لماذا تخطّط Intel لتَسريح 20% من موظّفيها؟
الرّئيس التّنفيذيّ الجديد في "إنتِل" يَشرع بخطوته الجريئة: خفض التّكاليف عبر تسريح 21,000 موظّف في محاولةٍ لاستعادة أمجاد صانع الرّقائق

في شهر كانون الأوّل الماضي، أجبر الرّئيس التّنفيذيّ لشركة "إنتل" (Intel)، بات غلسنغر، على مغادرة منصبه؛ الرّجل الّذي وصف يوماً بأنّه المنقذ لهٰذه الشّركة العريقة في مجال أشباه الموصلات، عندما تولّى القيادة عام 2021. ومع استمرار تراجع أداء الشّركة، اختار مجلس الإدارة المضطرب "ليب بو تان" لتولّي المنصب في آذار الماضي، وقد وعد بإعادة "إنتل" إلى مجدها السّابق.
في كلمةٍ تحفيزيّةٍ ألقاها خلال مؤتمرٍ داخليٍّ، قال "تان" بوضوحٍ: "البيروقراطيّة تقتل الابتكار"، متحدّثاً عن حاجةٍ ماسّةٍ إلى تحوّلٍ عميقٍ في ثقافة الشّركة، تحوّلٍ يغيّر الجوهر لا الشّكل فقط. والآن، يبدو واضحاً أنّ المرحلة الأولى من خطّته تشمل خفضاً جذريّاً في التّكاليف، وذٰلك من خلال تسريح ما يصل إلى 20% من القوّة العاملة.
نحو هيكلةٍ جديدةٍ تعيد للشّركة جذورها
بحسب تقريرٍ حديثٍ نشرته "بلومبرغ"، تهدف هٰذه التّخفيضات إلى تفكيك البيروقراطيّة وإعادة توجيه الإدارة نحو ثقافةٍ قائمةٍ على الهندسة والتّقنيّة، في محاولةٍ لإعادة الشّركة إلى أسسها الأصليّة.
أقرّ "تان" بالحاجة إلى اتّخاذ قراراتٍ صعبةٍ، دون أن يفصح عن خطّة التّحوّل الكاملة. لٰكنّه اعترف بأنّ "إنتل" تراجعت في مسار الابتكار، ووعد في الوقت نفسه بتوسيع أنشطة "المصنع التّعاقديّ"، أي تصنيع رقائق لعملاء خارجيّين دون تصميمها داخليّاً، وفقاً لما نشرته "ياهو فينانس".
وأفاد بعض الموظّفين بأنّهم كانوا يتوقّعون عمليّات التّسريح حتّى قبل صدور تقرير "بلومبرغ".
التّأثير بالأرقام... والتّوقيت الحسّاس
سيؤثّر هٰذا القرار على نحو 21,000 موظّفٍ. وكانت "إنتل" قد أنهت عام 2024 بعدد موظّفين يقارب 109,000، وذٰلك بعد موجة تسريحٍ سابقةٍ أزالت نحو 15,000 وظيفةٍ. لٰكنّ القلق يتنامى في أوساط العاملين، الّذين عبّروا عن مخاوفهم من أن تؤدّي التّخفيضات الجديدة إلى تدهور الرّوح المعنويّة، بل وإحداث فوضى داخل الشّركة، لا سيّما في وقتٍ تحاول فيه "إنتل" طرح ما وصفته "ياهو" بأنّه "تقنيّة تصنيعٍ جديدةٌ مرتقبةٌ بشدّةٍ"، بهدف التّفوّق على شركة TSMC التّايوانيّة، الرّائدة عالميّاً في صناعة الشّرائح التّعاقديّة.
طريقٌ شاقٌّ لاستعادة الهيمنة
لطالما كانت ملصقات "Intel Inside" تزيّن مليارات أجهزة الحاسوب، في علامةٍ واضحةٍ على الهيمنة. لٰكن تحوّلاتٍ كبرى في عالم التّقنيّة دفعت عملاء مثل "أبل" (Apple) إلى التّخلّي عن معالجات "إنتل"، واعتماد رقائق أقوى وأقلّ استهلاكاً للطّاقة، قائمةٍ على تقنيّات شركة "ARM" البريطانيّة.
وتزامن هٰذا الانحدار مع الصّعود السّريع والمذهل لشركة "إنفيديا" (Nvidia) الّتي أصبحت تهيمن على سوق رقائق الذّكاء الاصطناعيّ، ممّا زاد من تراجع "إنتل" على سلّم الشّركات الرّائدة.
وهل "إنتل" وحدها؟
ليست "إنتل" الوحيدة الّتي تسعى إلى إعادة هيكلتها نفسها عبر تقليص الموظّفين. شركاتٌ كبرى مثل "ميتا" (Meta) و"مايكروسوفت" (Microsoft) سلكت المسار ذاته. لٰكنّ ما يميّز مقاربة "تان" أنّها لا تستهدف الموظّفين ذوي الأداء المنخفض، بل تسعى إلى تفكيك ثقافة الشّركة المثقلة بطبقات الإدارة الوسطى، الّتي تبطئ الابتكار، وتحول دون قدرة فرق الهندسة على اللّحاق بالمنافسة.
إنّ تكدّس طبقات الإدارة من أبرز أخطاء الثّقافة المؤسّسيّة. ويقول الخبراء إنّ الجمود النّاتج عن هٰذا التّكدّس يعرقل الإنجاز، ويضعف العاملين الّذين يشكّلون العمود الفقريّ الحقيقيّ لأرباح أيّ شركةٍ. كما يفاقم التّكاليف التّشغيليّة.
ومن هٰذا المنطلق، يمكن اعتبار قرار "تان" نموذجاً قويّاً لأيّ رئيسٍ تنفيذيٍّ يسعى إلى إنقاذ ثقافة شركته وأدائها قبل فوات الأوان.