رمضان كنمط حياة: كيف تحافظ على توازنك طوال السنة؟
بالتّخطيط الواعي والعادات المُحكمة، يمكن للمهنيّين الحفاظ على الإنتاجيّة مع تحقيق التّوازن والرّفاهية، ليس في رمضان فحسب، بل على امتداد العام

رمضان ليس مجرّد شهرٍ للصّيام، بل هو زمنٌ للتّجديد الرّوحي والانضباط الذّاتي والتّأمل العميق. إلا أنّ تحدّياته ليست بالأمر الهيّن، إذ يواجه كثيرون تغيراً في أنماط النّوم، وتراجعاً في مستويات الطّاقة، فضلاً عن التّحدّي المتمثل في التّوفيق بين الالتّزامات المهنيّة والدّينيّة والاجتماعيّة، ممّا قد يجعل الحفاظ على الإنتاجيّة والاستقرار أمراً معقّداً.
في هذا السّياق، التّقت "عربية .Inc" بمدرّبتين متخصّصتين في التّطوير الشّخصيّ والمهنيّ، هما ندى صادر، المدربة الخبيرة في البرمجة اللّغويّة العصبيّة والذّكاء العاطفيّ، ومؤسّسة مركز العافية "ندى صادر ويلنس" في الإمارات، ونجود مجالي، المدربة المعتمدة في التّحوّل الشّخصي لدى شركة "فكرة للتحوّل الاستشاريّ" (Fikra Consulting Transformation) للاستشارات التّجاريّة.
استعرضت الخبيرتان كيف يمكن للمهنيّين، عبر التّخطيط الدّقيق وإجراء التّعديلات الاستراتيجيّة، الحفاظ على إنتاجيّتهم مع احترام روح رمضان. والأهمّ من ذلك، تؤكّد كلتاهما أنّ الشّهر الكريم، بما يتطلّبه من تأمّلٍ، وانضباطٍ، وكفاءةٍ عاليةٍ، يمكن أن يكون مدرسةً قيّمةً تقدّم دروساً تستمرّ فائدتها طيلة العام.
الموازنة الدّقيقة: التّكيف مع إيقاع رمضان
يشكّل التّغيير في الرّوتين خلال رمضان تحدّياً جسديّاً وذهنيّاً للمهنيّين، إذ تُعدّ فترة التّكيف الأوليّة هي الأصعب، كما توضّح كلٌّ من مجالي وصادر.
تقول مجالي: "كما هو الحال مع أيّ تغييرٍ في الرّوتين، فإنّ رمضان يفرض مرحلة تكيّفٍ في بدايته. يمكن أن تؤدّي التّحولات في مواعيد الوجبات، وأنماط النّوم، والهيكلة اليوميّة إلى نوعٍ من المقاومة، لا سيّما في الأيّام الأولى. بالنّسبة لكثيرين – وأنا منهم – يُعَدّ التّخلي عن الكافيين في البداية تحدياً حقيقياً!".
أمّا صادر، فتشير إلى أنّ تقليص ساعات العمل، رغم كونه ميزةً للصّائمين، قد يتحوّل إلى مصدرٍ للضّغط النّفسي، إذ تظلّ التّوقّعات المهنيّة ثابتةً رغم ضيق الوقت.
توضّح صادر: "في العديد من الدّول، تُعدَّل ساعات العمل خلال رمضان، ممّا يؤدّي إلى تقليل عدد ساعات الدّوام الرّسمي. قد يبدو هذا الأمر مفيداً في الظّاهر، لكنّه قد يفرض ضغطاً مضاعفاً، إذ يُتوقّع من الموظّفين إنجاز المهام نفسها في وقتٍ أقصر، ممّا يؤدّي إلى بيئة عملٍ متسارعة الإيقاع، وقد يؤثّر ذلك على جودة الأداء".
وتضيف: "مثل هذه التّغييرات تتطلّب إدارةً أكثر وعياً للوقت، وتستلزم مهاراتٍ تنظيميّة عالية للحفاظ على الإنتاجيّة وتحقيق التّوازن بين الحياة المهنيّة والشّخصيّة".
