ما وراء الخدمة: كيف تصنع شركتك أثراً حقيقياً؟
يساعد إدراك البعد الأعمق لعملك على تحقيق إنجازاتٍ أكبر وبناء ثقافةٍ مؤسسيّة قائمةٍ على الابتكار والتّأثير المستدام
خلال مسيرتي المهنيّة، اكتشفت أن هناك سؤالاً أساسيّاً يمكنه أن يفتح آفاقاً جديدةً لأيّ فريقٍ، وهو: ماذا تفعل شركتكم حقاً؟ هذا السّؤال، رغم بساطته، يحمل في طيّاته فرصةً لفهمٍ عميقٍ لدور المؤسّسة وتأثيرها الحقيقي، فالإجابة غالباً ما تتجاوز حدود المنتجات الّتي تقدّمها أو الخدمات الّتي توفرها، لتصل إلى الأثر الأوسع الّذي تحدثه شركتكم في حياة النّاس والمجتمع من حولها.
خذ على سبيل المثال شركة برمجيّاتٍ. للوهلة الأولى، قد يبدو أنّ مهمّتها الأساسيّة هي تصميم التّطبيقات وتطوير البرمجيّات. ولكن إذا تعمقنا في دورها الحقيقي، فقد نجد أن ما تفعله يتجاوز ذلك بكثيرٍ؛ فهي ربما تعمل على تمكين الشّركات الصّغيرة من دخول السّوق والمنافسة، أو تحسين جودة حياة الأفراد عبر حلولٍ تقنيّةٍ مبتكرةٍ، فعندما يدرك القادة هذا البعد الأعمق، ويتمكنون من توضيحه وإبرازه، فإنّهم يلهمون فرق العمل لبذل جهدٍ أكبر وتحقيق نتائج تفوق التّوقعات.
في شركة "لينك لوجيستيكس" (Link Logistics)، نؤجّر مساحات المستودعات للشّركات، وهذا هو الظّاهر. ولكن في الحقيقة، ما نقوم به يتجاوز عمليّة التّأجير بكثيرٍ؛ نحن نساعد تلك الشّركات على تحقيق النّجاح والازدهار. كيف؟ من خلال فهم احتيّاجاتها الخاصة والعمل على تلبيتها بشكلٍ مباشرٍ وفعّالٍ، إذ نقدّم تجديد عقود الإيجار في وقتٍ مبكرٍ لتوفير استقرارٍ للعملاء، ونعمل على إدارة المرافق والخدمات بذكاءٍ عبر برنامجنا "إنيرجي سولوشنز" (Energy Solutions)، ونضمن لهم الوصول إلى أفضل المواقع الّتي تناسب أعمالهم وتدعم نموهم، إذ لا يقتصر هذا النّهج على تقدّيم خدمةٍ فقط، بل يركز على تحقيق تأثيرٍ إيجابيٍّ ومستدامٍ على أعمال عملائنا.
عندما يرتبط الفريق بهذا السّبب الأكبر وراء العمل، فإنّه يجد حافزاً إضافيّاً يدفعه لتقديم الأفضل باستمرارٍ، حيث يمنح هذا الإحساس بالرّسالة الأسمى الموظفين طاقةً معنويّةً تترجم إلى أداءٍ استثنائيٍّ ونتائج ملهمةٍ.
كشفت دراسةٌ أجرتها "كوالتريكس" (Qualtrics) أن 70% من الموظفين الّذين يشعرون بأنّ رسالة شركتهم وقيمها ورؤيتها تتوافق مع قناعاتهم يميلون إلى توصيّة الآخرين بشركتهم كمكانٍ رائعٍ للعمل. في المقابل، ينخفض هذا الرّقم إلى 25% فقط بين الموظفين الّذين لا يشعرون بهذا التّوافق، كما أظهرت الدّراسة أن 72% من الموظّفين الّذين يشعرون بالرّضا الشّخصيّ والإنجاز من خلال وظائفهم يوصون بشركتهم، مقارنةً بـ29% فقط ممن يفتقرون لهذا الشّعور.
تثبت هذه الفكرة نفسها في الواقع العمليّ. ففي شركة لينك لوجيستيكس، نرى كيف يتحقّق هدفنا الأسمى عندما يربط الموظّفون جهودهم اليوميّة بنجاح عملائنا، فعندما يدرك الموظّفون المعنى الأعمق لعملهم، ويفهمون الدّور الحيويّ الّذي تؤدّيه المساحات الّتي نؤجرها، فإنّهم يجدون شعوراً بالإنجاز والإلهام. لذلك، يعدّ ربط الموظفين برؤيّة ورسالة الشّركة أمراً بالغ الأهميّة، فعندما يشعرون بأنّهم جزءٌ من هذا الهدف، فإنّهم لا يكتفون بأداء واجباتهم فقط، بل يسعون لترك بصمةٍ إيجابيّةٍ تجعل العمل أكثر قيمةً ومعنى.
لا تعدّ هذه المستودعات مجرد مساحاتٍ للتّخزين، بل تشكل أعمدةً أساسيّةً للتّجارة الحديثة. في العديد من مواقعنا، يبتكر العملاء مكونات السّيارات الكهربائيّة الّتي تحرك موجةً جديدةً من الابتكار المستدام. وفي مواقع أخرى، ينظّم العملاء آلاف الطّلبات يوميّاً بدقةٍ وعنايّةٍ لضمان تسليم الهدايا والاحتياجات المنزليّة إلى المستهلكين في الوقت المناسب وبسلاسةٍ كاملةٍ.
تتجاوز هذه المساحات أدوارها التّقليديّة لتصبح منصاتٍ تُحقّق فيها الأحلام. في بعضها، يعمل العملاء على خياطة الشّعارات على قمصانٍ رياضيّةٍ للأطفال والشّباب، بينما ينشئ آخرون أعمالاً فنيّةً مبتكرةً للجسم، ويعيدون إحياء السّيارات الكلاسيكيّة بمهارةٍ وشغفٍ، فكلّ مساحةٍ تعبّر عن قصة نجاحٍ مختلفةٍ، حيث تتحول الأفكار إلى واقعٍ، وتنمو الأعمال التّجاريّة، ممّا يساهم في تعزيز الاقتصاد المحليّ وإحداث تأثيرٍ إيجابيٍّ في المجتمعات المحيطة.
إن الرّبط بين جهود الموظفين ورؤيّة الشّركة الأكبر يجعل العمل أكثر من مجرّد وظيفةٍ، إذ إنّه يمنح كلّ فردٍ إحساساً بأنّه يساهم في تحقيق تغييرٍ ملموسٍ وذي معنى، سواءً داخل الشّركة أو في حياة عملائنا والمجتمعات الّتي نخدمها.
نعمل على تعزيز هذا الرّابط العاطفيّ من خلال إتاحة فرصٍ للموظّفين لرؤيّة تأثير عملهم بشكلٍ مباشرٍ، إذ نحرص على تنظيم برامج تتيح للموظفين في الأقسام الإداريّة مرافقة أعضاء فريق إدارة الممتلكات، حيث يزورون العقارات ويلتقون بالعملاء، ليشاهدوا بأنفسهم كيف يساهم عملنا في دعم صناعاتٍ متنوعةٍ وتلبية احتياجات العملاء.
ننتج أيضاً محتوى داخليّاً وخارجيّاً يبرز الإنجازات الملهمة الّتي يحقّقها عملاؤنا، إذ نشارك قصصاً حقيقيّةً عن الابتكار والنّموّ الّتي تظهر خلال شراكتهم مع لينك لوجيستيكس. على سبيل المثال، تسلط "سلسلة الجراج" (Garage Series) الضّوء على مسارات رواد الأعمال الّذين يقومون بمشاريع مبتكرةٍ، مثل تخصيص المركبات التّرفيهيّة.
