ماذا لو أنشأ العرب منصة تواصل اجتماعي خاصة بهم؟
مشروعٌ يتطلّب التغلب على المشكلات التقنية والسياسية والاجتماعية، مع تقديم شيء جديد ومبتكر لم تقدّمه المنصات الأخرى
أصبحت منصات التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزَّأ من حياتنا، حيث تربطنا بالنَّاس، وتوفِّر لنا المعلومات والتَّرفيه، لكنَّ معظم منصات التواصل الاجتماعي الشَّهيرة، مثل فيسبوك وإنستغرام وإكس ويوتيوب، مملوكةٌ ومُدارةٌ من قبل شركاتٍ أمريكيَّةٍ، والتي تعرَّضت لانتقاداتٍ لأسبابٍ مختلفةٍ، مثل: انتهاك خصوصيَّة المستخدمين، ونشر المعلومات المضلِّلة وخطاب الكراهية، وفرض رقابةٍ على محتوى معينٍ، والتَّأثير على الرَّأي العام. [1]
نتيجة لذلك، أنشأت بعض الدُّول، مثل روسيا والصين، منصات تواصل اجتماعيّ خاصَّة بها، كمنصَّة فكونتاكتي VKontakte الرُّوسيَّة وويبو Weibo الصِّينيَّة كبديلٍ عن المنصَّات الأمريكيَّة، إذ تلبِّي هذه المنصَّات الاحتياجات والتَّفضيلات المحدَّدة لمستخدميها، وتعمل أيضاً كأدواتٍ لتعزيز مصالح الدُّول وأجنداتها الوطنيَّة.
وفي هذا المقال؟ سنناقش ما إذا كان من الممكن إنشاء منصة تواصل اجتماعي مخصَّصة للعرب، كما فعلت الصِّين وروسيا، وما هي فوائد وعيوب مثل هذه المنصَّة؟ وما هي التَّحدّيات التي تواجه إنشاءها وإدارتها؟ وماذا يمكننا أن نتعلَّمَ من المحاولات الحاليَّة أو السَّابقة لإنشاء منصة تواصل اجتماعي عربية؟
الفوائد المحتملة لمنصة التواصل الاجتماعي العربية
سيُعزّز إنشاء منصة تواصل اجتماعي عربية الشُّعور بالهويَّة عند المستخدمين العرب، الَّذين يشتركون في لغةٍ وثقافةٍ وتاريخٍ مشتركٍ، وهذا يعني أنَّ المنصَّة يمكن أن تساعدهم على التَّواصل بفعاليَّةٍ أكبر، مع توفير الدَّعم لبعضهم بعضاً، والاحتفال بتراثهم وقيمهم المشتركة.
كما يُمكن أنّ تُعزّزَ المنصَّة اللُّغة والثَّقافة العربيَّة، التي غالباً ما تكون ممثلةً تمثيلاً ناقصاً أو مشوّهاً في منصَّات التواصل الرئيسية، ممّا يساعد على تعلُّم اللغة العربية ونشرها والحفاظ عليها وإثرائها، مع عرض إنجازات العرب ومساهماتهم للعالم. كما أنّها ستمكّن الأصوات ووجهات النّظر العربيَّة بشأن القضايا العالميَّة، وسوف تساعد في تحدّي السرديَّات والصُّور النَّمطيَّة السّائدة عن العرب التي تروِّج لها وسائل الإعلام.
شاهد أيضاً: تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل في الدول العربية
مشكلات منصة التواصل الاجتماعي العربية
إنَّ إنشاء منصة تواصل اجتماعي عربية سيواجه مشكلاتٍ عديدة، وينبغي إيجاد حلولٍ لها، وأبرزها الرَّقابة والدّعاية للأنظمة، التي يمكن أن تستخدم هذه المنصَّة لفرض رقابةٍ على الرَّأي العام والتَّحكُّم في تدفّق المعلومات.
