الرئيسية الريادة لماذا لا يمكن للاجتماعات الافتراضية أن تحل محل الواقعية؟

لماذا لا يمكن للاجتماعات الافتراضية أن تحل محل الواقعية؟

رغم كفاءة العمل عن بُعد، تظلّ اللّقاءات الشّخصيّة عاملاً حاسماً في بناء الثّقة وتعزيز العلاقات وإنجاز الصّفقات بفعاليّةٍ تفوق التّفاعلات الرّقميّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

خلال العام الماضي، استأنفتُ رحلاتي العمليّة المعتادة حيث توجّهت لزيارة مكاتب عملائي في مدنٍ مختلفةٍ حول العالموبكلّ صراحةٍ، لم أكن أرى في هذه الرّحلات ضرورةً ملحّةً، إذ أنّني -مثل الكثيرين- تأقلمت تماماً مع أداء مهامي عبر مكالمات الفيديو والبريد الإلكترونيّ والمكالمات الهاتفيّة، فقد كنتُ أظنّ: قضاء الوقت مع العملاء متعةٌ، لكن بإمكاني إنجاز العمل من المنزل بنفس الكفاءة، لكنّني أدركتُ خطئي.

ما إن وطأت قدماي مكاتب عملائي حتّى عاد بي الزّمن إلى الأيّام الخوالي، حيث أصبحت كلّ محادثةٍ بمثابة تذكيرٍ بقيمة اللّحظات العابرة الّتي لا تستطيع التّفاعلات الافتراضيّة إعادة خلقها، فعند التّحديق يوميّاً في شاشاتٍ تعرض لنا سلسلةً من الصّور كما في برنامج "هوليوود سكويرز" (Hollywood Squares) نفقد تلك التّفاصيل الدّقيقة؛ من تعابير الوجه وحركات الجسد إلى نبرة الصّوت والحضور الجسديّ.

وحتّى المناقشات المعقّدة تصبح أكثر سهولةً حين نتبادل النّظرات مباشرةً، ونتشارك وجبةً معاً، ونتفاعل كبشرٍ حقيقيّين بدلاً من مجرّد صورٍ رمزيّةٍ في مكالمات الفيديوولا يخفى على أحدٍ أنّ إبرام الصّفقات يتمّ بسلاسةٍ أكبر في اللّقاءات الشّخصيّةلقد أعادت لي هذه التّجربة درساً أساسيّاً غالباً ما يُهمل في مناقشات مسار الأعمال الحديثة: التّفاعل الشّخصيّ ليس مجرّد كماليّاتٍ أو رفاهيّةٍ إضافيّةٍ، بل هو ضرورةٌ وامتيازٌ يستحقّان العناية.

مواجهة الواقع

انغماسي العميق في عالم تكنولوجيا الأعمال بين الشّركات جعلني غارقاً في الشّعارات والمبالغات، حتّى أنّ زياراتي الأخيرة للفرق الدّاخليّة والعملاء أوضحت لي أنّ لكلّ شيءٍ ثمناًفي المؤسّسات الرّقميّة، تُحقّق الكفاءة والرّؤية التّشغيليّة على حساب فقدان الاتّصال الإنسانيّ العميق والمُعبّر.

وليس هناك ما يخفّف من حقيقة أنّني، رغم إدراكي للسّخريّة في التّأسف لفقدان الاتّصال البشريّ في عصر التّرابط المؤسّسيّ، سأكون أوّل من يعترف بأنّ الأنظمة المترابطة تقدّم فوائد كبيرةً لكلّ من العاملين والشّركات؛ فهي تسهّل التّواصل بين الفرق الّتي باتت أكثر انفصالاًوبالمثل، أثبتت سياسات العمل من المنزل والعمليّات اللّامركزيّة جدواها بعوائد مبهّرةٍ. ولكن، تكمّن المشكلة في اعتمادنا المفرّط على الأدوات الرّقميّة الّتي أتاحت لنا هذا النّمط من العمل، فقد بدأنا نعتبر مكالمات الفيديو والتّعاون عبر الإنترنت بدائل للتّفاعل الشّخصيّ بدلاً من أن تكمله.

