لماذا يجب على الشركات توظيف الأشخاص "غير المستقرين في وظائفهم السابقة"
ستعيد النظر في قرار رفضك لتوظيف الأشخاص غير المستقرين في وظائفهم السابقة بعد قراءتك لهذه المقالة.
أخبرَ أحدُ المدراءِ التّنفيذيّين المديرَ التّقنيّ "جوكول راجارام" إنّه لا يميلُ لتوظيفِ الأشخاصِ غير المُستقرّين في وظائفهم السّابقةِ، ويقصدُ بذلكَ الأشخاصَ الذين تنقلّوا بين عدّةِ وظائفٍ، ولم يستقرّوا في أيٍّ منها لمدةٍ تزيدُ عن العامِ أو العامِ ونصفٍ. وعليه نشرَ راجارام منشوراً على منصّة إكس (تويتر سابقاً) يقول فيها:
"أنصحُ الباحثين عن عملٍ حاليّاً أو مستقبلاً بالاستقرارِ في وظائفهم طويلاً، وعليهم تحقيقُ إنجازاتٍ في كلِّ شركةٍ يعملون بها قبل التّفكيرِ بالانتقالِ إلى شركةٍ أخرى، لأنّ الوصولَ إلى مرحلةِ الإنجازِ، وتركِ البصمةِ في العملِ يحتاجُ من 3 إلى 5 سنواتٍ على الأقلِّ."
انتشرَ ذلك المنشورُ كالنّارِ في الهشيمِ، وتمّت مشاهدتُه لأكثرِ من 3 ملايين مرةً حتّى موعدِ إعدادِ هذه المقالةِ. وفي حين وافقَ البعضُ على النّصيحةِ، إلّا أنّ كُثراً اعتبرُوها باليةً وسخيفةً ولا تمتُّ للواقعِ بصلةٍ.
في الواقعِ، يميلُ الكثيرُ من المدراءِ التّنفيذيين إلى رفضِ الأشخاصِ غيرِ المستقرّين في وظائفهم السّابقةِ، اعتقاداً منهم أنّ هذا السلوكَ يُوحي بعدمِ المسؤوليةِ أو عدمِ القدرةِ على الالتزامِ، لكن هذا التّعميمُ والصّورةُ النّمطيةُ المأخوذةُ عن الأشخاصِ غير المُستقرّين في وظائِفهم قد يكونان مجحفين بعض الشّيء.
يقولُ الكاتبُ جاستن باريسو تعليقاً على منشورِ راجارام: "يُمكنني فهمُ كلتا الحالتين لأنّني عملتُ مع شركةٍ واحدةٍ لمدةِ 13 عاماً، وتعلّمتُ الكثيرَ منها، لكنّني تركتُ عملي ذاك وتنقلّت بين عدةِ وظائفٍ. لذا يُمكنني القولُ من خلاصةِ تجاربي السّابقةِ بوجودِ 3 نقاط هامّة لم يُلاحظها كلٌّ من راجارام وصديقِه المدير التنفيذي، وهي:
1. يمتلك الباحثون عن عملٍ والمدراءُ أهدافاً وأساليبَ تفكيرٍ ووجهاتَ نظرٍ مختلفةٍ، لذا يفتقر كلامُ المديرِ التّنفيذي الرّافضُ لتوظيفِ الأشخاصِ غير المستقرّين في وظائفهم السّابقةِ إلى التّعاطفِ مع الباحثِ عن العملِ، ويِمكن أن يضرّ بمصلحةِ شركته على المدى الطّويل.
2. يميلُ النّاسُ إلى التّنقلِ بين الشّركاتِ بحثاً عن بيئةِ العملِ المريحةِ والمناسبةِ لهم. لذلك تُقلِّلُ ثقافةُ مكانِ العملِ المناسبةُ من مخاطرِ عدمِ استقرارِ الموظّفين فيها، فإن كانت شركتُك تتمتّعُ بثقافةِ عملٍ مناسبةٍ ومتماسكةٍ، فلماذا تعتقدُ أنّ موظفاً جديداً قد يرغبُ في مغادرتِها؟
3. أخيراً، توجدُ الكثيرُ من الأسبابِ التي قد تدفعُ موظّفاً لمغادرةِ مكانِ عملٍ ما. لذلك لا يعني عدمُ استقرارهِ في وظيفةٍ ما أنّه شخصٌ غيرُ ملتزم أو غير كفؤ. لذلك يخلوا هذا المعيارُ المحدّدُ لرفضِ المتقدمين إلى الوظائفِ من التّعاطفِ، والأصحّ أن يتمّ التّعامل مع كل متقدّمٍ كحالةٍ خاصّةٍ مع محاولةِ فهم الأسبابِ الحقيقيّة لسلوكه الوظيفيّ السّابق بدلاً من تنميطهِ أو وسمهِ بعدمِ الالتزامِ.
اقرأ أيضاً: بيل غيتس: ينصح شباب اليوم بالمرح والاستمتاع في حياتهم. والعلم يؤكد.
