زلات اللسان: تعرّف على أنواعها وأسباب حدوثها
إليك العوامل المُسبّبة لزلة فرويد، مع ذكر أمثلة واقعية تشرح هذه الحالة الطبيعية بوضوح
هل تساءلت يوماً لماذا ينتهي بنا الأمرُ أحياناً إلى قولِ شيءٍ مُختلفٍ تماماً عمَّا قصدناهُ؟ يُمكن أن تؤدِّي هذه الزلات اللفظية العرضيَّة إلى مواقفَ مُحرجةٍ، ولكن ما الذي يُسبِّبها؟ وللكشف عن الأسباب الكامنة وراء هذه الظَّاهرة، يُوضِّح الباحثون أنَّ "البارابراكسيس"، المعروف أيضاً باسم الانزلاق الفرويدي (Freudian slip)، يشيرُ إلى خطأٍ في الكلام أو الذَّاكرة يعتقدُ سيغموند فرويد أنَّه يكشف عن رغباتٍ وحوافز خفيَّةٍ من العقل اللَّاواعي. وفقاً لفرويد، هذه الزَّلَّات ليست أخطاء عشوائيَّةً، ولكنَّها أخطاءٌ ذات معنىً تُقدِّم نظرةً ثاقبةً لأفكارنا ومشاعرنا العميقة.
السَّبب الشَّائع لزلة اللسان هو تأثيرُ الحداثة، وعندما يُفكِّر الشَّخص بشكلٍ مُتكرِّرٍ في شيءٍ ما، يُميل عقلهُ إلى التَّمسُّك به، ويُسهِّل هذا التَّأثير ظهور هذه الأفكار بشكلٍ غير متوقَّعٍ أثناء المحادثات، ويُمكن لأيّ إشارةٍ بيئيَّةٍ أن تؤدِّي إلى هذه الزَّلَّات بسبب التَّأثير المُتبقِّي لهذه الأفكار الحديثة.
على سبيل المثال، إذا كنت تُفكِّر كثيراً في إجازةٍ قادمةٍ، فقد تَذكُر عن غير قصدٍ كلماتٍ مُتعلِّقةً بالسَّفر في سياقاتٍ غير ذات صلةٍ، ويحدثُ هذا لأنَّ عقلك منشغلٌ بهذه الأفكار، وتنزلق دون قصدٍ إلى كلامكَ.
بالإضافة إلى ذلكَ، يلعبُ الحملُ المعرفيُّ دوراً مهمّاً في أخطاء الكلام، وعندما يكون دماغنا غارقاً في مهامٍّ أو معلوماتٍ مُتعدِّدةٍ، فإنَّه يصبحُ أكثر عرضةً لارتكاب الأخطاء، ويُؤدِّي الإجهاد والتَّعب إلى تفاقم هذا الأمر، حيث يُضعف الوظيفة الإدراكيَّة، ويجعلُ من الصَّعب التَّعبير عن الأفكار بوضوحٍ، ويُمكن للحالات العاطفيَّة، مثل القلق أو الإثارة، أن تُسهِم أيضاً في زلات اللسان عن طريق تعطيل عمليَّة الكلام الطَّبيعيَّة.
للأفراد المتحدِّثين بعدَّة لغاتٍ، يُمكن أن يسبِّبَ التَّدخّل من لغاتٍ أُخرى أخطاءً، وقد تختلطُ الكلمات أو العبارات المُتشابهة الصَّوت من لغاتٍ مختلفةٍ؛ ممَّا يؤدِّي إلى نطقٍ غيرِ مقصودٍ، ويمكن للعوامل العصبيَّة، بما في ذلك بعض الحالات أو الإصابات، أن تزيدَ من احتمال حدوث أخطاءٍ في الكلام أيضاً.
وفقاً للباحثين، فإنَّ فهمَ هذه العوامل يُمكن أن يُساعدَ في التَّخفيف من زلَّات اللِّسان؛ ممَّا يجعل التَّواصل أكثر فعاليَّةً، ويُقلِّل من احتماليَّة المواقف المُحرجةِ.
عوامل حدوث زلات اللسان
يُمكن أن تُسهمَ عدّة عوامل في حدوثِ هذه الأخطاء:
- الحِملُ المعرفيُّ: يُمكن أن يزيدَ الحِملُ المعرفيُّ العالي أو تعدُّد المهامِّ من احتماليَّة زلة اللسان، وعندما يقوم الدِّماغ بمعالجة أجزاءٍ مُتعدِّدةٍ من المعلومات في وقتٍ واحدٍ، فإنَّه يُمكن أن يُخطِئ في بعض الأحيان.
