ميسي جزء فقط من الحكاية: تفاصيل صفقة بقيمة 2.5 مليار دولار
تعرّف على تفاصيل الصفقة بين الدوري الأمريكي لكرة القدم وأبل، وكيف تمكّنت من تحويل تجربة مشاهدة مباريات كرة القدم للجماهير عبر الإنترنت.
في العام 2008م، وفي لحظةٍ تاريخيَّةٍ تميَّزت بالحماس الرّياضي، تجمَّعت الجماهير العريضة في استاد رفك الرَّائع، حيث كنتُ واحداً من بين 6000 مشجّعٍ، نتابع بترقُّبٍ مباراة دي سي يونايتد ونيو إنجلاند. تميَّزت الأجواء بالحماس رغم عدم معرفتي بأيٍّ من اللاعبين، لكننا جئنا لمشاهدة الفريق الشّاب الذي تشجُّعه ابنتنا والذي كان سيظهر خلال مراسم ما قبل المباراة.
بعد مضي عقدٍ من الزمن تقريباً، في الشّهر الماضي، اتجهتُ إلى كارولينا الشمالية، حيث اجتمعنا، برفقة حشدٍ مذهلٍ قدره 66000 شخصٍ في استاد بنك أوف أمريكا، لمتابعة شارلوت إف سي تحقّق النّصر على إنتر ميامي ومعها النّجم ليونيل ميسي، الحائز على جائزة الكرّة الذّهبية لهذا العام.
هذا التطوُّر البارز يسلّط الضوء على النّموّ الهائل الذي شهده الدّوري الأمريكي لكرة القدم، سواءً من ناحية الجاذبية الرّياضية أو الأهميّة التجارية.
فمثلاً، إذا نظرنا إلى قيم الفرق، نجد أن فوربس قد قدَّرت في العام 2008 قيمة النّوادي في المتوسط بـ 37 مليون دولارٍ، لكن في فبراير من هذا العام، بلغت القيمة المتوسطة 579 مليون دولار، وهو ارتفاعٌ ضخمٌ من 313 مليون دولارٍ في العام 2019. (وهذا يعني زيادةً بنسبة 85% خلال أربع سنواتٍ فقط)، وتقدّر قيمة نادي لوس أنجلوس إف سي، الذي بدأ اللّعب منذ ست سنواتٍ فقط، بمليار دولارٍ تماماً.
وبالنّسبة لميسي في إنتر ميامي؟ كانت بدايته في الدّوري الأمريكي لكرة القدم في العام 2007 جزءاً من صفقةٍ ذكيةٍ تمّ التّفاوض عليها من قبل ديفيد بيكهام، الشّريك المشترك، حيث تمّ التّوصل لاتفاقٍ على خيار شراء الفريق مقابل 25 مليون دولارٍ بعد انتهاء مسيرته كلاعبٍ. في ذلك الوقت، كانت 25 مليون دولارٍ تقريباً هي السّعر السائد لفريقٍ في الدوري. ومع ذلك، بينما دفعت تورنتو 10 ملايين دولار في نفس العام، دفعت فيلادلفيا 30 مليون دولارٍ في العام 2010م.
لكنّ بيكهام كان ينظر إلى المستقبل برؤيةٍ ثاقبةٍ. إذ صرّح بيكهام قائلاً: "عندما انضممت إلى الدّوري الأمريكيّ لكرة القدم، كان النّاس ينتقدونني لهذا الانتقال، لكن هناك شيء ما في الدّوري أثار فضولي. كنت أرغب في تحقيق النّجاح كلاعبٍ في البداية؛ كانت الأمورُ على أرض الملعب هي الأولوية. لكنّني كنت ملتزماً أيضاً بتطوير الرّياضة. رأيت تغييراتٍ هائلةٍ على الأفق، وكنت أعلم أنّها ستنمو".
وكانت نظرته صحيحةً؛ ففي وقتٍ سابقٍ من هذا العام، حتى قبل وصول ميسي، قُدّرت قيمة إنتر ميامي بـ 600 مليون دولارٍ.
