مفهوم التلقي: متى يكون لسياسة الأخذ أهمية العطاء ذاتها؟
نصائح لتحويل مفهوم التلقي إلى مسارٍ للتطوّر الشّخصي وبناء الرّوابط الرّوحيّة في جميع جوانب الحياة الشّخصيّة والمهنيّة.
منذُ قرونٍ، صاغت حكمةٌ تقولُ "العطاء خيرٌ من الأخذ" طريقةَ وأسلوبَ حياة الأفراد والجماعات والمؤسَّسات عبر الأجيال، لكن هل فكَّرنا يوماً إن كانت هذه الحكمةُ تُغطِّي كُلَّ جوانب القصَّة؟
حول هذا الموضوع يطرح روب هولمان -أحد خبراء القيادة العالميّين المرموقين والمؤلّف والمتَّحدّث البارعُ- تساؤلاً يدعو للتَّأمُّل العميق: "إذا كان الجميع يُعطون، فمن بقي ليتلقَّى هذا العطاء؟" يشير البحث العلميُّ إلى أنَّ تلقِّي الهدايا يُحفِّز إفراز الهرمونات المسبّبة للسَّعادة كالدُّوبامين والسّيروتونين والأوكسيتوسين، ما يحرّضُ العمليَّات الكيميائيَّة في الدّماغ والمرتبطة بالمشاعر الإيجابيَّة والحبّ؛ إنَّها الوصفة المثاليَّة لبناء الثّقة وتعزيزها في دوائر تأثيرنا المباشرة، وفي ظلِّ هذه الإيجابيَّات، من منَّا لا يرغب في صقل مهاراته في التلقي؟
في حوارٍ خاصٍّ، يكشف روب عن رؤىً مستقاةٍ من كتابه الجديد Lessons from Abdul: The Hidden Power of Receiving from Anyone Anytime، مُسلِّطاً الضَّوء على أهميَّة أن يُحسنّ القائد فنّ التلقي، والتي غالباً ما يتمُّ التَّغافل عنها. إذ لا تُبيّن المسيرة التي خاضها روب برفقة معلّمه الاستثنائيّ، عبد الله، إمكانيَّة استلهام الحكمة من أيّ شخصٍ فحسب، بل تُظهِر أيضاً كيف يُمكن أن تجعلنا مهيّئين لاعتناق أفكارٍ جديدةٍ، وتَفتَح أمامنا الأبواب أمام النُّموّ الذَّاتيّ الشَّامل، وشدَّد روب على أنَّ التَّلقّي يُصنَّفُ عموماً إلى ثلاث فئاتٍ رئيسيَّةٍ: الدَّعم/المساعدة، الآراء/وجهات النَّظر المتنوِّعة، والإطراء/المجاملات، كما تطرَّقنا لبحث بعض العقبات التي قد تَحُولُ دون قدرتنا على التَّلقّي بشكلٍ فعَّالٍ.
شاهد أيضاً: أجمل وأصدق كلمات الشكر والتقدير مع أمثلة مباشرة عنها
حواجز أمام التلقي الحقيقي
يُحدِّد روب ثلاثة حواجز تُعيقُ التلقي الحقيقي، كما هو مُوضَّحٌ في كتابه، الذي يُلقي الضَّوء على سبعة حواجز بالمُجمَل، وهي:
- التّخلّي عن السيطرة: في اللَّحظة التي نقوم فيها بالعطاء، من تتوقَّع أن يمتلك زمام السَّيطرة؟ المُعطِي بالتَّأكيد، إذ إنَّ عمليَّة التلقي تَضعُنا في موقفٍ ضعيفٍ، متَّحدِّيةً شعورنا بالسَّيطرة.
- إزالة القناع النَّبيل: يجد بعض الأفراد صعوبةً في استقبال الإشادة الإيجابيَّة خشية أن تُفسَّرَ على أنَّها تضخيمٌ للذَّات (إذا كانت من شخصٍ أعلى مرتبةً) أو أن تُظهِرهم في موقف الضَّعف أو الهشاشة (إذا كانت من شخصٍ أقلَّ مرتبةً)، الخوف من الظُّهورِ بمظهر الضَّعف أو الهشاشة قد يدفع الأشخاص لرفض الإطراء، ممَّا يكشِفُ عن مشكلاتٍ أعمق مرتبطةٍ بالتَّقدير الذَّاتيّ والانتماء.
- تناقص الألفة: الألفة المفرطة في العلاقات الحميمة قد تصنع من التلقي مهمَّةً شاقَّةً، إذ يمكن أن تُؤدّي الألفة إلى الاستخفاف بالآخر.
هذه الحواجز ليست سوى أمثلةٍ على التَّحدّيات التي يمكن أن تُعيقَ قدرتنا على التلقي بامتنانٍ، وفهمها يمكن أن يفتحَ آفاقاً جديدةً للنُّموِّ الشَّخصيِّ وتعزيز العلاقات الإنسانيَّة.
شاهد أيضاً: 10 أسباب تجعلك تتوقف عن انتظار رضا الآخرين
دروسٌ من عبد الله
ينقل روب ثلاثةَ دروسٍ بليغةٍ زرعها فيه معلِّمَه الرُّوحيَّ عبد الله خلال سنوات تكوينه، مقدِّماً بذلك إرشاداتٍ قيّمة للتَّغلُّب على العقبات التي تواجهنا، ويتناولُ كتابُه بالتفصيل عشرة دروسٍ أساسيَّةٍ:
- تبنّي بوصلتك الدَّاخليَّة: تُعدُّ معرفةُ قيمنا الجوهريَّة وتقبُّلها كالمرساة التي تثبتنا، ممَّا يساعد على تقبُّل التَّنوّع وتوسيع دائرة فهمنا وتعميق نموّنا الشَّخصيّ.
- الانضباط الذَّاتيُّ يحدّد النَّتائج: يمكننا الالتزام باتّخاذ قراراتٍ مضبوطةٍ تتماشى مع قيمنا من تجاوز الصّعاب وعيش حياةٍ مليئةٍ بالمعنى.
- التَّعاون المستنير بالتَّعاطف: حتَّى وإن لم تتشارك مع الآخرين في العقائد، أو الآراء، أو التَّجارب، فإنَّ الإيمانَ بقيمة الشَّخص الآخر يحمل أهميَّةً كبيرةً، إذ يُفسح التعاطف المجال لتعميق التوّاصل الرُّوحي، ويُمكّن من التلقي والتَّعاون بصورةٍ أكثر فعاليَّةً.
يمكن لتطبيق هذه الأفكار في القيادة أن يُحدثَ ثورةً في مفهوم التلقي، ممّا يُمكَّن القادة من غرس ثقافة الكرم والعطاء الهادف، وكما يُختتم روب، فإنَّ القدرةَ على التلقي تُعدُّ بنفس أهميَّة العطاء، إذ تُشكِّل النَّتائج وتعزِّز الرَّوابط الرُّوحيَّة في جميع جوانب الحياة الشَّخصيَّة والمهنيَّة.