لماذا تفقد مؤسستك روح الإبداع مع نموها؟
سر النجاح للمؤسسات على المدى الطويل يكمن في إيجاد طرقٍ لدمجِ بعض القواعد الصارمة مع الحفاظ على روح الإبداع، فكيف تفعل ذلك؟
كقاعدةٍ عامّةٍ، تزخرُ المؤسّساتُ في مراحلها الأولى بالإبداعِ، وتتمتّعُ بقلّةِ القواعدِ أو بقواعد ذات كثافةٍ منخفضةٍ. قد يكون لديهم قاعدةٌ واحدةٌ توجّه كلّ ما يقومون به في العملِ، مثل "السّعي لإسعاد العميل". [1]
وهذا يبدو منطقيّاً في هذه الأيّامِ الأولى، حيث يكون الهدفُ هو بذلُ كلّ ما في الوسعِ من أجلِ البقاءِ على قيدِ الحياةِ. لكن، مع توسّعِ الشركات، تبرزُ القواعدُ والبيروقراطيةُ كعنصرٍ مهمٍّ للحفاظِ على تنظيمِ الأمورِ. ولكن المشكلة تكمنُ في أنّ روّادَ الأعمالِ غالباً ما يمقتون القواعد، ولذا تجدُ معظم المؤسّساتِ نفسها عند مفترق طرقٍ إذا استمرّت في التوسّعِ.
إلا أنّ سرَّ النجاحِ للمؤسّساتِ على المدى الطويلِ، يكمنُ في إيجادِ طرقٍ لدمجِ بعض القواعد الصارمة مع الحفاظ على روح الإبداع.
إيجاد التوازن
هناك العديدُ من الدّراساتِ حول مفهومِ الأنظمةِ التكيفيّةِ المعقّدةِ، وهي تلكَ الأنظمةُ التي تجمعُ بين القواعدِ والإبداعِ. تأمّل الأمرَ: هناكَ مناطقُ في كلّ مؤسّسةٍ تكون فيها القواعدُ ضروريّةً، تحتاجُ إلى الاستقرارِ والقدرةِ على التنبّؤ، مثل: إعدادِ كشوفِ المرتّباتِ، والتأكّدِ من دقّةِ الحساباتِ. لهذا السّببِ، تعتمدُ أقسامٌ كالمواردِ البشريّةِ والمحاسبةِ وحتى العمليّاتِ بشكلٍ كبيرٍ على القواعدِ. في جسمِ الإنسانِ، يمكنُ مقارنةُ ذلك بالعمليّاتِ التي يجبُ أن تحدثَ تلقائيّاً وباستمرارٍ، مثل التّنفّسِ.
ولكنّنا، نعلمُ أيضاً ما يحدث عندما تطغى القواعدُ على كلّ شيءٍ: فهي تكبتُ الإبداعَ، الأمرُ الحيويّ لتقدّمِ المؤسّسةِ بشكلٍ مبتكرٍ، إذ إنّ الجمودَ يُمكن أن يخنقَ المرونة.
على سبيل المثال، إذا أردتَ من فريقِ التسويق لديك أن يطوّرَ حملاتٍ إبداعيّةً ومبتكرةً لمنتجاتك وخدماتك، فلا يجبُ إثقاله بالقواعد الصارمة. والأمرُ نفسه ينطبقُ على تطوير المنتجات، سترغبُ في أن يتّجه تفكيرهم نحو كسر القواعدِ بحثاً عن أفكارٍ جديدةٍ بدلاً من التّقيّدِ بها. وبذلك، يكون الهدفُ هو إيجاد التّوازن الذي يسمحُ لمؤسّستك بالتكيّف والنّموِّ.
شاهد أيضاً: لديك مشاكل في مؤسستك؟ إليك دليل المدير التنفيذي لغرس ثقافة عمل مزدهرة
دور القائد
كقائدٍ، عليك إيجادُ هذا التّوازنِ بين القواعدِ والإبداعِ، إنّها المنطقةُ التي تلتقي فيها القوى المتعارضةُ وغالباً ما يحدثُ فيها الصّراعُ.
