كيفَ أصبحَ رمضان موسماً للَّياقة البدنيَّة في مصر؟
عربية .Inc تحاور خبراء اللَّياقة البدنيَّة، ومالِكي النَّوادي الرياضيَّة، والمستثمرين لاستكشاف تطوِّر مشهدِ اللَّياقة البدنيَّة في مصر، وتحوّل شهر رمضان إلى موسمٍ لممارسة الرّياضة
قبلَ موعد الإفطار بساعةٍ ونصفٍ، تنبض استوديوهات اللِّياقة البدنيَّة عبر أرجاء القاهرة بالحياة والنَّشاط، حيث تتواجدُ مجموعاتٌ متنوِّعةٌ تشارك في فعاليَّاتٍ تتراوح بين التَّمارين الوظيفيَّة، مروراً باليوجا، وصولاً إلى التَّدريبات الشَّخصيَّة، وفي شوارع المدينة، تُمارس جماعاتٌ من الأصدقاء والجيران المشي والجري معاً، بعضهم يصحب أطفاله في عرباتهم، مستغلِّين بذلك الفترة المثاليَّة للتَّمرين في رمضان: قُبيل الإفطار.
على مدار العقد المنصرم، أظهر رمضان تحوُّلاً ليصبحَ واحداً من المواسم الأساسيَّة التي تزدهر فيها صناعة اللَّياقة البدنيَّة في مصر، بفضل تعديل ساعات العمل لتتناسبَ مع أوقات الإفطار، اكتشفَ النَّاس إيقاعاً مميَّزاً يتيحُ لهم التَّناوب بين ممارسة الرِّياضة، والاسترخاء، وتناول الوجبات، ومن ثُمَّ العودة للنَّشاط البدنيِّ أو التَّواصل الاجتماعيِّ.
تُعبِّر مي مُراد، المديرة المسؤولة عن اللَّياقة الجماعيَّة بنادي LA7 الرِّياضيِّ، عن هذا الأمر قائلةً: "رمضان يُعدُّ فترةً يُعيدُ فيها الأَفراد تقييم أهدافِهم السَّنويَّة، مقدِّماً بذلك إطاراً مثاليَّاً يُسهّل على الجميع تضمين النَّشاطات البدنيَّة ضمن جداولهم اليوميَّة". ومُراد، الَّتي كانت فيما مضى لاعبةَ كرة سلَّةٍ محترفةً قبل أن تبدأ رحلتها في مجال التَّدريب البدنيِّ بالولايات المتَّحدة، عادت إلى القاهرة وانضمَّت إلى LA7 في العام 2020. هذا النَّادي، الَّذي رأى النُّور لأوِّل مرَّةٍ في عام 2018، يتباهى الآن بفروعه الخمسة المنتشرة في جميع أنحاء مصر، من ضواحي القاهرة وحتَّى شواطئ البحر الأحمر والسَّاحل الشِّمالي.
شاهد أيضاً: العلوم العصبية تُؤكّد: الرياضة تُعزّز ذكاءك
ديانا شعبان، التي أسَّست Ignite Wellness بمشاركة زوجها، اللَّاعب السَّابق لكرة القدم حسين عبد الدَّايم في عام 2017، تروي كيف شهدت صناعة اللَّياقة البدنيَّة تغُّيراتٍ جذريَّةٍ على مدار الخمس عشَرة سنة الماضية، وشعبان، التي انتقلت إلى مصر قادمةً من الولايات المتَّحدة كسَّباحةٍ محترفةٍ في العام 2003، واجهت تحدِّيَّاتٍ في إيجاد مكانٍ يناسب احتياجاتها لممارسة الرِّياضة، واليوم هي وزوجها يشرفان على برنامج التَّحول الرَّمضانيِّ الذي يجذب بين 1500 و2000 مشاركٍ.
وتقول شعبان: "نقدِّم واحداً من أضخم برامجنا في رمضان، ويتألف من خطَّةٍ متكاملةٍ تشمل فقدان الدُّهون، والتَّحوِّل الجسديِّ، وتقوية العضلات، كما ننظِّم ورشَ عملٍ حول التَّغذية والصِّحَّة النَّفسيَّة يتمُّ تقديمها عبر الإنترنت خلال عطلات نهاية الأسبوع".
