معركة المساواة: نساء في مواجهة عالم الأعمال
من فجوات الأجور إلى السقوف الزجاجية، نظرةٌ على تحديات وإنجازات النساء في عالم الأعمال
قبيل انطلاق شهر المرأة، تكشف الدّراسات أنَّ بيئة العمل تُمثِّل معتركاً بارزاً يُمكن فيه التَّقدُّم على درب تحقيق المساواة بين الجنسين في الولايات المتحدة، وفي الوقت الحالي، تُشكِّل النِّساء نحو نصف إجماليّ القوى العاملة، وهو تحوُّلٌ دراماتيكيٌّ مقارنةً بالحقبة التي أعقبت الحرب العالميَّة الثَّانية، غير أنَّ النِّساء ما زلنَ يشغلنَ نسبةً أقلَّ في المجالات الوظيفيَّة ذات الرَّواتب العليا، وعند الحديث عن المناصب القياديَّة في الأعمال، فإنَّ الرِّجال ما زالوا مهيمنين عليها، ويرى بعض الأفراد ضمن استطلاعٍ أجرته مؤسَّسة Pew Research للأبحاث بوجودٍ فائضٍ في عدد القيادات النّسائيَّة، لكنَّ ذلك قد لا يبدو مفاجئاً في عصرٍ يشهد التَّأثير الكبير لمواجهة التنوع والمساواة والشمول على سوق العمل. [1]
خطوات نحو المساواة في بيئة العمل
تبدأ دراسة مؤسَّسة Pew الإحصائيَّة بنقل أخبارٍ مبشَّرةٍ: بالمقارنة مع نسبة تشكيل النِّساء لـ30% فقط من القوَّة العاملة في العام 1950، هنَّ يمثلن الآن 47% من القوَّة العاملة المدنيَّة، هذه قفزةٌ ملموسةٌ منذ الأيَّام الخوالي لمسلسل "I Love Lucy"، ومع ذلك تكشف الإحصائيَّات الصَّادرة عن Pew عن تباطُؤٍ في هذا النُّمو خلال العقود الأخيرة، لكنَّ الأرقام تبدو أكثر إيجابيَّةً عند النَّظر إلى نسبة العاملين من حملة الشَّهادات الجامعيَّة، حيث تشكِّل النساء الآن 51% من العمَّال الذين أعمارُهم من 25 عاماً فما فوق، وهذا يعكس بشكلٍ تقريبيٍّ التَّوازن بين الجنسين في تركيبة السُّكان عموماً، ما يشير إلى أنَّ المساوة على وشك أن تتحقَّق في هذا المجال.
شاهد أيضاً: تحديات تواجه المرأة في سوق العمل: هل من حلول في الأفق؟
واقع مغاير للنساء في عالم الأعمال
قبل الانغماس في الاحتفالات بمناسبة تحقيق تقدُّمٍ باتجاه المساواة بين الجنسين، تُلقي مؤسَّسة Pew الضَّوء على أنَّ نسبة النِّساء في المهن ذات الأجور العالية في البلاد لا تتجاوز 35%، وتكشف الإحصائياتُ عن تقدُّمٍ من العهد الذي كان يُعرف بعصر اليوبيلات والبدلات ذات الأكتاف المبطَّنة، إذ كانت النسبة في عام 1980 تساوي 13% فقط.
تعطي الأرقام إيحاءً بأنَّ السَّقف الزُّجاجي -السَّقفُ الزُّجاجيُّ أو الحاجز الزُّجاجيُّ مصطلحٌ يشير إلى الحواجز الاصطناعيَّة غير المرئيَّة التي تولّدها الأحكام المسبقة، والتي تحول دون تبوُّء النساء مناصب إداريَّة تنفيذيَّة عُليا- ما زالَ راسخاً بالنِّسبة لمهنٍ مثل الطّبِّ والطَّيران والمحاماة وغيرها من المهن التي تدرُّ دخلاً يتجاوز 100 ألف دولارٍ سنويَّاً، لكن ما يثير القلق بشكلٍ أكبر هو أنَّ البيانات تظهر الفجوة الكبيرة في الأجور بين الجنسين منذ بداية الألفيَّة الجديدة، وبحسب Pew يشير تحليل الأجور بالسَّاعة للعمَّال بدوامٍ كاملٍ إلى أنَّ النِّساء كُنَّ يكسبنَ 80 سنتاً مقابل كلّ دولارٍ يكسبه الرّجال في عام 2002، وفي عام 2022، ارتفعت هذه النّسبة إلى 82 سنتاً فقط لكلّ دولارٍ.
