ما سر تفضيل بعض المستثمرين الاحتفاظ بأموالهم على استثمارها؟
في مؤتمر في أورلاندو، أشخاص أغنياء كبار في السن يرغبون في العودة بدورة الاستثمار إلى الوراء.
بقلم هوارد تولمان Howard Tullman، شريك إداري عام في G2T3V، وفي Chicago High Tech Investors
من أفضلِ الأمور وأحسنها أن تأخذَ خطوةً أو اثنتين خارج فقاعتك الماليّة، والتّعليمية، والإعلاميّة، والمجتمعيّة، وتعرِّض نفسكَ (بعقلٍ مفتوحٍ قدر الإمكان) لبيئةٍ مختلفةٍ كليّاً لبضعة أيام. لقد عدتُ لتوّي من المشاركة في مؤتمر The MoneyShow Orlando، وهو مؤتمرٌ ماليٌّ سنويٌّ كبيرٌ يُقام في مكانٍ يبعد عدّة أميالٍ من ديزني، وقد كان المؤتمر مثل المملكة السّحرية نفسها، في اعتنائها بقوانين الصّحّة العامّة، وانغلاقها على نفسها، وتركيزها على ذاتها. اجتمع مئاتٌ من المتحدّثين الماليّين، ومقدّمي الصّناعة ومستشاري الاستثمار، والشّخصيات الإعلاميّة، والمستثمرين المُستقلّين من العديد من الولايات لعدّة أيامٍ، ليحضروا المحاضرات، والعروض، والنّدوات، والمحادثات حول حالة العالم، والاقتصاد، وأوضاعهم الماليّة ومحافظهم الاستثماريّة، والمستقبل. [1]
يكفي أن نقولَ إنّ رؤيتهم للوضع الحاليّ كانت مظلمةً للغاية. إنّهم يشتاقون لأيام ترامب الذّهبية، حيث يعتقدون أنّ العالمَ كان مشرقاً. كان من الممكن لشركة يونيفرسال Universal أن تحقّق أرباحاً كبيرةً من خلال عرض فيلم "عودة إلى المستقبل" طوال ذلك اليوم. والأهمّ من ذلك، فإنّ آراءهم موسومةٌ بالتحجّر ولا تتأثّر بنقاشٍ أو حوارٍ.
كان معظم هؤلاء الرّجال والنّساء بعيدين جدّاً عن الوضع العام، ولا يُمكن أن يغيروا اتجاههم. لكن لقاء متخصصي الصناعة المالية والماليين بجميع أنواعهم والتحدّث معهم، ومشاهدة العديد من العروض المثقلة بالأرقام والرّسوم البيانية، والتوقّعات، والتحذيرات، وحضور الاستطلاعات والاستفتاءات الأخرى التي تعكس مستوياتٍ مدهشةٍ من إجماع الآراء، كانت تجربةً قويةً وقيّمةً، وتفتح العين على الواقع، وكذلك كانت تجربةَ تفجيرٍ للفقاعة.
إلى أن تقوم بزيارةِ أجزاءٍ أخرى من العالم، فإنّك لن تفهم بالضّبط مدى عمق وجديّة وثبات بعض الأفكار والمعتقدات والمواقف السّياسية. والأهمّ بكثيرٍ هو كيف تؤثّر هذه الأفكار والمعتقدات على حياة هؤلاء الأشخاص وقرارات استثمارهم. تجد الكثير منهم ممن يكنز الذّهب، ولكن لا يوجد أيّ لاعبٍ كبيرٍ في عالم البيتكوين بين هؤلاء. يبدو لي أنّهم يتذكّرون جيّداً كوارث فقاعة الدوت كوم dot.com فآثروا الابتعاد عن العملات المشفّرة.
الحديث مع هذه الجماهير عن آفاقٍ مثيرةٍ للابتكار، والتّقنيات الجديدة، وسرعة وصول التّغيير الجذريّ والحتمي كان مثل تقديم مفهوم السّرطان بالنسبة لهم. "تنظيف" أيّ شيءٍ يُعتبر كلمةً قذرةً بالنسبة لهم. المناخ هو السّبب الذي يجعلهم يعيشون في الجنوب، وإذا كان ذلك مقبولاً بالنسبة لك، فسيكونون سعداء بأن يروا الأمور تستمرّ على ما هي عليه؛ على الأقلّ إلى أن يرحلوا. إنه يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ حالة الملك لويس الخامس عشر في فرنسا في أواخر القرن الثامن عشر، الذي قال على ما يبدو "بعد موتي، فليأتِ الطّوفان".
