قوة الفهم والتواصل: أسرار تحليل الشخصية لفرق عمل متماسكة
تعرّف على الفرق بين الصوت العالي والصوت القويّ، وكيف يؤّثر ذلك على تواصلك مع فريقك؟
مهما كانَ نوعُ تخصُّصك أو مهنتك أو مشروعك يمكنك مع أدواتٍ بسيطةٍ ومجانيَّةٍ زيادة إنتاجك والالتزام بالمواعيد النّهائيَّة دون ضغوطٍ أو تأخيرٍ، على سبيل المثال، يُعدُّ التواصل البصريَّ جزءاً لا يتجزَّأ من لغة الجسد الَّتي تُعدُّ بدورها أساساً في فنّ الاتّصال مع الآخرين والتَّواصل معهم بإيجابيَّةٍ، إذا كان الشَّخص الَّذي أمامك لا يُجيد التواصل البصريَّ ويتحاشى استخدامه، وتلاحظ توتُّره إذا ما اضطرَّ إلى استخدامه، فإنَّ هذا يدلُّ على ميولٍ انطوائيَّةٍ لديه.
من المهمِّ التَّأكيد على أنَّ المقال ليس دعوةً للحُكم على الآخرين أو كيف تُصبح شخصاً يحكُم على الآخرين في سبعِ خطواتٍ، وعلى الرَّغم من أنَّ الحُكم على الآخرين لا يُعدُّ شيئاً سلبيّاً كما هو شائعٌ، إذ يمكن أن يكون أمراً إيجابيَّاً إذا ما تمَّ تقييده بضوابطَ معينةٍ.
فلنتأمَّل في البداية ونطرح سؤالاً محوريَّاً يتردَّد في أذهان الكثيرين منَّا، خاصَّةً أولئك الَّذين يتولون قيادة فرقِ عملٍ أو يسعون لتحسين بيئةِ العمل لديهم، هل لديك فريقُ عملٍ، وتجد نفسك متحمِّساً لفهم أعماق شخصيات أفراده بشكلٍ أدقَّ؟ هل تلاحظ أنَّ هناك تحديَّاتٍ تواجه أفراد فريقكَ في كيفيَّة تواصلهم مع بعضهم بعضاً أو مع عملائك، وتتمنَّى لو أنَّ هذا التَّواصل كان أكثر فعاليَّةً وسلاسةً؟
هذا المقال سيكون بمثابة مرشدك لتحقيق هذه الأمنية، والهدف هنا ليس تحسين التَّواصل داخل فرق العمل فحسب، بل أيضاً تعزيز الفهم الذَّاتي والمهنيّ لدى كلِّ فردٍ، ممَّا يُسهم في بناء فرقِ عملٍ أكثر تماسكاً وتعاوناً، وبالتَّالي تحقيق نجاحاتٍ أكبر في السُّوق العمليَّة.
قوة الصوت: بين الثقة والضعف
لنتحدَّث عن سمةٍ قد لا تلقى الاهتمام الكافي في بحور الأدبيَّات الإداريَّة وهي "قوَّة الصَّوت"، وقد يخلِطُ بعضهم بين الصَّوت العالي والصَّوت القَويّ، لكن دعونا نستوضح الفرق، فالصَّوت العالي قد يكون مجرَّد غطاءً للضَّعف وعدم الثّقة بالنَّفس، بينما الصَّوت القويّ هو ذلك الصَّوت المتزن الَّذي يحمل في طيَّاته ثقةَ صاحبه بنفسه، ويترك أثراً من الاحترام والسُّلطة دون الحاجة إلى الصُّراخ أو الارتفاع بالنَّبرة.
الشَّخص الواثق من نفسه، ذلك القائد الذي يمتلك القدرة على التَّأثير في فريقه وتوجيهه نحو الأهداف المنشودة، يعرف جيداً كيف يستخدم صوته كأداةٍ فعّالةٍ في التواصل، صوتُه قويٌّ لكنَّه هادئٌ، يحمل في نبرته الاحترام والتَّقدير للمستمع، ويعكس ثقته بنفسه دون أدنى شعورٍ بالتَّفوُّق أو التَّعالي.
وهنا يكمن الفَارق الجوهريُّ بين مجرَّد "التَّحدُّث" و"التواصل الفعال"، التَّواصل الفعّال يتطلَّب منَّا أن نُعبِّر عن أنفسنا بطريقةٍ تجعل الآخرين يشعرون بالرَّاحة والتَّقدير، ونبرةُ الصَّوت جزءٌ لا يتجزَّأ من هذه العمليَّة، إنَّها تنقلُ مشاعرنا، وأفكارنا، وتُسهم بشكلٍ كبيرٍ في تحديد كيفيَّة استقبال الآخرين لرسائلنا، فالكلمات قد تكون متشابهةً، لكنَّ الفارق يكمن في كيفيَّة قولها. [1]
الإنصات: سمفونية الفهم
الإنصات مهارةٌ ذهبيَّةٌ قد تغيب عن الكثيرين، ليس خفيَّاً أنَّ بعض الأشخاص يميلون إلى الاستئثار بالحديث، وينسجون من الكلمات عباءةً يتدثَّرون بها، ربَّما ظنَّاً منهم أنَّها تحميهم من برد الوحدة أو تعكس صورةً أكثر ثقةً وجاذبيَّةً.
