كيف تجعل التّقييم السّنوي أداةً لتعزيز النّمو المهنيّ؟
عن أهمية التّحضير الواعي للتّقييمات السّنويّة، وكيف تحوّل هذه المحادثات من إجراءٍ روتينيٍّ إلى فرصةٍ لتعزيز النّمو والتقدير المتبادل
منذ سنواتٍ، عندما كنت مديراً قليل الخبرة، وعندما حان وقت التّقييم السّنويّ في التّقويم، كنت أستعدّ للمحادثات مع الموظّفين بسرعةٍ. كان تحضيري يتلخّص في التّفكير في من يحقّق أداءً جيّداً ومن يواجه صعوبةً، وتحديد الرّسائل الرّئيسيّة الّتي أردت توجيهها لهم، بالإضافة إلى تحديد موعد الاجتماع. وكانت اللّحظة الأهمّ بالطّبع هي إخبارهم بزيادة الرّاتب السّنويّة و/أو المكافأة. كانت تلك هي الرّسالة النّهائيّة، أليس كذلك؟
لكنّني تعرّضت للإحراج خلال أحد التّقييمات السنويّة الأولى لي مع أحد أفضل الموظّفات، عندما قدّمت لي تقريراً يحتوي على نقاطٍ تلخّص إنجازاتها وصعوباتها طوال العام. لم أكن قد خصّصت الوقت لإعداد قائمةٍ مماثلةٍ، بل نسيت العديد من إنجازاتها حتّى رأيتها مكتوبةً. وركّزت محادثتنا على مناقشة التّفاصيل الّتي قدّمتها. بدلاً من إجراء محادثةٍ عامّةٍ وعابرةٍ، كما خضنا نقاشاً أكثر فائدةً. ونتيجةً لهذا النّقاش، قرّرنا عقد اجتماعاتٍ رسميّةٍ بشكلٍ أكثر تكراراً، ووضعنا لها خطّةً واضحةً للنّموّ والتّطوّر. والأهمّ من ذلك، أنّها شعرت بأنّها "مُلاحظةٌ" وأنّ مجهوداتها كانت محلّ تقديرٍ.
في الحقيقة، غيّرت تلك المحادثة الطّريقة الّتي كنت أتعامل بها مع التّقييمات. في بداياتي، كنت أتعامل مع التّقييمات السّنويّة كما لو كانت من آخر أولوياتي، خاصّةً في نهاية العام عندما كنت مشغولاً بالمسؤوليات الأخرى. لكنّ اتضح لي أنّها أداةٌ إداريّةٌ مهمّةٌ جداً. حيث قد تكون تلك المحادثة مع الموظّف واحدةً من أكثر اللّحظات تأثيراً في العام. وكما تعلّمت من هذه التّجربة، لن تحقّق هذه الفائدة إلّا إذا خصّصت الوقت الكافي للتّحضير لها بشكلٍ جيّدٍ.
إليك ما تعلّمته على مرّ السّنين عن أفضل طريقةٍ للتّحضير لإجراء التّقييمات السّنويّة وإدارتها:
اطلب من موظّفيك إعداد تقييمٍ ذاتيٍّ مسبقاً
إذ يجب أن يتضمّن هذا التّقييم ملخّصاً لعامهم، بالإضافة إلى نقاطٍ تلخّص إنجازاتهم وصعوباتهم. وستعمل أنت على مقارنة تقييمهم مع تقييمك الخاصّ، ممّا يساعدك على تحديد مدى توافق آرائكم، وقد يمنّحك الفرصة لتعديل مسار المحادثة أو إعادة النّظر في ملخّصك إذا كان قد فاتك شيءٌ يجب أن تأخذه في الاعتبار.