وهناك مشكلة أُخرى، وهي الاستقطاب في المجتمعات العربيَّة، حيث يمتلك كلُّ مجتمعٍ آراءً ووجهات نظرٍ قد تتعارض مع المجتمعات الأُخرى، وأخيراً، ستواجه منصة التواصل الاجتماعي العربية منافسةً من المنصَّات الأُخرى التي تتمتَّع بشعبيَّةٍ كبيرةٍ في العالم العربي، ممّا قد يؤدّي إلى فشلها.
التحديات التقنية لمنصة التواصل الاجتماعي العربية
إنَّ إنشاء منصة تواصل اجتماعي عربية لا يعدُّ مسألةً سياسيَّةً وثقافيَّةً فحسب، بل مسألةً تقنيَّةً أيضاً، وهناك العديد من التّحدّيات التّقنيَّة التي يجب علينا التَّفكير فيها، مثل: توفير مراكز البيانات لجمع وتخزين، وتحليل بيانات المستخدمين، والتَّمويل، والتَّنظيم وما إلى ذلك، وعلى سبيل المثال، يجب حفظ البيانات بشكلٍ آمنٍ ومنع وصول أيّ سلطةٍ إليها، وهذا أمرٌ غير متاحٍ حاليَّاً في أيّ دولةٍ عربيَّةٍ.
وهناك حاجةٌ إلى إيجاد نظامٍ مستمرٍّ لتحقيق الدَّخل وتغطية التَّكاليف، والتَّغلُّب على تحدِّيات الأمن السيبراني، والالتزام بالقوانين والتشريعات الخاصة بحماية البيانات والإشراف على المحتوى، وهي قوانين تختلف من دولة إلى أُخرى.
شاهد أيضاً: بعيداً عن فيسبوك وتيك توك: منصات تواصل اجتماعي جديدة قد تعجبك
أمثلة ودروس من المحاولات الحالية والسابقة لإنشاء منصة تواصل اجتماعية عربية
كانت هناك بعض المحاولات لإنشاء منصة تواصل اجتماعي عربية، مثل: باز Baaz ويلا Yalla، وحقَّقت بعض هذه المنصات النَّجاح والشُّهرة، في حين فشل بعضها، ويمكن أن نتعلّمَ من ذلك بعض الدُّروس القيمة.
على سبيل المثال، في عام 2020، أصبحت "يلا" أوَّل شركة تكنولوجيا إماراتيَّة تدرج في بورصة نيويورك بقيمةٍ سوقيَّةٍ بلغت أكثر من مليار دولارٍ أمريكيٍّ. وفي فبراير 2021، وصلت القيمة السُّوقيَّة لشركة "يلا" حوالي 5 مليارات دولارٍ، لكن في نوفمبر 2021، تقلَّصت قيمتها السُّوقيَّة إلى أقل من 930 مليون دولارٍ، وسط تخلِّي المستثمرين عنها. ويعود النَّجاح المؤقَّت الذي حقَّقته منصَّة "يلا" إلى تقديمها خدمةً جديدةً مبتكرةً على المنطقة، والتي شملت غرف الدَّردشة الصَّوتيَّة. في حين لم تتمكَّن منَّصة "باز" من جذب قاعدة مستخدمين كبيرة، نظراً لأنَّها كانت تكراراً لمنصات التواصل الاجتماعي الأُخرى ولم تأتِ بأيّ جديدٍ. [2] [3]
ونستنتج من ذلك كلِّه أنَّ إنشاء منصة تواصل اجتماعي عربية ليس بالأمر السَّهل، إذ إنَّه مشروعٌ يتطلَّب التَّغلُّب على المشكلات التِّقنيَّة والسِّياسيَّة والاجتماعيَّة، بالإضافة إلى تقديم شيءٍ جديدٍ ومبتكرٍ لم تقدِّمه منصات التواصل الاجتماعي الأخرى.
لمزيدٍ من النصائح في عالم التكنولوجيا، تابع قناتنا على واتساب.