قوة الحديث الإيجابي مع الذّات: مفتاح تحسين الأداء والعلاقات
ما تقوله مهمّ، لكن الأهمّ كيف تقوله؛ فالنّبرة والتّعبير مرآة احترامك، وهما المفتاح لحوارٍ إيجابيٍّ مع الآخرين ومع نفسك
يملك معظمنا حواراً داخليّاً، ذلك الصّوت الصّغير الّذي يوضّح ما نفكّر فيه حول ما يحدث من حولنا أو لنا. وقد اكتشف الباحثون على مرّ السّنين فوائد استخدام الحديث الإيجابيّ مع الذّات، أيّ العبارات المتفائلة والمحفّزة الّتي تساعدنا على إعادة صياغة طريقة رؤيتنا للمواقف.
على سبيل المثال، عندما قام مجموعةٌ من الباحثين بدراسة 47 بحثاً حول العلاقة بين الحديث مع الذّات والأداء، وجدوا أنّ التّدخّلات الّتي تعتمد على الحديث مع الذّات كانت فعّالةً في مساعدة الرّياضيّين على تحسين أدائهم، وكذلك في مساعدة المشاركين الآخرين على التّركيز والانتباه. كما أنّ القادة النّاجحين في عالم الأعمال يتقنون هذا الأسلوب أيضاً. حسناً، كيف يمكنك البدء في استخدام الحديث الإيجابيّ مع الذّات للمساعدة في توجيه حوارك الدّاخليّ؟
في الحقيقة، شاركت على مرّ السّنين العديد من الاستراتيجيّات، ولكنّ إليك ثلاثةً من أفضلها. حيث تركز هذه الاستراتيجيّات على تقوية العلاقات من خلال تعليمك كيفيّة:
- التّوقّف عن استخدام السّلوك العدوانيّ السّلبيّ
- احترام الآخرين
- إدارة الرّغبة في الكمال
ولنأخذ نظرةً أقرب على كلٍّ منها، ونكتشف كيف يمكنك تطبيقها.
كيف تتوقّف عن استخدام السّلوك العدوانيّ السّلبيّ؟
لا أحبّ أن أعترف بذلك، ولكنّني أتمتّع أحياناً بميولٍ نحو السّلوك العدوانيّ السّلبيّ. ربّما تكون أنت أيضاً على نفس الحال، أو تعرف شخصاً يعاني من هذه العادة. هذا هو النّوع من الأشخاص الّذين قد يفعلون أحد التّصرّفات التّالية:
- يقولون إنّهم بخيرٍ، بينما هم ليسوا كذلك
- العبوس والضّيق
- تجاهل الآخرين (الصّمت المطبق)
- يوافقون على القيام بشيءٍ، ثمّ لا ينفّذونه
- الرّدّ بالسّخرية
ولمساعدة نفسي في التّحكّم بهذه الميول، استخدمت الحديث الإيجابيّ مع الذّات. وبالتّحديد، أذكر نفسي بعبارةٍ مكوّنةٍ من أربع كلماتٍ تعلّمتها في عرضٍ تقديميٍّ حضرته قبل بضع سنواتٍ: "هاجم المشكلة، لا الشّخص."
عندما أتصرّف بطريقةٍ عدوانيّةٍ سلبيّةٍ، غالباً ما أحاول التّعامل مع مشاعر الإحباط أو الخيبة. ولكنّ هذه العبارة تساعدني على تذكير نفسي بأنّ أسلوبي هذا قد يؤذي علاقتي بالشّخص الآخر. وبدلاً من ذلك، يجب أن أتبنّى حلّاً أكثر فعّاليّةً، من خلال التّحدّث مباشرةً مع الشّخص عن ما يزعجني. ولكن كيف يمكنني فعل ذلك دون أن يشعر الشّخص الآخر بأنّه مهاجمٌ؟ هنا تأتي العبارة التّالية.
