كيف يكون العمل عن بعد ناجحاً؟ طرق لإدارة التحديات المتوقعة
واستراتيجيات فعالة لتعزيز التعاون والإنتاجية سواء في بيئات العمل الهجينة أو العمل من المنزل
إذا كنتَ تجدُ صعوبةً في إدارة العمل الهجين والعمل عن بعد، فتأكَّد أنَّك لستَ وحدك في هذا الأمر، فمنذ بداية جائحة كوفيد-19، التي دفعت الملايين للعمل من منازلهم، واجهت الشَّركات تحدّياتٍ كبيرة على الرَّغم من المزايا الواضحة للمرونة المتزايدة، إذ أظهرت مجموعةٌ من الدِّراسات أنَّ هناك انخفاضاً في الإنتاجيَّة في بعض الحالات نتيجةً للعمل من المنزل، كما يمكن أن يشعرَ الموظَّفون العاملون عن بُعد بانفصالٍ أكبر عن بيئة العمل، وقد تتأثَّر قدرتهم على الابتكار والتَّعلُّم أثناء العمل، وفق ما تَذكُر تقاريرٌ أخرى.
ويقول روب سادو، المؤسّس المشارك والرَّئيس التَّنفيذيُّ لمنصَّة العمل الهجينة Scoop، والتي تتَّخذ من سان فرانسيسكو مقرَّاً لها: "أعتقد أنَّ العمل عن بعد أصعب من العمل وجهاً لوجه" ويضيف: "لقد اعتدنا أن نعملَ حيث يتوفَّر العمل في مكان ما عبر التَّاريخ... والعمل الهجين والعمل عن بعد هما نموذجان جديدان نسبيَّاً". [1]
لكن مع تبنِّي المزيد من أصحاب العمل لنموذج العمل عن بعد منذ البداية وتوفير مرونةٍ في مكان العمل، يجب على القيادات التَّعامل مع العيوب المحتملة لهذا النَّهج بجديَّةٍ، وكما يقول نيك بلوم، الاقتصاديّ بجامعة ستانفورد والخبير في مجال العمل من المنزل، فإنَّ النَّتائج: "تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على جودة الإدارة".
وفيما يلي طريقتان رئيسيتان لإدارة المشكلات التي قد تظهر عند قيادة فريقٍ عن بعدٍ أو هجينٍ بشكلٍ فعَّالٍ:
توضيح الانتماء لمهمَّة الشَّركة وأهدافها ومبادئها
عندما يكون العمّال بعيدين ماديَّاً عن مكان العمل، يوجد خطرٌ بأن يصبحوا بعيدين ذهنيَّاً كذلك، كما يشير جيم هارتر، كبير المستشارين في مجال التَّوظيف في Gallup. ويَظهَرُ هذا الأمر جليَّاً في أحدث بيانات Gallup، حيث بلغت نسبةُ مشاركة الموظَّفين أدنى مستوياتها خلال 11 عاماً في الرُّبع الأوّل من هذا العام، مع إسهامٍ كبيرٍ من العمال الذين يعملون عن بعدٍ بالكامل في هذا الانخفاض، وفي الوقت نفسه، خلال عام 2023، أفادَ فقط 28% من العمال الذين يعملون حصريَّاً عن بعد بأنَّهم شعروا بالانتماء إلى مهمَّة الشَّركات التي يعملون بها وأهدافها، وهي أقلُّ نسبةٍ منذ عام 2011، وعليه تحتاج الفرق في بيئات العمل عن بعد إلى رؤيةٍ أوضحَ وفهمٍ أكبرَ؛ لتأثير عملهم على أهداف الشَّركة واستراتيجيَّتها، حسبما تقول جين برييم، مديرة شؤون تدريب الموارد البشريَّة في Gartner.
