مقارنة بين ميسي ورونالدو: تعلّم كيف تبني فريقك بشكل صحيح؟
تحليلٌ عميقٌ لديناميكيات النجوم في الرياضة يكشف عن رؤى حيويّة للقيادة والأداء العالي للأعمال.
تبرزُ في عالم الرياضة بعضُ المواضيع المُثيرة للجدل مثل قصَّة ميسي ورونالدو، ويجمِعُ النَّاس على أنَّ ليونيل ميسي، كابتن فريق Inter Miami والمنتخب الأرجنتينيِّ، هو الأروع في تاريخ كرة القدم، في المقابل يقف كريستيانو رونالدو، الهدَّافُ الأسطوريُّ للبرتغال، شامخاً كأحد أعظم الهدَّافين عبر العصور، لم يسبق للتَّاريخ أن شهدَ نجمين في أوج عطائهما يتصارعان طيلة أكثر من عقد من الزَّمان بمثل هذا الحماس، تخيَّلوا لو أنَّ ليبرون جيمس ومايكل جوردان كانا قد لعبا في الزَّمان نفسه، مُتقابِلين في معترك البطولات سنةً تلو أخرى، ويحثُّ كلٌّ منهما الآخر نحو قممٍ أرفع. [1]
وبعيداً عن الميول والأذواق الشَّخصيَّة، من الصَّعب إنكار أنَّ الاثنين قد تحوَّلا إلى أيقوناتٍ لجيلٍ زاخرٍ بالمواهب الكرويَّة الفذَّة، وسواءً أكان ذلك في أوروبا، أو الولايات المتَّحدة، أو بلدان الشَّرق الأوسط، هما بلا مُنازعٍ الأفضل والقادة حيثما حلَّوا، ومع ذلك، عندما نجرّد النّقاش من الانحيازات النَّاتجة عن التَّعصُّب الريّاضيّ، نجد أنَّ الحوار يكشف عن تصوُّراتٍ عميقةٍ بخصوص ديناميكيَّات النُّجوم داخل الفرقِ، وخصالهم القياديَّة، وكيفيَّة تأثير هذه الصِّفات على المجموعة بأسرها، والمسألة ليست في انتقاء جوانب للحديث عنها، بل في إدراك قيمة هؤلاء الأفراد في رفع مستوى أداء فريقك ضمن أيّ مؤسَّسةٍ.
شاهد أيضاً: 3 طرق لتبسيط التدريب والإعداد للفِرَق الموزعة
العطاء مقابل الأخذ
في كتابه Give and Take: Why Helping Others Drives Our Success، يغوصُ آدم جرانت في الثُّنائيَّة المسمَّاةِ بـ"المعطائين" و"الآخذين" ضمن أطياف الفِرَق، تُتيحُ لنا أفكاره مجهراً لتأمُّل هذا التَّقسيم في عالم كرةِ القدم، حيث يمكن تحليل سلوكيَّاتهما كنموذجٍ يُحتذى به بين القيادات والمتفوِّقين، في حديثٍ جرى مؤخَّراً عبر البودكاست، لم يتوانَ جرانت عن استحضار رونالدو كمثالٍ حيٍّ لإثبات فرضيَّته.
مع أنَّ جرانت لا يزعُم الإحاطةَ التَّامَّة بعالم كرة القدم أو بشخصيَّة رونالدو على وجه الخصوص، إلَّا أنَّ تناوله لديناميكيَّات الفريق عبر مجهر شخصيَّة رونالدو يُلقي أضواءً فكريَّةً مثيرةً، إذ يعترف بأنَّ الصُّورة العامَّة لرونالدو وطريقةَ لعبهِ قد لا تُعبِّر صراحةً عن سلوك "الأخذ" بوضوحٍ، غير أنَّ ثمَّة إشارات خفيَّة تبوحُ بطبيعةِ شخصيَّتهِ، مستشفَّةً من تصريحاته الإعلاميَّة وطريقة احتفاله بالأهدافِ، التي غالباً ما تُبرز الذَّات أو الاسم المتلألئ على قميصه، ومن الجدير بالذِّكر أنَّ هذا التَّنويه لا يهدف إلى التَّقليل من قيمة الموهبة الفذَّة لرونالدو، بل لطرح تساؤلاتٍ بنَّاءةٍ حول كيف يؤثِّر بريقه الفرديُّ، وبالأخصُّ طبع شخصيَّته، على الانسجام والتَّماسُك الجماعيّ للفريقِ؟
شاهد أيضاً: فن بناء الفرق المتكاملة: دروس من الشريك المؤسس لـ Bayt.com
وبهدف دراسة تأثير النَّرجسيَّة على التَّماسُك والأداء داخل أروقة الفرق، توجَّهت أنظار أكاديميَّة الإدارة نحو محافل فرقِ كرة السَّلَّة بالدَّوري الأمريكيّ للمحترفين (NBA)، وتقصَّى البحث آثارَ وجود عناصر لها صفاتُ "الآخذين" النَّرجسيَّة داخل هذه الفرق، وتحديداً الأثر الذي يُخلّفه تجسُّدها في الأعمدة الرَّئيسيَّة للفريق.