توافقها مجالي في الرّأي، مؤكّدةً أنّ رمضان يتحدّى فكرة ارتباط الإنتاجيّة بعدد ساعات العمل. وتقول:"قبل رمضان، اعتاد كثيرٌ من المهنيّين على العمل لساعاتٍ طويلة – أحياناً حتى وقتٍ متأخّرٍ من اللّيل – انطلاقاً من الاعتقاد بأنّ الإنتاجيّة تُقاس بعدد السّاعات التّي يقضونها في المكتب. لكنّ رمضان يعيد النّظر في هذا المفهوم، إذ يُثبت أنّ المرء قادرٌ على إنجاز أعماله في إطارٍ زمنيّ معقول، ثم الانفصال عن العمل، ليجد مهامه متماسكةً ومنظّمةً في اليوم التّالي".
وتُضيف أنّ تغيير الرّوتين قد يكون مُربكاً، لا سيّما لمن اعتادوا على فترات راحةٍ متكرّرة لشرب القهوة أو تناول الوجبات الخفيفة. لكنّها ترى أنّ الحل يكمن في تبنّي عقلية التّكيّف بدلاً من مقاومة التّغيير.
توضّح: "التّحدّي الأكبر في رمضان ليس جسديّاً فقط، بل هو عقليٌّ أيضاً. وكلّما أسرعنا في تقبّل التّغيير بإيجابيّةٍ، كان التّكيّف أكثر سهولةً. عندما نتوقّف عن التّركيز على ما نفتقده (كالقهوة أو الطعام)، ونوجّه تفكيرنا نحو الفوائد – مثل تحسين الانضباط الذّاتي، وإدارة الوقت الأكثر دقّةً، وتقليل الإرهاق النّاتج عن كثرة القرارات اليوميّة – نجد أنفسنا أكثر إنتاجيّةً وفعاليّةً".
كيف يمكن لعقلية رمضان أن تعيد التّوازن على مدار السّنة؟
(نجود مجالي، مدربة تحويل معتمدة في شركة "فكرة للتحول الاستشاري" (Fikra Transformative Consultancy). الصّورة بإذن من نجود مجالي)
بعيداً عن بيئة العمل، تُشير صادر إلى أنّ رمضان يفرض أيضاً التزاماتٍ اجتماعيّةٍ وأسريّةٍ متزايدة، ممّا يزيد من تعقيد مسألة التّوازن.
تقول صادر: "يرتكز رمضان على قيم الأسرة والمجتمع والأنشطة الرّوحيّة. وغالباً ما يجد المهنيّون أنفسهم أمام تحدٍّ حقيقي: كيف يوازنون بين مسؤوليّات العمل والتزاماتهم العائليّة، كتحضير وجبات الإفطار، أو حضور التّجمعات الدّينيّة والاجتماعيّة؟".
وتُضيف أنّ هذه الواجبات الإضافيّة قد تؤدّي إلى استنزاف مستويات الطّاقة، ممّا يجعل الحفاظ على الإنتاجيّة تحدّياً متزايداً.
أمّا فيما يتعلّق بالتّعب، فيتّفق كلٌّ من صادر ومجالي على أنّه أحد العوامل التّي تؤثر تأثيراً مباشراً في الأداء المهنيّ.
تقول صادر: "الصّيام من الفجر إلى المغرب قد يُسبّب إجهاداً جسديّاً، لا سيّما لمن لا يحصلون على قسطٍ كافٍ من النّوم بسبب السّهر للعبادات أو الاستيقاظ المبكّر للسحور. ونتيجةً لذلك، تتراجع مستويات الطّاقة على مدار اليوم، ممّا يؤثّر على التّركيز، واليقظة الذّهنيّة، والأداء العام في العمل".
أمّا مجالي، فتشير إلى أنّ تأثير رمضان يختلف باختلاف طبيعة المهنة وساعات الدّوام. وتوضّح: "بالطّبع، لا تتناسب كلّ الوظائف مع النّموذج التّقليديّ لرمضان. بعض المهن، مثل إدارة الفعاليّات أو الرّعاية الصّحيّة، تتطلّب العمل خلال أوقات الإفطار. غير أنّه حتى في هذه المجالات، يُلاحظ ازدياد روح الفريق والتّعاون، ممّا يُثبت أن تحقيق التّوازن بين العمل والحياة لا يعتمد فقط على عدد ساعات العمل، بل يتطلّب هيكلةً واعيةً وأسلوباً مقصوداً في إدارة المهام".