تمكين المجتمعات كجزءٍ من رسالتنا
نعتبر دعم المجتمعات المحليّة جزءاً لا يتجزأ من رسالتنا، إذ نسعى إلى تحفيز أعضاء فريقنا في لينك لوجيستيكس من خلال تعزيز شعورهم بالهدف والانتماء والمشاركة، ونستمدّ الإلهام من شركاتٍ رائدةٍ داخل صناعتنا وخارجها، الّتي تجمع بين تحقيق الخير والوصول إلى أهدافها التّجاريّة.
نطبق هذه الرّؤيّة من خلال مبادراتٍ، مثل شراكتنا مع المنظّمة غير الرّبحيّة "كورجيفينغ" (Core Giving)، الّتي تكرس جهودها لمكافحة جوع الأطفال، من خلال حملات جمع التّبرعات السّنويّة، وتقديم الدّعم في مجالات الاتّصالات والتّسويق، والمشاركة في "يوم كورجيفينغ"، وهو حدثٌ تطوعيٌّ سنويٌّ يعمل فيه موظفونا في بنوك الطّعام بمناطقهم المحليّة. إضافةً إلى ذلك، يتيح برنامج منح المجتمع لموظفينا ترشيح منظماتٍ محليّةٍ للحصول على تمويلٍ. ومنذ عام 2022، قدّم البرنامج 6 ملايين دولارٍ كمنح بنيّةٍ تحتيّةٍ للمنظمات غير الرّبحيّة الّتي تعمل على مكافحة الجوع، وتعزيز التّعليم، وتلبيّة احتياجات المجتمعات المحليّة.
تعبر هذه الجهود عن التّزامنا بأداء ما هو صحيحٌ أخلاقيّاً، كما تتماشى مع هدفنا الأوسع لدعم النّموّ الاقتصادي، إذ نسعى إلى تحقيق مستقبلٍ لا يعاني فيه أيّ طفلٍ من القلق بشأن وجبته القادمة، ممّا يتيح له التّركيز على التّعلّم وتحقيق طموحاته. مع العلم، تساهم المجتمعات الصّحيّة في تعزيز الاقتصادات المحليّة، الّتي تدعم بدورها الازدهار الوطني، إذ يحدث هذا تأثيراً متسلسلاً، حيث يؤدّي تحسين التّعليم، وتعزيز التّغذيّة، وتمكين المنظّمات غير الرّبحيّة المحليّة إلى تحقيق رخاءٍ مستدامٍ يدعم الأجيال القادمة.
القيادة بالوضوح والهدف
أفتخر بشدةٍ بالعمل الّذي ننفّذه في لينك لوجيستيكس، وبالفريق المتميّز الّذي يحقّق هذا النّجاح، إذ التزم فريقنا بالتّفاني، وأظهر حماساً استثنائيّاً، وعمل بجدٍّ لدعم عملائنا ومجتمعاتنا، فركّزنا على "ما نقوم به فعليّاً"، ونجحنا في بناء ثقافةٍ تتمحور حول الابتكار، والتّعاون، ومبدأ "العميل أولاً"، ممّا قادنا إلى تحقيق نجاحاتٍ مستدامةٍ وبناء شراكاتٍ طويلة الأمد.
أدعو أيّ قائدٍ يسعى إلى إلهام فريقه إلى التّأمل في "السّبب الأكبر" وراء عمل مؤسسته: ما الّذي تقوم به شركتكم فعليّاً؟ يمكن للإجابة على هذا السّؤال أن تُحدث تغييراً جذريّاً، حيث تمنح وضوحاً للرّؤيّة، ممّا يساعد الفريق على تحقيق إنجازاتٍ عظيمةٍ معاً. فعندما يحدّد القائد بوضوحٍ رسالة المؤسّسة وهدفها العميق، فإنّه لا يلهم فريقه فحسب، بل يبني ثقافة عملٍ قائمةٍ على الوحدة والتّحفيز والقدرة على تجاوز التّوقعات. بهذا النّهج، يصبح النّجاح ليس فقط ممكناً، بل حتميّاً ومستداماً.