تحوَّل مُحمَّد عليش الذي بدأ مسيرته كمصرفيٍّ استثماريٍّ وعمل كمديرٍ في Arqaam Capital من كونه زائراً دائماً لصالات الألعاب الرياضيَّة إلى أحد روَّاد الأعمال في مجال اللَّياقة البدنيَّة، وفي العام 2018، أطلقَ تطبيقَ Outpace للتدريبات الرِّياضيَّة عبر الإنترنت، وهو مشروعٌ سبق جلبُه للامتياز التّجاريّ الأمريكيِّ F45 إلى أرض الكنانة في 2020، مُضيفاً بُعداً جديداً للتدريب الوظيفيِّ في مصر، واليوم، يُدير عليش ثلاثة مراكزَ تدريبيَّةٍ في القاهرة بالإضافة إلى مرفقين يعملان خلال موسم الصَّيف على شواطئ السَّاحل الشّمالي المصري، ويعلِّق قائلاً: "تحوَّل رمضان إلى موسمٍ رئيسيٍّ لصناعتنا، مع تزايد الاهتمام والنُّموِّ في كلّ عامٍ".
لقد كان لـ CrossFit دورٌ كبيرٌ في تقديم مفهوم التَّدريب الوظيفيِّ في مصر، وهو ما أقرَّ به جميع المدرِّبين والمستثمرين الَّذين تحدَّثنا إليهم، ومع ذلك، سرعان ما أدركوا الحاجة إلى بدائل تُقلِّل من مخاطر الإصابات وتُلبِّي تحفُّظاتِ المستهلكين على الوتيرة السَّريعة للتَّمارين، ومن هنا، برز BeFit 360، الذي أسَّسه الرّياضيُّ السَّابق علي مظهر في العام 2013، كواحدٍ من روَّاد التَّدريب الوظيفيِّ في البلاد، ولم يقتصر الأمر على تقديمه طريقةً جديدةً للتَّمرين فحسب، بل أسهمَ أيضاً في بناء مجتمعٍ محبٍّ للَّياقة البدنيَّة وجعلِ الرِّياضة طُموحاً للكثيرين.
يُشيرُ شعبان وعبد الدَّايم إلى أنَّ أحد العناصر الأساسيَّة لبناء علامةٍ تجاريَّةٍ قويَّةٍ في هذا المجال تكمن في تشكيلِ مجتمعٍ يجمع محبِّي الرِّياضة، ويوفِّر فرصةً لتكوين صداقاتٍ جديدةٍ، ويواجه الكثير من البالغين صعوباتٍ في تكوين علاقاتٍ جديدةٍ، ولكن وكما تقول شعبان: "الشُّعور بالانتماء في هذه البيئات يجذب النَّاس إلى جلسات التَّدريب الجماعيِّ في مصر وعموم العالم العربيّ، ويجد الأشخاص فيها أماناً وغالباً ما يخرجون محمَّلين بصداقاتٍ جديدةٍ".
يُضيف عليش: "إنَّ بناءَ المجتمع هو جوهرُ علامةٍ تجاريَّةٍ مثل F45، التي تروِّج لنفسها ليس فقط كمكانٍ للتَّدريب، بل كمجتمعٍ".
قبل الانتشار الواسع لمراكز اللَّياقة البدنيَّة والصَّالات الرِّياضيَّة الحديثة، كانت الرياضة تُمارس غالباً في صالاتٍ تقليديَّةٍ وأنديةٍ رياضيَّةٍ تستقطب بشكلٍ أساسيٍّ الرِّجال، ومع توفُّر مرافقِ لياقةٍ بدنيَّةٍ حديثةٍ ضمن هذه الأندية، فضَّل العديد من مقدِّمي الخدمات إطلاق أنديةٍ وصالاتٍ رياضيَّةٍ مستقلَّةٍ تُلبِّي احتياجات وتفضيلات جمهورٍ أوسع.
تشهد الصِّناعة نموَّاً متزايداً، حيث من المتوقَّع أن يتَّسعَ سوق نوادي الصِّحَّة واللَّياقة البدنيَّة العالميّ من 112.17 مليار دولار في عام 2023 إلى 202.78 مليار دولار بحلول عام 2030، بحسب تقريرٍ من Fortune Business Insights. وعلى الرَّغم من التَّأثير المؤقَّت لإغلاقات COVID-19 على النُّموِّ، فقد أسهمت هذه الفترة في تعزيز الوعي بأهميَّة الصِّحَّة واللَّياقة البدنيَّة بين النَّاس.