شاهد أيضاً: ستيف جوبز يُلقي الضوء على أساس النجاح والرضا الدائمين
هل أنت مستعدٌّ للانضمام؟ الأمور لن تكون بسيطةً: فمع توسّع الدّوري الأمريكي لكرة القدم بشكلٍ لم يسبق له مثيلٌ بين أيّ دوري رياضي عالمي خلال العقد الماضي، من 16 نادياً إلى 30 نادياً، تشير الإحصائيّات إلى أنّ الدّوري سيضيف بضعة فرقٍ أخرى في السّنوات القليلة القادمة. ومن المحتمل أن يكلّفك رسم الامتياز وحده أكثر من 500 مليون دولارٍ.
"كانت سنةً استثنائيّةً بالنسبة لنا"، يقول كاميلو دورانا، نائب الرّئيس التنفيذي للدّوري الأمريكي لكرة القدم. "أتاحت الشّراكة مع أبل للأشخاص حول العالم أن يصبحوا مشجّعين للدوري الأمريكي لكرة القدم. قدّمنا كأس الدوريات الافتتاحية (منافسة منتصف الموسم بين الدوري الأمريكي لكرة القدم وليغا MX المكسيكية). وبالطبع، من الصّعب عدم التّحدّث عن ميسي. إنّ حقيقةَ أنّ بطلَ كأس العالم اختار الدوري الأمريكي لكرة القدم للخطوة التّالية في مسيرته، وأنّ إنتر ميامي فاز بكأس الدوريات... لو كان بإمكاننا تصوّر هذه اللّحظة، لم نكن لنستطيع تصوّرها بشكلٍ أفضل".
فالصّفقة البالغ قيمتها 2.5 مليار دولار التي جعلت أبل الشّريك الرّئيس لبثّ الدّوري الأمريكي لكرة القدم كانت خطوةً فارقةً، وهذا لم يكن ممكناً لولا التّوجيه الحكيم من الدّوري لفرقه بعدم التوقيع على صفقات حقوقٍ إقليميةٍ جديدةٍ بعد عام 2022م. وبهذا، عندما انتهت صفقات البثّ الوطنيّة والعالميّة، أصبح من الممكن التّفاوض على صفقاتٍ جديدةٍ شاملةٍ.
"لأوّل مرّةٍ في تاريخ الرّياضة،" قال إدي كيو من أبل، "سيتمكّن المشجّعون من الوصول إلى كلّ شيءٍ من دوري رياضيّ محترفٍ كبير في مكانٍ واحد. إنّه حلمٌ تحقّق لمشجّعي الدّوري الأمريكي لكرة القدم، ومشجّعي كرة القدم، وأيّ شخصٍ يحبّ الرّياضة. لا تفتيت، لا إحباط، فقط المرونة للتّسجيل في خدمةٍ مريحةٍ واحدةٍ تمنحك كلّ شيءٍ عن الدّوري الأمريكي لكرة القدم، في أي وقتٍ وفي أيّ مكانٍ ترغب في مشاهدته".
إذا كانت ألفاظ كيو تجعل مشاهدة مباريات الدّوري الأمريكي لكرة القدم تبدو "أبلية" (نسبةً إلى أبل) إلى حدٍّ ما، فهذا لأنّها كذلك. فكما هو الحال مع أيّ شراكةٍ حقيقيةٍ، كان لكلا الطّرفين دورٌ في تحديد الاتّفاق. فمثلاً، بخلاف السّنوات السّابقة، حين كانت تواريخ وأوقات المباريات تبدو عشوائيةً تقريباً، جدول الدوري المباريات في يومي السبت والأربعاء أحياناً، وبدأت كلّ مباراةٍ في الساعة 7:30 مساءً بالتوقيت المحليّ. بنفس الطريقة التي يعرف بها مشجّعو الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكي بالضّبط متى تُلعب المباريات، تساعد القدرة على التنبّؤ في إنشاء شعورٍ بمشاهدة "المواعيد".
توفير البثّ المباشر لكلّ مباراةٍ عبر الإنترنت كان خطوةً منطقيةً أيضاً بالنظر لتفضيلات الجمهور، فبينما تميل الفئة العمرية المتوسطة لمشاهدي الرّياضات المحترفة الأكثر شيوعاً إلى الارتفاع (47 عاماً للدوري الوطني لكرة القدم الأمريكي، و57 عاماً للدوري الأمريكي لكرة القدم)، فإنّ الدّوري الأمريكي لكرة القدم تتمتّع بجمهورٍ أصغر سناً بمتوسط عمرٍ قدره 34 عاماً.
