مستقبل الذكاء الاصطناعي: مخاوف متزايدة من انهيارٍ وشيك
بعد هبوط أسعار أسهم التكنولوجيا يوم الاثنين الفائت، وكل الدراما المرافقة لثورة الذّكاء الاصطناعي، توقّعات بأنّ انفجار فقاعته بات قريباً
مع استمرارِ ثورةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ التوليديِّ في عامها الثاني، بدأ كابوسُ بعضِ المحللين في الأسواقِ الماليةِ يتجسدُ: لقد استحوذت الروبوتاتُ والمولداتُ الصوريةُ على اهتمامِ الجمهورِ، لكنها لم تحقّقْ حتى الآن إيراداتٍ تتناسبُ مع الاستثماراتِ الهائلةِ في هذا القطاعِ.
وفي يومِ الاثنين الفائت، انهارت أسهمُ التّكنولوجيا مما أدّى إلى تراجعٍ أوسعَ في السوقِ، حيث انخفضت المؤشّراتُ الرئيسةُ الثلاثةُ بأكثرَ من 2.5٪ لكلِّ منها.
يأتي هذا الانهيارُ في السوقِ، بينما قامت شركاتٌ مثل إنتل (Intel) بتسريحِ العمالِ لتطبيقِ حلولِ الذكاءِ الاصطناعيِّ التوليديِّ في مختلفِ أقسامها، وظهرَت مساعدُ غوغل الذكيُّ (Gemini) في إعلانٍ أولمبيٍّ رئيسيٍّ مثيرٍ للجدلِ.
بالنسبة للشّركاتِ والمستثمرين الذين ضخّوا ملياراتِ الدّولاراتِ، والشّركاتِ النّاشئةِ التي ظهرَت في أعقابِ دورةِ الضّجةِ الأخيرةِ في وادي السيليكون، يبدو أنّ الانهيارَ لا مفرَّ منه. بالطبع، التحذيراتُ من انفجارِ الفقاعةِ ليست جديدةً. لكنّ بعضَ الذين أنذروا منه مبكّراً بدؤوا يشكلُون جوقةً حقيقيةً، مع تأكيدِ البعضِ أن الجانبَ الآخرَ من الهاويةِ ليس بعيداً، بل قريبٌ جداً.
التكنولوجيُّ وأستاذُ جامعةِ نيويورك غاري ماركوس، الذي كان منذ فترةٍ طويلةٍ صوتاً تحذيريّاً بشأنِ الذكاءِ الاصطناعيِّ التوليديِّ، حذّر في مدونةٍ نهايةَ الأسبوعِ من أن انفجارَ الفقاعةِ "وشيكٌ". أشار ماركوس إلى المشاكلِ المستمرةِ والمعقّدةِ التي تعيقُ الوظائفَ الأساسيةَ للذكاءِ الاصطناعيِّ التوليديِّ: فهو يميلُ إلى الهلوسةِ وإنتاجِ معلوماتٍ خاطئةٍ. مشيراً إلى مقالٍ كتبه لمجلةِ نيويوركر في عام 2012، أوضح ماركوس أنّ الذّكاءَ الاصطناعيَّ التوليديَّ لا يزالُ يواجهُ صعوبةً في استخدامِ المنطقِ وبناءِ المفاهيمِ الأساسيةِ، مثل تحديدِ استخداماتِ الأشياءِ وأسبابِها.
بعبارةٍ أخرى: يمكنُ لبرنامجٍ مثل ميدجورني (Midjourney) إنتاجُ صورٍ نفسيةٍ بناءً على أوامرِ المستخدمِ. لكن هل هذا إنجازٌ يوازي تطويرَ الحوسبةِ السحابيةِ، أم هو خدعةٌ ممكنةٌ بفضل كمياتٍ هائلةٍ من المالِ ومزارعِ الخوادمِ المستنزفةِ للطاقةِ؟
أسئلةٌ مشابهةٌ تُطرحُ في الأسواقِ الماليةِ. ففي مكالمةِ عن أرباحِ مايكروسوفت الأسبوعَ الماضي، قال محلّلُ مورغان ستانلي (Morgan Stanley) كيث فايس: "يدورُ حالياً نقاشٌ حول تكلفةِ الاستثماراتِ في الذّكاءِ الاصطناعيِّ التوليديِّ وما إذا كانت الإيراداتُ المتوقّعةُ ستغطي هذه التكاليف".
قادةُ غوغل (Google) وميتا (Meta) وأمازون (Amazon) واجهوا أسئلةً مشابهةً من المستثمرين عند الحديث عن أرباحهم، لكنّهم ظلوا مصرِّين على أنّ الاستثمارَ بشكلٍ أكبرَ في الذكاءِ الاصطناعيِّ سيكون مجدياً من النّاحيةِ الماليةِ على المدى الطويلِ. بالنسبة لمايكروسوفت، يعني ذلك 15 عاماً. وهذا يعني تقريباً 14 عاماً و ¾ أطولَ من أفقِ الأسواقِ الماليةِ النموذجيِّ.
