كيف تتحرر من آراء الآخرين وتحقق أهدافك؟ دروس من أساطير السلة
استراتيجيات للتغلب على تأثير آراء الآخرين واكتساب الثقة لتحقيق النجاح من قصص Wilt Chamberlain وRick Barry
لقد كنتُ شاهداً على مهارة Wilt Chamberlain في ملاعب كرة السَّلَّة الأمريكيَّة خلال طفولتي، وكان طويلاً جدّاً يفوق السَّبع أقدام، وفي مباراةٍ لا تُنسى، استطاع أن يُسجِّل مئة نقطةٍ، وهو إنجازٌ لم يسبقه إليه أحدٌ ولم يلحق به أحدٌ، والسِّرُّ في هذا العدد الاستثنائيّ من النِّقاط كان رمياته الحرَّة، فقد أحرز 28 نقطةً من خطّ الرَّمية الحرَّة، محقّقاً بذلك رقماً قياسيّاً آخر، والسُّؤال هو: كيف استطاع فعل ذلك، وهو الّذي كان معروفاً بضعفه في الرميات الحرة؟
كان يتَّبع أسلوب رمية "الجدة"، أي يُمسك الكرة بين ساقيه ويُطلقها نحو السَّلَّة من تحته، وعلى الرَّغم من طرافة الأسلوب، كانت فعاليته في تسجيل النّقاط ملحوظةً.
شاهد أيضاً: 10 أسباب تجعلك تتوقف عن انتظار رضا الآخرين
لكن Chamberlain لم يستمرَّ في استخدام هذا الأسلوب، والسبب هو أنَّه لم يعجبه الشَّكل الذي يبدو عليه، وكان يستاء من السُّخريَّة التي يتلقَّاها من الجماهير؛ لذلك تخلَّى عنه وعاد ليكون لاعباً ضعيفاً في الرَّميات الحرَّة، حيث كان يسجّل فقط 40% منها.
أمَّا أسطورة كرة السلة، Rick Barry، فقد أجاد استخدام رمية الجدة، وخلال مسيرته، سجَّل نحو 90% من الرميات الحرة، ومثله مثل Chamberlain، تعرَّض للسُّخرية، لكنَّه لم يأبه لذلك، وكان Barry يعشق التَّفوُّق ويهتمُّ بالنَّتائج أكثر من الصُّورة التي يظهر عليها، وفي أحد المواسم، أخفق في تسع رمياتٍ فقط طوال السَّنة، وبالمقارنة يُخطئ Lebron James في حوالي 150 رميةً حرَّةً في العام، والفارق كبيرٌ، ومع ذلك يبقى أسلوب الرَّمية تحت اليد نادر الاستخدام اليوم، وعندما سأل باري عدداً من لاعبي الدَّوري لماذا لا يتَّبعون هذا الأسلوب، أجابوا بما قاله Chamberlain: لا تعجبهم الطَّريقة التي يبدون بها وهم يرمون الكرة.
شاهد أيضاً: أتريد أن تكون أكثر تعاطفاً؟ تجنّب افتراض معرفة مشاعر الآخرين
عندما تكون المظاهر على المحكّ
لماذا يميل معظمنا إلى التَّشبُّه بـ Chamberlain أكثر من التَّشبُّه بـ Barry؟ لماذا نهتمُّ بشكلٍ مفرطٍ بآراء الآخرين، وأحياناً بآراء أشخاصٍ لا نعرفهم يختبئون وراء الشَّاشات؟ يبدو هذا غير منطقيٍّ، لكن نحن نعيش في عالمٍ تسوده وسائل التواصل الاجتماعي، وثقافة الأحكام المسبقة والإقصاء، ممَّا يغذّي هوساً بآراء الآخرين ويُعزّز موقفاً يقدِّس أحكام النَّاس.
