ تسويقيّةٍ لشركة عملاتٍ معدنيّةٍ، تقاعدت مؤخّراً بعد سنواتٍ من العمل، وقد عملت في كتابة وصف العملات في الكتالوجات خلال العشرين عاماً الماضية. عرضتُ عليها ChatGPT وطلبت منها ذكر اسم عملةٍ، وفجأةً -وخلال ست ثوانٍ فقط- قدّم ChatGPT وصفاً ممتازاً مكوّناً من 200 كلمة، وقد وجدته صديقتي مثيراً للإعجاب! صحيحٌ، تطلّب الأمر بعض التّعديلات، لكن ذلك أثار إعجابها بشدةٍ، حتى إنّها علقت قائلةً: "سعيدةٌ أنّي تقاعدت الآن".
إليك كيف يمكن للغة ChatGPT وتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تتألّقَ حقاً في الكتابة التسويقية، إذا كان بإمكانك إجراء بعض التّعديلات والإضافات:
- الوصف التّسويقيّ القصير الذي لا يعتمد كليّاً على النّص لإحداث التّأثير: الإعلانات العقاريّة، وفرص العمل، وأوصاف المنتجات / الكتالوجات، حيث تلعب الصّور والمراجعات دوراً رئيسيّاً في ذلك.
- توليد الأفكار، إذ يمكن أن يكونَ الذكاء الاصطناعي فعّالاً في التّغلب على جمود أفكار الكاتب (وأنا شخصيّاً أستخدمه لهذا الغرض).
- يساعدك على البدء في كتابة خطاب عملٍ تجاريٍّ أو مذكّرةٍ عندما تواجه مشكلةً في معرفة من أين تبدأ (وغالباً ما تكون هذه هي الخطوة الأكثر صعوبةً).
- بالتّأكيد، يمكنه مساعدتكَ في تحرير وإعادة صياغة النّصوص بشكلٍ ممتازٍ.
نعم، الذكاء الاصطناعي لا يجيد التّعبير عن المشاعر، إنّها لا تباع لديه بشكلٍ جيّدٍ، فأسلوبه في الكتابة ليس متسقاً بدرجةٍ كافيةٍ أو مبدعاً للغاية حتّى الآن. فاليوم، كتاباته تميل نحو الصّور النّمطية، ولكنّه سوف يتطوّر مستقبلاً في كلّ شيءٍ. مرّةً أخرى، ستحتاج إلى بعض الموهبة في الكتابة والتّحرير لاستخدامها بفعاليّةٍ أكبر، ولكن إذا كانت لديك، فيمكنه مساعدة عملكَ منذ اليوم.
التسويق بالمحتوى
أميلُ إلى التّمييز الجوهريّ بين تسويق المحتوى وكتابة النّصوص التّسويقية، فالأخيرة أفضل للمبيعات والاستجابة الفوريّة، في حين يُركّز تسويق المحتوى على المعلومات وتحسين محرّكات البحث (SEO).
حاليّاً، يؤثّر الذكاء الاصطناعي على تسويق المحتوى من خلال توليد كمياتٍ هائلةٍ من المحتوى، وعادةً ما تنشر الشّركات هذا المحتوى داخليّاً عبر مواقعها الإلكترونيّة، بينما تتجنّب المطبوعات الكبرى نشر المواد التي يكتبها الذّكاء الاصطناعيّ، فما من أحدٍ يرغب بأن يتصدّر النّسخة المقبلة من المجلة الأمريكيّة سبورت إليستريتد Sports Illustrated، فإذا كنت تطمح إلى النّشر، فيجب أن تتحلّى كتابتك بالأصالة وتحمل بصمتكَ الشّخصيّة.
يواجه المحرّرون، بوصفهم المتحكمين في المحتوى الرّقمي اليوم، تحديّاً هائلاً في عصر الذّكاء الاصطناعيّ، فبينما أصبح الخير قادراً على إنشاء محتوى أساسيٍّ للمواقع الإلكترونيّة، نرى أنّ محرّكات البحث بدأت تُقلّل من قيمة هذا النّوع من المحتوى، فإذا كان بإمكان "الجميع" الحصول على كمياتٍ هائلةٍ من المحتوى الأساسيّ، فما قيمته؟
لكن مع تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ، يزداد التّساؤل حول إمكانيّة السّيطرة على هذا الأمر من قبل البشر أو محرّكات البحث، فكيف سيكون الحال بعد عشر سنواتٍ؟ هل سيستمرّ "تحسين محركات البحث" كما نعرفه اليوم؟ كيف سيتغيّر شكل "البحث" وكيفيّة اختيار المواقع الإلكترونيّة؟ وكيف سيتم اختيار موقعك الإلكترونيّ؟ للأسف، لدينا الآن المزيد من الأسئلة بما يفوق ما لدينا من إجاباتٍ.