وكانت RentRedi، شركة برمجيَّات تعمل عن بُعد بالكامل ومقرُّها في لاثام، نيويورك، قد نظَّمت اجتماعاً افتراضيَّاً شاملاً كلَّ يوم اثنين لمساعدة الفريق بأكمله على الاتّصال بانتظامٍ، وفقاً لما ذكره ريان بارون، المؤسِّس المشارك والرَّئيس التَّنفيذي، يستخدم حوالي 50 عضواً في الفريق خلفيَّاتِ زوم فريدةً تتعلَّق بموضوعٍ مختلفٍ كلَّ بضعة أسابيعٍ؛ لتمكين الجميع من تعلُّمِ شيءٍ جديدٍ عن بعضهم بعضاً، على سبيل المثال كان آخر موضوعٍ هو شيءٌ تتطلَّع إليه في الرَّبيع أو الصَّيف، بحسب بارون، ويُضيف: "يشارك الجميع أيضاً فيما يعملون عليه، ممَّا يُساعد على توضيح كيف يتناسب عمل كلّ فردٍ مع المهمَّة والرُّؤية التي نسعى لتحقيقها كفريقٍ".
أمَّا في UEGroup، وهي شركة استشاراتٍ مقرُّها في سان خوسيه، كاليفورنيا، سعى الفريق إلى تجربة لقاءاتٍ عدَّةٍ عن بُعدٍ في محاولةٍ لـ "الحفاظ على ثقافةِ الشَّركة وتعزيز التواصل" خلال الجائحة، حسبما يقول توني فرنانديز، المؤسّس والرَّئيس التَّنفيذيُّ، لكنَّ النَّاس سرعان ما شعروا بالملل من هذه الأنشطة، ومع ذلك اكتشفوا أخيراً الحلَّ النَّاجح وهو "برنامج الأخبار مرتين في الأسبوع".
شاهد أيضاً: لماذا يجب أن يكون العمل عن بُعد هدفاً لشركتك؟
يُعدُّ هذا اللّقاء بمثابة نشرةٍ إخباريَّةٍ تقليديَّةٍ، كما يصف فرنانديز، إذ يتضمَّن تقارير الطَّقس من المواقع المختلفة التي يتواجد فيها حوالي 20 عضواً من فريق UEGroup، وفقرة حكمة الأسبوع حيث يمكن للأعضاء مشاركة موضوعاتٍ عشوائيَّة من اختيارهم (في إحدى المرَّات تناول الحديث كيفيَّة تربية الهامستر)، بالإضافة إلى تسليط الضَّوء على المشروع.
ويقول فرنانديز: "في هذه الفقرة الأخيرة، يقدِّم فردٌ أو فريقٌ تفاصيل معمَّقةً عن مشروعٍ يعملون عليه"، خصوصاً في سياق العمل عن بعد، حيث لا تُتاح الفرصة لملاقاة الأشخاص بشكلٍ يوميٍّ، ولا يمكنك المرور بجانب شاشاتهم لرؤية شيءٍ مثيرٍ للإعجاب والتَّعليق عليه بـ واو!" ولهذا يعمل البرنامج كبديلٍ لهذا النَّوع من التَّفاعلات، ويُضيف أنَّ برنامج الأخبار قد حسَّن المعنوياتِ بشكلٍ كبيرٍ في الشَّركة.
شاهد أيضاً: 3 طرق لشحن وتعزيز العمل عن بعد
تأكيد النية
يوفِّر العمل عن بعد درجةً أكبر من الاستقلاليَّة، لكن دون الأساليب المناسبة والنّيَّة الصَّحيحة، قد يتحوَّل هذا النَّهج إلى شيءٍ فوضويٍّ، كما يوضِّح هارتر، وتبيِّنُ بعضُ التَّقارير بالفعل أنَّ العمل عن بعد يطرح تحدِّياتٍ على صعيد التَّواصل والتَّعاون والابتكار، ويشير بلومٍ إلى أنَّنا لا نزال نرى العيوب، لا سيَّما في الاجتماعات الهجينة، حيث يشكو الأفراد من الشُّعور بالإهمال عند العمل عن بعد.