رمضان كمحفّز للنّمو والإنتاجيّة
يؤكد كلٌّ من صادر ومجالي أنّ الصّيام والجداول الزمنية المعدّلة خلال رمضان، رغم ما قد تفرضه من صعوبات، تُمثّل أيضاً فرصةً لإعادة تقييم الأولويات، وتعزيز الإنتاجية، وتنمية نهج أكثر توازناً وصحّة تجاه العمل.
بالنّسبة لـ صادر، فإنّ الجوانب الواعية والرّوحية لهذا الشّهر الكريم قد تكون دافعاً للإنتاجيّة، لا عائقاً أمامها. وتشرح ذلك بقولها: "بينما قد يعاني البعض من تراجعٍ في الإنتاجية نتيجةً للتعب، يجد آخرون أنّ الصّيام يُعزّز الوضوح الذّهني والتّركيز. فالوعي الذّي يولّده الصّيام، إلى جانب البساطة والهدف الرّوحي لرمضان، قد يساعد الأفراد على إعادة ترتيب أولوياتهم، ومواجهة مهامهم بعزيمةٍ وغايةٍ أكبر".
نجود مجالي، مدربة تحويلية معتمدة في Fikra Transformative Consultancy. الصورة مقدمة من نجود مجالي.
تتّفق معها مجالي، مشيرةً إلى أنّ الفوائد الذّهنية للصّيام تبدأ بالظّهور بمجرد تجاوز المرحلة الأوليّة من التّكيف. تقول: "بمجرّد أن يتكيّف الجسم مع غياب السكر والوجبات الخفيفة المتكرّرة، ويعتاد العقل على الإيقاع الجديد، يشعر الصّائم بإحساسٍ مفاجئٍ من الصّفاء الذّهنيّ، والتّركيز العميق، والانضباط الذّاتيّ".
ولا تقتصر فوائد رمضان على الجوانب الجسديّة والذّهنية فحسب، بل تمتدّ أيضاً إلى البُعد العاطفيّ والنّفسيّ، كما تؤكّد صادر ومجالي. بينما تسلّط صادر الضّوء على التّأثير العميق للصّيام في تعزيز الانضباط الذّاتيّ والنّمو الرّوحيّ، تشير مجالي إلى التّرابط الاجتماعيّ وروح الفريق التّي تنمو في بيئة العمل خلال الشّهر الكريم.
تقول صادر:
"الوعي الذّي يعزّزه الصّيام، إلى جانب البساطة والهدف الرّوحي لرمضان، يمكن أن يساعد الأفراد على ترتيب أولوياتهم، والانخراط في عملهم بروحٍ من العزيمة والغاية".
أما مجالي، فتُضيف أنّ رمضان يُعزّز إحساساً أقوى بالانتماء والمسؤولية المشتركة داخل بيئات العمل، مما ينعكس إيجاباً على الأداء العام والرّوح المعنوية للموظفين.
الموازنة بين العمل والرّوحانيات
ترى صادر أنّ التّوفيق بين الالتّزامات الرّوحية والمسؤوليات المهنيّة خلال رمضان ليس ممكناً فحسب، بل قد يكون تجربةً تحوّلية إذا تم تبنّيه بوعي.
توضّح قائلةً: "من خلال الموازنة الواعية بين هذين الجانبين من الحياة، مع إدراكٍ متعمّقٍ لأهمية الرّعاية الذّاتيّة. يمكن للمهنيّين تعزيز صحّتهم الجسديّة، والعقليّة، والرّوحية في آنٍ واحد".
ومن بين الأساليب الأساسيّة لتحقيق هذا التّوازن، تُشير صادر إلى أهمية تبنّي جداول عمل مرنة، كلما كان ذلك ممكناً. تقول: "تعتمد العديد من المؤسّسات سياساتٍ مرنة خلال رمضان، لكن بالنّسبة لأولئك الّذين لا تتوفّر لهم مثل هذه التّسهيلات، فإنّني أوصّي بإجراء تعديلاتٍ شخصيّة؛ كبدء يوم العمل في وقتٍ متأخّر قليلاً، أو تقليص بعض المهام، لخلق مساحةٍ أكبر للممارسات الرّوحية".