تخيّل سيناريو، حيث يسعى فريقُ المبيعاتِ لديك وراءَ صفقةٍ كبيرةٍ بقيمةِ 20 مليون دولارٍ، وقد تجاهلوا تقديمَ تقريرِ النّفقاتِ في الوقتِ المحدّد، ممّا أثار استياءَ فريقِ المحاسبة. ماذا تفعل في هذه الحالة؟ أيّهما أهمّ في هذا السّيناريو: متابعةُ فريقِ المبيعاتِ للصفقةِ الكبيرةِ أم التزامهم بالقواعدِ فيما يخصّ تقارير النّفقات؟
مثالٌ آخرُ: عندما كنتُ أديرُ شركةً في مرحلةِ نموّها المبكّرِ والسّريعِ، خطّطَ أحدُ قادتي الإداريّين لكتابةِ دليلٍ للموظّفين يتألّفُ من 50 صفحةٍ يحتوي على قواعدَ تحدّدُ كلّ ما يجب على الجميعِ القيامُ به في الشّركةِ.
لكنّني رأيت أنّ مثل هذه المشاريعِ تمثّلُ منحدراً زلقاً يؤدّي بنا لنصبحَ مؤسسةً مبنيّةً على القواعدِ الصارمةِ، في وقتٍ كنّا نسعى فيه للتّكيّفِ والبقاءِ. لذا قرّرتُ إلغاءَ مشروعِ دليلِ الموظّفِ لصالحِ مفهومٍ أبسطَ بكثيرٍ: قاعدتنا الوحيدةُ هي أن "يتصرّف كلّ موظّفٍ كمحترفٍ بالغٍ". هذا كلّ شيءٍ.
كان هذا المبدأ بسيطاً وقدّم لنا دليلاً ممتازاً خلال نموّنا وتوسّعنا في السّنوات التّاليةِ. كنت أدرك أنّنا في نهايةِ المطافِ سنحتاج إلى قواعدَ أكثرَ صرامةً مع توسّع المنظّمةِ، ولكنّ هذا سيكونُ بعد أن نحقّق تحسيناً ونموّاً في أعمالنا.
الخدعةُ، مرّةً أخرى، هي في التّوازن: كثافةُ قواعد منخفضة عند البحثِ عن الابتكار، وكثافة قواعد أعلى عند السّعي للحصولِ على القدرةِ على التنبّؤ.
شاهد أيضاً: 5 كتب عن المبيعات ينبغي أن يقرأها كل قائد عمل
التكيّف مع المستقبل
ستواجهُ كلّ منظّمةٍ هذا التّحدّي بين اتّباعِ القواعدِ وكسرها بحثاً عن الإبداعِ والابتكارِ. والحقيقةُ هي أنّك تحتاجُ إلى كليهما. ولكنّ قوانينَ الطّبيعةِ تميلُ إلى أن تؤدّي إلى طغيانِ القواعد الصّارمة، وإقصاءِ القواعد الإبداعيّة اللّينة، مع مرورِ الوقتِ؛ لا تدع هذا يحدثُ في مؤسّستك، فعندما تتغلغلُ الكثيرُ من القواعد في مؤسّستك، تخاطرُ بفقدانِ قدرتك على التكيّف مع المستقبل.
الحفاظُ على التوازن بين القواعد والإبداع ليس مجرّد تحدٍّ يواجههُ القادةُ فحسب، بل هو جزءٌ أساسيٌّ من رحلةِ كلّ منظّمةٍ نحو التطوّرِ والتقدّمِ. ويتطلّب هذا الأمرُ دقّةً في التّقييمِ ومرونةً في التّطبيقِ، وقبل كلّ شيءٍ، فهماً عميقاً لطبيعةِ عملكَ وثقافةِ مؤسّستك. إنّ القدرةَ على الموازنةِ بين هذين العنصرين تعدّ مفتاحاً للنّجاحِ في عالم الأعمال المتغيّرِ والمتطوّرِ باستمرارٍ.