لقد أصبحنا مرتاحين للغاية للعمل في بيئاتٍ مفصولةٍ جسديّاً حتّى أنّنا نسينا الإحساس الّذي ينشأ عن التّواجد معاً في مكانٍ مشتركٍ، وكذلك الفوائد الملموسة الّتي تجلبها العلاقات الإنسانيّة وجودة العمل النّاتجة عن اللّقاء الفعليّنحن نسمح باتّساع الفجوة بيننا وبين زملائنا، وبين المدراء ومرؤوسيهم، وبين القادة التّنفيذيّين وباقي أعضاء المؤسّسات، وبين الشّركات وعملائها.

مهما تكرّرت الكلمات، فإنّ جائحة كوفيد-19 قد غيّرت كلّ شيءٍ، والذكاء الاصطناعي اليوم يعيد تشكيل كلّ جوانب حياتنا. سواء أحببنا ذلك أم لا، لا يزال هذا الوضع يُثير تساؤلاتنا، وسنظلّ نتأمّل معانيه لسنواتٍ قادمةٍ، فقد حان الوقت للاعتراف بتعقيد الوضع الرّاهن وتحليله بعمقٍ.

إعادة الضبط وإعادة التفكير وإعادة التّصوّر

يكمن التّحدّي المستقبليّ في إيجاد التّوازن المناسب، فلا يمكن إنكار أنّ مزايا الرّقمنة والعمل عن بعدٍ تفوق عيوبهما، إذ لا مفرّ من استمرار هذه التّحوّلاتنحن الآن نعيش في عالمٍ جديدٍ كلّيّاً -وربّما يراه الكثيرون أفضل - لكن هذا لا يعني أنّه يمكننا تجاهل الجوانب الّتي لا تفضي إلى تقدّمٍ حقيقيٍّمن المؤكّد أنّ المؤسّسات ستواصل تطوير أنظمتها الرّقميّة واستكشاف إمكانيّات الأتمتة والابتعاد عن المكاتب المركزيّة، ومع تزايد نجاح بعض الشّركات وإعلانها عن نتائجها، ستتصاعد الضّغوط على غيرها لتسريع وتيرتها.

لقد أدّت هذه الدّورة إلى ضخّ مليارات الدّولارات في الاستثمارات المؤسّسيّة، وأكثر من ذلك في الأبحاث التّكنولوجيّة خلال العقد الماضي، ومن المتوقّع أنّ يستمرّ هذا الاتّجاه -ويجب أن يستمرّ- خلال هذا العام والعام القادم وفي المستقبلعلى الرّغم من ذلك، ينبغي على القادة أن يتراجعوا خطوةً للخلف، وأن يدرك العيوب المحتملة للرّقمنة، وأن يعيدوا تقييم منهجيّتنا، ومن الضّروريّ تخصيص وقتٍ للتّجمّعات الشّخصيّة، سواء داخل الفرق أو مع العملاء.

يجب العمل على إقامة روتينٍ ثابتٍ للاجتماعات وجهاً لوجهٍ، وإعادة توجيه الأموال الّتي كانت تُخصّص سابقاً لأوقات التّرفيه المكتبيّ، مثل: الرّحلات الجماعيّة، واجتماعات التّواصل بين أعضاء الفريق، وغيرها من التّجارب الأخرى الّتي تُعزّز العلاقات وتبني مجتمعاً متماسكاً داخل وخارج بيئة العملوإن لم نفعل ذلك، فإنّنا نخاطر بفقدان ما هو أهمّ بكثيرٍ من الأرباح: فرصة التّواصل الحقيقيّ والإنسانيّ مع بعضنا البعض.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: