لماذا باع Warren Buffett نصف حصته في Apple؟
السرُّ في تعلّم استراتيجيّة اتّخاذ قرارات التّخلّي في الوقت المناسب، وفقاً للمعطيات القائمة والأهداف المُحدّدة
لعدّة سنواتٍ، ابتعدَ Warren Buffett، المُستثمرُ الأكثر نجاحاً ومتابعةً في العالمِ، عن شركاتِ التّكنولوجيا، وقد كان Buffett، المعروفُ بمنهجيّتهِ الدّقيقةِ، يوضّح أنّه يستثمرُ فقط في الأعمالِ التي يفهمها، ولم تكن التّكنولوجيا ضمن اهتماماتهِ. ولكن في عام 2016، بدأت شركتهُ Berkshire Hathaway الاستثمارَ في شركةِ Apple، حيث اشترت أسهماً بقيمة مليار دولارٍ، وبحلول عام 2017، ارتفعت هذه القيمةُ لتصلَ إلى أكثر من 28 مليار دولارٍ. إجمالاً، قامت Berkshire بإنفاق 40 مليار دولارٍ على حصّتها في Apple. ومنذ ذلك الحين، ارتفع سعرُ سهمِ الشّركة بنحو 800%.
في يوم السّبت، كشف Buffett في ملفٍّ قُدّم إلى هيئة الأوراقِ الماليّة والبورصاتِ الأمريكيّة (SEC) أنّه باع تقريباً نصفَ أسهمهِ في Apple، محقّقاً 76 مليار دولارٍ. وفي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، باعت الشّركةُ عدداً أقلّ من الأسهم، ممّا جعلَ إجمالي الأسهم المُباعة هذا العام يتجاوزُ 500 مليون سهمٍ، وهو ما يُمثّلُ 56% من إجمالي حصّة Berkshire في Apple.
يبدو الأمرُ مذهلاً أنّ Buffett، رغمَ انتظاره لفترةٍ طويلةٍ قبل الاستثمارِ في شركة تكنولوجيا، قد حقّق نجاحاً كبيراً، إذ جلبت له Apple أرباحاً ضخمةً، وهذا يُعدُّ جزءاً مهمّاً لفهمِ ما يحدثُ.
حاليّاً، تُعتبر Apple الشّركةُ الأكثر قيمةً في العالمِ، وهي أيضاً الأكثر قيمةً في تاريخها، بإجمالي قيمةٍ سوقيّةٍ تبلغُ 3.3 تريليون دولارٍ، حتّى بعد البيع، تظلّ Apple أكبر حيازةً لشركة Berkshire Hathaway.
هذا التّوقيت مهمٌّ جدّاً؛ لأن Buffett لم يُوضّح بشكلٍ محدّدٍ سبب تخلّصه من أسهم Apple، لكنّه أشار في السّابق إلى أنّه يُخطّط للاحتفاظِ بأسهمِ الشّركة، إلّا إذا حدثَ شيءٌ استثنائيٌّ للغاية، ويكمنُ التّساؤل عن سببِ قرارِ Buffett ببيع كمّيةٍ كبيرةٍ الآن، فهل هناك وقتٌ أفضل لبيع سهمٍ من وقتِ وصولهِ لأعلى مستوياتِه على الإطلاق؟
حتّى لو كنتَ تعتقدُ أنّ السّهمَ قد يرتفعُ أكثرَ، في بعضِ الأحيانِ يكونُ من المنطقيّ التّخلّي عنهُ، ولفهم السّبب، يُمكن النّظر فيما ذكرهُ Buffett في الاجتماعِ السّنويّ الأخير لـBerkshire Hathaway بشأن تزايد النّقديّة في الشّركةِ، وقال Buffett: "نودُّ إنفاقها، لكنّنا لن نفعلَ ذلكَ، إلّا إذا كُنّا نعتقدُ أنّنا نقوم بشيءٍ ذي مخاطر قليلةٍ، ويُمكن أن يُحقّقَ لنا الكثيرَ من المالِ".
تلك الكلماتُ الأخيرةُ: "يُحقّق لنا الكثير من المال"، مهمّةٌ جدّاً؛ لأنّ Buffett، بقدرِ ما يُعجبُ بشركةِ Apple ككيانٍ واستثمارٍ، مهمّتهُ النّهائيّة هي معرفةُ كيفيّة تحقيق أكبر قدرٍ من المال لمساهميهِ، ويبدو من المعقولِ التّساؤل، مع وصولِ Apple إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، عن المجال الذي سيستثمرُ فيه Buffett الـ76 مليار دولارٍ الّتي باعها، والّذي سيُحقّقُ له العائد المنشودَ، إلّا إذا كان يعتقدُ أنّ Apple ستستمرُّ على نفسِ المسارِ -وهو ما يبدو أقلّ احتمالاً بالنّظر إلى حجمها الكبير- فإنّهُ من المنطقيّ التّفكير في طرقٍ أُخرى لاستثمارِ رأس المال.
للتّوضيح، لا أعتقدُ أنّ Buffett قلقٌ بشأنِ Apple. في الواقعِ، قال في الماضي إنّه كان سيشتري الشّركةَ بأكملها إذا كان بإمكانهِ، وقد أوضحَ Buffett أنّ سببَ اعتقادهِ أنّ Apple رائعةٌ، هو أنّها شركةٌ مُدارةٌ بشكلٍ ممتازٍ، وأشادَ بقيادةِ Tim Cook.
وأشارَ Buffett سابقاً إلى أنّه باعَ جزءاً قليلاً من أسهم Apple؛ لتجنّبِ احتماليّةِ ارتفاعِ مُعدّلات الضّرائب في المستقبلِ. بعبارةٍ أُخرى، يختارُ Buffett تحقيقَ ربحٍ معيّنٍ الآن، مع متغيّراتٍ معروفةٍ، مثل معدّل الضّرائب المُنخفض، بدلاً من المراهنةِ على المجهولِ، ويبدو من المُحتملِ أنّ Buffett يبيعُ أسهمَ Apple كتحوّطٍ ضدّ عدم اليقين -ليس بالضّرورة في الشّركة، ولكن في العالمِ الأوسعِ.
بصراحةٍ، أنا أقلّ اهتماماً ببيعِ Buffett لأسهم Apple؛ لتكونَ مثل درسٍ في الاستثمارِ لأخذ العبرةِ، لا أملكُ حتّى أسهماً في شركاتٍ فرديّةٍ، لذا بينما أحترمُ مهارات Buffett الاستثماريّة، فأنا أكثر اهتماماً بهذه الخطوة كمبدأ قياديٍّ.
هناك درسٌ بسيطٌ، ولكنّهُ مهمٌّ هنا: يجبُ دائماً أن تكونَ مُستعدّاً للتخلّي عن شيءٍ ما إذا كان ذلكَ هو الأفضلُ لأعمالكَ؛ حتّى لو كنت تعتقدُ أنّ هذا الشّيء رائعٌ جدّاً، فسيأتي بلا شكٍّ وقتٌ يتعيّن عليكَ فيه اتّخاذ قرارٍ بين الاستمرارِ في نفس الاتّجاه أو النّظر في شيءٍ جديدٍ، ولا يجبُ أخذُ أيّ من هذين الخيارين بغير جديّة، ولكن النّقطة هي أنّه في بعضِ الأحيان يكون أفضلُ ما يُمكنكَ القيام به لشركتكَ هو التّخليّ. أحياناً، تتطلّبُ وظيفتكَ التّخليّ عن شيءٍ تُقدّرهُ بشدّةٍ لكي تتمكّنَ من جني الكثيرَ من المالِ.