في مصر، يزداد انخراط المستثمرين في هذا القطَّاع، على الرَّغم من تحدِّي تقدير حجم الصِّناعة، ويفسِّر شعبان ذلك قائلاً: "العقبة في مصر تكمن في غياب البيانات".
ويقول عليش: "السُّوق يتَّسع أفقيَّاً وعموديَّاً"، ويتابع: "سابقاً، كان معظم زبائننا من الشَّباب في العشرينيَّات، والآن اتَّسعت الفئة العمريَّة لتشملَ من هم بين 15 و65 عاماً، كما أصبح هناك تنوُّعٌ أكبر في المنتجات، فبعد أن كانت الصَّالات الرِّياضيَّة هي الخيار الوحيد، برزت استوديوهاتٌ خاصَّةٌ، ومعسكراتٌ تدريبيَّةٌ، ومراكز استجمامٍ وعلاجٍ".
ومع أنَّ فترةَ ما قبل الصَّيف والصَّيف نفسه، بالإضافة إلى شهر رمضان، تُعدُّ مواسمَ ذروة النَّشاط في قطَّاع خدمات اللَّياقة البدنيَّة، إلَّا أنَّ الإقبال على ممارسة الرّياضة قد شهد ارتفاعاً ملحوظاً طوال السَّنة. عليش ومراد يتفقان على أنَّ الفضاء الافتراضيَّ للياقة البدنيَّة يشهد نموَّاً كبيراً أيضاً، من خلال توسيع النّطاق ليشملَ جمهوراً أكبر، وتوفير خياراتٍ متعدِّدةٍ تتراوح بين البثِّ المباشر للجلسات التَّدريبيَّة والمحتوى المخصَّص، يُسهِّل هذا النَّهج على المستخدمين التَّمرين بمرونةٍ أكبر مع مدرّبين من مختلف أنحاء المدينة، وذلك بما يخدم شرائحَ متنوعةً من المجتمع.
أبرز دلائل نموّ هذه الصِّناعة، كما تُشير مراد، هو اهتمام كبار المستثمرين في القطَّاع العقاريِّ بضمِّ مرافق اللَّياقة البدنيَّة ضمن مشاريعهم الاستثماريَّة، وتُبرز LA7 Gym كمثالٍ رئيسٍ؛ حيث تُدير خمسة فروعٍ مملوكةٍ لمستثمرين في العقارات تنتشر عبر مواقع استراتيجيَّةٍ من القاهرة إلى البحر الأحمر والسَّاحل الشّمالي.
لا يستفيد مقدّمو خدمات اللَّياقة البدنيَّة وحدهم من الزّيادة في الإقبال على ممارسة الرّياضة، محمَّد عفيفي، الرَّئيس التَّنفيذيّ والشَّريك المؤسِّس لـ WayUp Sports، منصَّة التِّجارة الإلكترونيَّة المتخصِّصة في تقديم معدَّات الأداء الرِّياضيِّ، أطلق هذا المشروع بالشَّراكة مع شقيقه وأخته في عام 2021، وعفيفي، الذي يُدير أيضاً شركةً عائليَّةً في نفسِ القَّطَّاع، بادر بإنشاء الذِّراع التِّجاريِّ الإلكترونيِّ للشَّركة خلال فترةِ تفشِّي جائحة COVID، التي شهدت زيادةً في الإقبال على التَّدريبات المنزليَّة، واليوم، تضمُّ WayUp Sports أكثر من 14 ألف منتَجٍ مختلفٍ، تشمل كلاً من الماركات المحليَّة والعالميَّة، وتغطِّي كلَّ شيءٍ من معدَّات اللَّياقة البدنيَّة إلى الملابس الرِّياضيَّة.
يلاحظ عفيفي تزايد تبنِّي الأشخاص للياقة البدنيَّة كأسلوب حياةٍ دائمٍ على مدار السَّنة، على عكس الاهتمام الموسمِّي السَّابق، ويعدُّ أنَّ "جائحة COVID قد سرَّعت التَّطوُّر في قطَّاع التِّجارة الإلكترونيَّة وثقافة اللَّياقة البدنيَّة بما يعادل خمسَ إلى سبعِ سنواتٍ، وعلى الرغم من التَّحدِّيات المتعلِّقة بجمع البيانات المحليَّة، فإنَّ الاتِّجاهات العالميَّة تُشير إلى أنَّ التّدريبات الذَّاتيَّة أصبحت تحتلُّ المرتبة الثَّانية بعد التَّدريبات الشَّخصيَّة كأكثر القطَّاعات شعبيَّةً في مجال اللِّياقة البدنيَّة، ما يعكس تفضيل الأشخاص ذوي الأوقات المزدحمة لممارسة الرِّياضة في منازلهم.
