الرئيسية المال الاستثمار في الشركات الناشئة ليس قراراً صائباً الآن!

الاستثمار في الشركات الناشئة ليس قراراً صائباً الآن!

ركود سوق الاكتتابات وتراجع الاستحواذ يضعان المستثمرين في موقفٍ حرجٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

لماذا أرفض الاستثمار في الشّركات النّاشئة حاليّاً؟ تواصل معي خلال الشّهر الماضي العديد من روّاد الأعمال، معظمهم عبر منصّة لينكدإن (LinkedIn)، وطلبوا تحديد موعدٍ لعرض أفكارهم عليّ كمستثمرٍ. رفضت جميع الطّلبات، ليس فقط لأنّهم لم يسعوا للحصول على توصيةٍ دافئةٍ أو لأنّهم يفتقرون إلى سجلٍّ سابقٍ من النّجاح في الشّركات النّاشئة، ولكن لأنّ السّبب الأكبر هو الرّكود المستمرّ في سوق الاكتتابات العامّة الأوّليّة (IPO) منذ نوفمبر 2021، بالإضافة إلى تراجع نشاط استحواذ الشّركات النّاشئة.

أدّى غياب سوق اكتتاباتٍ نشطٍ إلى تقليل فرص المستثمرين في تحقيق عائدٍ ماليٍّ معقولٍ خلال فترةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ، ممّا يجعل الاستثمار في الشّركات النّاشئة حاليّاً قراراً ماليّاً غير مبرّرٍ.

تراجع فرص الخروج للمستثمرين في الشّركات النّاشئة

شهدت نشاطات الاكتتابات العامّة انخفاضاً كبيراً منذ خروجي من آخر استثمارٍ في شركةٍ ناشئةٍ في يونيو 2021، عندما اندمجت شركة "سوفي" (SoFi)، وهي مزوّدةٌ للخدمات الماليّة الشّخصيّة، مع "شركة استحواذٍ ذات غرضٍ خاصٍّ" (SPAC) في صفقةٍ بلغت قيمتها 18 مليار دولارٍ، ووفقاً لتقريرٍ نشرته مجلّة "إنك" (Inc)، انخفض عدد الاكتتابات العامّة بنسبة 79.2%، من 1,035 اكتتاباً في عام 2021 إلى 216 فقط في عام 2024.

كذلك انخفض نشاط استحواذ الشّركات النّاشئة بشكلٍ ملحوظٍ خلال الفترة الأخيرة، ففي عام 2021، شهد السّوق طفرةً في عمليّات الاستحواذ الكبرى، حيث تمكّنت العديد من الشّركات من الوصول إلى تقييماتٍ تتجاوز 10 مليارات دولارٍ، وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن "كرنشبيس" (Crunchbase).

في عام 2024، ورغم عدم صدور النّتائج النّهائيّة بعد، لاحظ المحلّلون انخفاضاً كبيراً في عدد عمليّات الاستحواذ، فبين يناير ومايو، تمّ تسجيل 55 عمليّة استحواذٍ فقط بقيمةٍ إجماليّةٍ بلغت 6 مليارات دولارٍ، وتوقّعت تقارير "إس سي ميديا" (SC Media) أن يصل العدد الإجماليّ لعمليّات الاستحواذ إلى 132 عمليّةً فقط خلال العام.

أدّى الرّكود في سوق الاكتتابات العامّة وانخفاض نشاط استحواذ الشّركات النّاشئة إلى تقليل فرص المستثمرين في تحقيق عوائد مجزيةٍ. لذلك، أرى أنّ على المؤسّسين في الوقت الحاليّ أن يركّزوا على بناء نموٍّ مستدامٍ لشركاتهم بدلاً من البحث عن استثماراتٍ جديدةٍ.

منذ أن بدأت الاستثمار في الشّركات النّاشئة خلال "فترة ازدهار الدّوت كوم" (Dot-com Boom)، شعرت بخيبة أملٍ عميقةٍ إزاء الرّكود الحاليّ في سوق الاكتتابات العامّة الأوّليّة. وبين عامي 1996 و2001، شهدت تلك الحقبة نشاطاً استثنائيّاً تمثّل في طرح 2,888 شركةٍ أسهمها للاكتتاب العامّ، وهو ما يعكّس حيويّةً وتفاؤلاً كبيرين مقارنةً بالرّكود الّذي يستحوذ على السّوق حاليّاً.

