كسر السقف الزجاجي: نصائح لمواجهة التحيز الجنسي في العمل
دليلك للتغلّب على التحيز الجنسي في العمل والارتقاء بمسيرتك المهنية من خلال استراتيجيات عملية ونصائح مفيدة
هل تذكرين تلك المرّة، حين لم تحصلي على التَّرقية التي تستحقِّينها لمجرَّد كونك امرأةً وكان منافسك رجلاً، أو ربَّما ذلك اليوم حين تمَّت مقاطعتك في الاجتماع لعدَّة مرّاتٍ مع نظراتٍ تهكُّميةٍ، فقط لأنَّك امرأةٌ وبالنَّسبة لهم، فإنَّ وجودك مجرَّد برستيجٍ اجتماعيٍّ لا أكثر. حسناً، على الأقلّ أنتِ بالتَّأكيد تتذكَّرين، حين لم تستطيعي ضبط أعصابك فانفجرت غاضبةً، ليقابل غضبك بعبارة "الجنس النَّاعم يجب ألّا يكون عصبيَّاً"، كلُّ هذه الأمور تعني أنَّكِ تواجهين ما يُدعى بالتحيز الجنسي الذي يمكنه أن يعرقلَ مسيرتك بطريقةٍ مُدهشةٍ دون أن تدركي ذلك.
ما هو التحيز الجنسي؟
التحيز الجنسي هو حين تتعرّضُ النساء لمعاملةٍ غير منصفةٍ وأحياناً قد تكون مسيئةً، لمجرَّد أنهنّ نساءٌ، ويتضمَّن التحيز الجنسي العديد من الأشكال، أبرزها الحصول على أجرٍ أقلّ من الرَّجل، على الرَّغم من امتلاكك المهارات والشَّهادة الجامعيَّة ذاتها التي يمتلكها زميلك الرَّجل.
التحيز القائم على الجنس
تشرح الكاتبة نانسي بارسونز بشكلٍ واضحٍ التَّحدِّيات الكبيرة التي تواجهها النِّساء، خصوصاً عندما يسعينَ للتَّرقية والانتقال إلى مناصب أعلى، وذلك من خلال كتابيها "رؤى جديدة لإنهاء السَّقف الزُّجاجيّ"، و"النَّساء يصنعن السَّقف الزُّجاجيَّ ويمتلكن القدرة على إنهائه"، تختصر الكاتبة النَّسوية التّحدِّيات في عبارةٍ واحدةٍ، هي: التَّصوُّرات والتَّحيُّزات والقوالب النَّمطيَّة تعيق المرأة في العمل، بينما التَّحيُّزات والتَّصوُّرات والقوالب النَّمطيَّة تدفع الرّجال إلى الأمام.
لقد أجادت بارسونز في توصيف الواقع بشكلٍ فريدٍ، وكمثالٍ صغيرٍ على فكرتها، فإنَّ المرأة التي تلقَّت تربيةً تفيد بأنَّ الرَّجلَ مسؤولٌ عن تأمين كلِّ احتياجاتها، ستجد نفسها في موضع اتّهامٍ حين تحاول الخروج للعمل والتَّقدُّم به، ما سيكبِّلها ويعيقها، فهي بحاجةٍ إلى طاقةٍ كبيرةٍ لمواجهة المجتمع، وطاقةٍ أخرى لإنجاز أعمالها وسط هذه الضُّغوط.
شاهد أيضاً: تحديات تواجه المرأة في سوق العمل: هل من حلول في الأفق؟
بالمقابل يتلقَّى الرَّجل تربيةً تفيد بأنَّه قويٌّ وقادرٌ ومتمكِّنٌ ولا شيء على الإطلاق يُمكن أن يقفَ في وجهه؛ لذا فإنَّه سيستفيد من هذه المزايا التَّربويَّة، ويوجِّه طاقته للعمل لإثبات ذاتِه ورجولته لمن حوله، إنَّه أمرٌ واقعيٌّ وداخليٌّ ولو رفضه معظم الرِّجال.