في عوالم المكاتب التي تضجُّ بأصحاب الياقات البيضاء، حيث قد تكون البدلات الرَّسمية للنساء بمثابة ظاهرةٍ شائعةٍ كما هو الحال مع البدلات والرَّبطات التَّقليديَّة، تظلُّ النساء متخلِّفات عن الرّجال في شغل المناصب القياديَّة العليا، إذ ضمن قائمة Fortune 500، لا تتجاوز نسبة الرُّؤساء التَّنفيذيين من النساء 11%، وعلى الرَّغم من وجود نسبةٍ أكبر من النساء في مجالس إدارة شركات Fortune 500، إلَّا أنَّ هذه النسبة ما تزال تقف عند 30% فقط.
شاهد أيضاً: كسر السقف الزجاجي: نصائح لمواجهة التحيز الجنسي في العم
ما الذي يجري؟ وما الذي يمكن عمله في هذا الإطار؟
تنأى مؤسَّسة Pew بنفسها عن الخوض في تعقيدات الأسباب السياسيَّة والأخلاقيَّة المحرّكة لهذه الإحصائيَّات، ولكنَّها تسلِّط الضَّوء على بعض العوامل التي قد تشير إلى سببِ تباطُؤ وتيرة التَّقدُّم نحو المساواة بين الجنسين في مكان العمل خلال العقود الأخيرة، وفيما يخصُّ فجوة الأجور، تشير الإحصائيَّات إلى أنَّ أكثر من ستَّةٍ من كلِّ عشر نساءٍ يرون أنَّ أرباب العمل يتعاملون مع النّساء بطريقةٍ مغايرةٍ، ويتَّفق فقط 37% من الرّجال مع هذا الرَّأي، بينما أفاد 55% من البالغين الأمريكيِّين المستطلعة آراؤهم بأنَّ هناك نقصاً شديداً في تمثيل النِّساء في أدوار القيادة في عالم الأعمال، واعتقد حوالي 6% فقط بوجود الكثيرات منهنَّ في تلك المناصب.
هل يرجع هذا إلى أنَّ المرأة ستجد صعوبة في التقدّمِ في المجتمع فقط لأنها امرأة؟ يؤكِّد نصفُ الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع على هذا، وفق ما تشير إليه Pew، لكنَّ هذا الاعتقاد لا يتوزَّع بالتَّساوي بين الجنسين، إذ يرى 40% فقط من الرِّجال أنَّ المرأة تواجهُ الكثيرَ من العوائقَ؛ لأنها امرأة، وهناكَ استطلاع حديث أجرته Inc. وFast Company يلقي الضَّوء على هذه النِّقاط، مشيراً إلى أنَّ الشَّركات التي تأسَّست على يد النساء تميل بشكلٍ أكبر وبصورةٍ ملحوظةٍ إلى توظيف النساء مقارنةً بتلك التي أسَّسها الرجال.
وتستحقُّ هذه الإحصائيَّات الاهتمامَ بها بعنايةٍ عند النَّظر في عمليات التَّوظيف والتَّرقية وتحديد الرَّواتب، إذ قلبت الجائحة الكثير من معايير المجتمع رأساً على عقبٍ، حيث لم تعدِ النِّساء إلى القوى العاملة بالمعدَّل نفسه الذي عاد به الرّجال، ممّا قد يستدعي استراتيجيَّاتٍ مختلفة لجذب النِّساء للتَّقدُّم إلى الوظائف، وإذا كانت شركتك تركِّز على التِّكنولوجيا، يبرز عائقٌ مهمٌ وهو نقص المهارات التّكنولوجيَّة بين النِّساء، وعدم كفاية جهود الشَّركة لتدريبهنّ في هذا المجال، وهو ما يمكن معالجته بسهولةٍ.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.