نشرت العام الماضي كتاباً بعنوان "اندفاع العقول: كيف تستثمر وتنافس في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي" (Brain Rush: How to Invest and Compete in the Real World of Generative AI)، إذ تناولت في الكتاب تحليل فرص الاستثمار في الشّركات الرّائدة، سواءً المدرجة في البورصة أو المملوكة للقطاع الخاصّ، والّتي تعمل في مختلف جوانب سلسلة القيمة لصناعة الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدءاً من تصميم رقائق الذكاء الاصطناعي وصولاً إلى تقديم خدمات الاستشارات الإداريّة.

ذكرت ذلك لأنّ عدد الاكتتابات العامّة لشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي منذ إطلاق "تشات جي بي تي" (ChatGPT) في نوفمبر 2022 كان محبطاً للغاية، حيث لم تسجّل أيّ اكتتاباتٍ حتّى الآن. نعم، أطمح دائماً إلى الاستثمار في شركاتٍ ناشئةٍ في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي تمتلك القدرة على تغيير العالم كما فعلت "أمازون" (Amazon). ولكن، إلى أن أجد طريقةً واضحةً للخروج من هذه الاستثمارات، سأواصل الانتظار والبحث عن الوقت والفرصة المناسبين للاستثمار.

ولكنّ السّؤال الأهمّ، ماذا يتعيّن على المؤسّسين فعله؟

ينبغي على المؤسّسين تمويل شركاتهم من خلال وسائل متنوّعةٍ، مثل استخدام أرباح العملاء، أو التّخلّي عن الرّواتب الشّخصيّة مؤقّتاً، أو إطلاق حملات تمويلٍ جماعيٍّ عبر منصّاتٍ مثل "كيك ستارتر" (Kickstarter)، أو البحث عن منحٍ ماليّةٍ، أو طلب الدّعم الماليّ من الأصدقاء والعائلةوللاستمرار في ظلّ الموارد المحدودة، يجب أن يولي المؤسّسون اهتماماً خاصّاً بمراحل التّوسّع الأساسيّة، وهي المراحل الّتي تناولتها بالتّفصيل في كتابي "توسيع نطاق شركتك النّاشئة" (Scaling Your Startup):

المرحلة الأولى: جذب العملاء الأوائل

يجب أن يوفّر المؤسّسون حلولاً مبتكرةً وعمليّةً للمشاكل الّتي يواجهها العملاء الأوائل، مع التّأكّد من أنّ الحلّ يقدّم أداءً أفضل بتكلفةٍ أقلّ مقارنةً بالمنافسين.

المرحلة الثّانية: تطوير نموذج عملٍ مستدامٍ

يتعيّن على القادة إعادة تصميم العمليّات الأساسيّة في الشّركة، مثل آليّات البيع وتطوير المنتجات، لضمان أن تسهم الزّيادة في الإيرادات في تقريب الشّركة من تحقيق تدفّقاتٍ نقديّةٍ إيجابيّةٍ. ,النّصيحة الأهمّ: على المؤسّسين التّركيز على فهم احتياجات العملاء وتقديم حلولٍ فعّالةٍ، مع تحسين عمليّات الشّركة لتحقيق نموٍّ مستدامٍ يدعم توسّعها ويضمن استمراريّتها.

المرحلة الثّالثة: الانطلاق نحو السّيولة

أوضحت في دراساتي أنّ فترة ازدهار الاكتتابات العامّة السّابقة شهدت اندفاعاً كبيراً من الشّركات نحو تحقيق نموٍّ سريعٍ، دون إيلاء الاهتمام الكافي لحجم النّقد الّذي تستهلكه، إذ تجاوزت العديد من هذه الشّركات المرحلة الثّانية من التّوسّع، وانتقلت مباشرةً من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثّالثة، ممّا أدّى إلى إهمال الأسس الضّروريّة لتحقيق نموٍّ مستدامٍ ومستقرٍّ.

إتقان المراحل ضرورةٌ للبقاء

في غياب سوق اكتتاباتٍ عامّةٍ نشطٍ، يجب أن يتقن المؤسّسون المرحلتين الأولى والثّانية من التّوسّع لضمان بقاء شركاتهم. إذ عند تحقيق ذلك، يمكنهم البحث عن رأس المال المغامر لتمويل المرحلة الثّالثة من التّوسّع.

إذا عاد سوق الاكتتابات العامّة في السّنوات القادمة، فإنّ التزام المؤسّسين والمستثمرين بإتقان كلّ مرحلةٍ قبل الانتقال إلى التّالية سيضعهم في وضعٍ أفضل لتحقيق نجاحٍ طويل الأمد وتجنّب المخاطر النّاتجة عن تجاوز الخطوات الأساسيّة للنّموّ.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: