الرئيسية الريادة ماذا تعلَّمتُ من ابنتي المصابة بالتوحد عن الشّمول والتّعاطف؟

ماذا تعلَّمتُ من ابنتي المصابة بالتوحد عن الشّمول والتّعاطف؟

التنوّع والشمول ليسا مجرّد شعارات؛ هما قدرة على رؤية العالم من منظور مختلف وتقدير الفردانية

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تعلّمت من ابنتي المصابة بالتّوحّد، سافانا، دروساً عميقةً حول مفهوم التّنوّع، والإنصاف، والشّمول (Diversity, Equity, Inclusion – DEI). لا تتعلّق عقليّة التّنوّع والشّمول فقط بالتّوظيف أو تحسين بيئة العمل، بل تمتدّ لتشمل رؤيتنا للعالم من خلال أعين الآخرين. هذا ما أدركته بشكلٍ أعمق من خلال تجربة التّواصل مع سافانا، الّتي لا تستطيع الكلام بالطّريقة التّقليديّة، ولكنّها تحمل أفكاراً وآراءً معقّدةً لا يتوقّعها الكثيرون.

سافانا فتاةٌ مصابةٌ بالتّوحّد، وغالباً ما يعتقد النّاس أنّها لا تستطيع التّعبير عن نفسها أو التّواصل. وكان هذا الاعتقاد سائداً حتّى العامين السابقين، حين بدأنا في استكشاف وسائل تواصلٍ جديدةٍ لها بمساعدة التّكنولوجيّا. فجأةً، انفتح بابٌ لعالمٍ جديدٍ من الأفكار والمشاعر الّتي كانت تحتفظ بها، حيث أدركنا أنّ لديها رؤىً حول الحياة، والعائلة، وحتّى الأحداث العالميّة. هذا الاكتشاف لم يكن سهلاً؛ فقد واجهنا تحدّياتٍ عديدةً بسبب الافتراضّات المسبقة عن قدراتها.

فالكثير من الأشخاص الّذين يتعاملون مع سافانا، سواءً في برامج تعليميّةٍ أو مهنيّةٍ، كانوا يفترضّون أنّها لا تملك ما تشغل به عقلها، وهذا خطأٌ. ولم يكن هذا الاعتقاد نتيجة قلّة الاحترام أو سوء النّيّة، بل بسبب عدم قدرة النّاس على فهم طريقتها غير التّقليديّة في التّواصل. كانت سافانا نادراً ما تتواصل بصريّاً، وكانت كلماتها تبدو للآخرين غير متشابكةٍ، ممّا دفع البعض إلى تفسير تصرّفاتها على أنّها "مشاكل سلوكيّةٌ". غير أنّ الحقيقة كانت أعمق من ذلك. وفي إحدى جلسات التّواصل، طلبت سافانا شيئاً بسيطاً، ولكنّه ذو دلالةٍ عميقةٍ: "أريد أن أكون مع أشخاصٍ يؤمنون بي".

لحسن الحظّ، وجدت سافانا بعض الأشخاص الّذين يعترفون بقدرتها على التّواصل، حتّى وإن كانت طريقتها غير تقليديّةٍ. فهؤلاء الأشخاص يمثّلون النّموذج المثاليّ لتبنّي عقليّة التّنوّع والإنصاف والشّمول. إنّهم يظهرون لها الاحترام، ويعملون بجدٍّ لاكتساب ثّقتها، ممّا يجعلهم قادرين على فهم الرّسائل الّتي تحاول إيصالها.

أهمّيّة الانفتاح والفضول في القيادة

في عالم القيادة اليوم، يُطلب من القادة بناء بيئات عملٍ شاملةٍ تتيح للجميع، بغضّ النّظر عن خلفيّاتهم وهويّاتهم، النّجاح. وفقاً للدّكتورة كولين باستيان، عالمة النّفس التّنظيميّ والمدرّبة التّنفيذيّة، "فإنّ عقليّة التّنوّع والشّمول تتطلّب التزاماً دائماً، بحالةٍ من الانفتاح والفضول المستمرّين". هذا النّوع من الانفتاح يساعد على التّعامل مع أيّ اختلافاتٍ قد تبدو غير مألوفةٍ أو غير مريحةٍ في البداية.

فعندما نواجه طرقاً جديدةً للتّواصل أو ثقافاتٍ مختلفةً عن ثقافتنا، قد نشعر بعدم الرّاحة. من السّهل أن نعود إلى المنطقة المريحة لنا، حيث نحيط أنفسنا بما نعرفه مُسبقاً. لكن هنا يكمن التّحدّي؛ يجب أن نتخطّى هذا الشّعور بالانزعاج، ونتبنّى الفضول كوسيلةٍ لفهم الآخرين. كما تقول باستيان: "الفضول والانفتاح يساعدان الأفراد على تجاوز الانزعاج والاقتراب من تجارب الآخرين".

التّحدّي الأكبر للكثير من الأشخاص الّذين يعملون مع سافانا هو عدم تقبّل طريقتها المختلفة في التّواصل، والّتي قد تسبّب لهم إزعاجاً. لكن بمجرّد أن يتمكّنوا من تجاوز هذه العقبة واحتضان الفضول، يصبحون قادرين على بناء علاقةٍ من الثّقة المتبادلة.

احتضان التّعاطف وفهم الآخرين

تتطلب القدرة على فهم الآخرين منّا أن نكون أكثر استعداداً للاستماع بعمقٍ، كما تقول الدّكتورة ليزا ووكر، المدرّبة التّنفيذيّة. وتضيف أنّ التّعاطف الحقيقيّ يأتي من القدرة على تعليق الأحكام الشّخصيّة وفتح المجال لاستيعاب وجوه النّظر المختلفة. وقد كان هذا صحيحاً، فعندما بدأت في رؤية العالم من خلال أعين ابنتي سافانا، بدأت أفهم التّحدّيات الّتي تواجهها بشكلٍ أعمق.

في حياتنا اليوميّة، غالباً ما نعود إلى الافتراضّات الّتي كوّنّاها بناءً على تجاربنا الخاصّة. ولكن عندما نواجه سلوكيّاتٍ غير مفهومةٍ، يجب أن نبطئ من وتيرتنا ونسأل أنفسنا: ما الافتراضات الّتي نتبناها؟ هل هي مبنيّةٌ على تجربتي الخاصّة للعالم؟ كيف يمكنني أن أفسّر النّوايا بشكلٍ إيجابيٍّ وأفترض الكفاءة؟ وكيف يمكنني أن أمارس التّعاطف بشكلٍ أكبر؟

ما الذي نستفيده من تجربة سافانا؟

اكتشفت من خلال تجربتي مع سافانا أنّ الجميع، بغضّ النّظر عن ظروفهم أو قدراتهم، يرغبون في أن يكونوا مفهومين ومصدّقين. هذا هو جوهر عقليّة التّنوّع والإنصاف والشّمول؛ أن نؤمن بأنّ كلّ فردٍ يستحقّ أن يحترم ويفهم. لأن العقليّة الّتي تتطلّبها بيئات العمل الشّاملة، هي نفسها الّتي نحتاجها في حياتنا اليوميّة. إنّها تدعونا إلى الانفتاح، الفضول، والتّعاطف. هذه الصّفات لا تعزّز العلاقات الإنسانيّة فقط، بل تعزّز أيضاً بيئة عملٍ صحّيّةٍ وناجحةٍ للجميع.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: