لقاء البكسلات بالشّغف: الخليج يقود ثورة الرياضات الإلكترونية
يشير تقريرٌ حديثٌ صادرٌ عن Boston Consulting Group إلى أنّ أكثر من 60% من سكّانِ الشّرق الأوسط هم من عشّاقِ الألعاب
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
في عالمٍ تلتقي فيه البكسلات بالشّغف، تحوّلت الألعابُ والرّياضاتُ الإلكترونيّة إلى ظاهرةٍ ترفيهيّةٍ عالميةٍ، مؤثّرةً في صناعاتٍ أخرى مثل التّجارة الإلكترونية والتّعليم.
تعدّ الرّياضاتُ الإلكترونيّةُ مجالاً منظّماً للتّنافس في ألعاب الفيديو، حيث تتنافس الفرق واللّاعبون عبر الإنترنت، وقد نمت هذه الصّناعة بشكلٍ كبيرٍ جنباً إلى جنبٍ مع نموّ الألعاب الرّقمية. ومع ذلك، تختلف التّقديرات المتعلّقة بحجم هذه الصّناعة بشكلٍ ملحوظٍ.
وفقاً لتقريرِ PwC حول التّوقّعاتِ الخاصّة بوسائلِ التّرفيه والإعلام للفترة 2023-2027، بلغت قيمةُ سوق الرّياضات الإلكترونيّة العالميّة حوالي 1.38 مليار دولارٍ في عام 2022، ومن المتوقّع أن تصلَ إلى 2.89 مليار دولارٍ بحلول عام 2025. من ناحيةٍ أخرى، تتوقّع Statista أن يحقّق هذا السّوق إيراداتٍ تصل إلى 4.3 مليار دولارٍ على مستوى العالمِ هذا العام.
يشير تقريرٌ حديثٌ صادرٌ عن Boston Consulting Group إلى أنّ أكثر من 60% من سكّانِ الشّرق الأوسط هم من عشّاقِ الألعاب. ويضيف التّقرير أنّ المنطقة تعدّ من بين الأكثر تحميلاً لتطبيقات الألعاب المحمولةِ في العالم.
يقولُ رومان غوريسكي، المديرُ التّنفيذي لـ GEM Capital المتخصّصة في رأسِ المال الاستثماري في مجالِ الألعاب، والّتي أسّسها مع شقيقه كيريل غوريسكي: "تتقاطعُ الألعابُ الإلكترونية، والرّياضات الإلكترونية، والتّرفيه، والتّكنولوجيا بطرقٍ مثيرةٍ، ممّا يخلّقُ نظاماً بيئيّاً متكاملاً يستفيد منه الجميع". ويوضّح أنّ هذه العلاقةَ التّكاملية تفيد جميعَ الصّناعات، حيث تكتسبُ الألعابُ الإلكترونيّة اعترافاً أوسع، وتستفيد الصّناعاتُ الأخرى من قاعدةٍ جماهيريةٍ شغوفةٍ ومخلصةٍ.
يعكس النّموُّ المتسارع للقطاعِ في دول مجلس التّعاون الخليجي التّوجّهاتِ الإقليميّةَ الأوسع نحو التّكاملِ الرّقميّ والتّرفيه التّفاعليّ. فقد أصبحت المنطقةُ مركزاً ديناميكيّاً للألعاب والرّياضات الإلكترونيّة، تتصدّره الإمارات العربية المتّحدة والمملكة العربيّة السّعودية.
يشير كيريل غوريسكي إلى أنّ "المبادرات الحكوميّة الدّاعمة والاستثمارات الضّخمة في قطاعِ الألعاب تجعلُ منطقةَ الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا مركزاً عالميّاً لصناعة الألعاب".
وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن Niko Partners، تحدّت صناعة الرّياضات الإلكترونيّة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا الاتّجاهات العالمية في عام 2023، حيث ارتفعت الإيراداتُ المتعلّقة بالرّياضاتِ الإلكترونية بنسبةٍ تقارب 8% لتصل إلى حوالي 2 مليار دولارٍ.
يقولُ ماثيو بيكرينغ، الرّئيسُ التّنفيذيّ لـ Power League Gaming، وهي وكالةٌ متخصّصةٌ في الألعاب الإلكترونيّة في المنطقة، إنّ "صناعة الرّياضات الإلكترونيّة والألعاب في الشّرقِ الأوسط تشهد نموّاً هائلاً، خاصّةً في الإمارات والسّعودية". ويضيف: "بفضلِ سياساتِ الحكومة الدّاعمة، وزيادةِ الاهتمام بالاستثمار، والسّكانِ الشّباب المتوجّهين نحو التّكنولوجيا، فإنّ دولَ مجلسِ التّعاون الخليجي في وضعٍ ممتازٍ للاستفادة من الإمكاناتِ الهائلة للرّياضاتِ الإلكترونية".
كما أدّى ازدهارُ هذا القطاع إلى زيادةٍ ملحوظةٍ في عددِ الفعاليات المتعلّقة بالألعاب. ففي يوليو وأغسطس 2024، استضافت المملكةُ العربيّة السّعودية أوّلَ بطولةٍ لكأْس العالم في الرّياضات الإلكترونيّة، وهو مهرجانٌ امتدّ لثمانية أسابيع، جمع 1500 لاعبٍ في العاصمة السّعودية للتّنافس على جوائز بقيمة 60 مليون دولارٍ.
