لماذا يشكّل الموظف الذكي خطراً على الفريق؟
تمتلك صفة الذكاء الكثير من المزايا المفيدة في العمل، ولكن قد تتحوّل إلى أداة سامة تؤثر على الأداء العام، فمتى يجب الحذر منها؟
سهولة تنفيذ الأعمال المتنوِّعة والأفكار المُبدعة الخلّاقة التي تزيد من القدرة على المنافسة، والدّقة الشّديدة والثّقة اللَّا متناهيَّة بالنَّفس وأسلوب حلِّ المشكلات المبتكر، والإنجاز السَّريع كلُّها من الأسباب التي تزيد من نجاح الأذكياء، ولكن بالنّسبة للعمل ضمن فريق فإنَّ الشَّخص الذَّكيّ قد يكون من أسباب الفشل أو تراجع الأداء العام.
بالتَّأكيد تجد من المكرِّر أن يقع الأذكياء في أخطاءٍ غبيَّةٍ للغاية، وهذا بالطَّبع ليس بسبب ارتفاع مستوى ذكائهم، ولكن لأسبابٍ أُخرى قد تكون خطراً على أنفسهم في البداية، كما قد تدمِّر فريقك في النِّهاية، إذاً، لماذا الشَّخص الذَّكيُّ خطِرٌ؟
الشعور الكبير بالتفوق
لدى نسبةٍ كبيرةٍ من المبدعين وفائقي الذَّكاء شعورٌ كبيرٌ بالتَّفوُّق، وهذا لا يجعلهم شديدي الثِّقة بأنفسهم لدرجة الغرور فحسب، بل يحتقرون من حولهم أيضاً، وبالتَّالي فهم يعتقدون دائماً أنَّ قراراتهم هي الأكثر حكمةً دون حتَّى محاولة التَّأكُّد من جميع المعلومات المتاحة أو احترام آراء الآخرين أو مناقشة الخبراء في مجالاتٍ أُخرى، ولا يكلِّفون أنفسهم عناء التَّحقُّق من صحَّة هذه القرارات، إذ يعتقدون أنَّ ذكاءهم كافٍ جداً للوصول إلى الأمر الصّحيح في كلِّ شيءٍ، وهذا بالطَّبع من أوَّل الصِّفات التي تدمِّر أيَّ فريقٍ، إذ يجب أن يكون الأساس التَّعاون وليس انفراد شخصٍ -مهما كان مستواه وخبرته- بكلِّ القرارات دون مراعاةٍ للآخرين أو حتَّى لطبيعة العمل. [1]
عدم الاعتراف بالتحيز
جميع البشر بلا أيِّ استثناءٍ لديهم تحيُّزاتٌ تؤثِّر في طريقة تفسير جميع الأمور والمواقف التي نمرُّ بها، إذ يمكن للكلمة الواحدة أن يفسِّرها شخصان بطريقتين متباينتين تماماً وفقاً للمواقف التي تعرّض لها كلٌّ منهما، والتَّجارب التي اختبرها وحتَّى حالته المزاجيَّة والنَّفسيَّة والهرمونيَّة وغيرها، ولكنَّ الشخص الذكي الخطر لن يعترف نهائيَّاً بوجود مثل هذه التَّحيُّزات لديه، ممّا يؤثِّر بشدَّةٍ على طريقة اتِّخاذ القرارات بشكلٍ صحيحٍ.
ووجدت دراسةٌ حديثةٌ في جامعة تورنتو أنَّ اتِّخاذ القرار غير المتحيَّز يأتي في الغالب بشكلٍ منفصلٍ عن الذَّكاء، ونتيجة الثِّقة الشَّديدة في نفسه، فقد ينسى الشخص الذكي أنَّ القرارَ الأسرع لا يحتوي بالطَّبع على كلِّ المعلومات، وبالتَّالي ليس هو القرار الأفضل، وينسى أنَّ الاستنتاج السَّريع يتأثَّر بتحيُّزاتٍ دائماً ما تثبت عدم صحتها، لكن قد يكون الأوان فات لإصلاحها.
خلق بيئة عمل سامة
الذَّكيُّ الذي ليس لديه قيمٌ واضحةٌ أو يضع مصلحته فقط فوق الجميع أو لا يهتمُّ لأهداف الشَّركة من أشدِّ الموظَّفين خطورةً على الفريق، فمن الصَّعب للغاية اكتشاف ألاعيبه، على عكس الموظَّف السَّامِّ -الذي لا يملك ذلك القدر من الذكاء- فخطورته مهما كانت ستكون محدودةً، فسريعاً ما ستكتشفه وتقوم بالإجراءات المطلوبة ضدَّه سواء إنذارٍ أو خصمٍ أو حتَّى طردٍ، ولكن من الصَّعب للغاية اكتشاف سميَّة الشَّخص الذَّكيّ سريعاً فضلاً عن صعوبة الإمساك بدليلٍ ضدِّه.