- الإجهاد والتَّعب: يُمكن أن يؤدِّي الإجهاد أو القلق أو التَّعب إلى إضعاف الوظائف الإدراكيَّة، ممَّا يُزيد من صعوبة نطق الكلمات بشكلٍ صحيحٍ.
- كلماتٌ متشابهةُ النُّطق: يُمكن أن تختلطَ الكلمات الَّتي لها نطقٌ متشابهٌ أو لها بنيةٌ صوتيَّةٌ متشابهةٌ، ممَّا يؤدِّي إلى حدوث أخطاءٍ.
- التِّكرار والألفة: يُمكن في بعض الأحيان استرجاع الكلمات أو العبارات الَّتي يتمُّ استخدامها بشكلٍ مُتكرِّرٍ أو المألوفة جداً ونطقها خارج السِّياق.
- عدم تطابق التَّخطيط والتَّنفيذ: يتضمَّن الكلام عمليَّات تخطيطٍ وتنفيذٍ معقَّدةٍ في الدِّماغ، وقد يؤدِّي عدم التَّطابق بين هذه العمليَّات إلى حدوث أخطاءٍ.
- العوامل العصبيَّة: بعض الحالات العصبيَّة أو الإصابات يُمكن أن تُزيدَ من حدوث أخطاء النُّطق.
- التَّدخُّل من لغاتٍ أُخرى: يُعاني منها ثنائيو اللُّغة أو متعدِّدو اللُّغات، إذ يُمكن أن يؤدِّي تداخُّل المفردات من لغاتٍ أُخرى إلى زلات اللسان.
- الحالة العاطفيَّة: يُمكن أن تؤثِّر المشاعرُ القويَّةُ على إنتاج الكلام، ممَّا يُسبّب أخطاءً في بعض الأحيان.
أنواع زلات اللسان
كان صديقي يجلسُ متململاً في آخر اجتماع عملٍ حضرناه معاً، للدَّرجة الَّتي لم يُكن فيها على طبيعتهِ، شاردَ الذّهن، غير مُركَّزٍ، وحين أنهى المُدير الاجتماَع بقوله كلمة انتهى، سارع صديقي للقول "الحمد لله"، قبل أن يستدركَ الأمر، ويقول: "أقصد يعطيكن العافية"، الأمرُ الجيّد أنَّ المديرَ كان مُتفهمّاً واكتفى بالقول: "يبدو أنّك بحاجةٍ إلى فنجان قهوةٍ سريعٍ"، وأنهينا الاجتماع ضاحكين.
لكن قد لا تكونُ الأمثلةُ دائماً بهذا القدر من المرونة، وأحياناً تحملُ حرجاً كبيراً لصاحبها بحسب نوع زلة اللسان، مثل:
- الاستبدال: ويعني استبدال كلمةٍ بأخرى، وعلى روَّاد الأعمال والرُّؤساء التَّنفيذيين الانتباه جيداً لهذه النُّقطة، تخيَّل أن تُنادي زوجتكَ أو شريكتكَ العاطفيَّة باسم الموظَّفة، الَّتي اعتاد لسانكَ على نطق اسمها طيلة اليوم؟ هل تتخيَّل النَّتيجة؟ هل تعتقدُ أنَّ شريكتكَ العاطفيَّة ستكون على درجةٍ كافيةٍ من التَّفهُّم لتُدركَ أنَّ هذا مجرَّد خطأٍ عابرٍ؟ حسناً أنا لا أعتقدُ.
كمثالٍ آخر على الاستبدال، وقد يكون محرجاً للغاية، هو حين تقولُ موظَّفة خدمة العملاء الجائعة للعميل: "أنصحُكَ بتجربة البيتزا اللَّيليَّة"، بينما كانت تُريد أن تنصحهُ بتجربة أحد أنواع مُنتجات الكريمات اللَّيليَّة الَّتي تُنتجها الشَّركةُ.
