منحنى العائد: المزايا، والعيوب، والآثار المترتبة عليه
رسمٌ بيانيٌّ يُوضّح العلاقة بين معدلات الفائدة وفترات استحقاق الديون، ممّا يساعد في فهم توقّعات الاقتصاد واتّخاذ قراراتٍ ماليّةٍ مُستنيرةٍ
منحنى العائد هو ببساطةٍ بمثابة نشرةٍ جويَّةٍ للاقتصاد، حين يكونُ الطَّقس مشمساً بحالة المنحنى الطَّبيعي، يكون الجميع متفائلين، ويُخطِّطون للقيام بأنشطةٍ متنوِّعةٍ، لكن حين تظهرُ الغيوم كما حالة المنحنى المقلوب، يُفضِّل الجميع تأجيل خططهم، سواءً كنت مستثمراً يبحث عن أفضل عائدٍ، أو صانع قرارٍ يُريدُ قراءة توقُّعات الاقتصاد، فإنَّ منحنى العائد هو أداةٌ رائعةٌ تُساعدك على فهم "طقس" الاقتصاد بشكلٍ أفضل.
ما معنى منحنى العائد؟
منحنى العائد، عبارةٌ عن تمثيلٍ بيانيٍّ لأسعار الفائدة للسَّندات الَّتي تتمتَّع بجودةٍ ائتمانيَّةٍ متساويةٍ، إنَّما تواريخ استحقاقها مختلفةٌ، كما يُوضِّح العائد الَّذي يتوقَّعُ المستثمرُ أن يكسبهُ في حال أقرض أموالهُ لفترةٍ زمنيَّةٍ معيَّنةٍ. ويعرضُ التَّمثيل البيانيُّ عائد السَّند على المحور الرَّأسيّ، ووقت الاستحقاق على المحور الأفقيّ، وقد يتَّخذ المنحنى أشكالاً مختلفةً في نقاطٍ مُختلفةٍ من الدَّورة الاقتصاديَّة، وجَرت العادة أن يتَّجه نحو الأعلى.
كما ويعدُّ منحنى العائد أحد المؤشِّرات الاقتصاديَّة الرَّائدة، خاصَّةً حين يتحوَّل إلى الشَّكل المقلوب، ما يُشيرُ إلى تباطؤٍ اقتصاديٍّ، إذ تكون العائدات طويلة الأجل أقلُّ من العائدات قصيرة الأجل. وينظر خبراء عالم الاقتصاد لمؤشِّر منحنى العائد، كأحد المؤشِّرات الَّتي تدلُّ على حدوث الرُّكود والانكماش الاقتصاديّ، وتتَّخذُ منحنيات العائد 3 أشكالٍ رئيسيَّةٍ: طبيعيَّةٌ صاعدةٌ، ومقلوبةٌ هابطةٌ، ومنحنيَّاتٌ مسطَّحةٌ، ومن المهمِّ معرفة التَّالي عن منحنى العائد: [1]
- ترسم منحنيَّات العائد أسعار الفائدة على السَّندات ذات الائتمان المتساوي وآجال الاستحقاق المختلفة.
- تشير المنحنيَّات الطَّبيعيَّة إلى التَّوسُّع الاقتصاديّ.
- تشير المنحنيَّات المنحدرة إلى الأسفل إلى الرُّكود الاقتصاديّ.
شاهد أيضاً: أفضل استراتيجيات لإدارة الأعمال في الأوقات الاقتصادية الصعبة
أهمية منحنى العائد
تكمنُ أهميَّة منحنى العائد في العديد من العوامل، لعلَّ أبرزها أنَّه يُساعدُ في التَّنبُّؤ بأسعار الفائدة، لكن بالتَّأكيد تلكَ ليست الفائدة الوحيدة في استخدام هذا المؤشِّر الاقتصاديّ. [2]
التنبؤ بأسعار الفائدة
يمنحُ شكلُ المنحنى المستثمرين القدرةَ على فهمِ المسار المُستقبليّ المُحتملِ لأسعار الفائدة، حيث يعني المنحنى الصَّاعد العادي أنَّ الأوراق الماليَّة طويلة الأجل تُحقِّق عائداً أعلى، في حين يُشيرُ المنحنى المقلوب أنَّ الأوراق الماليّة قصيرة الأجل، تُحقِّق عائداً أعلى.
