مؤسس مطاعم كنتاكي توفيّ مع سرّه وقبل أن يشاهد حلمه المستحيل يتحقق
تحوّلت مصيبة ذلك الطفل إلى نعمة تدرّ عليه مليارات الدولارات، فالطفل هارلاند ديفيد ساندرز خسر والده حين كان في الخامسة من عمره فقط.
تركته والدته راعياً لأخيه وأخته، فهمّ ليُحضِّرَ لهما الطّعام، هكذا كانت البداية في إعداد الطّعام والهوس به، كانت انطلاقةً سريّةً، لم يدرِ بها حتّى هارلاند نفسه، إذ لم يكن يعلم بأنّه سيصبح واحداً من أشهر أصحاب المطاعم في العالم، وسيصلْ عدد فروع مطاعمه إلى 11 ألف مطعم يتوزعون على دول الأرض.
ساندرز الذّي اشتهرت صورته على علامة مطاعم كنتاكي الشّهيرة، ولد في 9 أيلول/ سبتمبر 1890م بمدينة هنري فيل التّابعة لولاية إنديانا الأمريكيّة لأبٍ يعمل في مزرعة سبّبت له إصابةً جسديةً اضطرته للعمل كجزّارٍ لمدة عامين قبل وفاته، حين كان هارلاند في الخامسة من عمره.
بعد رحيل والده اضطرت والدته مارغريت آن للعمل في معملٍ للطّماطم، وكان عملها يكلّفها ساعاتٍ طويلةً، فيما كان هارلاند أكبر إخوته، وعليه رعايتهم وإعداد الطّعام لهم، لكن والدته تزوّجت عند حلول العام 1902م من ويليام برودوس، الرّجل الذّي كان سيئ التّعامل مع أبناء زوجته، ليترك هارلاند الدّراسة بعدها بعامٍ واحد فقط، وبدأ يتنقّل بالوظائف بين عامل مزرعةٍ، وسائقٍ، ورجل إطفاءٍ في السّكك الحديديّة، وموظف مبيعاتٍ لشركة تأمين، فضلاً عن عمله كجليسٍ للأطفال في إحدى الفترات.
كانت أحلام هارلاند أقوى من الظّروف، فراسل إحدى الجامعة، وتمكّن من الحصول على شهادةٍ في المحاماة، وعمل لفترةٍ وجيزةٍ كمحامٍ، لكنّه لم يحققّ شغفه وأحلامه، فترك المهنة وعمل في محطةٍ للوقود، والتّي كانت بدايته السّرية الثّانية، إذ شرع بتقديم وجبات الطّعام للمارّة، فقدّم لزبائن المحطّة وجباتِ الدّجاج، واللّحم، والخضار، علماً أنّه كان قد وصل إلى الأربعين من عمره.
ومع تطوّر عمل تلك الغرفة الصّغيرة في محطّةِ الوقودِ افتُتِح مقهى ساندرز، على وقع حديثِ أحد أصدقائه المتذمّر من عدم وجود مطعمٍ للوجبات السّريعة في الولاية، ذلك المقهى الذّي كان بدايته الحقيقيّة في عالم امتلاك المطاعم وإدارتها، ومنحه حاكم ولاية كنتاكي عام 1935م لقب "كولونيل"، تعبيراً عن تقديره لجودة طعامه.
في الأثناء، فكّر هارلاند أن طهي الدّجاج بالزّيت يستغرق وقتاً طويلاً، ما دفعه للبحث وصولاً إلى "الوصفة السّرية" التّي اشتهر بها، والمكوّنة من 11 نوعاً من الأعشاب والتّوابل لقلي الدّجاج، كما اخترع إلى جانب الوصفةِ طنجرةَ ضغطٍ قادرةً على مساعدته في تنفيذ فكرته.
واتّسعت شهرة هارلاند مع وصفة وجبات كنتاكي بسرعةٍ متناهيةٍ، حيث قام عام 1952م بأوّل صفقةٍ لبيع امتياز استخدام اسم مطعمه لصالح صاحب مطعم في سولت لايك سيتي، متابعاً تنقّله في أنحاء الولايات المتحدة، ليتمكّن عام 1962م -بعد أن تجاوز السّبعين من عمره- من بيع امتياز اسمه لـ 600 مطعم، ثم باع حصّته في شركة كنتاكي فرايد تشيكين مقابل مبلغ مليوني دولار آنذاك، إضافةً لمقعد دائمٍ في مجلس الإدَارة.
كما اشترت شركة هيبلين عام 1971م شركة كنتاكي مقابل 285 مليون دولارٍ، قبل أن تستحوذ عليها شركة بيبسيكو مقابل 840 مليون دولارٍ في حينه، علماً أن القيمة السوقيّة للشّركة عام 2019م وصلت إلى 31.5 مليار دولارٍ.
أصيب هارلاند بمرض سرطان الدّم مع دخوله التّسعين من عمره، أثناء مواصلته زيارةَ فروعِ مطاعمِ كنتاكي كسفيرٍ ومؤسّسٍ للعلامة التّجاريّة، حاملاً سرّ وصفتها الشّهيرة إلى أن تُوفيّ في مدينة لويزفيل بولاية كنتاكي، قبل أن يرى حلمه يتجاوز حدود المعقول، ويصل ليكون واحداً من أشهر العلامات التّجاريّة في العالم، ولتُصبح صورته أشهر من أن تُعرّفَ، بعد أن غزت دول العالم بفروع مطاعم كنتاكي التّي حظيت بنجاحٍ باهرٍ، بفضل الوصفة السّرية لنكهة دجاجها المَقليّ، تلك التٌي اخترعها هارلاند، وأبقى سرّها محصوراً بشركته، وخالداً بعد رحيله من خلال فروع مطاعم كنتاكي المسمّاة تيّمناً باسم ولايته.