لِمَ تشكل الاستدامة ميزة تنافسية بالنسبة لكل شركة
كيف تُغيّر توجهات الاستدامة طريقة عمل الشركات
بقلم شون كيم Sean Kim، المدير التنفيذي لشركة Rype
الاستدامة مفهوم جديد نسبياً بتبلوره في أواخر القرن العشرين، وقد عرّفتها جامعة مكغيل McGill University بأنها "تلبية احتياجاتنا دون الإضرار بقدرة أجيال المستقبل على تلبية احتياجاتهم." لكن في السنوات الأخيرة أصبح المفهوم حركةً بحد ذاتها، مستهدفة المؤسسات الكبيرة لتبدّل ممارساتها عن طريق تطبيق تقنيات أكثر محافظةً على البيئة مع الحدِّ من بصمتها البيئية. من هذا المنطلق أصبح المزيد من الشركات يركبون هذه الموجة. [1]
إن كنتَ من كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة، وبشكل خاص مديراً تنفيذياً للاستدامة، فإنك تحظى بموقع نافذ فيما يتعلق بتشريع ممارسات الاستدامة، ومع استمرار الحركة بإثارة الانتباه والدعم، لم يعد هذا التشريع مجرد "خيار جيد" لوضعه في أعلى سلم الأولويات.
تشكّل الاستدامة الآن اتجاهاً سائداً بـ 5234 شركة تبادر باتخاذ الإجراءات و2114 شركة تتعهد بالوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري. لكن تبقى هناك منطقة رمادية: فمن أين تبدأ هذه المؤسسات الكبيرة؟ وكيف تتجنب المخاطر أثناء ذلك؟
هناك ضغط هذه الأيام على الشركات الكبيرة لتنضم إلى حركة الاستدامة. لكن بالنتيجة، يقومون بتحديد أهداف دون إدراك لحجم البيانات المطلوبة لتعقب الانبعاثات، لاسيما انبعاثات النطاق الثالث (scope three emissions)، أو قبل القيام ببحث شامل عنها. هذه الانبعاثات لا تنتجها الشركة بذاتها بل ينتجها أولئك الذين تتحمل مسؤوليتَهم بشكل غير مباشر. وهنا يكمن التحدي.
فهم الصندوق الأسود
بهدف تسليط مزيد من الضوء على هذه المعضلة، جلستُ مع يان ريز Yann Risz المؤسس المشارك لشركة ألايند إنسينتيفس Aligned Incentives ومديرها التنفيذي، وهي شركة تقدم خدمات برمجية SaaS فتساعد المؤسسات على تخفيف التأثيرات المجتمعية والكلفة والمخاطر. تعمل الشركة مع مجموعة كبيرة من العملاء ذوي الأسماء اللامعة في مجالات تتراوح بين البيع بالتجزئة والزراعة والتكنولوجيا. ربما لم تسمع بهذه الشركة من قبل، وثمَّةّ سبب لذلك. فالشركة تعتمد في عملها أسلوبَ التخفي منذ سبع سنوات، لكنني اكتشفتها بالصدفة، أو ربما القدر. ما تقدمه هذه الشركة هو أداة برمجية أساسية، إي آي تراك AITrack، لمساعدة المؤسسات الكبيرة على الوصول لهدف صافي انبعاثات الكربون الصفري.
