كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيق خدمة العملاء في شركتك؟
تجنب الوقوع في الفخ عند الجري نحو استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة العملاء، بتقييم أدواتك.
مع توجّهِ الشّركاتِ المتزايدِ نحو تحقيقِ تواصلٍ دقيقٍ وسلسٍ مع العملاءِ، لتحقيقِ زخمٍ في السّوقِ، تزايد اعتمادها على الذّكاء الاصطناعيّ. خاصةً مع التّطوراتِ الحاليّةِ في مجالِ الذّكاءِ الاصطناعي، تحديداً مع القفزةِ النّوعيّةِ الملحوظةِ في ميدانِ معالجةِ اللّغةِ. [1]
لكنّ الجري السّريع نحو اعتناقِ الذّكاء الاصطناعيّ دون فهمٍ شاملٍ واستخدامه بشكلٍ غير صحيح في خدمةِ العملاء قد يؤدّي إلى الوقوعِ في فخاخٍ قد لا تكون واضحةً في البدايةِ. وقد تكمنُ تفاصيلُ الخطرِ على السّمعةِ في النّقائصِ الدّقيقةِ في الاتّصالِ، وقد لا تظهرُ الفروقُ في التّفاعلاتِ بين العملاءِ المحتملين وروبوتات الدّردشة الذّكيّة بشكلٍ كبيرٍ حتّى بعد وقوعِ الضّررِ.
بالنّسبةِ لأصحابِ الأعمالِ والمستثمرين، يُمكن أن يوفّرَ فهمٌ عميقٌ وشاملٌ للذّكاءِ الاصطناعيّ ميزةً تنافسيّةً، وأن يؤثّرَ في كيفيّة توظيفِ واستخدامِ الذّكاءِ الاصطناعيّ في أعمالهم.
قصور الذكاء الاصطناعي في النماذج الحالية
رغم أنّ نماذجَ مثل GPT تعتبرُ رائعةً في مجالِ معالجةِ اللّغةِ الطبيعيّةِ، إلّا أنّ كفاءتها تقتصرُ على النّطاقِ الإحصائي وليست حدسيّة. إذ تستطيعُ أن تسترجعَ وتعيدَ صياغةَ النّصوصِ بناءً على النّماذجِ المحدّدةِ، ولكنّها عادةً ما تجد صعوبةً في السيناريوهات التي تحتاجُ إلى استنتاجاتٍ بشريّةٍ.
تشيرُ الأبحاثُ إلى عدمِ كفاءةِ GPT في حلِّ المشكلاتِ، خصوصاً في المجالاتِ الّتي تتطلّبُ الفهمَ العامَ. فقد أظهرت دراسةٌ تقلّباتٍ في الدّقة بين 40% إلى 75% على مجموعاتٍ متنوّعةٍ من بياناتِ الأسئلةِ والأجوبةِ التي تتطلّبُ الفهمَ العامَّ. وغالباً ما يغفلُ GPT التّفاصيلِ الدّقيقةِ، معتمداً بشكلٍ كبيرٍ على النّماذجِ الإحصائيّةِ. [2]
لكي تحاكي GPT الحوارَ البشريّ، يتوجّب عليها فهم التّجاربِ البشريّةِ المشتركةِ، والسّياق، والتّفاصيل الثّقافية. وألّا يقتصر الأمرُ على المحتوى، بل يتجاوزه إلى النّيّة والعقلانيّة الّتي تكمنُ وراءَ الحوارِ. خاصةً وأنّ الصّعوبةَ الرّئيسيّةَ لـ GPT تكمنُ في تجاوزِ هذه الفجواتِ في فهمِ اللّغةِ.