الوسيط المالي
تقوم البنوكُ وغيرها من المؤسَّسات الماليَّةِ الوسيطةِ، باقتراض أغلب أموالها عن طريق بيعِ الودائعِ قصيرة الأجل، وتقرضُ باستخدام القروض طويلة الأجل، وكلَّما كان المنحنى الصَّاعد أكثر انحداراً، كلَّما اتَّسع الفارق بين أسعار الإقراض والاقتراض، وكلَّما ازدادت أرباحها، إضافةً إلى ذلك يُشير المنحنى المسطَّح أو المنحدر إلى الأسفل عادةً إلى انخفاضِ أرباحِ المؤسَّسات الماليَّةِ الوسيطةِ.
التوازن بين الاستحقاق والعائد
يُسهمُ منحنى العائد في تحديد التَّوازن بين الاستحقاق والعائد، فإذا كان منحنى العائد منحدراً إلى الأعلى، فمن أجل زيادة العائد، يجبُ على المستثمر الاستثمار في أوراقٍ ماليَّةٍ أطول أجلاً، ما يعني المزيدَ من المخاطرِ.
الأوراق المالية المُبالغ في قيمتها أو المُبالغ في سعرها
يُمكن أن يُساعدَ منحنى العائد المستثمرين، من خلال الإشارة إلى ما إن كان سعر الورقة الماليَّة مبالغاً به مؤقَّتاً أو أقلّ من سعرها الحقيقيِّ، فإذا كان معدَّل عائد الورقة الماليَّة أعلى من منحنى العائد، فهذا يُشيرُ إلى أنَّ سعرَ الورقة الماليَّة أقلُّ من سعرها الحقيقيّ، وإذا كان معدَّل العائد أقلُّ من منحنى العائد، فهذا يعني أنَّ سعرَ الورقة الماليَّة مبالغٌ فيه.
مزايا وعيوب منحنى العائد
كما كلُّ المؤشّرات الاقتصاديَّة الأُخرى، يشملُ منحنى العائد مزايا وعيوباً، ستُسهِم معرفتها بشكلٍ معمَّقٍ، على اتِّخاذ كافَّة التَّدابير الَّتي تجعلُ من المُمكن الاستفادة من مزاياه ومحاولة تقليلِ عيوبهِ.
لنبدأ بمزايا منحنى العائد، والتس تشملُ:
- يُعدُّ مؤشّراً مهمّاً للتوقُّعات الاقتصاديَّة، وقياس توقُّعات التَّضخُّم.
- يساعدُ المستثمرون على اتّخاذ قراراتٍ استثماريَّةٍ مُستنيرةٍ.
- يُسهم في تقييم المخاطر المرتبطة بالفترات الزَّمنيَّة المختلفة، حيث يُمكن للمستثمرين تعديل محافظهم الاستثماريَّة بناءً على توقُّعاتهم للعوائد المستقبليَّة.
- أداةٌ مهمَّةٌ للبنوك المركزيَّة، الَّتي تُراقبُ منحنى العائد لفهم تأثير سياساتها النَّقديَّة على الاقتصاد.
شاهد أيضاً: العائد التراكمي: كيف تحسبه وأهم مجالات تطبيقه
بمقابل تلك المزايا، لا يُمكن إغفال العيوب الَّتي تشملُ التَّنبُّؤ غير الدَّقيق والتَّفسير المعقَّد، فدعونا نستكشفها معاً:
- على الرَّغم من فائدتهِ في التَّنبُّؤ بالاتِّجاهات الاقتصاديَّة، إلَّا أنَّ منحنى العائد ليس دقيقاً دائماً، وأحياناً تُؤدِّي التَّحوُّلات غير المتوقَّعة في الاقتصاد إلى نتائج مختلفةٍ عن توقُّعاته.
- يُمكن أن يتأثَّرَ منحنى العائد بعوامل غير اقتصاديَّةٍ، مثل الأحداث الجيوسياسيَّة والسِّياسات الحكوميَّة، الَّتي قد لا تعكس الواقع الاقتصاديَّ الفعليَّ.
- قد يكون من الصَّعب على المستثمرين غير المتخصِّصين فهم التَّغيُّرات في منحنى العائد وكيفيَّة تأثيرها على قراراتهم الاستثماريَّة.
- يُركِّز منحنى العائد بشكلٍ رئيسيٍّ على سندات الخزانة الأمريكيَّة، ما قد لا يوفِّر صورةً كاملةً عن السُّوق الماليَّة العالميَّة أو سندات الشَّركات.
باختصارٍ لا يختلفُ اثنان على أنَّ منحنى العائد أداةٌ تحليليَّةٌ هامَّةٌ تُوفِّر رؤى قيّمةً حول التَّوقُّعات الاقتصاديَّة واتّجاهات السُّوق، بالمقابل يجبُ استخدامه بحذرٍ وفهم نقاط ضعفهِ.