شاهد أيضاً: من التحول إلى التطور: تبَنّي تغيير رقمي من أجل نجاح طويل الأمد
الأمرُ الواضح هنا بشكلٍ خاصٍّ، وأعتقد أنّ وسائل الإعلام لا تفهمه بشكلٍ صحيحٍ، هو أنّ عدداً هائلاً من الإجراءات التي يتخذها هؤلاء الأشخاص والأفراد الذين يختارون دعمهم، والأفكار السّياسية التي يفضّلون مناصرتها، ليست مبنيةً على وضعهم الاقتصادي الحاليّ. إنّهم سعداءُ جدّاً بما لديهم، ولا يشعرون بحماسةٍ كبيرةٍ لمشاركته، وبالتّأكيد لا يرغبون في خسارته.
لم يكن أيّ من الحضور في حالةٍ يرثى لها على الإطلاق، على الرّغم من وجود قلقٍ مستمرٍّ (لا نقول إنه خوفٌ) بشأن ما قد يحدث في المستقبل. وكانت غالبية الحديث تتعلّق بالحفاظ على رأس المال بدلاً من زيادته؛ بطابعٍ دفاعيٍّ. ولم يكن يضاهي رائحة الاستقرار الكريهة إلّا رائحة موزّعاتِ معقّماتِ اليدين الموجودة في كلّ مكانٍ.
ما يعنيه هذا بالنسبة لروّاد الأعمال وبناة الأعمال الجدد ووكلاء التّغيير وحتى مستثمري رأس المال المغامر ليس واضحاً تماماً، ولكن من الواضح أنّه ليس خبراً جيّداً عندما يكون ملايين المستثمرين المستقلّين والذين كانوا نشطين سابقاً -والذين يجلسون على تراكماتٍ كبيرةٍ من رؤوس الأموال بعد جائحة كوفيد- يقفون مكتوفي الأيدي أساساً. إنّهم خارج السّوق، ينتظرون مخلّصاً يظهر ويعيد السّاعة إلى الوراء عقداً أو اثنين.
شاهد أيضاً: 3 طرق للتعامل مع الرّدود السلبية من المستثمرين بمهارة
إنّ استنتاج حجم هذه العينة التي أعترف بصغرها بالنسبة لحجم السكان بشكلٍ عامٍّ هو أسهل ممّا تتخيّل عندما ترى إلى أيّ درجةٍ مذهلةٍ تكون جميع القنوات ووسائل الإعلام والمعلومات الموجّهة إلى هذا الحشد داعمةً بشكلٍ عدوانيٍّ لرؤيةٍ مظلمةٍ واحدةٍ للاقتصاد والسّياسة والمستقبل في غياب تغييرٍ سياسيّ شاملٍ.
أكثر من ثلث البائعين في مساحة المعرض كانوا يروّجون للكتب، والنّشرات، والاشتراكات في البودكاست وغيرها من الموارد الاستشاريّة، وكانت الرّسائل متجانسةً بشكلٍ ملحوظٍ. لقد كان خليطاً قوياً بين قصّة دجاجةِ ليتل Chicken Little والملحمة الكبرى Armageddon.
سنحتاج إلى مراجعة وإصلاح قصصنا وعروضنا إذا أردنا أيّ فرصةٍ ممكنةٍ للوصول لهؤلاء المستثمرين واجتذابهم. وفيما يلي مجالات الرّغبة والاهتمام التي يبدو أنّها استطاعت اختراق هذا الجمهور. كما أقول غالباً، إذا لم يكونوا يستمعون، فلن يهمّ ما تقول أو تبيع.
التغيير في مجال الرعاية الصحية
ليس فقط لأنّهم أصبحوا أكبر سنّاً أو لأنّها أصبحت جزءاً من حياتهم اليوميّة يكبر يوماً بعد يومٍ، بل لأنّهم: (أ) يعلمون أنّ النّظام معيبٌ، و(ب) مهتمون بتولّي دورٍ أكثر فعاليةٍ في إدارة صحّتهم ورعايتهم الصّحية. يستخدم اثنان من كلّ خمسةِ بالغين في الولايات المتّحدة بالفعل تطبيقاتٍ وأجهزة الرّعاية الصّحية يومياً.