عندما تتجّهُ الشّركاتُ النّاشئةُ نحو مجالِ الذّكاءِ الاصطناعيّ دون فهمٍ كافٍ، يُمكن أن يؤدّي ذلكَ إلى استخدامٍ غير مقصود، والذي قد يكون له تأثيرٌ ضارٌّ بشكلٍ كبيرٍ على خدمةِ العملاءِ، وإليك نظرةً أعمق:
التفسير الخاطئ
كما ذكرنا سابقاً، قد تفسّر نماذج مثل GPT العبارات العاميّة أو التّعبيرات الثّقافية بشكلٍ خاطئٍ. وتمتدُّ هذه المشكلة إلى مجموعةٍ من الأمثالِ والمصطلحاتِ الخاصّةِ بالصّناعاتِ. فتفسيرُ مصطلحٍ ماليٍّ أو مصطلحٍ طبيٍّ بشكلٍ خاطئٍ، على سبيل المثال، يُمكن أن يؤدّي إلى تقديمِ نصيحةٍ أو إرشادٍ خاطئٍ، وهو ما يُمكن أن يؤثّرَ سلباً على تفاعلاتِ العملاءِ ويسببَ ضرراً للسّمعةِ.
فهم غير كامل للسياق في الحوارات
بصرفِ النّظرِ عن تقديمِ ردودٍ خارج السّياق فحسب، يُمكن أن تتسبّبَ إمكانيّةُ عدم فهمِ الذكاء الاصطناعي للسّياقِ الأوسع في تعطيلِ فعاليّةِ الخدمةِ. على سبيلِ المثالِ، قد يُقدّم المستخدمُ تفاصيلاً مجزّأةً عبر سلسلةٍ من التّفاعلاتِ، بينما يتوقّع العميلُ من النّظامِ ربطَ معطياته ببعضها. سيشعرُ بالإحباطِ، عندما لا يمسكُ الذّكاء الاصطناعيّ بجوهرِ الحوارِ، ويجبرُ العميلَ على إعادةِ المعطيّاتِ مرّةً أخرى.
التفاعلات الشخصية الباردة
قد يُعاني الذّكاء الاصطناعيّ الذي يفتقرُ للفهمِ السّياقي أو الحسّ السّليم من القدرةِ على استبدالِ اللّمسةِ البشريّةِ التي تكون غالباً مطلوبةً في الحالاتِ الحسّاسةِ. وقد يُظهرُ الذّكاء الاصطناعيّ الذي يستجيبُ لعميلٍ متضايقٍ كشخصٍ باردٍ أو غير مكترثٍ، بغضِّ النّظرِ عن دقّة استجابتهِ.
التقليل من قيمة العلامة التجارية وهويتها
تسعى الشّركاتُ النّاشئةُ جاهدةً لبناءِ هويّتها التّجاريّةِ، وهذا يشملُ النبّرةَ وأسلوبَ التّواصلِ المتّبعِ مع العملاءِ. وفي حالِ لم يتم تهيئة الذّكاءِ الاصطناعيّ بدقةٍ عاليةٍ، قد يظهرُ في التّواصلِ بأسلوبٍ لا يتناغمُ مع صوتِ العلامةِ التّجاريةِ، مما يُمكن أن يضعفَ من هويّةِ الشّركةِ.