تُشدّد كلٌّ من صادر ومجالي على أنّ رمضان يُشجّع المهنيّين على أن يكونوا أكثر وعياً بأولوياتهم، وأكثر قصديّةً في تحديد الحدود المهنيّة والشّخصية.
تُشير مجالي إلى أنّ الإفطار ليس مجرد وقتٍ لتناول الطعام، بل هو علامةٌ طبيعية تفصل بين العمل والحياة الشّخصية، مما يُتيح للمهنيّين إعادة تقييم أنماط عملهم. تقول: "توقيت الإفطار يدفع النّاس إلى تركيز طاقاتهم وانتباههم، ممّا يجعلهم أكثر ميلاً إلى رفض المهام غير الضّرورية، كإجراء اجتماعاتٍ غير عاجلةٍ أو الانشغال بمهامٍ يمكن تأجيلها، والتّركيز فقط على ما هو جوهري".
وترى مجالي أنّ دمج العمل والرّوحانيّات لا يقتصر على إدارة الوقت، بل يتعلّق بالنّيّة في كلّ ما نقوم به. توضّح ذلك قائلةً: "الاعتقاد بأنّ العمل والرّوحانية متعارضان هو اعتقادٌ خاطئ. عندما يُمارس العمل بوعيٍ، يُصبح بحدّ ذاته نوعاً من العبادة. جوهر رمضان هو السّعي إلى تحقيق أقصى أداءٍ، والتّعامل بأخلاق، ومعاملة الزّملاء بلطفٍ، والمساهمة بفعاليّة في المجتمع المهنيّ".
ندى صادر، مدربة تحمل ماجستير في البرمجة اللغوية العصبية والذكاء العاطفي في Nada Sader Wellness. الصورة مقدمة من ندى صادر.
وتُضيف أنّ المسؤوليّات المهنيّة لا ينبغي اعتبارها عائقاً أمام الرّوحانيّة، بل يمكن أن تكون امتداداً لها، ممّا يعزّز نهجاً قائماً على الغاية والمعنى في كلٍّ من العمل والعبادة. وتختم مجالي قائلةً: "رمضان يمنحنا فرصةً لتجربة كيف يمكن للانضباط الذّاتي والوعي الذّهنيّ والصّبر أن يصبحوا جزءاً من حياتنا اليوميّة، سواءً داخل العمل أو خارجه".
تعظيم الإنتاجيّة والرّفاهية خلال رمضان وما بعده
تُشدّد مجالي على أنّ إدارة الوقت بذكاءٍ هي المفتاح لتجاوز التّحديات التّي قد يفرضها رمضان، مؤكدةً أنّ التّخطيط الجيّد يتيح تحقيق أقصى استفادةً من الشّهر الكريم.
تقول: "مع زيادة الالتّزامات الاجتماعية، مثل تجمّعات الإفطار والسّحور، يُصبح التّخطيط المسبق وإدارة الوقت بوعيٍ أمراً ضروريّاً للحفاظ على الإنتاجيّة دون الشّعور بالإرهاق".
وتُضيف: "لضمان الحفاظ على الأداء المهنيّ دون الوقوع في فخّ الإجهاد، من المهم تنسيق ساعات العمل العميق مع فترات الذّروة في التّركيز واليقظة". من جهتها، تُوصي صادر بإدارة المهام بعناية لضمان تحقيق الكفاءة دون استنزاف الطاقة.
تقول: "تقسيم المهام إلى أجزاءٍ أصغر، وتحديد أهدافٍ واقعيّة، يُساعد على إنجاز العمل بطريقةٍ أكثر سلاسة، ودون الإحساس بالضّغط أو الإرهاق".