هذا النُّزوع للاستحواذ على زمام الحديث قد يُساءُ فهمه على أنَّه مجرُّد تعبيرٍ عن الأنانيَّة، أو في حالاتٍ أكثر تقدُّماً، دلالةٌ على النَّرجسيَّة، ولكن، إن تعمقَّنا أكثر، قد نجد أنَّ وراء هذا السُّلوك رغبةٌ جامحةٌ في الإحساس بالقيمة والأهميَّة، أو ربَّما محاولةٌ لإخفاءِ الشُّعور بالنَّقص.
التَّواصل الفعَّال، بمعناه الأصيل، يستلزم إتقان فنِّ الإنصات، والإنصات ليس مجرَّد فترة صمتٍ تسبق دورك في الحديث، بل هو ممارسةٌ فعّالةٌ للتَّعاطُف والفهم، إنَّه يفتح الباب أمام تبادل الأفكار بشكلٍ أكثر صدقاً وعُمقاً. عندما نمنح الآخرين مساحةً ليعبِّروا عن أنفسهم دون خوفٍ من الانقطاع أو التَّجاهل، نكون قد وضعنا أولى لبنَات الثِّقة والتَّقدير المتبادل.
إنَّ فنَّ الإنصات يعدُّ بمثابة مرآةٍ تعكسُ ليس فقط ما يُقال، بل والمعاني الكامنة وراء الكلمات، بإتقان هذا الفنِّ، نزيد من قدرتنا على التقاط الإشارات غير الملفوظة، تلك الَّتي تحمل بين طيَّاتها جوهر مشاعر وأفكار الآخرين، وفي المقابل يمكن لغياب الإنصات أن يفضي إلى سوءِ فهم ما يُعبِّر عنه الآخرون، ممَّا يؤدِّي إلى تواصلٍ مشوَّهٍ وقد يكون الرَّدُّ خارج نطاق المقصود. [2]
استخدام كلمة "أنا": بين الإفراط والتوازن
في تلافيف حواراتنا اليوميَّة وتبادلاتنا اللَّفظيَّة، تتَّخذُ كلمة "أنا" مكانةً مركزيَّةً، تارةً كبطلٍ متوَّجٍ يسردُ قصصاً عن الذَّات، وتارةً أُخرى كشاهدٍ على تجارب ومواقف، وفي ثقافتنا العربيَّة العريقة، تحمل عبارة "أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا" دلالاتٍ عميقةٍ تُشير إلى إنكارِ الذَّات وتعكِسُ تواضعاً جذريَّاً يُعدُّ من القيم المحمودة، ومع ذلك فإنَّ السِّياق الَّذي تُستخدم فيه هذه الكلمة وعددُ المرَّات التي تَظهرُ بها يمكن أن يكشفَ الكثير عن جوهر شخصيّتنا.
الإفراط في استخدام "أنا" قد يُنظر إليه على أنَّه صدى للأنانيَّة أو حتَّى حب الذات المفرط، وكأنَّ الشَّخص يحاول بناء جدارٍ من الكلماتِ حول ذاته، مستعرضاً إنجازاته وتجاربه دون إعطاء مجالٍ للآخرين لمشاركة آرائهم أو تجاربهم، ومن ناحيةٍ أُخرى، قد يُشير التَّهرُّب من استخدامها إلى قلَّة تقديرِ الذَّات، وكأنَّ الشَّخص يمحو ذاته من سرديَّة الحياة، متجنّباً أخذ المساحة التي يستحقُّها في الحوار.
التَّوازن في استخدام كلمة "أنا" يعكسُ ثقافة التَّواصل الفعّال ويبرزُ الحكمة في التَّعبير عن الذَّات، ويدلُّ هذا التَّوازن على القدرة على تحمُّل المسؤوليَّة وعدم التَّهرُّب من الأخطاء عند وقوعها، وفي الوقت ذاته، يعكس تقديراً للذَّات وثقةً بالنَّفس. وفي بيئة العمل يُعدُّ هذا التَّوازن ضروريَّاً لبناء علاقاتٍ مهنيَّةٍ صحيَّةٍ، حيث يتمُّ تقدير كلّ فردٍ ومساهماته دون إغفال أهميَّة العمل الجماعيّ والاستماع إلى آراء وتجارب الآخرين.
التفاعل على مواقع التواصل: مرآةٌ تعكس أعماق الشَّخصيَّة
في هذا الزَّمن حيثُ تصبح مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ جزءاً لا يتجزَّأ من يوميَّاتنا، يمكن لطريقةِ تفاعلنا عبر هذه المنصَّات أن تكشفَ الكثير عن دواخلنا، وتعدُّ هذه المنصَّات كالمسرح، ونحن اللَّاعبون، كلٌّ منَّا يختار دوره بعنايةٍ، سواءً أكان يدركُ ذلك أم لا.