كيف تواجه الآخرين باحترامٍ؟
إذا كنت تعاني من صعوبةٍ في مواجهة الآخرين مثلي، فقد يكون من الصّعب التّعبير عن مشاعرك بوضوحٍ، خصوصاً عندما تشعر بالألم أو الإحباط أو الاستياء. في مثل هذه اللّحظات، من المهمّ جدّاً أن نتذكّر أنّ الاحترام يولّد الاحترام. إذن، كيف يمكننا أن نفعل ذلك؟ ببساطةٍ، استخدم حوارك الدّاخليّ لتذكير نفسك بعبارةٍ بسيطةٍ أخرى: "ليس ما تقوله، بل كيف تقوله."
حيث تدعم الدّراسات هذه الفكرة. فعلى سبيل المثال، قبل أكثر من 50 عاماً، أظهر عالم النّفس ألبرت مهرابيان أنّ نبرة الصّوت ولغة الجسد، مثل تعبيرات الوجه، تعبّر عن مشاعرنا بشكلٍ أكبر من الكلمات الّتي نختارها.
وقبل أن أخوض في واحدةٍ من تلك المحادثات الصّعبة، أذكّر نفسي أنّه يجب عليّ التّعبير عن أفكاري ومشاعري بطريقةٍ هادئةٍ وموجّهةٍ نحو الحلول. وهذا يشمل تحديد الوقت والمكان المناسبين للمحادثة، بحيث نشعر نحن الاثنين بالرّاحة، ونسير في إطارٍ ذهنيٍّ هادئٍ. وأتذكّر دائماً أنّه في معظم الأحيان، النّبرة الّتي استخدمها للتّعبير عن نفسي هي الّتي ستنعكس عليّ في النّهاية.
كيف تدير رغبتك في الكمال؟
على مرّ السّنين، اكتشفت سمةً أخرى أواجه صعوبةً في التّعامل معها: الكمال. وإذا كنت مثلي، فقد تجد أنّ ميلك للتّركيز على التّفاصيل الدّقيقة وإدارة كلّ شيءٍ بعنايةٍ فائقةٍ لا يؤثّر فقط على جودة عملك، بل قد يؤثّر أيضاً على علاقاتك بالآخرين. ذلك لأنّ هذا السّلوك قد يجعلهم يشعرون بأنّك لا تثق بهم، أو أنّك تشكّ في قدرتهم على أداء المهامّ.
ولتستطيع التّغلّب على هذه العادة، لا تتوقّع أن يكون عمل الفريق النّهائيّ خالياً من الأخطاء. بل يجب أن تنظر إليه "كعمليّةٍ مستمرّةٍ" يمكن فيها تحسينه وتطويره مع مرور الوقت.
إنّ إدراكك لهذه الفكرة مهمٌّ جدّاً، لأنّه مهما كان المشروع رائعاً في لحظةٍ معيّنةٍ، فإذا قمت بمراجعته بعد عامٍ أو حتّى بعد شهرٍ، أو أحياناً بعد أسبوعٍ فقط، من المحتمل أن تجد بعض الأمور الّتي تريد تحسينها أو تعديلها.
يمكنك أن تتخيّل مدى الإحباط الّذي يشعر به من يعملون معك بسبب ذلك. ولكن إذا كان عملك لا يزال "قيد التّطوير"، فلا بأس في المضيّ قدماً، حتّى لو لم يكن مثاليّاً. لأنّ الكمال لن يتحقّق أبداً. سيكون دائماً هناك شيءٌ يمكن تحسينه، وستظلّ الفرصة لتغييره قائمةً دائماً. وهذا سيسهّل عليك التّعاون مع الآخرين، وفي نفس الوقت سيلبّي رغبتك المستمرّة في التّحسين والتّطوّر.
لذلك، إذا كنت تريد تقليص سلوكك العدوانيّ السّلبيّ، وكسب المزيد من الاحترام، والتّوقّف عن التّفكير في الكمال، تذكّر هذه العبارات الثّلاث:
- هاجم المشكلة، لا الشّخص.
- ليس ما تقوله، بل كيف تقوله.
- العمل مستمرٌّ في التّطوير.
إذا طبّقت هذا بشكلٍ صحيحٍ، ستتمكّن من استخدام قوّة الحديث الذّاتيّ لتعزيز علاقاتك في العمل، وفي حياتك الشّخصيّة أيضاً.