محاسبة الموارد البشرية: تحويل الموظف إلى أصل مالي ثمين
رؤيةٌ معاصرةٌ تقيس القيمة الاقتصاديّة للعنصر البشريّ داخل المنظّمات الحديثة، وتدمج الأداء الفرديّ بالنّموّ المؤسّسيّ عبر معايير دقيقٍة واستراتيجيّاتٍ محسوبةٍ

تُعدّ محاسبة الموارد البشرية، أو ما يعرف بـ"Human resource accounting"، واحدةً من التّحوّلات المفصليّة في فهم علاقة المؤسّسة برأسمالها البشريّ، إذ لم يعد الموظّف مجرّد تكلفةٍ تُسجَّل في الدّفاتر، بل بات يُعامَل كأصلٍ ثمينٍ له قيمةٍ اقتصاديّةٍ قابلةٍ للقياس. في عالمٍ تتسارع فيه المنافسة، وتتعاظم فيه أهميّة الكفاءات، أصبح قياس مساهمة الفرد في تحقيق أهداف المؤسّسة ضرورةً إداريّةً وليست خياراً.
تعريف مفهوم محاسبة الموارد البشرية
محاسبة الموارد البشرية (HRA) هي نظامٌ لقياس القيمة الاقتصاديّة للموارد البشريّة داخل المنظمة، من خلال تحديد تكاليف استقطاب وتدريب وتطوير الأفراد، ومقارنتها بمردودهم من إنتاجيّةٍ أو أرباحٍ مباشرةٍ وغير مباشرةٍ. يهدف هذا النّظام إلى إدماج العامل البشريّ في القوائم الماليّة، بحيث يصبح له وزنٌ واضحٌ في عمليّات التّقييم الماليّ وصنع القرار الاستراتيجيّ. وهي بذلك تسعى لتجاوز القصور التّقليديّ في المحاسبة، الّذي أغفل أثر العنصر البشريّ.
فوائد تطبيق محاسبة الموارد البشرية
تُوفِّر هذه المنهجيّة أرضيّةً أكثر دقّةً للقرارات الإداريّة، فهي تساعد على:
-
تقييم دقيق لقيمة رأس المال البشريّ: يساعد على قياس تكلفة تعيينٍ وتدريب الموظّفين، ويوفّر معلوماتٍ حول القيمة الاقتصاديّة للعاملين على أساس إنتاجيّتهم ومهاراتهم.
-
دعم اتّخاذ القرار الإداريّ: يزوّد الإدارة ببياناتٍ دقيقةٍ تساعد على اتّخاذ قرارات التّوظيف، والتّرقية، والاستثمار في التّدريب، ويوضّح تكلفة الدّوران الوظيفيّ، ممّا يدعم قرارات تقليل نسب الاستقالة.
-
تحسين التّخطيط الاستراتيجيّ: يساعد على التّخطيط للاحتياجات المستقبليّة من الموارد البشريّة، ويربط بين الأهداف الاستراتيجيّة للشّركة وأداء العاملين.
-
زيادة الشّفافيّة الماليّة: يُظهر التّكاليف المرتبطة بالموارد البشرية بشكلٍ واضحٍ في القوائم الماليّة، ويُمكّن من تقييم الأداء الماليّ الحقيقيّ للمؤسّسة. كما يُستخدم في تحليل الكفاءة الإنتاجيّة لكلّ موظّفٍ، ويساعد على إعادة توزيع الموظّفين في الأماكن الّتي تحقّق أفضل استفادة.
تحديات تطبيق محاسبة الموارد البشرية
تتمثّل تحديات تطبيق محاسبة الموارد البشرية فيما يلي:
-
صعوبة التّقييم الكميّ لرأس المال البشريّ: من الصّعب تحويل مهارات الموظّف وخبراته وإبداعه إلى أرقامٍ قابلةٍ للقياس المحاسبيّ، ولا توجد طريقةٌ موحدّةٌ أو عالميّةٌ لتقييم قيمة الموظّف ماليّاً.
-
غياب المعايير المحاسبيّة الموحّدة: لا توجد معايير محاسبيّة واضحة ومعتمدة على نطاقٍ واسعٍ لتسجيل الموارد البشريّة كأصولٍ، وهذا يخلق تبايناً في الأساليب بين الشّركات ويصعّب المقارنة.
-
المقاومة الدّاخليّة للتّغيّير: بعض الأقسام أو الموظفين قد يعارضون فكرة "تقييمهم ماليّاً"، وقد يشعر البعض أنّ النّظام يقلّل من قيمتهم الشّخصيّة ويجعلهم "أرقاماً".
-
الاعتبارات الأخلاقيّة والقانونيّة: قد يثير التّعامل مع البشر كأصولٍ ماليّةٍ مخاوف أخلاقيّةً. وفي بعض الدّول، هناك قيودٌ قانونيّةٌ تمنع تسجيل الموارد البشريّة كأصولٍ في القوائم الماليّة.
رغم التّحديّات المرتبطة بتطبيق محاسبة الموارد البشرية، إلّا أنّ فوائدها الاستراتيجيّة تجعل منها أداةً مهمّةً لدعم قرارات الإدارة وتحقيق التّوازن بين الكفاءة الماليّة وتنمية رأس المال البشريّ. ومع التّوجّه المتزايد نحو الاستثمار في الموظّف باعتباره أحد أهم أصول المؤسّسة، يصبح من الضّروريّ تطوير آليّاتٍ دقيقةٍ وعادلةٍ لتقييم الموارد البشريّة ودمجها ضمن النّظام المحاسبيّ بشكلٍ علميٍّ ومنهجيٍّ.