كقائدِ أعمالٍ، لا داعي لليأسِ، فالتطوّراتِ التّكنولوجيّة مستمرةٌ في معالجةِ الثّغراتِ الحاليةِ. وإليك بعض الخطواتِ التي يُمكن اتّباعها:
- إعادةُ تقييمِ أدواتِ الذّكاء الاصطناعيّ الحاليّة: يجدرُ بكَ تقييمُ الأدواتِ التي تعتمدُ على الذّكاءِ الاصطناعيّ في خدمةِ العملاءِ بنقدٍ بنّاءٍ. هل هناك مشكلةّ في المنطقِ السّليم؟ هل هناك تفسيراتٌ خاطئةٌ أو فهمٌ غير دقيقٍ لاستفساراتِ العملاءِ تحدثُ بشكلٍ متكرّرٍ؟
- دمجُ قواعدِ المعرفةِ المنهجيّةِ: يُمكن لنماذجِ الذّكاء الاصطناعيّ المحسّنة بواسطةِ رسوماتِ المعرفةِ والأنطولوجيات المنهجيّةِ أن تجعلَ العقلانيّة أكثر سياقيةً. توضّح رسوماتُ المعرفةِ العلاقاتِ بين الكياناتِ باستخدامِ العقدِ والحوافِ، بينما تقوم الأنطولوجيات المنهجيّة بتصنيفِ وتحديدِ المفاهيمِ بشكلٍ هرميٍّ. ويُمكن لنماذجِ الذّكاء الاصطناعيّ، التي تدمجُ هذه العناصر، الوصولَ إلى معلوماتٍ منهجيّةٍ ومترابطةٍ، مما يُزيّن فهمها السّياقيّ، وبالتّالي يُمكن أن يحسّنَ من قدرتها على التّمييز بين اللّغة الحرفيةِ والمجازيّةِ، ممّا يُعزّز دقّة استجاباتها.
- الاستثمارُ في نماذجِ الذّكاءِ الاصطناعيّ ذات العقلانيّةِ السياقيّة: تحقّق النّماذجُ الحديثةُ التي تركّز على التّمثيلِ السّياقي تقدّماً ملحوظاً، مما يتيحُ استدلالاً أدقّ وتقليلًا للفجواتِ في الحسّ السّليمِ. تبرز الخطوات الزلاغية العرضية للذّكاء الاصطناعي، سواء في تفاعلات العملاء أو في مهامٍّ أخرى، ضرورةُ دمجِ الرّؤى التي قدّمها رونالد براشمان بشأنِ هشاشةِالذّكاءِ الاصطناعيّ بدون حسٍ سليمٍ من خلالِ كتابهِ، الآلاتُ مثلنا: نحو الذّكاء الاصطناعيّ بحسٍّّ سليمٍ (نشر MIT، 2022).
غالباً ما تتخلّلُ النّقاشاتُ حول الذّكاءِ الاصطناعيّ مبالغاتٍ عديدةٍ. في هذا الزّمنِ، تتسابقُ الشّركاتُ في سبيلِ تطويرِ نماذجٍ متقدّمةٍ للذّكاءِ الاصطناعيّ، لأنّه لا يعدّ حلّاً سحريّاً في كلِّ الحالاتِ. وهذا ينطبقُ على كلّ التّقنياتِ الابتكاريّةِ الّتي تهدفُ إلى إعادةِ تشكيلِ مشهدِ الصّناعةِ. الأمرُ الهامُّ حقّاً هو الاطّلاعُ المستمرُّ، فهناك معلوماتٌ جديدةٌ تظهرُ بشكلٍ يوميٍّ، وإذا كنتَ تطمحُ إلى تحقيقِ النّجاحِ من خلالِ دمجِ تقنيّةً أو أكثر من تقنيّاتِ الذّكاءِ الاصطناعيّ في نشاطكَ التّجاريّ، فمن الضّروريّ متابعةُ الأحداثِ الجديدةِ وراءَ الإثارةِ المحيطةِ بها.
يتطلّبُ الانخراطُ في نهجٍ مبنيٍ علىالذّكاءِ الاصطناعيّ مزيداً من الحماسِ والحذرِ على حدٍّ سواء. من الضّروريّ تذكيرُ نفسكَ بأنّه مع كلِّ التّسهيلاتِ التي توفّرها التّكنولوجيا، يظلّ الجوهر في خدمةِ العملاءِ يُكمن في التّواصلِ الصّادقِ، والتّعاطفِ والدقّةِ. إذ إنّ إيجادَ التّوازنِ بين الذّكاء الاصطناعيّ واللّمسة البشريّة الّتي لا يُمكن تجاوزها هو العاملُ الأساسيُّ لنجاحِ المؤسّسات الّتي تعتمدُ على العملاءِ في المستقبلِ.