وتوافقها مجالي، مشدّدةً على ضرورة الحدّ من الاجتماعات غير الضّرورية، واعتماد منهجيةٍ أكثر تبسيطاً في التّواصل المهني. تقول: "مع تقصير ساعات العمل، يُصبح تحديد الأولويّات أكثر أهميّةً من أي وقتٍ مضى. تقليل الاجتماعات غير الضّرورية، والاعتماد على وسائل اتّصالٍ أكثر كفاءةً، يُساعدان في الحفاظ على مستوىً إنتاجيّ عالٍ دون إثقال كاهل الموظفين".
كما تُشير إلى أهمية تجميع المهام وتفويضها، مما يُساعد على الحفاظ على التّركيز وتقليل الإرهاق الذّهنيّ. أمّا صادر، فتُبرز أهمية فهم مستويات الطّاقة خلال الصّيام، ومواءمة جدول العمل وفقاً لها. تقول: "يؤثّر الصّيام على مستويات الطّاقة البدنيّة والعقليّة، لذا من الضّروري تنسيق العمل مع أوقات الذّروة الطّبيعيّة للتّركيز. على سبيل المثال، يُعدّ الصّباح الباكر بعد السّحور مثاليّاً لإنجاز المهام الّتي تتطلّب تفكيراً عميقاً، في حين يُفضَّل تخصيص فترة ما بعد الظّهر للمهام الأخف الّتي تتطلّب جهداً عقليّاً أقل". وتُؤكّد على أهميّة التّفويض مع التّعاطف، موضّحةً أنّ اللّجوء إلى الدّعم يُتيح للفرد التّركيز على المهام الأكثر أهميّة. وتقول: "الاعتراف بأنّك بحاجة إلى الدّعم ليس ضعفاً، بل هو مهارةٌ أساسيّةٌ في إدارة الوقت والطّاقة. توزيع المسؤوليات – سواءً في العمل أو المنزل – يُساهم في تحقيق التّوازن بين الالتّزامات، دون التّضحية بالرّفاهية الشّخصية".
الحفاظ على الطّاقة والتّركيز أثناء الصّيام
تؤكّد صادر أنّ مفتاح الحفاظ على التّركيز واليقظة طوال اليوم أثناء الصّيام يكمن في الرّاحة الكافية والتّغذية السليمة. توضّح ذلك قائلةً: "البقاء نشطاً ومنتجاً خلال ساعات العمل الطّويلة بدون طعامٍ أو ماءٍ – خاصةً أثناء الصّيام في رمضان – يتطلّب مقاربةً شاملةً تهتمّ بالجسد والعقل والرّوح معاً". وتُشير إلى أنّ النوم الجيد، والتّرطيب، والوجبات المغذّية في السّحور والإفطار كلّها عوامل حاسمةٌ تساعد في الحفاظ على الطّاقة طوال اليوم.
من جهتها، تؤكّد مجالي على أهميّة الأكل الواعي في منع انخفاض الطّاقة المفاجئ خلال النّهار. تقول: "وجبة سحور غنيّةٍ بالبروتين والدّهون الصّحيّة تُساعد على الحفاظ على مستويات طاقةٍ مستقرّة، بينما يُسهم تقليل استهلاك السّكر والكربوهيدرات المكرّرة في منع تذبذب الطّاقة وتجنّب الإرهاق المفاجئ".
وتوافقها صادر الرّأي، مُشدّدةً على أهمية العناية بالصّحّة الجسديّة كعاملٍ أساسيّ في الحفاظ على الأداء خلال النّهار. تقول: "الصّيام قد يكون مُرهقاً للجسد، لذا من الضّروري الحفاظ على ترطيبٍ كافٍ، وتناول وجبات متوازنة، واتباع روتين نومٍ صحّيّ".
وتُضيف: "التّغذيّة الجيدة والرّاحة العميقة لا تُساعد فقط في استعادة النّشاط، بل تضمّن أيضاً أن يبقى المهنيّون منتجين وقادرين على العمل بكفاءة، مع احترام الجوهر الرّوحاني لشهر رمضان".
إلى جانب العناية بالجسد، تُشير كلٌّ من صادر ومجالي إلى أن إدارة التّوتر والحفاظ على التّوازن العاطفيّ عنصران رئيسيان في استراتيجيّات الحفاظ على الإنتاجيّة. تقترح صادر دمج تقنيات التّنفس العميق، وأخذ فترات راحةٍ قصيرة، وإدخال بعض الحركة خلال اليوم، ممّا يُساهم في الحفاظ على التّركيز وتقليل الإرهاق.