وبحسب ما يُضيف هارتر: "لكنَّ الشَّركات التي تُدير العمل عن بعد بنجاحٍ كبيرٍ هي تلك التي تضع خطَّة لكيفيَّةِ العمل الجماعيّ بأكثر الطُّرق فعاليَّةً، وقد يتضمَّن ذلك الاستثمار في تحسين أساليب التَّعاون غير المتزامن، كما تُشير برييم، وتعزيز طرق العمل عن بعد بوجهٍ خاصٍّ، بدلاً من محاولة تطبيق ممارسات العمل المباشر على بيئاتٍ بعيدةٍ.
وكان التَّعاون جزءاً أساسيَّاً من عمليَّات شركة Small Girls PR، وهي شركةُ اتِّصالاتٍ مقرُّها في مدينة نيويورك، قبل الجائحة، ولكن عندما انتقلت الشَّركة إلى العمل عن بعد، ثمَّ إلى النَّموذج الهجين، اضطرَّ الفريق الذي يضمُّ أكثر من 70 شخصاً، إلى اعتماد طرق التَّعاون عن بعد بكلّ إخلاص، كما تَقولُ إريكا مياسي، المديرة الإداريَّة بالشَّركة.
وهكذا أتقن فريق Small Girls PR فنَّ التَّفكير الجماعيّ على Slack من خلال تنظيم "عصف Slack" ضمن قناةٍ مخصَّصةٍ، حيث يتمُّ استخدام وثائق التَّفكير الجماعيّ غير المتزامنة كبديلٍ لاجتماعات العصف الذّهنيّ التَّقليديَّة، وعلى سبيل المثال، في عام 2023، كان عزم Taco Bell لإصدار علامة Taco Tuesday التّجاريَّة مصدر إلهام لعصف Slack، حيث شارك أعضاء الفريق في نقاشٍ حول كيفيَّة انضمام Jack in the Box، وهي سلسلةُ مطاعمِ وجباتٍ سريعةٍ في West Coast إلى هذه المحادثة، وهذا النّقاش تحوَّل إلى جلسةِ عصفٍ ذهنيٍّ في مستندِ Google1، ممَّا أدَّى إلى تبلور فكرة تقديم طلبٍ للحصول على علامة Taco Tuesnights التّجاريَّة.
خلال أيامٍ قدَّم الفريق طلباً للعلامة التجارية، ممَّا أدَّى إلى تحقيق 19 تغطيةٍ إعلاميَّةٍ، و448 مليون مشاهدةٍ، وإطلاق سلسلة حسوماتٍ جديدةٍ، وتقول مياسي: "لم يُسهم ذلك في تحقيق تغطيةٍ إعلاميَّةٍ واسعةٍ فحسب، والتي هي، بالطَّبع، مؤشّرنا الرَّئيسيّ للأداء كوكالة علاقاتٍ عامَّةٍ، بل كان له أيضاً تأثيرٌ تجاريٌّ حقيقيٌّ على العميل".
لكنَّ تعزيز العمل عن بعد المتعمد يشمل أيضاً تمكين المديرين وتدريبهم على كيفيَّة التَّعامل مع هذا النَّوع من العمل مع فرقهم، كما يُضيف سادو، ومع ذلك، تكشف بيانات Gallup أن 70% من المديرين يقولون إنّهم لا يمتلكون تدريباً رسميَّاً لقيادة فرقٍ هجينةٍ، ويقول سادو: "هذا نقاشٌ لم يكن على المديرين أن يجروه من قبل حقَّاً، وهو يتضمَّن كيف سيتحقَّق الفريق من تقدُّمه، ويحدّد الأهداف، ويتعاون أثناء العمل عن بعد، وتقع على المديرين الآن مسؤوليَّة هذا النِّقاش وثقافة فريقهم".