- الجمع بين كلمتين: أحد أبرز أمثلة هذا النَّوع هو "التَّشاؤل"، وهي مزيجٌ من التَّشاؤم والتَّفاؤل، لكنَّ بعض الأمثلة قد تكونُ على مستوىً أكبر من الإحراجِ، خصوصاً حين تصدرُ عن المدير، مثلاً قد يقول المدير "لدينا اجتماعليَّة اليوم"، بينما كان ينوي إخبار الموظَّفين بوجود اجتماعٍ اليوم، أو حين يطلبُ بلغةِ الأمرِ -وهو غاضبٌ- إعدادَ تقريرٍ فوريٍّ، فينطقُ: "تقريفي".
- التَّبادل: أحد أكثر زلات اللسان شيوعاً في عالم الأعمال وأكثرها حرجاً وإضحاكاً، مثلاً كأن يقول الموظَّف أو المدير "علينا الالتزام بعقد البنود"، عوضاً عن "بنود العقد"، أو عوضاً عن "سيُخصم من راتبكَ"، يقول "راتبكَ مخصومٌ"، وهنا يجبُ الانتباهُ من جلطةٍ قلبيَّةٍ مفاجئةٍ قد تصيبُ الموظَّف قبل إدراكهِ أنَّ في الأمر زلة لسان، ولن يُخصَمَ كُلَّ راتبهِ.
- التَّوقُّع: وهي حين يتمُّ نطق الكلمة التي ستظهرُ لاحقاً في الجملةِ في وقتٍ سابقٍ من موقعها الأصليّ، كأن يقول الموظَّف "أرسلت البريد إلى التَّقرير"، عوضاً من "أرسلت التَّقرير إلى البريد"، أو كأن يُريد المديرُ قول: "أحضري لي الملفَّ إلى المكتب"، فتخرج منه: "أحضري لي المكتب إلى الملف"، كذلك حين تقولُ الأمُّ بغضبٍ لأحدِ أولادها: "اذهب إلى الدَّرس واغرف"، عوضاً عن "اذهب إلى الغرفةِ وادرس".
- المثابرة: وهي تكرارُ ظهورِ كلمةٍ سابقةٍ لاحقاً دون الحاجةِ لاستخدامها، وتشبهُ التَّأتأة قليلاً من حيث المبدأ، كما حين يقول الموظَّفُ أو المديرُ: "أحتاج إلى تقرير المبيعات المبيعات"، ويُعيد تكرار الكلماتِ في كلّ الجُمل اللَّاحقة.
إضافةً إلى الأمثلةِ السَّابقةِ، هناك زلات اللسان الأكثر خطورةً، والَّتي يقولها الشَّخصُ في لحظة عدم إدراكٍ لضرورة المُجاملة، فتخرجُ الكلماتُ الَّتي يُفكِّر بها دون قصدٍ، مثلاً ترى الزَّوجة فستاناً جميلاً، وتسألُ الزَّوجَ عن رأيهِ بهِ، فيقولُ لها فوراً: "إنَّه يحتاجُ لجسدٍ رشيقٍ"، أو حين تقولُ إحدى الصَّديقات: "مشكلتي أنَّ قلبي طيّبٌ وأسامحُ بسرعةٍ"، فتُبادر إحدى الصَّديقات في الجلسة على الفور للقول: "أنتِ قلبكِ طيّب؟"
أو مثلاً في حفل عشاءٍ تقيمه إحدى الشَّركات بقصد التَّقرُّب من أحد الشَّخصيَّات، وغالباً فإنَّ مدير الشَّركة صاحبة الدَّعوة سيكون قد حاول معرفة المزيد من الأمور والتَّفاصيل عن الشَّخصيَّة الَّتي يريد التَّقرُّب منها لدواعي مهنيَّةٍ، ولسوء حظِّه نجح في معرفة أنَّ تلك الشَّخصيَّة مبتذلةٌ ورخيصةٌ، وحين يحاول التَّقرُّب منها مجبراً لدواعي مهنيَّةٍ، يقول: "أدرك أنَّك رجل أعمالٍ رخيصٌ جداً"، بينما كان يريد أن يقول "أدرك أنَّك رجلُ أعمالٍ ناجحٌ جدَّاً".
وفي عالم السِّياسة والفنِّ هناك الكثير من زلَّات اللِّسان المضحكة، فمن ينسى زلَّة لسن وزيرة الخارجيَّة الأميركيَّة السَّابقة كوندليزا رايس، حين قالت: "كما كنت أخبر زوجي"، قبل أن تنتبَّه وتصحِّح قائلةً: "كما كنت أخبر الرَّئيس بوش".
تمَّ نشرُ هذه المقالة باللّغة الإنجليزيّة هنا.