أمّا مجالي، فتوصّي بعدم إهمال النّشاط البدنيّ خلال رمضان، مؤكّدةً أنه حتّى أبسط الحركات قد يكون لها تأثيرٌ إيجابيٌّ على الطّاقة والمزاج. تقول صادر: "قد يُسبّب الصّيام أحياناً الشّعور بالتّصلّب الجسديّ أو الإرهاق نتيجة الجلوس لفتراتٍ طويلة. لذا، فإنّ إدراج تمارين تمدّدٍ بسيطة أو القيام بحركاتٍ واعية خلال اليوم يُمكن أن يُقلّل من الإجهاد البدني، ويُعيد النشاط الذّهنيّ".
وتُبرز مجالي أهمية التّكيّف مع التّغييرات، قائلةً: "قد تبدو الأيام الأولى من رمضان مُرهقةً، لكن مع الوقت، يعتاد الجسد والعقل على النّمط الجديد، ممّا يجعل التّكيف أسهل وأكثر سلاسة".
اليقظة وإدارة التّوتر
ترى صادر أنّ دمج تقنيّات اليقظة الذّهنية (Mindfulness) ضروريٌ لمواجهة تحديات الصّيام، إذ يساعد في الحفاظ على صفاء الذّهن والمرونة العاطفيّة.
تُوضّح ذلك بقولها: "يمكن أن يكون الصّيام مُجهداً جسديّاً وعقليّاً، لذا فإن تبنّي ممارسات تعزّز الوضوح الذّهنيّ، وتقوّي المرونة العاطفيّة، وتدعم الرّفاهية العامّة، يُحدث فارقاً كبيراً".
ومن بين الاستراتيجيّات التّي تُوصي بها:
- التّنفس العميق، الذّي يُساعد على تهدئة الجهاز العصبيّ وزيادة تدفّق الأكسجين إلى الدّماغ.
- استرخاء العضلات التّدريجيّ، مما يُخفّف التّوتر الجسديّ.
- التّأمل، الذّي يُساهم في تحسين التّركيز وتقليل الضّغط النّفسيّ.
وتُضيف: "هناك تقنيّةٌ سريعة يمكن للمهنيّين الاستفادة منها تُعرف بطريقة التّنفس 4-7-8، حيث يتم الشّهيق لمدة أربع ثوانٍ، ثم حبس النّفس لسّبع ثوانٍ، وأخيراً الزّفير ببطء خلال ثماني ثوانٍ. القيام بهذه الدّورة لعدّة مرات يساعد في تهدئة العقل، وتقليل التّوتر، وتعزيز الصّفاء الذّهنيّ".
وبدورها، ترى مجالي أنّ رمضان يُمثّل فرصةً للتّأمل الذّاتي وإعادة تقييم الأولويات. تقول: "رمضان ليس مجرّد فترة صيام، بل هو ممارسة لليقظة الذّهنية والانضباط والتّواصل الرّوحي". وتُضيف أن الصّلاة وممارسة الامتنان تُعدّان من أفضل أدوات اليقظة التّي تساعد المهنيّين على إعادة ضبط تركيزهم، وإدارة التّوتر بطريقةٍ طبيعيّة طوال اليوم.
وتُشجّع على تغيير طريقة التّفكير تجاه الصّيام، قائلةً: "بدلاً من اعتبار الصّيام تحدّياً مُرهقاً، يمكن إعادة تأطيره كأداةٍ للانضباط الذّاتي، والتّحكم في العادات، وتعزيز الصّحة العامة، مما يجعله تجربةً أكثر قيمةً وإثراءً".
وفي هذا السّياق، يُشدّد كلٌّ من مجالي وصادر على ضرورة تبنّي توقعاتٍ واقعية، وممارسة التّعاطف مع الذّات.
