كيف تستطيع الاستفادة من نظرية ERG لتحفيز الموظفين؟
استراتيجية تشجيعيّة قائمة في جوهرها على ثلاثة أعمدة أساسية - الوجود والارتباط والنمو- تظهر فاعليتها عند الفهم الحقيقي لاحتياجات كل فردٍ من الفريق
ما الذي يدفعك للقيام بهذا الفعل؟ هل تقف يوماً لتسألَ نفسك هذا السُّؤال، سواءً كان الفعل المقصود في حياتك المهنيَّة أو الشَّخصيَّة، إذا كنت تبحث عن الإجابة، ربَّما ينبغي عليك التَّعرُّف أكثر على نظريَّةٍ "إي آر جي" ERG للتحفيز، كذلك من المفيد جدَّاً أن تتعرَّفَ عليها في حال كنت مديراً تنفيذيَّاً يريد تحفيز موظَّفي شركته لزيادة الإنتاجيَّة والارتقاء بالمؤسَّسة، فما هي أهميَّة هذه النَّظريَّة وكيف تعمل؟
ظهرت نظرية إي آر جي، أو نظرية الوجود والارتباط والنُّمو، لأوَّل مرة عام 1969، في مقالةٍ كتبها عالم النَّفس الأميركي، كلايتون ألدرفير، بمجلة السلوك التنظيمي والأداء الإنساني، وتعدُّ هذه النَّظريَّة تنقيحاً لهرم ماسلو، فبينما يرى الأخير أنَّ هناك خمس حاجاتٍ ينبغي إشباعها، تختصر نظريَّة إي آر جي، تلك الاحتياجات إلى ثلاثٍ فقط: احتياجات البقاء واحتياجات الارتباط واحتياجات النُّموّ.
ويرى فيها بعضهم بديلاً جيداً عن نظريَّة هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانيَّة، خصوصاً أنَّ نظريَّة إي آر جي، بخلاف هرم ماسلو، لا تشترط إشباع الاحتياج الأوَّل للانتقال إلى إشباع الاحتياج الثَّاني والمتابعة بشكلٍ متتالٍ.
حيث تفترض نظرية ERG للتحفيز، أنَّه يجب تلبية الاحتياجات الثَّلاث، الوجود والارتباط والنُّمو، جميعها في وقتٍ واحدٍ حتَّى يتمكَّن الفرد من الوصول إلى الدَّافع المثاليّ، كذلك تعدُّ ERG للتحفيز، مرنةً أكثر من هرم ماسلو، فحين يفشل الفرد في تلبية احتياجٍ ذي مستوى أعلى، بإمكانه التَّراجع إلى تلبية حاجةٍ أُخرى أكثر سهولةً، وهنا تكمن أهميَّة تطبيق هذه النَّظريَّة بالنِّسبة للقادة، فهي تساعد على تجنُّب الأشخاص الشُّعور بالفشل وتمنحهم الثِّقة اللَّازمة للاستمرار.
شاهد أيضاً: فن الفشل بكرامة: دروسٌ مستفادةٌ من تجربة مسبار بيرغرين
الحاجات الثَّلاث: الوجود والارتباط والنمو
من خلال نظرية ERG، يجب تلبية الاحتياجات الثَّلاثة في وقتٍ واحدٍ، ولا مشكلةَ في الانتقال إلى تلبيَّة احتياجٍ أسهل، حيث سيستمرُّ الدَّافع حتَّى بحال الفشل في تلبية الاحتياج الأصعب. [1]
احتياج الوجود
ويعني الاحتياجات الماديَّة والفيسيولوجيَّة للفرد، مثل: الغذاء والماء واللِّباس والسَّلامة والحبِّ والمودة والَّسكن، ويمكن اختصاره بالحاجة إلى الشُّعور بالأمان، حيث نعيش سواء في حياتنا الشَّخصيَّة أو المهنيَّة.
احتياج الارتباط
وهو احتياج العلاقات الاجتماعيَّة، حيث يُمثِّل نجاح العلاقة مع الأشخاص المهمِّين في حياتنا، كالعائلة والأصدقاء وأصحاب العمل، دافعاً مهمَّاً لنا، يعزِّز الأمان في حياتنا ويدفعنا للمضيّ والنَّجاح.
احتياج النُّمو
يُشير إلى حاجتنا للتَّطوِّر واكتساب الخبرات والمعارف الجديدة، وتعزيز شعورنا بالاستقلالية، كذلك الرَّغبة بإنجاز عملٍ إبداعيٍّ يُحقُّق نجاحاً كبيراً، فالحياة لا تقتصر على الاحتياجات الفيسيولوجيَّة على الرَّغم من أهميَّتها للاستمرار، ويمكن تلبية هذا الاحتياج بأمثلةٍ بسيطةٍ للغاية، مثل: مساعدة الآخرين، خصوصَّاً إن كان القيام بهذا الأمر، يُعزِّز لدينا الرّضا الدّاخلي عن الذَّات.
الجميل في نظرية ERG للتحفيز، أنَّه ليس من المفروض تلبية الاحتياجات بطريقةٍ متسلسلةٍ، وبالإمكان العمل على تلبية الاحتياج الأكثر سهولةً في الحصول عليه، إذ إنَّ الأمر ليس ثابتاً على كلِّ الأفراد، ولا على كلِّ مراحلهم الزَّمنيَّة، فلكلِّ مرحلةٍ سمةٌ مميَّزةٌ تجعل الفرد قادراً على تلبية احتياجٍ ما.
وكمثالٍ على ذلك ربَّما أنا اليوم في وضعٍ مهنيٍّ لا يسمح لي بتلبية احتياجات النُّموِّ، هنا لا يجب أن يتسلَّل الإحباط إلى داخلي أو الشُّعور بالفشل، بل أستطيع اختيار التَّركيز على إشباع احتياجٍ آخر مثل احتياج الارتباط، والتَّركيز على مشاركة عائلتي أو أصدقائي العديد من الأنشطة بما يضمن لي النَّجاح في هذا الجانب، وبالتَّالي الشُّعور بالنجاح ريثما أستطيع إشباع احتياج النُّموِّ، الذي قد يأتي في مرحلةٍ قادمةٍ أُخرى، لكنَّ الأمر لن يكون بمثل هذه السُّهولة وعلينا الانتباه جيَّداً من الإحباط أو الانحدار.
مفهوم الإحباط أو الانحدار
مفهوم الانحدار أو الإحباط هو أحد أكثر الجوانب إثارةً في نظريَّة ERG للتحفيز، والذي يحدث عندما يتراجع الفرد إلى تلبية حاجةٍ ذات احتياجٍ أدنى حين تفشل محاولاته في تلبية حاجةٍ ذات مستوىً أعلى، كمثالٍ على الفكرة، ربَّما يضطرُّ أحد الموظَّفين للتَّراجع وتلبية احتياجاتٍ أُخرى تتعلَّق بالوجود أو الارتباط، حين لا ينجح في إشباع حاجة النُّموِّ المتمثِّلة بالتَّطوِّر الوظيفيّ.
أو مثلاً يمكن أنَّ أحدهم لم ينجح في تلبية حاجة الارتباط ولا يمتلك علاقاتٍ اجتماعيَّةٍ ناجحةٍ، فيلجأ إلى تلبية احتياج النُّموِّ بكلِّ ما أوتي من قوَّةٍ، والمثال الأخير يمكن ملاحظته لدى العديد من المدراء التَّنفيذيين وأصحاب الأعمال، بينما ينطبق المثال الأوَّل على الموظَّفين العاديّين غالباً.
سيتمكَّن الفرد من تجاوز هذه العقبة، في حال وضع خطة عملٍ لحياته، يحدِّد فيها أولويَّاته، ويضع فيها كذلك العديد من الخطط البديلة، ولنبسِّط الأمر، بحال الفشل في تلبية أحد الاحتياجات، لنفكِّر بالموضوع على أنَّه مجرَّدٌ "استراحة محاربٍ". [2]
استخدام النظرية
المرونة الكبيرة التي تتمتَّع بها نظرية ERG تجعلها عمليَّةً للغاية، كما أنَّها تُخبر المدراء أنَّهم لا يجب أن يركِّزوا على تلبية نوعٍ واحدٍ فقط من الاحتياجات لموظَّفيهم، إنَّما يجب أن يكونَ التحفيز في العمل شخصيَّاً للغاية، وأن يتناولَ مجموعةً متنوِّعةً من مستويَّات الحاجة.