عفيفي يُضيف أن منتجات الَّلياقة البدنيَّة، وبخاصَّة تلك المعروضة عبر التِّجارة الإلكترونيَّة، بدأت تَجذِبُ اهتمام المستثمرين بشكلٍ متزايدٍ، في نوفمبر، تمكَّنت WayUp Sports من جمع جولة تمويلٍ أوليَّةٍ، وهي الثَّانية للشركة خلال عامين، ممَّا يُعدُّ مؤشِّراً على الاهتمام المتنامي بهذا القطَّاع.
الوعي الصحي في تزايد مستمر
من التَّحوُّلات الجوهريَّة الَّتي لاحظها مقدِّمو خدمات اللَّياقة البدنيَّة، تبرزُ زيادة الوعي بأهميَّة الصِّحَّة واللَّياقة البدنيَّة بين الجمهور، وتعليقاً على هذا، يقول مراد: "يواجه النَّاس ضغوطاً كبيرةً في حياتهم اليوميَّة، وبالتَّالي يبدو أنَّ هناك بحثاً متزايداً عن وسائل تمكِّنهم من الهروب قليلاً والاهتمام بصحتهم ورفاهيَّتهم بشكلٍ أفضل".
مع ارتفاع أسعار الاشتراكات في النَّوادي الرِّياضيَّة وتنامي الوعي لدى المستهلكين، تتزايد التَّوقُّعات المعقودة عليها، وللمنافسة في هذا السُّوق، يجب على النَّوادي الرِّياضيَّة ومقدِّمي خدمات اللِّياقة البدنيَّة ضمان أنَّ المدربين لديهم معرفةٌ واسعةٌ بأحدث توجُّهات اللَّياقة البدنيَّة، وأن يكونوا قدوةً يُحتذى بها للمتدرِّبين، كما يوضِّح مراد: "الأمر لا يقتصر على توفير مدرِّبين فحسب، بل الأهمُّ أن يكونوا مدرِّبين مؤهَّلين بشكلٍ جيّدٍ يعرفون كيفيَّة بناء علاقاتٍ إيجابيَّةٍ وقويَّةٍ مع العملاء".
إحدى الملاحظات المهمَّة خلال العقد الماضي هي زيادة إقبال النِّساء على عالم اللِّياقة البدنيَّة، حيث أصبحت الصَّالات الرِّياضية تشهد مشاركةً متزايدةً من النِّساء، وكما تُفيد مراد: "النِّساء الآن يُشكّلن ما يقارب نصف الحضور في LA7، ومع تزايد عدد النِّساء المُنتسبات، بدأنا في تقديم برامج مصمَّمة خصوصاً لتلبية احتياجاتهنَّ وأهدافهنَّ، بما في ذلك فصولٌ مخصَّصةٌ للنّساء فقط".
يُعزى الفضل أيضاً إلى الشَّركات التي تدير الأحداث الرِّياضيَّة مثل The TriFactory، التي تُنظِّم أحداثاً رياضيَّةً متنوِّعةً وسباقاتٍ في الطُّرق ومساراتِ الجري وسباقاتِ التَّتابُع، إضافةً إلى مراكز اليوغا، في تكوين ثقافةٍ تدعم اللَّياقة البدنيَّة للعائلات، "هذه الأحداث تقدِّم الفرصة للوالدين ليكونوا قدوةً يُحتذى بها لأطفالهم، ما يُحدث تأثيراً إيجابيَّاً يشجِّع الأطفال على البدء بممارسةِ الرِّياضة مبكِّراً".
الوعي المتزايد والتَّعليم حول الصِّحَّة واللَّياقة البدنيَّة أسهما في جعلِ المستهلك أكثر تميُّزاً، ويُضيف عليش: "العملاء الآن أكثر إلماماً بالمعلومات، وكمدرِّبٍ أو مقدِّم خدمةٍ، من الضَّروريّ مواصلة التَّعلُّم والتَّطوُّر للحفاظ على مستوى التَّنافسيَّة".
نُشر هذا المقال في الأصل في عدد مارس/أبريل من مجلة عربية .Inc الرقمية، تصفّحها من هنا