شاهد أيضاً: 5 استراتيجيات لتحسين تجربة العميل في الشركات الصغيرة والمتوسطة
يمتاز الدّوري الأمريكي لكرة القدم بقاعدةٍ جماهيريّةٍ شابةٍ ومتنوّعةٍ، حيث يتراوح متوسّط عمر مشجعيه حوالي 34 عاماً، بينما يعتبر حوالي 30% منهم من أصل هسباني أو لاتيني. هذا التنوّع والشباب في قاعدة الجماهير جعل الدّوري يتفوّق في جذب الجمهور خلال الموسم العادي لعام 2023م مقارنةً بالـ 28 عاماً السابقة، وبالتالي زيادة جاذبية صفقات الرّعاية للعلامات التّجارية. تجدّدت الشراكات الرّئيسية مع أديداس وأودي وAT&T، وتمّ توقيع شراكاتٍ جديدةٍ مع شركاتٍ، مثل: تيكيت ماستر، وإدارة ثروات RBC، ووجبات كامبل.
تشير الدّوريات الرّياضية عادةً إلى دوراتٍ رباعيةِ السّنوات مركّزةً حول كأس العالم، وستكون دورة 2026م، التي ستستضيفها الولايات المتّحدة، والمكسيك، وكندا، من بين الأكثر أهميّةً في تاريخ الدوري. مع 64 مباراة وحضور يتجاوز 4.5 مليون شخصٍ، سيكون للبثّ الحيّ والتّلفزيوني تأثيرٌ كبيرٌ، خاصّةً بالنظر إلى أنّ المباراة النّهائية عادةً ما تحظى بمشاهداتٍ تفوق مشاهدات السّوبر بول بمعدّل 2.5 مرّة.
تأثير كأس العالم على الاهتمام بكرّة القدم كبيرٌ، فقد ساعدت الدّورة التي استضافتها الولايات المتّحدة في عام 1994م في زيادة الاهتمام بكرة القدم بنسبة 33 في المئة. ولكن مع وصول ميسي، شهد الدوري تحوّلاً ملحوظاً. قال إدي كيو: "لا شكَّ أنّنا بدونا أذكى في اليوم الذي قرّر فيه ميسي الانضمام إلى الدّوري الأمريكي لكرة القدم، والحقيقة هي، أعتقد أنّ ميسي يُسرّع، مدى ما يمكننا أن ننمو من حيث الزمن ومن حيث الأرقام".
التّجربة التي عاشها المشجّعون في الملاعب والتّفاعل الحيّ مع الأحداث لها تأثيرٌ كبيرٌ على نجاح الدّوري. في مارس، خلال المباراة الافتتاحيّة، تدخلّت الجماهير لإكمال النّشيد الوطنيّ عندما انقطع الميكروفون، وأصبحت هذه العادة تقليداً. كان الملعب ممتازاً، وكذلك عرض الأضواء بالطائرات بدون طيّارٍ في وقت الاستراحة؛ المباراة وجودة اللّعب كانتا رائعتين.
نجاح الدّوري الأمريكي لكرة القدم لن يعتمدَ فقط على ميسي، بل على تجارب الملعب، وصفقات حقوق البثّ العالمي، والمنتج المتسّق المثير للاهتمام. ولكن في النهاية، الأشخاص هم دائماً العامل الأكثر أهميّةً، سواءً كانوا في الملعب، أو في المدرّجات، أو في المنازل. كانت الزيارة لرؤية ميسي، لكن الذّكريات الأكثر تأثيراً تكمن في التّجربة الأوسع نطاقاً، الجمهور، والجوّ، والتّجربة الجماعية للتّشجيع والدّهشة من مهارات اللاعبين الموهوبين.
في النّهاية، ستحدّد جودة هذه التّجربة، سواءً كانت شخصيةً أو في المنزل، ما إذا كان الدّوري الأمريكي لكرة القدم سيستمرّ في النّموّ بهذه الوتيرة السّريعة، مع ميسي أو بدونه، وكأس العالم 2026م أو بدونها. لأنّ الرّياضات المحترفة، مثل أيّ عملٍ تجاريٍّ آخر، ليست عن المنتج ولكن عن الأشخاص الذين يستهلكون المنتج.