لذا قبل أن تهتمَّ بذكاء الموظَّف عليك التَّأكد من أولويَّاته الأخلاقيَّة ومدى ملاءمتها للشَّركة وأهدافها ومتسقةٌ، فهذا هو سرُّ نجاح أيّ منظَّمةٍ على المدى الطَّويل وأكثر أهميَّةً بكثير من التَّركيز على نسبة الذَّكاء المطلق. [2]
الافتقار للذكاء العاطفي
القدرة على التَّعاطف والتَّعامل بإيجابيَّةٍ مع الآخرين والتَّكيُّف في المواقف المختلفة سواءً المهنيَّة أو الشَّخصيَّة أهمُّ بكثيرٍ من مهارة توليد أفكارٍ خلَّاقةٍ، فقد يكون الموظَّف شديد الذَّكاء، ولكن لا يملك قدرةً جيَّدةً على التَّواصل؛ لذلك لن تتمكَّن من توظيفه مع العملاء، أو تقسيم المهام بكفاءةٍ بينه وبين أفراد فريقك، وستجد المشكلات تثور معه باستمرارٍ لانفراده برأيه وتقليله من مجهود الآخرين، واعتبار نفسه السَّبب الوحيد لتحقيق أيّ نجاحٍ، وهذا بالتَّدريج سيهدم أساسات الفريق.
شاهد أيضاً: أول مؤشر للنجاح، هل هو الذكاء العاطفي أم الذكاء العقلي؟
الاعتراض الدائم على الأوامر
الموظف الذكي الذي يرى نفسه أفضل من مديره سوف يعترض دائماً على الأوامر، ممّا يؤدِّي إلى زعزعة استقرار الفريق، وعندما تمرُّ هذه الاعتراضات دون عقابٍ مناسبٍ أو ردِّ فعلٍ قويٍّ، فسوف تجد كلَّ أعضاء الفريق يعترضون أيضاً حتَّى إذا لم يكونوا شديدي الذَّكاء، ممّا يجعل المدير يبدو دائماً بمظهر غير الكفء لوظيفته ويتراجع احترامه وهذا يدمِّر الفريق. [4]
التهديد الدائم بالرحيل
هناك موظفون أذكياء يعتقدون دائماً أنَّهم أعلى مكانةً من الوظيفة التي يشغلونها بالفعل، ويهدِّدونك دائماً بالرَّحيل، وهذا ليس من الأمور المريحة في العمل على الإطلاق، إذ يجب أن تضمن ولاء موظَّفيك الكامل أو على الأقلّ بنسبةٍ كبيرةٍ لتنفيذ الخطط التي تضعها بكفاءةٍ، ولكن من يهدِّدك باستمرارٍ بالرَّحيل، فهذا يجب أن تشجِّعه على المغادرة؛ لأنَّه بالتَّأكيد لن يعمل من قلبه، ومن ناحيةٍ أُخرى قد يشعر بالإحباط المستمرِّ، والافتقار للحماس اللَّازم لتأدية متطلَّبات وظيفته. [3]
هل تطرد الموظف الذكي؟
إذا وجدت صفةً واحدةً أو أكثر من الصِّفات السَّابقة في الموظف الذكي لديك، فإنِّه من المفيد للغاية لفت نظره أو حتَّى تهديده بالطَّرد، إذ إنّ احترام المدير وقراراته أمرٌّ ضروريٌّ مهما كان مستوى خبرته أو ذكائه، كما أنَّ الالتزام بقواعد الشَّركة ومحاولة بذل كلِّ جهدٍ ممكنٍ من أساسيَّات العمل أمرٌ مهمٌّ أيضاً، فإذا كان يجد نفسه أفضل من المكان ومن زملائه فلن تتمكَّن من السَّيطرة عليه، وسيؤثِّر سلوكه سلباً بالتَّأكيد على بقية الفريق مهما كان في معزلٍ عنهم ومهما كان مستوى أدائه.
وبالطَّبع لن يقوم بكلِّ المهام، فإذا نفَّذ أشياءً بكفاءةٍ سيعوق تنفيذ مهامٍ أُخرى مكلّفاً بها بقية الفريق، ولكن إذا وظّف ذكاءه للمصلحة العامة واتَّسم بالذكاء العاطفي والاجتهاد، فهو بالتَّأكيد سيصبح من أكبر مكاسب فريقك وسيكون نموذجاً يسعى الجميع للاقتداء به في العمل الجادِّ والإنجاز، وهنا بالضّرورة لن يكون خطراً.
شاهد أيضاً: طريقة سهلة، بسيطة ومجانية لزيادة الإنتاجية والابتكار في اجتماعاتك
في النِّهاية، إنَّ الذكاء هو قيمةٌ إنسانيَّةٌ كبيرةٌ للغاية ولا شكَّ في ذلك، ولا يعني ما سبق أنّه في حال كنت ذكياً فأنت موظَّفٌ فاشلٌ أو دائماً ما تتّخذ قراراتٍ خاطئةً أو أنَّك لا بدَّ أن تكون خطراً، فالذَّكاء واحدٌ من أهمِّ أسباب النَّجاح، ولكنَّه ليس كافيَّاً بمفرده على الإطلاق، فذكاؤك من المفترض أن توظِّفه لصالح الفريق لكي تكون إضافةً له بالفعل، وكموظف ذكي عليك أن تستغلَّ مهاراتك في جمع المعلومات بكفاءةٍ أكبر، واقتراح حلولٍ فعَّالةٍ أكثر، ولكن مع حرصك الدَّائم على التَّواضع في الوقت ذاته.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.