معتمدين على نظرية التَّبادل الاجتماعيّ وطريقة نموذج النَّرجسيَّة، وقام الباحثون بتقصِّي البيانات الطُّوليَّة عن أداء هذه الفرقِ، وكشفت النَّتائج أنَّ الفرق التي تَزخُر بمستوياتٍ متوسّطةٍ إلى مرتفعةٍ من النَّرجسيَّة، والأكثر من ذلك، تلك التي تتميَّز بوجود شخصيَّاتٍ نرجسيَّةٍ في المواقع القياديَّة، تتسم بتنسيقٍ متزعزعٍ، وبالتَّالي أداءٍ أَدنى مقارنةً بالفرق الَّتي تحتضن مستوياتٍ أقلَّ من النَّرجسيَّة.
من جانبٍ آخر، يعكسُ نهج ميسي، بحسب ما يصفه جرانت، أسلوب "المُعطي"، أي ذلك الشَّخص الَّذي يبحث عن سبلٍ لرفع كفاءة من حوله، وتَرسُم هذه السّمة معالم القيادة القدوة في أيّ مجالٍ، بما في ذلك عالم الأعمال، ويبرزُ القائد النَّاجح ليس فقط بأدائه الشَّخصيّ المتميِّز، وإنَّما بقدرته على تحفيز وتعظيم إمكانيَّات الآخرين.
وتمثِّل مسيرة كريستيانو رونالدو بعد رحيله عن ريال مدريد برهاناً آخر على أنَّ المهارة بمفردها غير كافيةٍ لتحقيق التَّميُّز الجماعيّ لفريقٍ ما، ويبدو أنَّه يؤكِّد نظريَّة جرانت عند الاطِّلاع على فتراتِ لعبه مع يوفنتوس في إيطاليا، ومؤخَّراً في الشَّرق الأوسط، وتدلُّ الإحصائيَّات على تراجعٍ ملحوظٍ في أداء الفريق إثر انضمامه، ممَّا يتحدَّى النَّظرية القائلة بأن النُّجوميَّة الفرديَّة، مهما كانت لامعةً، لا يمكن أن تَكفل النَّجاح المطلوب إذا ما كان المرء من النَّوع "الآخذ" الذي يركِّز بشكلٍ أَساسيٍّ حول ذاته.
شاهد أيضاً: كيف يمكن للعقلية الصحيحة أن تحدث الفرق في نجاح الأعمال؟
أمثلة من الشَّركات
يجدُ هذا الجدل في المجال الرِّياضي صدىً متطابقاً وفريداً في عوالم الأعمال، كما يتجلَّى في سياسة "لا للعباقرة المتعجرفين" المتَّبعة في نتفليكس، ففي رحلتها لخلق ما تعدَّهُ "فريق الأحلام"، تتطلَّع الشَّركة إلى جذب أفرادٍ يلتزمون بتحفيزِ أنفسهم وزملائهم لتحقيق أقصى مستويات الإبداع والتَّعاون، مع التَّركيز الشَّديد على مصلحة الفريق، وتُؤمن القيادة في نتفليكس بأنَّ البراعة الفرديَّة، مهما بلغت قمَّة تميُّزها، لا تستطيع تعويض النَّقص في روح الفريق أو التَّغلُّب على السّمات النَّرجسيَّة.
يلقي هذا الموقف الضَّوء على المخاطر المترتبة على إدماج "الآخذون" ضمن الفريق، مؤكِّداً على أهميَّة ثقافة عملٍ متماسكةٍ تحتفي بالمعطائين على حساب الإنجازات الفرديَّة المتألِّقة، أمَّا الدَّرس الرَّئيسيُّ الموجَّه للقادة في مجال الأعمال والرِّيادة فيتمثَّل بأهميَّة بناء ثقافةِ فريقٍ تضع الأهداف الجماعيَّة فوق الطُّموحات الشَّخصيَّة، وفي نهاية المطاف، فريقٌ يغلب عليه "المعطاءون"، بقيادة أشخاصٍ يضعون نجاح المجموعة في مقدِّمة أولويَّاتهم، سيكون في موقعٍ أفضل بكثيرٍ لتحقيق النَّجاح المستدام.
وبينما نفكِّك تعقيدات ديناميكيَّات الفريق في مؤسَّساتنا، يتعدَّى النِّقاش حول ميسي ورونالدو كونه مجرَّد تحليلٍ رياضيٍّ ممتعٍ، أنَّه يقدِّم لنا فرصةً للتَّأمُّل في أنماط القيادة الخاصَّة بنا، واستراتيجيَّات التَّوظيفِ، وثقافتنا التَّنظيميَّة، سواءً من منظور القيادة أو من منظور الموهوبين المتفوِّقين، ويمثِّل الاختيار بين تطوير فريق من "المعطائين" الَّذين قد يكونون أقلَّ موهبةً نسبيَّاً أو "الآخذين" الاستثنائيين والمتميِّزين قراراً حاسماً واستراتيجيَّاً.
في عمليَّة بناء فرق العمل، يتجلَّى أنَّ مفتاح النَّجاح وتحسين أداء الفريق لا يكمن بالضَّرورة في استقطاب ألمع النُّجوم، بل في صياغة بيئةٍ يمكن لكلِّ فردٍ فيها أن يَبرزَ بشكلٍ يُسهم في تعزيز مسيرة الآخرين نحو الازدهار، وكونك قائداً ومتميزاً، يتعيَّن عليك التَّساؤل، "كيف يمكنني المساهمة في تحسين الجميع من حولي؟" هذا هو جوهر القيادة الحقَّة، سواءً في مجال الرِّياضة، أو في الأعمال التِّجاريَّة، أو حتَّى في مسيرة الحياة نفسها.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.