كمثالٍ آخر على فكرة الكاتبة، فإنَّ الصُّورة النَّمطيَّة تحكم على النِّساء، بأنَّهنَّ لا يستطعنَ العمل تحت الضَّغط، كما أنّهنَّ عاطفيَّاتٌ متردِّداتٌ لا يستطعن اتَّخاذ القرار المناسب، ويملنَ للمبالغة والخوف والقلق، بالمقابل حين يبدي الرِّجال ذات الصِّفات، من التَّردُّد والقلق، يقال: إنَّهم صُنَّاع قرار، حذرون ويتعمَّدون التَّأنِّي والتُّردُّدَ للوصول إلى الهدف النِّهائيِّ. حقَّاً إنَّه شيءٌ ظالمٌ للغاية، والنِّساء الموجودات في العمل اليوم، لسنَ مجرَّد برستيجٍ اجتماعيٍّ، أو إرضاءٍ للحركات النَّسويَّة، إنَّهنَّ فاعلاتٌ، ومن الجميل جدَّاً دعمهنَّ لمواصلة النَّجاح والارتقاء بمكانٍ عملهنَّ.
هو واثق وهي أنانية!
أحد أبشع أنواع التحيز الجنسي الذي يمكن أن تصادفه المرأة في العمل، هو حين يكون المدير الرَّجل أنانيّاً ومنتهكاً للقواعد أو مغروراً، حيث سيوصف بأنَّه واثقٌ بنفسه ويكون محطَّ إعجاب من حوله، بينما حين تبدي المديرة المرأة نفس الصِّفات، سيقال ببساطةٍ: مغرورةٌ وأنانيَّةٌ.
قصة كاثرين.. مثال حي عن التحيز الجنسي
تروي خبيرة القيادة والمدرِّبة التَّنفيذيَّة مايا هو تشان -في مقالٍ لها- قصّةَ كاثرين، إحدى النَّساء اللواتي درَّبتْهنَّ تشان، التي تقولُ إنَّ أوَّل شيءٍ تفعله خلال ممارستها التَّدريب التَّنفيذيَّ هو مساعدة المتدرِّبين على تعلّم كيف يُنظر إليهم الآخرون؛ لأنَّ تصوُّرات النَّاس يمكن أن تكونَ مساعِدةً أو معرقِلةً للمسيرة المهنيَّة. [1]
ووفقاً للمدرِّبة تشان، فإنَّ كاثرين عالمةٌ رائعةٌ وحاصلةٌ على درجة الدُّكتوراه، بقيت عالقةً لسنوات في نفس المنصب الوظيفيِّ، وخلال الاجتماعات كان يطلب منها غالباً إحضار القهوة، اكتشفت المدرِّبة التَّنفيذيَّة أنَّ كاثرين كانت تفتقد إلى الحضور التَّنفيذيِّ.
مع زحمة الاجتماعات كانت كاثرين تركض في محاولة اللّحاق بالاجتماع الآخر، وكان زملاؤها يرونها وهي تركض بتوتُّرٍ واضحٍ، وداخل غرفة الاجتماعات كانت كاثرين، تبدو هادئةً ومتردِّدةً بإدخال نفسها بالنِّقاشات، لدرجة أنَّها توافق تقريباً على كلِّ ما يقال، وعندما تبدأ بإلقاء عروضها التَّقديميَّة، كانت مليئةً بالمصطلحات والبيانات، ومع حركات جسدها، كان من الواضح جداً، أنَّها تعاني من تصوُّر انعدام الثّقة والسُّلطة.
تقول تشان: إنَّ تلك الأمور كانت مبهمةً بالنَّسبة لكاثرين، التي لم تكن تعلم أنَّ التَّصوُّرات عنها كانت سلبيةً وتؤثِّر عليها سلباً إلى تلك الدَّرجة؛ لذا تنصح المدرِّبة التَّنفيذيَّة أن ندركَ نقاطنا العمياء ونكتشفَ كيف يمكن أن نغيِّرها. والنُّقطة العمياء في الشَّخصيَّة هو مصطلحٌ شائعٌ في علم النَّفس، ويعني الفجوة بين نظرتنا عن أنفسنا ونظرة الآخرين عنَّا، وتُعدُّ عاملاً خفيّاً يهدُّ ويدمِّر علاقاتنا بالآخرين، إذا لم يتمَّ اكتشافها والتَّدخُّل في الوقت المناسب لمعالجتها.
لم يتطلَّب الأمر كثيراً لتتغيَّر كاثرين، كان المطلوب فقط تعديل بعض السُّلوكيَّات، مثلُ: تقليل مدَّة الاجتماع من 60 إلى 50 دقيقة، ما يسمح لها بعشر دقائق إضافيَّة، تساعدها على الوصول إلى الاجتماع الثَّاني بالموعد المحدَّد، دون التَّسرُّع وإعطاء من حولها تصوُّراً خاطئاً عنها بأنَّها شخصٌ غير مسيطرٍ.