يتوسّعُ باريسو في شرحِ النّقاطِ سابقةِ الذّكرِ والمُستندةِ إلى الذّكاءِ العاطفيّ، والقدرةِ على فهمِ وإدارةِ الانفعالاتِ، والتّعاطف مع الغيرِ، مستخلصاً منها الدّروسَ التّاليةَ:
الدرس الأول: التعاطف
تتأطّرُ نصيحةُ راجرام بمنظورِ الشّركةِ فحسب. إذ لا تقرّ الشّركاتُ عادةً بأنّ الأهدافَ الرّئيسيّةَ التي يسعى أيّ موظّفٍ للحصولِ عليها في عمله هي المالُ والتّقديرُ، ولا يميلُ غالباً لاكتسابِ الخبرةِ أو التّعلمِ، ويتعامل معها كأهدافٍ ثانويّةٍ؛ أي أنّ غيابَ الأولى لا يشعره بأهميّةِ الثّانيةِ.
كتب آنو أتلورو وهو مستثمرٌ وأحدُ مؤسّسي شركةِ سوشيال سلانغ النّاشئةِ، رداً على تغريدة راجارام: "تُكرّسُ هذه النّصيحةُ قدرةَ أي شركةٍ على الانتقاصِ من خبرةِ وكفاءةِ الموظّفِ، لا الشّركة التي كان يعملُ بها سابقاً."
أي قبلَ رفضِ هذا الموظّفِ أو ذاك، عليك معرفة إذا ما منحته الشّركاتُ السّابقةُ التي عملَ بها التّقديرَ أو المُرتّبَ الذي يستحقّهُ. فقد يكون موظّفاً ذا كفاءةٍ عاليةٍ، لكنّ الشّركات السّابقة التي عملَ بها تجاهلُته أو قلّلت من شأنهِ.
الدرس الثاني: ركز على ثقافة المنظمة
يبحثُ أيّ شخصٍ عن شركةٍ ليستقرّ بها، وهذا الميلُ موجودٌ أيضاً في الأشخاصِ غير المستقرّين سابقاً، لكنّ العثور على العملِ المناسبِ أمر صعب للغايةِ، فلا يمكننا معرفةَ ذلك من مقابلةِ العملِ فحسب، فالتّجربةُ ضروريةٌ.
كتبَ بريان نيكولز ناصحاً: "لا تكنْ صبوراً، وابحثْ عن المكانِ الذي تشعرُ فيه بأكبرِ قدرٍ من الانسجامِ والتّقديرِ، فلن تعلمَ مقدارَ قيمتكَ وتأثيركَ في عملٍ ما خلالَ يومين تقضيهما مع مسؤولِ التّوظيف في مقرِّ الشّركةِ."
مع العلمِ أنّ بريان هو صاحبُ رأسمالٍ مغامرٌ، ومؤسسٌ مشاركٌ لمجتمعِ المستثمرين المساهمين في الشّركاتِ النّاشئةِ الجديدةِ؛ المُسمّى بـ "أنجل سكواد".
وكتبَ أيضاً:
"يجبُ أن يحاولَ أصحابُ العملِ إعطاءَ الأهميّةِ للسّنواتِ الأولى للموظّف في الشّركةِ، ومحاولة تقديمِ أفضل ما لديهم تماماً كما يفعلون في المقابلةِ. لذلك عليهم بالحوارِ مع موظّفيهم للتّأكّدِ من فهمهم لثقافةِ الشّركةِ، وإذا ما كانت تتناسبُ مع ميولِ الموظّفين واتّجاهاتهم.
الدرس الثالث: قد يكون التنقل بين الوظائف مفيداً لجميع الأطراف
نفت نصيحةُ راجرام وجودَ فوائدٍ للتّنقلِ المستمرِّ بين الوظائفِ. فقد تُحدِثُ الخبرةُ المكتسبَةُ من التّعامل مع شركاتٍ عديدةٍ وبخبراتٍ مختلفةٍ تأثيراً مهمّاً في أيّ شركةٍ جديدةٍ. كما يميلُ الأشخاصُ كثيرو التّنقلِ إلى تركِ انطباعٍ إيجابيٍّ عبر إظهارِ قدراتهم، والتّأثير إيجاباً في أيّ مكانٍ يعملون فيه بسرعةٍ كبيرةٍ.
فلو كنتَ مديرَ شركةٍ ما ولا تميلُ لتوظيفِ الأشخاصِ غير المستقرين، تذكّر أنّ المهاراتِ والخبرةِ التي يجلبها المتنقلون بين الوظائفِ، يمكن أن تكون مفيدةً للشّركةِ.
ختاماً، قبل أن تضعَ قواعداً أو سياساتٍ شاملةٍ للتّوظيفِ، حاول قراءةَ الموقفِ والحالةَ بأعينِ الموظّفين المحتملين، وحاول أيضاً:
- بناء ثقافةٍ تدفعُ الموظّفين للبقاءِ.
- الاستفادة من مهاراتِ الموظّفين وتقديرها، حتّى يتمكنوا من تقديمِ مساهماتٍ مؤثّرةٍ بشكلٍ أسرعَ.
- إدراك وجودِ العديدِ من الأسبابِ التي قد تدفعُ الموظّفين إلى مغادرةِ أعمالهم، وقرّر توظيفهم بناءً على قدراتِهم، ومهاراتِهم، وخبراتِهم.
إذ سيساعدك ذلك على إنشاءِ إستراتيجيةٍ أكثرَ فعاليةٍ لك، ولشركتكَ، ولموظفيكَ، وهو أمرٌ يصبُّ في مصلحةِ الجميعِ.