أيّ أنَّ المؤسَّسات، يجب أن توفِّر ظروف عملٍ جيدةٍ لتلبية احتياج الوجود، وتشجِّع العلاقات الإيجابيَّة بما يلبِّي احتياج الارتباط، كذلك أن توفِّر فرص التَّطوير المستمرِّ بما يلبي احتياج النمو.
شاهد أيضاً: 6 حيل نمو بسيطة للشركات الناشئة
بالمقابل على المدراء أن يدركوا جيداً، أنَّهم مهما حاولوا تلبية احتياجات موظَّفيهم، فإنَّ الأمر لن يسير على النَّحو المتوقَّع دائماً؛ لأنَّ التَّغيُّرات الشَّخصيَّة في حياة بعض الموظَّفين، ستغيَّر أولويَّاتهم، فالشَّخص الذي يواجه تجربة طلاقٍ مثلاً، ستتغيَّر احتياجاته ويركِّز أكثر على أولويَّة احتياجات الوجود، بالتَّأكيد هذا لا يعني التَّخلِّي عن حاجة الارتباط أو النُّموِّ، لكن على الأقلِّ سيحتاج إلى فترةٍ زمنيَّةٍ معينةٍ ليتجاوز بها مشكلته، ويعود للتَّركيز على باقي الاحتياجات الأُخرى.
الأمر الأكثر أهميَّةً الذي يجب أن يدركه أصحاب العمل جيّداً، هو أنَّ عنصر الإحباط والانحدار يمكن أن يكون مؤثِّراً جداً، ففي حال لم تُقدِّم المؤسَّسة فرصاً لتلبية احتياجات النُّموِّ لفريقها، فإنَّهم سيصابون بالإحباط، وغالبيتهم لن يستسلموا، وسيبحثون عن تلبية باقي احتياجاتهم. وهذا يعني أنَّهم سيبحثون عن فرص عملٍ أُخرى أكثر مرونةً، أو يضعون أولويَّةً جديدةً لتلبية احتياجات الوجود، ويطالبون بزيادة الأجور، أو الحصول على مزايا أفضل.
كصاحب عملٍ أو كمديرٍ تنفيذيٍّ، يجب أن تكونَ على درايةٍ كاملةٍ بهذه النَّظريَّة، ففي حال لم تكن مستعدَّاً أو قادراً على تلبية احتياجات موظَّفيك ذات المستوى الأعلى، فمن الأفضل أن تُركِّز استراتيجيَّتك لجذب الموظَّفين والاحتفاظ بهم عبر تحفيزهم على احتياجات المستوى الأدنى.
وبالنَّظر لكون التَّحيُّز في مكان العمل مهمَّاً جدَّاً للنَّجاح وزيادة الإنتاجيَّة، عليك كمديرٍ أن تكونَ حسَّاساً جداً للتَّغييرات التي قد تُصيب أعضاء الفريق، ولا يكفي أن تعتقدَ أنَّك تعرف ما يحفِّز موظَّفيك، بل عليك أن تعرف حقَّاً.
إذاً، كيف أستطيع كمديرٍ التَّأكُّد من معرفة هذا الأمر؟ ببساطةٍ من خلال إشراك الموظَّفين في محادثاتٍ متكررةٍ وداعمةٍ وشخصيَّةٍ، حدِّثهم عن حياتهم المهنيَّة وأهدافهم، شاركهم همومهم وهواجسهم الشَّخصيَّة، فهذه المحادثات ستمنحك نظرةً ثاقبةً لاحتياجاتهم، ويبقى التَّحدِّي الذي قد تواجهه، هو معرفة ما يمكن فعله لإرضائهم وتحفيزهم.
تجدر الإشارة إلى أنَّ نظرية ERG للتحفيز، تعرّضت للكثير من الانتقادات أيضاً، حيث يرى بعضهم أنَّها تمتلك العديد من نقاط الضَّعف؛ فهي لا تُقدّم دليلاً واضحاً يمكن العودة إليه وتنفيذه، فبينما تقول إنَّه يمكن للفرد أن يُلبّي أحد الاحتياجات الثَّلاث في البداية، إلَّا أنَّه من الصَّعب جداً تحديد أيّ من هذه الاحتياجات هو الأكثر أهميَّةً بالنِّسبة للفرد؛ لذا فإنَّ المدراء وأصحاب العمل، هم الأكثر قدرةً في معرفة إن كانت هذه النَّظرية مفيدةً لهم في مكان العمل، انطلاقاً من مدى فهمهم لاحتياجات موظَّفيهم.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.