توجد حالياً منطقة رمادية هائلة حين تحدد المؤسسات أهدافاً قائمة على العلم كصافي الانبعاثات الصفري وهي غافلة عن المكان الحقيقي لنشوء هذه الانبعاثات، وهذا ما يشير إليه ريز بالصناديق السوداء. من المرجح أن يحدث الجزء الأكبر من هذه الانبعاثات في سلاسل التوريد، لكن الشركات لا تملك عملياً أية دراية بكيفية التأثير عليها. وبدون تقنية مناسبة لجمع التحليلات في سلسلة توريد شركة ما، يبدو الحصول على البيانات التي توضح الركائز الأساسية ونقاط الانبعاث النشطة مستحيلاً. لكن لِمَ يحدث هذا أصلاً؟
الاندفاع نحو الاستدامة
إن كنت صاحب عمل أو مديراً تنفيذياً في الإدارة العليا، فعلى الأرجح أنت تركز على الاستدامة لعدة أسباب: المستهلكون في التعامل بين الشركة والزبون B2C والعملاء في التعامل بين الشركات B2B يطالبون بها، وهي مفيدة للكوكب، والهيئات التنظيمية تطالب بإعداد تقارير عن الاستدامة. في الولايات المتحدة طرحت هيئة الأوراق المالية والبورصة قاعدة الكشف عن المناخ في شهر آذار مارس عام 2022 والتي تطالب الشركات المساهمة العامة الأمريكية بالكشف سنوياً عن كيفية تقييم أعمالهم للمخاطر المتعلقة بالمناخ وكيفية تقديرها ومعالجتها.
ليست الاستدامة مجرد خيار صحيح نتبعه بل سرعان ما ستصبح ضرورةً على مستوى وطني. وهذا ما جعل الشركات تشعر بالضغط لتحديد هذه الأهداف، لكن في نفس الخطوة تحكم هذه الشركات على نفسها بالفشل في الوصول يوماً لهذه الأهداف.
يؤكد ريز أن "90% من هذه الأهداف صناديق سوداء". فالكشف عن الصناديق السوداء أبعدُ ما يكون عن السهولة، ومما فهمته من خبرة ريز، أدركت كم هي معقدةٌ هذه العملية، وخاصةً عند محاولة الوصول لصافي الانبعاثات الصفري.
مشكلة صافي الانبعاثات الصفري الكبرى
إن تحديد صافي الانبعاثات الصفري كهدف هو أمر ما، أما التعامل معه فهو أمر مختلف تماماً. إذ إن الغيمة الداكنة التي تلوح في الأفق وتلقي بثقلها على كثير من الشركات الكبيرة ما هي إلا مشكلة انبعاثات النطاق الثالث. وحالما تصل نسبة هذه الانبعاثات إلى نسبة 40% من إجمالي الانبعاثات لديك، عليك أن تُدْرِجها في بروتوكول غازات الدفيئة، لكن كيفية ذلك غالباً ما تُتْرَك خارج إطار المناقشة.
يقول ريز "أنت بحاجة لنهج جراحي يبدأ بفهم أولي" ويضيف "ما لم يكن لديك بيانات مجانية جيدة عن النطاق، فبالنسبة لمعظم الشركات يستحيل أن تحقق النطاق الكامل لهدفك."
وللحصول على معلومات النطاق الثالث، على الشركات أن تسأل موردّيها أو أن تصمم نموذجاً للانبعاثات باستخدام نماذج تقييم دورة الحياة (LCA). لكن تكمن مشكلة هذين الخيارين في أن الموردين لا تتوفر لديهم المعلومات الضرورية عادةً، وفي عدم وجود حل برمجي لتوليد عدد كبير من نماذج (LCA) عالية الجودة بسرعة وكفاءة _ حتى الآن.
المضي قُدُماً في مجال الاستدامة
قبل أن تتعهد بالوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري، يجب أن تفهم ما إذا كان هذا احتمالاً في المقام الأول. فهنا تدخل بيانات النطاق الثالث المفصّلة في الاعتبار. وتأتي برمجيات قابلة للتطوير مثل AITrack التابعة لريز لتساعد على تبسيط صافي الانبعاثات الصفري، مخففةً من إرباك هذا المفهوم. فالحل إذاً بسيط: احصل على رؤية مفصلة ودقيقة عن الانبعاثات من أَلِفها إلى يائها ثم ادمج معها تحليلاً مالياً وتحليلاً للاستدامة لتحقيق أهداف مثل صافي الانبعاثات الصفري.
ما هي نصيحتي لكبار المسؤولين التنفيذيين أينما كانوا؟ ابدأ بالتفكير بالخدمات اللوجستية لممارسات الاستدامة إن لم تكن قد بدأت بذلك، واستثمر تقنيات فعالة لتضع شركتك على مسار أكثر محافظةً على البيئة.