تقول مجالي: "لن تكون جميع الأيام سلسةً – بعض الأيّام ستكون أكثر صعوبةً من غيرها. بدلاً من السّعي وراء الكمال، فإن تقبّل التّقلبات الطّبيعيّة يُسهّل عملية التّكيف، ويُخفّف من الضّغط النفسي". وتُكرّر صادر هذه الفكرة، مُوجّهةً رسالةً إلى المهنيّين تدعوهم فيها إلى ممارسة اللّطف مع أنفسهم خلال رمضان.
تقول: "قد يكون الصّيام تحديّاً كبيراً، ومن المهم أن تتحلّى بالرّحمة تجاه نفسك عندما تشعر بالإرهاق الجسديّ أو العاطفيّ". وفي نهاية المطاف، تُذكّر كلٌّ من صادر ومجالي بأن رمضان رحلةٌ نحو التّوازن، تتطلّب الوعي، والقصدية، والرّعاية الذّاتية.
تختتم مجالي بقولها: "السّلام الدّاخلي لا يأتي من محاولة التّحكم بكل شيء، بل من القدرة على الوثوق بالعمليّة، والإيمان بأنّ كلّ شيءٍ يسير وفق التّوقيت الصّحيح".
الدّروس المستفادة من رمضان
تُشدّد كلٌّ من صادر ومجالي على أن دروس رمضان لا ينبغي أن تقتصر على هذا الشّهر، بل يجب أن تمتد إلى ما بعده، حيث تُقدّم رؤىً قيّمة حول الانضباط، واليقظة، وإيجاد التّوازن بين العمل والحياة الشّخصية.
توضح صادر ذلك قائلةً:
"يُعلّمنا الصّيام أهمية الهيكلة والتّنظيم، وهي مهارات يمكن تطبيقها في مجالات أخرى، مثل إدارة الوقت وتحديد الأهداف".
وتُضيف:
"بعد رمضان، يمكن للمهنيين الحفاظ على هذا الانضباط من خلال وضع أهدافٍ واضحة، وتبنّي تقنيات الإنتاجية الذّكية، والتّركيز على تحقيق أفضل النتائج بأقل مجهود".
وتُبرز أهمية التّوازن اليومي، قائلةً: "ليس الهدف فقط تخصيص وقتٍ للعمل، بل ضمان وجود مساحةٍ للرّاحة، والرّعاية الذّاتية، والتّواصل العائليّ".
وتُضيف: "حتى بعد انتهاء رمضان، يمكن أن تظل ممارسات مثل التّأمل والتّنفس الواعي أدواتٍ فعالة لتقليل التّوتر، وتعزيز الوضوح الذّهني، وتحقيق التّوازن بين الإنتاجية والرّفاهية".
أمّا مجالي، فتؤكّد أن رمضان يضع خارطة طريق لحياة أكثر وعياً واتزاناً على مدار العام. وتقول: "يثبت رمضان أنّه لا ينبغي للعمل أن يُسيطر على حياتنا بالكامل، وأن وضع حدودٍ صحية يُتيح لنا التّفاعل مع الآخرين بمزيدٍ من المعنى والوضوح".
وتُشجّع المهنيين على حمل هذه العقلية معهم طوال العام، من خلال التّركيز على الأولويات وتقليل المشتّتات. وتُضيف: "يُعلّمنا رمضان كيف نكون أكثر حضوراً – وعندما نكون حاضرين بالكامل، نصبح أكثر كفاءةً وإبداعاً ووضوحاً في أهدافنا".
وفي الختام، ترى كلٌّ من صادر ومجالي أن الامتنان والتّأمل الذّاتي يُمكن أن يكونا مفتاحاً لحياةٍ مهنيّة أكثر توازناً وإشباعاً. تقول صادر: "يُذكّرنا رمضان بقيمة الصّحة، والعائلة، والوقت، ويمكننا الحفاظ على هذه القيم من خلال ممارسة الامتنان يومياً".
وتختم مجالي قائلةً: "رمضان ليس مجرد صيامٍ عن الطّعام، بل هو رحلةٌ لتحسين الذّات. أولئك الذّين يستغلّون هذا الشّهر لتطوير عاداتٍ أكثر صحّة، سيجدون أنفسهم أكثر قوةً وإنتاجيّةً حتى بعد انتهائه".