أنواع منحنى العائد
أنواع منحنيَّات العائد تشملُ ثلاثة أنواعٍ رئيسيَّةٍ، هي: المنحنى الطَّبيعي، والمنحنى المقلوب، والمنحنى المسطَّح، وكلُّ واحدٍ من الأنواع الثَّلاث يُشيرُ إلى توقُّعاتٍ اقتصاديَّةٍ مختلفةٍ عن الآخر. [1]
منحنى العائد الطبيعي
يُظهر منحنى العائد الطَّبيعيّ عائداتٍ منخفضةً للسَّندات ذات آجال الاستحقاق الأقصر، في حين ترتفعُ العائدات للسَّندات ذات آجال الاستحقاق الأطول، ويميلُ المنحنى إلى الأعلى، ما يشيرُ إلى أنَّ العائدات على السَّندات الأطول أجلاً تستمرُّ في الارتفاع، استجابةً لفترات التَّوسُّع الاقتصاديّ.
ويشيرُ منحنى العائد الطَّبيعيّ إلى ظروفٍ اقتصاديَّةٍ مستقرَّةٍ ودورةٍ اقتصاديَّةٍ طبيعيَّةٍ، بينما يشيرُ منحنى العائد الحادِّ إلى نموٍّ اقتصاديٍّ قويٍّ مع ظروفٍ مصحوبةٍ غالباً بتضخُّمٍ أعلى وأسعارٍ فائدةٍ أعلى.
منحنى العائد المقلوب
في منحنى العائد المقلوب، يتَّجهُ المنحنى إلى الأسفلِ، وتتجاوزُ أسعار الفائدة قصيرة الأجل، نظيرتها في الفائدة طويلة الأجل، وهذا ما يحدثُ في فتراتِ الرُّكود الاقتصاديِّ، وهنا يتوقَّع المستثمرون أن تذهبَ العائداتُ على السَّندات ذات آجال الاستحقاق الأطول إلى الانخفاضِ في المستقبلِ.
ويميلُ المستثمرون الباحثون عن استثماراتٍ آمنةٍ في فترات الرُّكود الاقتصاديّ إلى اختيار السَّندات طويلة الأجل، بدلاً من السَّندات قصيرة الأجل، ما يرفعُ سعر السَّندات الأطول أجلاً، ويدفعُ عائدها إلى الانخفاضِ، لكنّ منحنى العائد المقلوب أمرٌ نادرُ الحدوثِ، وكان في الماضي بمثابة تحذيرٍ من الرُّكود.
منحنى العائد المسطح
في منحنى العائد المسطَّح، تظهر عائداتٌ مماثلةٌ من خلال جميعِ آجال الاستحقاق، وهو ما يعني وضعاً اقتصاديّاً غير مؤكَّدٍ، وفي بعض الأحيان تحظى بعض آجال الاستحقاق المتوسّطة بعائداتٍ أعلى قليلاً، وينتجُ عن هذا ظهور حدبةٍ طفيفةٍ على طول المنحنى المسطَّح، وتكون تلك الحدبات عادةً للاستحقاقاتِ متوسّطةِ الأجل الَّتي تتراوحُ مدّتها بين ستة أشهرٍ وعامين.
الآثار المترتبة على منحنى العائد
تشملُ الآثارُ المُترتبة على منحنى العائد العديدَ من المجالاتِ، خصوصاً في مجالِ الإقراض والاقتراض، فحين يكون منحنى طبيعيّاً مائلاً للأعلى، وهذا يعني أنَّ أسعارَ الفائدة طويلة الأجل أكبر من أسعار الفائدة قصيرة الأجل، وبالتَّالي يلجأ المقترضون إلى تأمين القروض طويلة الأجل بأسعارٍ أقلَّ للفائدة، أمَّا المقرضون، فيطلبون فائدةً أعلى للقروض طويلة الأجل.
أمَّا بحالة منحنى العائد المسطَّح، فإنَّ أسعارَ الفائدةِ قصيرة وطويلة الأجل تكون متشابهةً تقريباً، ما يعني أنَّ المقرضين والمقترضين سيجدون صعوبةً كبيرةً في اتِّخاذ قراراتهم، فبينما يكون المقرضون غير مستعدِّين لدفع أسعارٍ أقلَّ للقروضِ طويلة الأجل، فإنَّ المقترضين لا يجدون أيَّ مزايا في اختيار القروضِ طويلة الأجل.
وصولاً إلى النَّوع الثَّالث، وهو منحنى العائد المقلوب، حين ترتفعُ أسعارُ الفائدةِ قصيرة الأجل، عن نظيرتها في أسعار الفائدة طويلة الأجل، ما يشيرُ في الغالبِ إلى حدوثِ حالةِ عدم اليقين الاقتصاديّ، وفي هذه الحالة يُفضِّل المقترضون القروض طويلة الأجل، بهدف تأمين أسعار الفائدة المنخفضة، أمَّا المقرضون فسيكونون أكثر حذراً، ولا يبدون رغبةً كبيرةً في تقديمِ الائتمان.