الأمر الآخر، بدأت كاثرين بالتدرُّب على تحسين مهاراتِها بالعرض وزيادة قدرتها على التَّواصل بشكلٍ موجزٍ، وعوضاً عن إغراق المستمعين بالمصطلحات والبيانات، تعلَّمت الشَّابَّة كيف تجمع النِّقاط الرَّئيسيَّة لتقدّمها بثقةٍ مطلقةٍ. كذلك طلبت المدرِّبة تشان من كاثرين، أن تتحدَّثَ مرَّتين على الأقلِّ في كلِّ اجتماعٍ، لا أن توافقَ فقط على ما يقال أمامها، ومع الوقت بات الأمر سهلاً جداً بالنِّسبة للشَّابَّة التي تعلّمت كيف تشارك أفكارها مع الممارسة والتَّدريب.
آخر النَّصائح التي قدَّمتها تشان لكاثرين، هو أن تنتبه جيِّداً لإيحاءات جسدها، وحين تلاحظ انحناء نفسها، عليها أن تستدركَ سريعاً وتبدو مستقيمةً أكثر. ستَّة أشهر من العمل مع كاثرين، كانت كفيلةً لتغيير نظرة أقرانها والإدارة العليا لها، وسرعان ما تمَّت ترقيتها إلى نائب الرَّئيس بعد ذلك، لقد كان الأمر أشبه بنصرٍ كبيرٍ تستطيع كلُّ النساء تحقيقه ببعض الاجتهاد.
تخبرنا تجربة كاثرين، أن الاستسلام للواقع مجرَّد استسهالٍ أحمق، طالما أنَّ النِّساء قادراتٌ على المضيِّ قدماً في عملهنَّ، فإنَّهنَّ يستطعنَ إلغاء التَّحيُّز ضدَّهنَّ، ببعض الممارسات الصحيحة، والمساعدة في محو الصُّورة النَّمطيَّة التي ما تزال تؤرِّق النِّساء من حول العالم.
شاهد أيضاً: هل ترغب بالسيطرة على مجرى الحديث؟ إليك 7 حيل ذكية من الأذكياء عاطفياً
9 من بين 10 أشخاص في العالم متحيزون ضد النساء
أظهر تقريرٌ صادرٌ عن برنامج الأمم المتَّحدة الإنمائيِّ عام 2020، أنَّ 9 من بين 10 نساءٍ ورجالٍ من حول العالم، يضمرون نوعاً من التَّحيُّز ضدَّ النَّساء، وهو رقمٌ غايةٌ في الخطورة، يجعلنا ندرك أنَّنا ما زلنا في بداية الطَّريق لتحقيق العدالة الجندرية.
وشمل تقرير برنامج الأمم المتَّحدة الإنمائيِّ، تحليل بيانات من 75 دولةً تضمُّ ما يزيد عن 80% من سكَّان العالم، ووفقاً للبيانات فإنَّ نحو نصف المشاركين بالاستطلاع وجدوا أنَّ الرّجالَ الأكثر تفوُّقاً في القيادة السِّياسيَّة، و40% قالوا إنَّ الرِّجالَ أفضل من النِّساء بتولِّي منصب المدير التَّنفيذيّ، والمشين أنَّ 28% من المشاركين، يبرِّرون ضرب الرَّجل لزوجته! [2]
على الرَّغم من سوداويَّة النَّتائج، إلا أنَّه ما يزال بالإمكان إحداث التَّغيير المنشود، لتكن قصَّة كاثرين عبرةً جميلةً لكلّ النّساء، ليعملْنَ بكل طاقتهنَّ من أجل إنهاء التحيز الجنسي، فالنساء لسنَ جاهزاتٍ لذرف الدُّموع والتَّأثُّر، إنهَّنَّ قائداتٌ ناجحاتٌ متمكِّناتٌ، ولا بأس من ذرف دمعة فرحٍ حين ينهينَ وجود التحيز الجنسي في العالم.
إذنْ التحيز على أساس الجنس لا يمكن أن يكونَ قضيةً شخصيّةً تخصُّ النساء فحسب، إنَّما يجب التَّعامل معها على أنَّها قضيةٌ مجتمعيَّةٌ تخصُّ الأفراد جميعهم، وبالتَّالي فإنَّ للحكومات والسُّلطات المحليَّة دوراً كبيراً في مواجهة هذه المشكلة من خلال سنِّ تشريعاتٍ وقوانين، تمنع التحيز ضد النساء.
لمزيدٍ من قصص النجاح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.