يشرحُ كلاوس كاجيتسكي، الرّئيسُ التّنفيذيّ لشركة yaLLa Esports المتخصّصةِ في الإعلامِ الرّياضيّ الإلكترونيّ وتنظيمِ البطولات، أنّ "جودة الفعاليات المتعلّقة بالألعاب في الإماراتِ ودول مجلس التّعاون الخليجي قد تحسّنت بشكلٍ كبيرٍ نتيجةً للتّنافسِ المتزايد وارتفاعِ المعايير". ويضيفُ أنّ "بروز مراكزِ الألعاب والمبادراتِ الإقليميّة لدعم نموّ الصّناعة قد شجّع اللّاعبين المحلّيين على تنظيمِ أحداثٍ تضاهي المعاييرَ العالميّة".
ومثلما هو الحالُ في السّعودية، يتماشى استثمارُ أبوظبي الكبير في الرّياضات الإلكترونيّة مع "رؤية أبوظبي 2030". كما تدعمُ الحكومةُ الإماراتيّة المواهبَ المحلّية من خلال فعالياتٍ مثل "مهرجان دبي للألعاب الإلكترونيّة والرّياضات".
يقول بيكرينغ: "إنّ السّكانَ الشّباب في الإمارات، المتقدّمين تكنولوجياً، والّذين يتمتّعون بنسبةِ اختراقٍ عاليةٍ للهواتف المحمولة مع نسبة 30% منهم يعرّفون أنفسهَم كلاعبين، يخلّقون بيئةً ديناميكيةً لصناعة الألعاب. إنّ هذا التّحوّل الدّيموغرافي، إلى جانبِ التّبني السّريع للتّقنيات الجديدةِ في المنطقة، يوفّر أرضيّةً خصبةً لنموِّ الألعابِ الإلكترونيّة، ويتيح فرصةً طبيعيةً للعلامات التّجارية للاستفادة من هذا النّظام البيئيّ".
ويضيف بيكرينغ: "يزيد من ذلك استثمارُ الإمارات في المنصّاتِ والمبادرات الّتي تدعم تطويرَ المهارات لجيلٍ جديدٍ من المحترفين في مجالِ الألعاب، فضلاً عن الأحداثِ والمعارض الّتي تجذب مجتمعَ الألعاب".
مؤخّراً، أعلنت أبوظبي عن تطويرِ أوّل جزيرةٍ للرّياضاتِ الإلكترونية في العالم، بتكلفةٍ تقديريّةٍ تصلُ إلى مليار دولارٍ، وستشملُ فندقاً فاخراً وساحةً مخصّصةً للرّياضات الإلكترونية. كما تستضيف أبوظبي yaLLa Compass Circuit، وهي واحدةٌ من أهمّ بطولات الألعاب من الدّرجة الأولى في المنطقة، بجوائز ماليّةٍ تصل إلى 1.5 مليون دولارٍ.
تحدّيات نموّ صناعة الألعاب
يهدف "برنامج دبي للألعاب 2033" إلى جعلِ دبي واحدةً من أفضل 10 مدنٍ للألعاب على مستوى العالم، ويسعى لخلق 30 ألف وظيفةٍ جديدةٍ، وتعزيزِ مساهمة القطاع بشكلٍ كبيرٍ في الاقتصاد الرّقمي لدبي، ممّا قد يزيد من النّاتج المحلّيّ الإجمالي بحوالي مليار دولارٍ.
يقول رومان غوريسكي: "إنّ التّقاطع بين الرّياضات الإلكترونية وصناعة الألعاب لا يدفع نموّ سوق الألعاب فحسب، بل يخلق كذلك فرصاً إضافيّةً للأشخاص المهتمّين بممارسة مهنٍ في هذه الصّناعة، سواءً كمطوّرين، أو فنّانين، أو رياضيّين في الرّياضات الإلكترونية، أو مهندسي ذكاءٍ اصطناعي".
يوافق كلاوس كاجيتسكي على أنّ هذه الصّناعة تخلق فرص عملٍ جديدةً، مشيراً إلى أنّه رغمَ ارتفاع الطّلب على الأدوار المتعلّقة بإدارة وسائل التّواصل الاجتماعي والتّسويق في مجال الرّياضات الإلكترونية على الصّعيد العالمي، إلّا أنّ العثور على محترفين لشغلِ هذه الأدوار يشكّل تحديّاً كبيراً.
من ناحيةٍ أخرى، يعتقد رومان غوريسكي أنّ الذّكاء الاصطناعيّ سيلعب دوراً متزايداً في تطوير الألعاب، ويتوقّع ظهور متاجر تطبيقاتٍ بديلةٍ وأكثر تنافسيّةً على الهواتف المحمولة.
رغم ازدهار الصّناعة، يشير كيريل غوريسكي إلى أنّ الشّركات النّاشئة في مجال الألعاب تواجه تحديّاتٍ كبيرةً تتعلّق بتراجع شهيّة المستثمرين في قطاع الرّياضات الإلكترونية، ممّا يُعيق نموّها ونجاحها. ويقول: "وفقاً لتقريرٍ حديثٍ صادرٍ عن InvestGame، استمرّ تراجع تمويل رأس المال الاستثماري في النّصف الأوّل من عام 2024، حيث وصلت جولات التّمويل من الفئة A إلى أدنى مستوياتها منذ سنواتٍ؛ التّحدّي حقيقي".