Barry، الذي أصبح من المهاجمين المشهورين في قاعة المشاهير، هو اللَّاعب الوحيد الذي تصدَّر قائمة الهدَّافين في الدّوري الجامعيّ الأمريكيِّ (NCAA)، والدَّوري الأمريكيّ للمحترفين (NBA)، والدّوري الأمريكيّ لكرة السَّلَّة (ABA)، لم تعنه الآراء السَّلبيَّة حول أسلوبه، فهل يُعدُّ مسار باري هو الحلُّ الأمثل؟ وهل هو بهذه البساطة؟
ليس بالضَّرورة، من المستحيل أن نتّخذ موقف "لا أهتمُّ" بشكلٍ كاملٍ، فنحن نعدُّ جزءاً من مجتمعٍ أكبر، حيث تلعب آراء الآخرين دوراً في حياتنا، لكن من غير الوارد أيضاً أن نتوقَّف عن الاهتمام بمشاعر وأفكار وتفضيلات النَّاس تماماً، فلا أحد يعيش في عزلةٍ كاملةٍ كناسكٍ على جزيرةٍ، وفي الوقت نفسه، أعتقد أنَّنا بغنى عن الاهتمام بآراء الآخرين، وعلى أيّ حالٍ لا يعدُّ أيّ من السُّلوكين صحيّاً، ولكن كيف نوازن بين الاثنين؟
وصف C.S. Lewis الأشخاص الذين يهتمُّون بشكلٍ مفرطٍ بعدم إغضاب الآخرين بأنَّهم "رجال بلا صدور"، ويشير هذا المصطلح إلى أولئك الذين يفتقرون إلى القناعات أو مجموعةٍ القيم التي توجه قراراتهم، هم تحت رحمة الرّأي العامّ، ويخافون من محكمة الحكم البشريّ بشدَّةٍ، فتراهم يتمايلون مع قوَّة رياح الثَّقافة السَّائدة، مثل كيسٍ ورقيٍّ فارغٍ موضوعٍ على طاولةٍ في الخارج أو بالونٍ غير مربوطٍ، وبإمكان نسمةٍ خفيفةٍ أن تطيح بهم، ولكن إذا كانوا مملوءين بالرَّمل أو بأيّ شيءٍ آخر ثقيلٍ، فعندها يمكنهم الصُّمود في وجه الرِّياح.
شاهد أيضاً: قيادة بوعي: استراتيجيات ذكية تحقّق التوازن بين الحياة والعمل
إذاً، كيف نحقّق التوازن في طرق تفكيرنا؟
أولاً، عليك التَّأكُّد من أنَّك لست "شخصاً بلا صدرٍ"، اسأل نفسك: هل أتحاشى الخلافات مع الآخرين خوفاً من آرائهم المخالفة؟ إذا كانت الإجابة نعم، فمن الضَّروريّ أن تغذِّي نفسك بقيمٍ ثابتةٍ تُمكِّنك من الوقوف صامداً ولا تتمايل مع كلّ هبَّةٍ من رياح الثَّقافة السَّائدة، وطوّر مجموعةً من المبادئ الرَّاسخة التي تعمل كالرَّمل داخلك، لتحافظ على ثباتك، للقيام بذلك، ابدأ بإعداد قائمةٍ بالمعتقدات الأساسيَّة التي تؤمن بها بقوَّةٍ.
إذا وجدت صعوبةً في إعداد هذه القائمة، فالعلماء قد كتبوا الكثير في هذا المجال، إذ يُعدُّ كتاب The Road to Character لمؤلِّفه David Brooks مصدراً قيّماً، وكذلك كتابه الأحدث How to Know a Person، كما أنَّ كتاب The Principle-Centered Leader لمؤلّفه Stephen Covey سيزوُّدك بأدواتٍ ممتازةٍ لتطوير قيمك الشَّخصيَّة، ويجب أن نتبع ما في دواخلنا، لا ما يفرضه علينا الخارج، وكما يقول Benjamin Franklin: "إنّها عين الآخرين التي تدمُّرنا، لو كنت أعمى، لما احتجت لملابس فاخرةٍ أو منازل باهظةٍ أو أثاثٍ مُترفٍ".
ثانياً، طرح سؤال "لماذا" على نفسك يكشف الكثير، لماذا تهتمُّ بآراء الآخرين بهذا القدر؟ الدَّوافع خلف اهتماماتنا تكشف الكثير عن طبيعتنا، والسَّبب وراء قيامك بشيءٍ ما يحدَّد في نهاية المطاف ما تفعله، وكلُّ شيءٍ يرجع إلى الدَّافع، وإذا كان اهتمامك بآراء الآخرين ينبع من حبِّك واحترامك لهم كأفرادٍ، فهذا دافعٌ صحيٌّ وطبيعيٌّ، وتدرك أنَّك جزءٌ من مجتمعٍ أكبر يؤثِّر ويتأثَّر بالآخرين، ومن الضَّروريّ أن تفكِّر في تأثيرك عليهم، أمَّا إذا كان قلقك من أحكامهم ينبع فقط من رغبتك في تجنُّب كراهية النَّاس لك، فهذا شأنٌ آخر.
سيأتي اليوم الذي لا يحبُّك فيه فريقك، وإذا كنت والداً، قد يأتي يومٌ لا يحبُّك فيه أطفالك، وإذا كنت تقود أيّ شيءٍ وعليك أن تتَّخذ موقفاً في قضايا رئيسيَّةٍ، فسيكون هناك من لا يحبُّك، ولكن لا يمكنك أن تتوقَّع إرضاء الجميع طوال الوقت، صحيحٌ أنَّ القيادة تتعلَّق بكلّ من النَّتائج والعلاقات، ولكن يجب أن تُحقِّق نتائج، وإلّا فأنت لا تقود حقّاً، وفي نهاية المطاف، قد نحتاج إلى التَّفكير مثل Barry لا مثل Chamberlain.