لا يُمكنني التحدّث بما فيه الكفاية عن ساعة آبل وفكرة أخذِ موقفٍ استباقيٍّ بدلاً من موقفِ ردّ فعلٍ فيما يتعلّق بصحّتنا. وبشكلٍ مثيرٍ للاهتمام، هناك فرقٌ ملحوظٌ وشعورٌ بالرّاحة هنا بين الابتكار (سريعٍ وسيءٍ) و"من المفترض أن يكون منذ زمنٍ" (جيّداً وبطيئاً بشكلٍ مُطَمْئِنٍ).
شاهد أيضاً: الإمارات تطلق أول مركز تميّز بالذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية
الخصوصية مصدر قلق رئيسي
ليس لأنّهم قلقون بشكلٍ مفرطٍ حيال خصوصيتهم الشّخصية، فمعظمهم يفهمون أنّ الأوان قد فات على ذلك. إنّما لأنّهم لا يرغبون في أن يتمّ خداعهم أو اختراقهم أو سرقة هوياتهم أو أموالهم.
المصدر الحقيقيُّ للقلق بشأن الخصوصيّة هو كيف سيؤثّر ذلك على استثماراتهم في غوغل وفيسبوك. فعلى عكس أمازون وآبل ومايكروسوفت، ما زال كل من غوغل وفيسبوك يعتمدان على إيرادات الإعلانات المعتمِدة على انتهاك خصوصيتنا، ولكن الحكومة (و41 ولايةٍ على وجه الخصوص) بدأت أخيراً في التنبّؤ بالمخاطر وبالمشكلة.
وفي العام السّياسي الهائج القادم، ستكون مهاجمة أبسط فرصةٍ عند عمالقة التّكنولوجيا كأشرارٍ يقتلون أطفالنا هي خيارٌ لا يحتاج إلى تفكيرٍ ومكسبٍ سهلِ المنال للمشرِّعين الكُسالى في واشنطن. ولا يمكن أن يكون هذا خبراً جيّداً لمارك أو سندار (مالكي فيسبوك وغوغل) أو حاملي أسهمهما.
قصص توفير الوقت والجهد
الوقت هو أندرُ الموارد في حياتنا وأكثر قيمةً بكثيرٍ من المال بطرقٍ كثيرةٍ. فسهولة الاستخدام والوصول للمعلومات، والرّاحة والبساطة، وزيادة الإنتاجيّة إلى جانب اتّخاذ قراراتٍ أفضل، كلّ هذه قصصٌ بسيطةٌ ومفهومةٌ جيّداً لتُروى وتباع. اجعلها سهلةً بالنسبة لي، وستحصل على دعمي.
شاهد أيضاً: 5 طرق بسيطة وفعّالة لتخفيف ضغوط الحياة اليومية ورفع الإنتاجية
هم حقاً لا يهتمون بذريتهم
سواءً كان ذلك دقيقاً تماماً أم لا، فهؤلاء الأشخاص يعتقدون بشكلٍ عامٍّ أنّهم عملوا بجدٍّ وكسبوا ثروتهم بجدارةٍ. وهم مقتنعون -إلى حدٍّ كبيرٍ- بأنّ أبناءهم لا يفهمون ذلك، ويتّسمون بأخلاق عملٍ سيئةٍ، وأنّهم غير مؤهلين لرعاية مصالحهم الخاصّة.
لقد فوجئتُ بالعدد الكبير من الحاضرين الذين استخدموا حرفيّاً هذا المبرر لشرح سبب استمتاعهم الآن بأموالهم قدر ما يستطيعون، بينما لا يكترثون كثيراً بتوريث ثرواتهم لأبنائهم. ومع انحسار جائحة كوفيد-19 أخيراً، توقَّعْ زيادةً كبيرةً في الأنشطة والخدمات والمغامرات بدلاً من البضائع المعمِّرة والعقارات. فهم يعلمون أنّهم لا يمكنهم أخذ ثروتهم معهم وأنّ الأكفان ليس لها جيوبٌ.