إذاً، كيف يؤثر الأمر على المقترضين؟
يُؤثِّر على المقترضين من عدَّة نواحٍ، هي:
- يحصلون على قروضِ طويلة الأجل بفائدةٍ أقل، حين يكون منحنى العائد مائلاً للأعلى.
- يستطيعون تمويلُ قروضهم الحاليَّة، إن وجدت بأسعارٍ أقلّ، ما يُخفِّض من المال على مدفوعاتِ الفائدةِ.
- بحالة منحنى العائد المقلوب، يتوخَّى المقترضون الحذرَ، وغالباً ما يفكِّرون بتأجيل اتِّخاذ قرارِ الاقتراض.
كذلك تشملُ التَّأثيرات المقرضين، الَّذين يحصلون على ربحٍ أكبر لدى الإقراض، حين يكون منحنى العائد متَّجهاً إلى الأعلى، بينما يتطلَّبُ منهم الأمرُ الحذر من مخاطرِ الائتمانِ، حين يكون منحنى العائد مقلوباً.
العوامل المؤثرة على منحنى العائد وكيفية استخدامه بالاستثمار
يتأثَّرُ منحنى العائد بالعديدِ من العواملِ، الَّتي يجبُ تتبُّعها بعنايةٍ، واتِّخاذ تدابير الحيطة والحذر من أيّ مفاجآتٍ غير محسوبةٍ، وتُؤثِّر على منحنى العائد عواملٌ، مثل: [3]
- توقُّعات التَّضخُّم، والنُّموِّ الاقتصاديِّ.
- أسعار الفائدة، وإجراءات البنك المركزيِّ.
- تفضيلات المستثمر.
ولاستخدام منحنيَّات العائد في الاستثمارِ، يجب تتبُّعها كذلك تتبُّع عائدات السَّندات للشَّركات المدرجة، الَّتي ستخبرك قبل ظهورِ المشاكلِ. ففي حين تُشير المنحنيَّات الطَّبيعيَّة إلى التَّوسُّع الاقتصاديّ، تُشير المنحنيَّات المقلوبة إلى الركود الاقتصادي، وبالتَّالي يُمكن للمستثمرين استخدام منحنى العائد للتَّنبُّؤ بالاتِّجاه الَّذي قد يتَّجهُ إليه الاقتصاد، واستخدام هذه المعلومات لاتِّخاذ قراراتهم الاستثماريَّة.
إذا أشارَ منحنى العائد على السَّندات إلى احتمال تباطؤٍ اقتصاديٍّ في الأفق، فقد يُحرِّك المستثمرون أموالهم إلى أصولٍ دفاعيَّةٍ تُحقِّق أداءً جيّداً تقليديّاً خلال أوقات الرُّكود، مثل السّلع الاستهلاكيَّة الأساسيَّة. أمَّا إذا أصبح منحنى العائد حادّاً، فقد يكون هذا علامةً على التَّضخُّم في المستقبل، وفي هذا السّيناريو، ربَّما يتجنَّب المستثمرون السَّندات طويلة الأجل ذات العائد الَّذي سيتآكلُ في مقابل ارتفاع الأسعار.
إذاً، يمكن القول إنَّ منحنى العائد، يعدُّ بمثابة بوصلةٍ تساعدنا على فهم اتِّجاهات الاقتصاد ومستقبل الفوائد الماليَّة، فهو يعطينا لمحةً سريعةً عمَّا ينتظرنا في الأفق الاقتصاديّ، سواء كانت الأجواء مشمسةً ومليئةً بالنِّمو، أو غائمةً مع احتماليَّة الرُّكود. فما الَّذي سيخبرنا به منحنى العائد في المرَّة القادمة برأيكم؟ ربَّما فقط الوقتُ سيخبرنا بذلكَ!
-
الأسئلة الشائعة
- ماذا يشير منحنى العائد المعكوس؟ منحنى العائد المعكوسُ يشيرُ إلى أنّ العوائدَ على السّندات قصيرة الأجل أعلى من العوائد على السّندات طويلة الأجل، ما يعكسُ توقّعاتٍ بتباطؤٍ اقتصاديٍّ أو ركودٍ محتملٍ، ويعتبر المستثمرون هذا إشارةً على أنّ أسعارَ الفائدة ستنخفضَ في المستقبل بسبب تدهورِ الأوضاع الاقتصاديّة.