الغرافيك والفن
أرى أنّ الذّكاء الاصطناعي يُحدث ثورةً حقيقيةً في مجال التّسويق، خاصةً في مجاليّ الغرافيك والفن. صحيحٌ، لقد واجهنا في البداية بعض التّحديات، مثل ظهور صورٍ خاطئةٍ، لكن تم تجاوزها لاحقاً وأصبح الذّكاء الاصطناعيّ أداةً فعّالةً لتلبية احتياجاتنا بدقّةٍ.
فعلى سبيل المثال في الشّهر الماضي، كنت أعمل على مشروع ٍلأحد العملاء، وأردت صورةً تُظهر منتجات العناية بالبشرة مع إيحاءٍ بتكلفتها، لم أجد ما يناسبني في المخزون الفنيّ المتاح، لكن لحسن الحظّ، كنت مشتركاً في OpenAI، التي تُقدّم أداة الذّكاء الاصطناعيّ DALL-E، المختصّة بإنشاء الصور والرّسم الجرافيكي، وقد تمكنت في غضون ثلاث دقائق فقط من طلب الصّورة التي بحثت عنها بدقةٍ، إذ في الوقت الحالي تنتج DALL-E وأدواتٌ مشابهةٌ صوراً مذهلةً، وتتمتّع بقدرةٍ فائقةٍ على فهم رغبات المستخدم بكلّ دقةٍ.
شاهد أيضاً: أفضل أدوات الكتابة بالذكاء الاصطناعي في عام 2023
ختاماً
يُقدّم الذكاء الاصطناعي مساعدةً كبيرةً للأعمال في احتياجاتها من الكتابة والفنّ، فهو قادرٌ على كتابة أوصافٍ سريعةٍ وإنشاء صورٍ عاجلةٍ في الوقت الحالي، على الرّغم من كونه في بدايات تطوّره؛ لذلك ينبغي لفريق التّسويق لديك أن يبدأ بالفعل في استخدامه ضمن مجال عملهم، إذ سيجعلهم ذلك أكثر كفاءةً وفعاليّةً، لكنّي أرى أيضاً أنّه في نهاية المطاف سيؤدّي إلى تقليص قسم التّسويق لديك، حيث يمكن بسهولةٍ تصوّر تخفيض فريق التّسويق إلى شخصين أو ثلاثة يعملون مع الذّكاء الاصطناعيّ بدلاً من عشرة.
ولكن هذا أيضاً جزءٌ من الثّمن الذي سيُدفع عندما تتدخّل التّكنولوجيا في عمل الإنسان، حيث لا مفرّ من تأثر العديد من المهن والمجالات البشريّة سلباً بالذّكاء الاصطناعيّ وربما تُوقف عملها؛ لذلك يُثير انتشار الذكاء الاصطناعي قلقاً كبيراً بين الكتّاب والفنّانين المستقلّين، حيث أدّى بالفعل إلى استبدال بعض الوظائف ذات التّكلفة المنخفضة، مثل: الكتابة الوصفية المختصرة للمنتجات وإنشاء الرّسومات السّريعة، وغيرها ممّا اختفى بالفعل.
لكن، يبقى الإبداع عنصراً أساسيّاً لتحفيز الذّكاء الاصطناعيّ والحصول على نتائجٍ جيّدة، كما أنّ أيّ محتوى يُنتجه الذكاء الاصطناعي يتطلّب تحريراً من قبل المستخدم البشريّ.
لذلك، في المستقبل القريب من ثلاث إلى خمس سنواتٍ قادمةٍ، سيعمل الكثير من الأشخاص الجيدين والمبدعين جنباً إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي. لكن، إلى أيّ مدى سيصل هذا الاتّجاه؟ وكم سيكون تأثيره على المهن والوظائف المستقلّة؟ في الواقع لا توجد إجابةٌ على هذا السّؤال حاليّاً، لكن حتّى ذلك الوقت، يُعدّ الذكاء الاصطناعي أداةً قويّةً وفعّالة يمكن أن تُقدّم فوائد كبيرةً بالفعل.
لمزيدٍ من النصائح في عالم التكنولوجيا، تابع قناتنا على واتساب.