الشَّخص الَّذي يكثر من نشر الصُّور الشَّخصيَّة ولحظاته اليوميَّة، قد يُظهر ميلاً نحو النَّرجسيَّة أو حبّ الظُّهور، ويمكن لهذه السُّلوكيَّات أن تُشيرَ إلى رغبةٍ عميقةٍ في الحصول على الاعتراف والتَّقدير من الآخرين، أو ربَّما إلى محاولةٍ مستمرَّةٍ لملءِ فراغٍ داخليٍّ بإعجابٍ وتأييد الأصدقاء الافتراضيين.
من جانبٍ آخر، تلك الحسابات التي تغرق في الشَّكوى المستمرَّة ونشر الطَّاقة السَّلبيَّة، تعكس غالباً حالةً من عدم الرِّضا الدَّاخليّ أو الشُّعور بالعجز، ويمكن لهذه المنشورات أن تكون صرخةً للمساعدة أو طلباً غير مباشر للدَّعم والتَّوجيه، أمَّا استخدام صورة بروفايلٍ غير حقيقيَّة، فقد يُشير إلى رغبةٍ في الاختباء وراء قناعٍ، خوفاً من الحُكم أو النَّقد، أو قد يعبّر عن عدم الثّقة بالنَّفس والرَّغبة في تقديم صورةٍ مثاليَّةٍ بعيداً عن الواقع.
ومع ذلك، يجب الحذر من الوقوع في فخِّ التَّحليل الزَّائد أو الحُكم المسبَق على الأشخاص بناءً على محتوى حساباتهم الاجتماعيَّة فقط، ففي حين أنَّ هذه الملاحظات يمكن أن تقدِّم لمحاتٍ قيَّمةٍ عن الشَّخصيَّة، فإنَّ الصُّورة الكاملة تظلُّ دائماً أعقد وأغنى ممَّا يمكن للمنشورات والصُّور أن تكشفه؛ لذا دعني أنتقل إلى ثلاثِ ركائزَ من الضَّروريّ أن تعتمدَ عليها عند تحليلِ الشَّخصيَّاتِ.
شاهد أيضاً: كيف تكون الشخصية الأكثر جاذبية في الغرفة؟
3 ركائز لا تنساها عند تحليل شخصيات الآخرين
عند الرغبة في تحليل شخصية الآخرين لا بدّ أن تعتدَ على الرّكائز التّالية: [3]
الركيزة الأولى: تحليل الشخصية كعِلم
تحليل الشَّخصيَّة ليس مجرَّد هوايةٍ أو نشاطٍ عابرٍ، بل هو علمٌ بأسسٍ وقواعدَ يجب استيعابها بعمقٍ، هذا العلم يطلب منَّا الغوص في بحارِ المعرفة والتَّعامل معه بجديَّةٍ ومنهجيَّةٍ أكاديميَّةٍ، ويجب علينا الإدراك بأنَّ النّقاط التي نتناولها هُنا لا تشمل بأيّ حالٍ من الأحوال كافَّة الشَّخصيَّات أو المواقف التي قد نواجهها، وإنَّما هي مجرَّد بدايةٍ للفهم وليست نهايتهُ.
الركيزة الثانية: الغاية من تحليل الشخصية
الهَدف من تحليل الشَّخصيَّات ليس إصلاحُها أو تغييرها بطرقٍ علاجيَّةٍ، بل فهم الأسباب التي تجعل شخصاً ما يتَّخذ سلوكاً معيناً، والفهم الواعي لهذه السلوكيَّات يمكّننا من التَّعامل معها بطريقةٍ تجنُّب آثارها السَّلبيَّة، خاصةً في بيئة العمل حيث يمكن أن تكونَ معرفة هذه الأسس مفتاحاً للتَّطوير والتَّدريب بما يخدم مصلحة الفريق بأكمله.
الركيزة الثالثة: الحكم على الآخرين وموقعه من الإعراب
الحكم على الآخرين قد يُنظر إليه على أنَّه تصرُّفٌ سلبيٌّ، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ الحُكم، عندما يُبنى على أسس وضوابط صحيحةً، يمكن أن يكونَ مفيداً وإيجابيَّاً، المهمُّ هو أن نتجنَّبَ الوقوع في فخِّ الاعتقاد بأنَّ رؤيتنا هي الرُّؤية الصَّحيحة الوحيدة، ويجب أن نكونَ مستعدِّين للنَّظر إلى الأمور من زوايا مختلفةٍ، وقبول فكرة أنَّنا قد نكون مخطئين.
في ختام هذه الرِّحلة، يبرزُ أنَّ التَّحليل الدَّقيق والفهم العميق للشَّخصيَّات يمكن أن يكونَ أداةً قويَّةُ ليس فقط في تحسين العلاقات داخل العمل، بل أيضاً في الحياة الشَّخصيَّة.
لمزيدٍ من النصائح المفيدة، تابع قناتنا على واتساب.