ما يفصل الأشخاص الناجحين عن الباقين يرجع إلى كلمتين
وفقاً للرئيس التنفيذي لشركة Microsoft -ساتيا ناديلا- الذّكاء العاطفيّ مهارةٌ بشريةٌ تحقّق إنتاجيةً وانخراطاً أعلى بين الموظفين.
عندما تمّ تعيين ساتيا ناديلا كرئيسٍ تنفيذيٍّ لشركة مايكروسوفت في العام 2014م، لم يكن من القادة الّذين يتفاخرون بنقاط الذّكاء أو الإنجازات الفكريّة. وكان يُدرك تماماً أنّ القيادة ليست مجرّد معرفةٍ للإجابات، بل تتعلّقُ بفهمِ البشرِ وبناءِ علاقاتٍ معنويّةٍ معهم.
ليكونَ فعّالاً وليبرزَ عن الجموعِ، وحدّد ناديلا العاملَ الرّئيسَ في كلمتين: الذّكاء العاطفيّ.
"الذّكاء العاطفيّ يتفوّقُ على الذّكاء المعرفيّ"، هكذا عبّر ناديلا في حدثٍ علنيٍّ نال اهتماماً واسعاً قبل نحو عقدٍ من الزّمن، حيث تناول موضوع مستقبل الطّلاب والفرص المتاحة أمامهم. وخلال حديثه، تطرّق لأهميّة تطوير الذّكاء العاطفيّ، قائلاً: "على المدى الطّويل، يتفوّق الذّكاء العاطفيّ على الذّكاء المعرفيّ. دون أن تكون مصدراً للطّاقة للآخرين، لن تتمكّنَ من تحقيقِ الكثيرِ".
تُظهِر الدّراساتُ أنّ الشّركات التي تُعطي الأولويّة للذّكاء العاطفيّ، يتمتّع موظّفوها بمعدّل تحسّنٍ أعلى في الإنتاجيّة والانخراط مع الموظّفين الآخرين مقارنةً بالشّركات الّتي تُهمل هذا الجانب.
وفي عالمٍ يتميّز بتقدّم التّكنولوجيا المستمرّ، قد تُهمل أهميّة الذّكاء العاطفيّ. غير أنّ القادة أمثال ناديلا يثبتون أنّ الذّكاء العاطفيّ ليس مجرّد ميزة، بل عنصراً ضروريّاً لتحقيق النّجاح المستدام في الشّركات.
وهناك عدّة طرق تُمكّن القادة والأفراد ذوي الأداءِ العالي، من استخدام الذّكاء العاطفيّ كقوّةٍ لتحسين أدائهم الشّخصيّ وأداءِ مكانِ العملِ ككلٍّ.
إعطاء الناس صوتاً
قبل عقدين من الزّمن، كُنت أتّبعُ لتنفيذيٍّ يتمتّعُ بالذّكاء العاطفيّ، وتعلّمتُ درساً قيّماً لا زلت أحتفظ به حتّى اليوم. كُنت أقودُ فريقاً في مشروعٍ معقّدٍ، كان الضّغط شديداً والتّوتر مرتفعاً. وكان لدينا عضوٌ في الفريق هادئٌ يجد صعوبةً في إيجاد صوته وسط الفوضى. بدلاً من الإصرار على تقديم أفكاره الخاصّة، رجع التّنفيذيّ (مديرنا) خطوةً للخلف، اقترب من عضو الفريق، وسأله: "ما رأيك؟".
كان التّأثير مدهشاً؛ أشرق وجه عضو الفريق، وبدأ في مشاركة رؤيته، وتبيّن أنّ لديه حلّاً عبقريّاً لم يتمّ النّظرُ فيه من قبل. نجح المشروع نجاحاً باهراً، وتعلّمنا جميعاً درساً قيّماً: القيادة تعني تمكين الآخرين وتقدير آرائهم.
القيادة بأصالة
الذّكاء العاطفيّ لا يعني الإفراطَ في العاطفةِ أو اللّين، بل هو فهمُ العواطف، والدّوافع، والطّموحات للأشخاصِ الذين تعملٌ معهم. وهو خلقُ بيئةٍ يشعر فيها الجميع بأنّهم مُقدّرون ومُسموعون.
المفتاح هو الاستماعُ حقّاً، والتّعاطفٌ، والقيادةٌ بأصالةٍ. هو التعرّف على مشاعر الشّخص نفسه وإدارتها، لأنّ القائد الّذي لا يستطيعُ أو لا يرغبُ في التّعامل مع مشاعره الخاصّة، يُواجه غالباً صعوبةً في قيادة فريقٍ بفعاليّةٍ.
معرفة أنّك لا تعرف كل شيء
قد يكون من الصّعب الاعتراف بأنّك لا تعرفٌ شيئاً ما عندما يتوقّعٌ النّاس منك الإجابات كلّها. لكن كان لدى غاري ريدج -الرّئيس الفخري لشركة WD-40- وجهة نظرٍ معاكسةٍ عندما كان الرّئيس التّنفيذيّ. فيقول ريدج: "الكلمات 'لا أعرف' هي أقوى كلماتٍ تعلّمتها في حياتي"؛ فعندما بدأ يشعر بالرّاحة لعدم معرفته كلّ شيءٍ، بدأ في التّعلّم والنّموّ.
"بمجرّد أن تدّعي أنّك تعرف كلّ شيءٍ، تٌغلق كلّ فرصةٍ لتعلّم المزيد والحصول على وجهات نظرٍ مختلفةٍ"، يقول ريدج. "لذلك، ليس الأمر أنّني مرتاحٌ مع 'لا أعرف'، ولكن حتّى اليوم، أواصل سؤال نفسي، 'لماذا قد أعتقدُ ذلك؟ والعالمُ يتغيّر بسرعةٍ كبيرةٍ".
وعند تقييم أسلوبك في القيادة، ضع في اعتبارك هذا: القيادة الحقيقيّة ليست في معرفةِ الإجاباتِ كلّها، ولكن في خلقِ مساحةٍ للتفوّق الجماعيّ والازدهار.
أمّا ساتيا ناديلا، فما زال يواصلٌ قيادة مايكروسوفت من خلال الذّكاء العاطفيّ، مثبتاً أنّه ليس مجرّد عبارةً رنّانةً، بل قوّةً جبّارةً يُمكن أن تشكّلَ مستقبلَ القيادة في عالم التّكنولوجيا وما وراءه.