لماذا يمكن للتعاطف مع الذات أن يدفعك للنجاح، مدعوماً بالعلم
رغم أن الأمر يبدو غير منطقي، إلا أن الترفق بنفسك قد يزيد احتمالية تحقيق هدف صعب
بقلم جيف هيدن Jeff Haden، محرر مساهم في إنك Inc
قبل عدّةِ سنواتٍ أجريتُ استفتاءً لمتابعيَّ على منصة لينكد إن LinkedIn؛ لأرى أين يكون موقعهم في نطاق (طيف) عقليّة النّجاح، سواءً من حيث التّوقعات، خصوصاً عند ارتكاب الأخطاء، أو التّقصير، أو إن كانوا متعاطفين مع ذواتهم نسبياً. [1]
كانت النّتيجةُ، كما توقعتَها على الأرجحِ، أنّ الأغلبيةَ السّاحقة يقْسون على أنفسهم. كانوا يشعرون أن ما يفعلونه بشكلٍ جيّدٍ لا تكون جودته كافيةً أبداً، وكانوا أسوأ نُقّادٍ لذواتهم. والصّلابة النّفسية التي أصبحوا يتمتّعون بها كانت جزئيّاً نتاج صلابتهم مع أنفسهم.
ما يبدو منطقيّاً هو مقولةٌ قديمةٌ أورِدُها هنا بتصرّفٍ، "كلما توقّعتَ الأفضلَ من نفسِك، كان إنجازكَ أكبرَ، حتّى لو قصّرت قليلاً." أم أن الأمر ليس كذلك؟!
وفقاً لدراسةٍ نُشرت في نشرة الشخصيّة وعلم النّفس الاجتماعيّ Personal and Social Psychology Bulletin، فإن معاملة نفسك بتعاطف -بمعنى رؤيةِ نقاطِ ضعفك وإخفاقاتك وأخطائك كأمرٍ طبيعيٍّ في الحياة- ستكون أفضل دافعٍ لك للتغلّب على نقاطِ ضعفكَ تلك، ولتحسين أدائكِ.
وكما كتب الباحثون:
"من المفارقةِ أنّ هذه النّتائجِ تشيرُ إلى أن اتّباع نهجٍ يقبل الفشلَ الشّخصيّ، قد يزيد دافعيّة الأشخاصِ لتحسين أنفسهم."
هناك أيضاً هذه الدراسة التي نُشرت في مجلة الذّات والهويةِ Self and Identity، والتي وجدتْ أن التوتر المتزايد النّاتج عن نقدِ الذّات يزيد فعليّاً من سلوكِ التّسويف. (وكما بيَّنَ بحثٌ آخر، كلما قلَّتْ ثقتك بحصيلة أمر تحتاجه أو تريد فعله، كان احتمال قيامك بتأجيله أكبر.)
هل أصبحتَ أكثر دافعيّةٍ لتحسين نفسك؟ أصبحتَ تميل للبدء بالعمل بدل تسويفه؟ وذلك فقط لأنّك أصبحت أقلّ قسوةٍ على نفسك؟
بالنّسبة لشخصٍ من جيلي (حسناً، بالنسبة لي)، يبدو ذلك حماسيّاً وضبابيّاً نوعاً ما. فلطالما كان دَيدَني ونهجي في التّفكير أنه يجب أن أقوم بفعلٍ أفضل، يجب أن أكون أفضل.
مع ذلك فهذا لا يتناسبُ مع إيماني بتبنّي عقليّة نموٍ. إن لم تكن مطَّلعاً على الأمرِ، فبحسب بحثٍ عن الإنجازِ والنّجاحِ قامت به عالمةُ النّفس في جامعة ستانفورد كارول دويك Carol Dweck، يميل الناس إلى اتّباع إحدى طريقتين للوصول إلى الموهبةِ، ألا وهما:
- عقليةٌ ثابتة: وهي الاعتقاد بأنّ الذّكاء، والمقدرة، والخبرة أمورٌ فطريّةٌ وثابتةٌ نسبياً: أنّنا نمتلك ما وُلِدْنا به. فتجد الأشخاص ذوي العقليّة الثابتة كثيراً ما يقولون أشياء مثل "لست بهذا الذكاء" أو العلم لا يناسبني".
- عقليةُ نموٍّ: وهي الاعتقادُ أن الذّكاء، والمقدرة، والخبرة يمكن أن تتطوّر بالعملِ والجهدِ؛ أنّ هويتنا هي ما نعمل للوصول إليه. وتجد أصحاب عقليّة النّمو كثيراً ما يقولون أشياءَ مثل: "إن واصلتُ المحاولة، سأنجح في ذلك،" أو "الأمر عاديٌ؛ كلُّ ما أحتاجه هو إعادةُ المحاولة".
اقرأ أيضاً: 6 حيل نمو بسيطة للشركات الناشئة
ماهي مشكلة العقلية الثّابتة؟ مهما كان تقديرك لذاتك صلباً، عندما تعتقد أنك "خُلِقْتَ هكذا" وتجد نفسك تعاني، عندها ستشعر بالعجز. فطبيعتك ليست كافية، وبذلك تتوقّف عن المحاولة.
أما أصحاب عقلية النمو فيميلون إلى الترفق بأنفسهم أكثر، لكن دون تخفيف تركيزهم على التّحسين أو الإنجاز. فهم يواصلون المسيرة لأنّها الطّريق إلى النّجاح الذي يأملون تحقيقه. قد لا يكونون كما يريدون الآن، لكنّهم يستطيعون الوصول لذلك مع الوقتِ والجهدِ.
هل ستترفق بنفسك قليلاً هذه اللحظة؟ ذلك لا يعني أن تُرخي معاييرك، ولا يعني أن أهدافك لم تعد ساميةً. إنه يعني فقط أن الضّعف والإخفاق خطوةٌ طبيعيةٌ على طريق الإنجاز النّهائي. اتّبع هذا المنهج، فتقدير الذّات ليس عاملاً هنا. أنت لست "خاسراً"، أنت فقط خسرتَ هذه المرة، وأنت لست "فاشلاً"، أنت فقط لم تنجح هذه المرّة.
جرّب هذه الطّريقة، وعندما ترتكبُ خطأً في المرّةِ القادمةِ، أعطِ نفسك فرصةً، ولا تُسهب في النّظر إلى نتائجِ هذه المرّة، إلّا لتتعلّم منها. ركّز على المرةِ القادمةِ، لأنّ ما يهمُّ هو أنّك حاولتَ، وأنّك ستستمرُّ بالمحاولةِ.