كيف يُحوّل القادة حالة عدم الاستقرار إلى فرص؟
استراتيجيات ذكية لتبنّي المرونة وتحقيق النّجاح في بيئات العمل غير المستقرّة
إذا كان هناك شيءٌ واحدٌ نتّفقُ عليه جميعاً حول المناخ الحاليّ -سواء كان يتعلَّق بالأعمال، أو السّياسة، أو الاقتصاد، أو البيئة- فهو أنَّه مليئٌ بعدم اليقين، والأسابيع القليلة الماضية في السّياسة المحليَّة الأمريكيَّة وحدها تُثبت ذلكَ، بل وتُعزِّزه، ولكن من المُثير للاهتمام أن نرى كيف نتعاملَ مع هذه الحقيقة المٌشتركة، نعترفُ بوجود عدم اليقين في كلِّ مكانٍ، ولكنَّنا نتوقَّف عند هذا الحدِّ ونتجاهلُ ما يعنيه هذا لنا ولطرق عملنا، والأهمُّ من ذلك، لأسلوب قيادتنا. [1]
الحقائق التي نتجاهلها حول عدم اليقين
هناك حقيقتان مهمّتان حول عدم اليقين غالباً ما يتم تجاهلهما، الأولى هي أنّنا نتعاملُ مع عدم اليقين كأنّه حالةٌ مؤقّتةٌ، فنقولُ لأنفسنا: "إذا تمكّنتُ فقط من تجاوز هذه الأزمةِ، فسيكون كلّ شيءٍ على ما يرام" أي بمعنى أنّه سيكون مستقرّاً وقابلاً للتّنبؤ وخالياً من التَّغيير المستمرِّ، ولكنَّ الواقع هو أنَّ عدم اليقين دائمٌ، بغضِّ النَّظر عن محاولاتنا لجعلهِ شيئاً آخر.
أمّا الحقيقة الثَّانية، والأكثر أهميَّةً، هي أنَّنا لا نسعى فعليّاً لإدارة عدم اليقين بقدر ما نسعى لاستغلاله، ونكرهُ عدم اليقين في العموم، لكنَّنا نحتاجه؛ لأنَّه يُحفِّز الابتكار ويمنحنا ميزةً تنافسيَّةً، ولاستغلال عدم اليقين حقّاً، يجب أن نجعله جزءاً مركزيّاً من تفكيرنا وممارساتنا اليوميَّة، والقادة الحقيقيُّون هم من يقبلون هذه الحقيقة ويعملون وفقاً لها.
شاهد أيضاً: 5 أخطاء شائعة يرتكبها القادة عند التخطيط الاستراتيجي
القادة وقصة اليقين
عموماً يسعى القادةُ إلى إظهار الثِّقة والقدرة على التَّنبُّؤ، معتقدين أنَّ هذا ما يتوقَّعه منهم الموظَّفون والعملاء، ولكن في الواقع، هؤلاء الموظَّفون والعملاء يرغبون في الصِّدق والشَّفافيَّة أكثر من الوعود الكاذبة بالاستقرار، فماذا لو بدلاً من السَّعي لتحقيق اليقين، تبنَّى القادة عدم اليقين ودمجوه في ثقافة مؤسَّساتهم؟
دروس من جزر فارو وكوستاريكا
هناك مجتمعاتٌ تفعلُ ذلك بشكلٍ يوميٍّ، مثل جزر فارو في شمال الأطلسيّ وكوستاريكا في جزر فارو، يُعرف هذا القبول المستمرُّ لعدم اليقين بكلمة "كاسكا"، والَّتي تعني "ربَّما"، في كوستاريكا، يُعرف ذلك بـ"بورا فيدا"، وهو اعترافٌ بأنَّ نقاء الحياة يشمل جرعةً صحيّةً من غير المتوقَّع وغير المؤكَّد، والاعتقاد بأنَّ تبنِّي ذلك يُعزِّز فرص النَّجاح والصِّحَّة النَّفسيَّة.
في كوستاريكا، حيث النَّشاط البركانيُّ والأمطار الغزيرة تُهدِّد الحياة اليوميَّة، تعكس "بورا فيدا" خياراً لتبنِّي هذه الحقائق كجزءٍ من الحياة اليوميَّة وبناء الأعمال، بما في ذلك الاضطرابات غير المنتظمة في النَّقل والتِّجارة، والخطط والجداول الزَّمنيَّة الَّتي تحتملُ أحياناً، ولكن غالباً لا.
شاهد أيضاً: التفكير الإيجابي والقدرة على التنبؤ بالمستقبل
التّكيف مع الظّروف القاسيّة
في جزر فارو، يُظهر مفهوم "كاسكا" قبولاً دائماً لعدم اليقين؛ بسبب الطَّقس القاسي والجغرافيا المُعقَّدة، ممَّا يجعل التَّخطيط مرناً ومستعدّاً للتَّكيُّف، مثل هذه الثَّقافات تبني أنظمةً متقدِّمةً، وتستفيد من التُّكنولوجيا، لكنَّها لا تعتمد على التَّنبُّؤ الكامل، فعندما تفشل التُّكنولوجيا، ينتقل الفارويون إلى الوضع اليدوي بكفاءةٍ، متجاوزين حالة الذُّعر الَّتي قد تصيب الآخرين.
دمج عدم اليقين في ثقافة الشّركات
تخيَّل ماذا سيحدث إذا تعطَّلت أداةٌ أو عمليَّةٌ مهمَّةٌ في شركتك دون سابق إنذارٍ؟ قبول عدم اليقين كجزءٍ من الثَّقافة المؤسَّسيَّة يعني أنَّ الخططَ تصبح داعمةً للثَّقافة وليست جوهرها، القادة الَّذين يقبلون عدم اليقين ويعملون وفقاً له يمكنهم استغلاله لصالحهم، بعبارةٍ أُخرى القادة الَّذين يدمجون عدم اليقين في تفكيرهم اليوميِّ وفي ثقافة مؤسَّساتهم يكونون أكثر استعداداً للتَّكيُّف مع التَّغيُّرات واستغلال الفرص الَّتي يوفِّرها عدم اليقين، والقبول الدَّائم لعدم اليقين يمكن أن يكون مفتاحاً للابتكار والنَّجاح المستمرِّ.
باختصارٍ، القادة الحقيقيُّون هم من يعترفون بعدم اليقين ويحتضنونه كجزءٍ أساسيٍّ من عمليَّة القيادة، ومن خلال دمج هذه الفكرة في ثقافة المؤسَّسة، يمكنهم تحويل التَّحدِّيات إلى فرصٍ والاضطرابات إلى نقاط قوَّةٍ، والقبول الفعليُّ لعدم اليقين في كلِّ جانبٍ من جوانب العمل هو ما يمكن أن يُعزِّز القدرة على التَّكيُّف والابتكار، ممَّا يفتح الطَّريق أمام النَّجاح المستدام والتَّميُّز القياديِّ.