قالت المديرةُ الماليةُ لشركةِ مايكروسوفت إيمي هود في مكالمةِ الأرباحِ الأسبوعَ الماضي: "تمثّل النّفقاتُ المتعلّقةُ بالسّحابةِ والذكاءِ الاصطناعيِّ تقريباً جميعَ نفقاتِنا الرّأسماليةِ. من ضمنِ ذلك، يُخصّص نحو نصفها للاحتياجاتِ البنيةِ التحتيّةِ حيث نواصلُ بناءَ واستئجارَ مراكزِ البياناتِ التي ستدعمُ تحقيقَ الإيراداتِ خلال السّنواتِ الـ 15 المقبلة وما بعدها".
إنه إطارٌ زمنيٌّ غير مقنعٍ للأسواقِ الماليةِ. كما قال المحلّلُ في شركةِ د. أ. دافيدسون (D.A. Davidson) جيل لوريا لشبكة CNN مؤخّراً: "إذا كنتَ ستستثمرُ الآنَ، وتحقّقُ عوائدَ خلال 10 إلى 15 عاماً، فإنّ ذلك استثمارٌ مغامرٌ، وليس استثماراً في شركةٍ عامةٍ. بالنسبة للشركاتِ العامةِ، نتوقعُ تحقيقَ عائدٍ على الاستثمارِ في أطرٍ زمنيةٍ أقصرَ بكثيرٍ. وهذا يسببُ قلقاً، لأننا لا نرى أنواعَ التطبيقاتِ والإيراداتِ من التطبيقاتِ التي نحتاجُها لتبريرِ هذه الاستثماراتِ في الوقتِ الحالي."
لاحظت المديرةُ الماليةُ لشركةِ ميتا سوزان لي في مكالمةِ الأرباحِ أن "منتجاتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ التوليديِّ لن تكون مصدراً مهماً للإيراداتِ في عام 2024"، رغم أن الشركةَ تتوقعُ نفقاتٍ سنويةً تتراوح بين 96 و99 مليارَ دولارٍ.
حققت مايكروسوفت، التي حركت سباقَ الذكاءِ الاصطناعيِّ في عام 2022 باستثمارٍ قدره 10 ملياراتِ دولارٍ في أوبن إيه آي (OpenAI)، إيراداتٍ بلغت 64 مليارَ دولارٍ في الربعِ الأخيرِ، بزيادةٍ قدرها 15% عن الربعِ السابقِ.
على الرغم من أرقامِ المبيعاتِ الصحيةِ، تراجعت أسهمُ مايكروسوفت بنسبة 15% خلال الشهرِ الماضي، وأسهمُ التكنولوجيا الكبيرةِ الأخرى في وضعٍ مشابهٍ. يعودُ ذلك إلى أن الإنفاقَ المفرطَ لم يحققْ طريقاً إلى الأرباحِ التي تطالبُ بها السوقُ. على سبيلِ المثال، أبلغت ألفابت (Alphabet) عن نفقاتٍ رأسماليةٍ قدرها 13 مليارَ دولارٍ في الربعِ الثاني، وتتوقعُ استمرارَ الإنفاقِ عند مستوى مشابهٍ حيث تستثمرُ في خوادمِ مراكزِ البياناتِ، كما أوضحت المديرةُ الماليةُ روث بورات للمستثمرين. تراجعت أسهمُ ألفابت بعد تقريرِ الأرباحِ، وانخفضت بنسبة 14% خلال الشهرِ الماضي.
كما يوضحُ ماركوس، سيتبعُ الانهيارُ نمطَ انفجارِ الفقاعاتِ الأخرى على مرِّ التاريخِ. شارك الأستاذُ مجموعةً من التنبؤاتِ حول ما يعتقدُ أنه سيحدثُ عندما يحدثُ الفوضى على منصة X. من المتوقعِ أن يشهدَ السوقُ اندماجاتٍ حيث ستنهارُ العديدُ من الشركاتِ الناشئةِ في مجالِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، وسيخسرُ العديدُ من المستثمرين أموالهم. تراجعُ الطلبِ على الشرائحِ سيتسببُ في انخفاضِ أسهمِ شركةِ نيفيديا (Nvidia)، وستستمرُّ مايكروسوفت في مسارِها الهابطِ.
ربما الأهمُّ من ذلك، يضيفُ ماركوس أن الذكاءَ الاصطناعيَّ لن يختفيَ، بل سيتراجعُ إلى الخلفيةِ "مع اختراعِ نهجٍ أفضلَ في نهايةِ المطافِ."