إعداد قائمةٍ بالنّقاط الرّئيسيّة الّتي تريد تناولها
عندما تدخل الغرفة لإجراء المحادثة، قد تجد نفسك تركّز على بعض النّقاط، أو تخرج عن الموضوع إذا لم يكن لديك "نصٌّ" يساعدك على التّذكّر. لا حاجة لكتابة نصٍّ كاملٍ، لكنّني وجدت أنّه من المفيد أن تفكّر مسبقاً في أفكارك الافتتاحيّة والختاميّة لضمان توجيه الرّسالة بالشّكل الصّحيح. على الأقلّ، يجب أن تكون لديك قائمةٌ بالنّقاط المهمّة الّتي ترغب في تغطيتها.
وإذا كنت تتوقّع ردّ فعلٍ سلبيّاً على بعض الملاحظات الّتي تريد تقديمها، قد يكون من المفيد أن تتدرّب على كيفيّة الرّدّ حتّى لا تشعر بالتّوتّر في تلك اللّحظة. وإحدى أهمّ النّصائح الّتي تعلّمتها على مرّ السّنين هي التّأكّد من أنّ الشّخص يعرف أنّك قد سمعت ما قاله. ففي بعض الأحيان، يساعد إعادة صياغة كلام الشّخص بأسلوبٍ مختلفٍ في تهدئة أيّ غضبٍ قد يشعر به، لأنّه يعلم أنّك تستمع جيّداً إلى وجهة نظره.
اطلب منهم أن يقصّوا عليك أهمّ إنجازاتهم
يمكنك أن تجعل المحادثة أكثر تشويقاً لكليكما، وتمنح موظّفك فرصةً ليشعر بأنّه مقدّرٌ، من خلال طلبك أن يروي لك القصّة عن أبرز نجاحاته وأسباب تحقيقها خلال العام.
فكما يقول رون كاروتشي، الشّريك الإداريّ في استشارات التّغيير التّنظيميّ والقيادة "نفالينت" (Navalent) ومؤلّف كتاب "كن صريحاً" (To Be Honest): "اطلب من موظّفك أن يروي لك الجوانب الّتي لم تكن لتراها – مثل الصّعوبات، والتّحدّيات، والنّكسات، والشّكوك الّتي واجهها أثناء سعيه لتحقيق الإنجاز. فلا شيء يعزّز قيمة الأشخاص وأعمالهم بشكلٍ أقوى من سماع القصّة الكاملة وراء إنجازاتهم".
كن صريحاً في تقديم النّقد
في بداياتي كمديرٍ، كنت أفتقر إلى الخبرة في تقديم الملاحظات النّقديّة بشكلٍ صحيحٍ. كنت أخفّف من حدّة انتقاداتي باستخدام عباراتٍ مثل: "ربّما لم أكن واضحاً" أو "أعلم أنّ لديك الكثير من الأمور الّتي تشغل بالك". في إحدى المرّات، قمت بفصل موظّفٍ بينما أحطت الرّسالة بكلمات مجاملةٍ. كانت رسالتي مشوّشةً إلى درجةٍ أنّني متأكّدٌ من أنّه عندما غادر مكتبي، دون أن يعلم السّبب وراء فصله. (تدخّل قسم الموارد البشريّة بسرعةٍ لضمان توصيل الرّسالة بوضوحٍ).
رغم صعوبة تقديمها، إلّا أنّ الملاحظات الواضحة والمباشرة تعتبر أكثر عدلاً لموظّفك على المدى الطّويل. فعندما يفهم الموظّف بوضوحٍ المجالات الّتي يحتاج للتّحسين فيها، سيكون لديه فرصةٌ حقيقيّةٌ للتّحسّن. يقول كاروتشي: "إخفاء المعلومات الّتي يمكن أن تساعد الأشخاص على التّحسّن ليس تصرّفاً طيّباً؛ بل هو قسوةٌ وأنانيّةٌ. وإذا وضعت شعورك بعدم الرّاحة من المواجهة قبل احتياجاتهم للنّموّ والتّحسّن، فأنت بذلك تخبرهم أنّ المصلحة الذّاتيّة مقبولةٌ".
لكن لا تقتصر على سرد قائمةٍ من الانتقادات فقط، بل قدّم أمثلةً محدّدةً على الإنجازات الإيجابيّة والمجالات الّتي تحتاج للتّحسين. وإذا كان هناك احتمالٌ لأن يتفاجأ أحدهم بملاحظاتك — على سبيل المثال، إذا كنت تخطّط لذكر أمرٍ حدث منذ خمسة أشهرٍ، ولم تناقشه في حينه — توقّع أن يكون دفاعيّاً. حيث ينصح كاروتشي بقوله: "تحمّل المسؤوليّة عن تأخّرك في طرح الموضوع حينها، ولكن ناقشه بهدف التّحسين في العام المقبل".
اسأل عمّا يمكنك فعله لتحسين أدائك كمديرٍ لهم
يجب أن تمنح الموظّف فرصةً لتقديم ملاحظاتٍ حول أداءك كمديرٍ خلال المحادثة في التّقييم السّنويّ الفعّال. فكما يقول كاروتشي: "اطلب منهم تقديم ملاحظاتٍ حول كيفيّة تحسين قيادتك لهم في العام المقبل". فيجب أن تساوي بين الطّرفين، وتجعل المحادثة مفيدةً لكليكما. إذا كنت تجد صعوبةً في تقديم الملاحظات لشخصٍ ما، فاعتبر ذلك علامةً على أنّ علاقتك به ليست قويّةً بما يكفي لاستيعاب المعلومات المهمّة وتحديد الأهداف معاً من أجل تقويتها في العام المقبل".
حدّد مسار النّموّ للعام المقبل
تأكّد من متابعة ما تمّ مناقشته بشأن خطط العام المقبل. كما يجب أن تتضمّن عمليّة التّقييم الجيّدة نتائج واضحةً ومفيدةً لكلا الطّرفين: المدير والموظّف.
وفي وقتٍ سابقٍ، بعد أن أخبرت موظّفاً شابّاً بأنّ زيادة راتبه ستكون أقلّ ممّا توقّع، وافقت بشكلٍ غير رسميٍّ على مراجعة الموضوع بعد ستّة أشهرٍ. لكنّني سرعان ما نسيت هذا الوعد بسبب انشغالي بالمسؤوليّات اليوميّة. وعندما قدّم استقالته بعد مرور تلك السّتّة أشهرٍ، فوجئت تماماً. وعندما ذكّرني بعدم الوفاء بوعدي، أصبح من الواضح أنّه شعر بالمرارة بسبب ذلك.
أما الآن، أعتمد على إرسال بريدٍ إلكترونيٍّ يلخّص ما تمّ مناقشته في التّقييم. وأحرص على أن تكون الرّسالة العامّة هي الّتي أريد أن يتذكّرها الموظّف، حيث تخبرنا سنواتٌ من أبحاث العلوم الاجتماعيّة أنّ أدمغتنا تميل للاستجابة للتّفاعلات السّلبيّة أكثر من الإيجابيّة، لذلك يوفّر لي التّلخيص فرصةً للتّأكّد من أنّ توازن الملاحظات كان مناسباً.
كما يمكنك أيضاً إضافة تذكيراتٍ فوريّةٍ في تقويمك لأيّة تواريخ تحتاج فيها لمراجعةٍ أو متابعةٍ. اطلب من موظّفك أن يبادر أيضاً بالتّواصل معك بعد ثلاثة أشهرٍ للتّأكّد من أنّ الموضوع لن ينسى بين مشاغل الرّبع الأوّل المزدحم.
في النّهاية، أنت مدينٌ لموظّفيك بتقييماتٍ مدروسةٍ. ولكنّك مدينٌ لنفسك أيضاً أن تخصّص الوقت لتقييم أداء فريقك ومعرفة المجالات الّتي يمكنك تحسين دعمك فيها لمساعدتهم على الأداء بأفضل مستوى. لا تهمل الفرصة للتّعلّم والنّموّ كقائدٍ.
شاهد أيضاً: تعزيز أداء مجلس الإدارة: عن أهمية التقويم السنوي