ناديلا يكتب دروساً في القيادة من معركة Microsoft وOpenAI
بِتغريدة واحدة فقط، أعطى الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت درساً رائعاً في فن القيادة وسط الأزمات، مُعلناً أن الإستراتيجية لا تعلو قط على قيمة البشر.
أتصوّر أنّ هناك الكثير من المواقفِ المحمومةِ التي تمرّ بيومياتِ إدارةِ إحدى أضخمِ الشّركاتِ التّقنيّةِ عالميّاً، وهي مواقف لا يُدرك معظمنا حتّى مدى تعقيدها. بالفعلِ، الأمرُ تجاوزَ الخيالَ لتفهّم تلك الشّبكة المعقّدة من القراراتِ والتحدّياتِ التي تستلزمُ التّركيزَ والتدبّرَ. [1]
أتخيّلُ أنّ الرّئيسَ التّنفيذيّ لمايكروسوفت، ساتيا ناديلا، عاشَ نهايةَ الأسبوعِ الماضي بتوترٍ غيرِ معهود. لكنّ ردّ فعلهِ كان بمثابةِ درسٍ في فنّ قيادةِ الفريقِ وسطَ الأزمةِ.
ربّما تذكرون أنّه في يوم الجمعة قبل الماضي، أقدمت OpenAI، الشّركةُ المطوّرةُ لـ ChatGPT والتي استثمرت فيها مايكروسوفت 13 مليار دولارٍ لضمّها إلى منتجاتها، على إقالةِ رئيسها التّنفيذيّ، سام ألتمان. وهذا أشعلَ فتيلَ أكثرَ فتراتِ التّكنولوجيا جنوناً على مدارِ خمسةِ أيامٍ، حيث سعى المستثمرون والموظّفون لإجبارِ مجلسِ الإدارةِ على إعادةِ توظيفِ ألتمان وتقديمِ استقالاتهم.
بدا في البدايةِ أنّ الخطّةَ قد تنجحُ مع تفاوضِ الطّرفين حول عودةِ ألتمان. بينما أنّ المجلسَ قرّر في النّهايةِ تعيينَ شخصٍ آخر، إميت شير، الرّئيسُ التّنفيذيّ السّابقُ لتويتش، بينما عرضت مايكروسوفت وظيفةً على ألتمان. ولكن...
تبيّنَ أنّ مايكروسوفت لم توظّف ألتمان فعليّاً، بل اقترحت فقط ذلك. وفي الواقعِ، عرضتِ الشّركةُ الوظيفةَ على أيّ من موظّفي OpenAI الرّاغبين في المغادرةِ، وبحلولِ يوم الثلاثاء، أعلن حوالي 700 منهم استعدادهم للرّحيلِ، إذا لم يستقل مجلس الإدارةِ بعد إعادة تعيين ألتمان.
وأخيراً، قررت OpenAI إعادةَ توظيفِ ألتمان بعد إدراكها أن الشّركةَ ربّما تواجهُ الانهيارَ التامّ، وتمّ تشكيلُ مجلس إدارةٍ جديدٍ. وخلال كلّ هذه الفوضى، أفادت التّقارير بأنّ ناديلا كان له دورٌ محوريّ في التّوسطِ للتّوصلِ إلى هذه النّتيجةِ.
وهذا يبدو منطقيّاً؛ فلا يوجد طرفٌ لديه أكبر مصلحة من مايكروسوفت، التي راهنت على تكنولوجيا OpenAI كأساسٍ لاستراتيجيتها التّقنيّةِ المستقبليّةِ. إذا كنت الرّئيسَ التّنفيذيّ لشركةٍ استثمرت 13 مليار دولارٍ في أكثرِ الشّركاتِ النّاشئةِ أهميّةً في العالمِ حاليّاً، ستهتمّ بشدّةٍ بمآلِ الأمورِ. ومن المحتملِ أن يكون ضغط ناديلا قد ساهمَ بشكلٍ كبيرٍ في قرارِ المجلسِ بإعادةِ ألتمان إلى منصبِ الرّئيسِ التّنفيذيّ.
وبعد أن هدأتِ الأمورُ أخيراً، نشرَ ناديلا هذا التّعليقُ على تويتر:
At the end of the day, the greatest privilege of my job is working with people who are driven by mission. These last 5 days, I saw people across OpenAI remaining calm and resolute in driving their mission despite all that was happening around them. And I saw people across…
— Satya Nadella (@satyanadella) November 22, 2023
هناك بالتّأكيدِ الكثير لتفسيرهِ في هذه التّغريدة. فمن ناحيةٍ، كان الهدفُ الأساسيّ لناديلا خلال الأزمةِ كلّها هو: تقديمُ صورةِ السّيطرةِ والاعتياديةِ لمساهمي مايكروسوفت. ومن هذا الجانبِ، حقّقَ نجاحاً. فبحلولِ وقتِ إعادةِ تعيينِ ألتمان، تجاوزتِ القيمةُ السّوقيّةُ لمايكروسوفت 2.8 تريليون دولارٍ. ويعبّرُ هذا البيان عمّا يتوقّعه المرءُ من رئيسٍ تنفيذيّ في مثل هذه الظّروفِ؛ إنّه ينطقُ بالكلماتِ المناسبةِ، الموجّهةِ إلى الأشخاصِ المناسبين.
شاهد أيضاً: بجملة واحدة، أعطى الرئيس التنفيذي لـ Microsoft، درساً في اقتناص الفرص!
وفي الوقتِ ذاته، يقدّمُ هذا الموقف درساً لكلِّ قائدٍ حول كيفيّةِ التّعاملِ مع الأزماتِ. وللتّوضيحِ، كانت هذه الأحداثُ بمثابةِ أزمةٍ حقيقيّةٍ بالنّسبةِ لمايكروسوفت. فالاضطراباتُ في OpenAI شكلّت تهديداً جوهرياً للاستراتيجيّةِ الأساسيّة للشّركةِ في المستقبلِ.
لكن في بيانه، لم يكن التّركيزُ الرّئيسيّ لناديلا على الاستراتيجيّةِ، بل على الأشخاصِ. فيصفُ ناديلا "أسمى امتيازاته" بأنّها "العملُ مع أشخاصٍ يحرّكهم الهدفُ". ويعبّر عن شكرهِ لهم على بقائهم متمحورين حول هذا الهدف، وعلى خدمتهم للعملاء والشّركاء.
أهمّ درسٍ يمكن استخلاصهُ هنا هو: أنّه يحدثُ الكثيرُ من الأمورِ التي تفوقُ قدرتنا على السّيطرةِ. لا يمكنك التّحكّم فيما قد يفعلهُ مجلس إدارةِ الشّركةِ غير الرّبحيّةِ الذي يشرفُ على أهمّ شريكٍ لك، حتى لو كان ينحرفُ عن المسارِ المرسومِ (وهناك حجّةٌ تقولُ إنّ مايكروسوفت كان يجب عليها أن تفعلَ المزيدَ لتدبيرِ هذا الاحتمال).
لكن بإمكانك التّحكّم في كيفيّةِ ردّ فعلك. في هذه الحالةِ، يبرزُ ناديلا أهميّةَ التّركيزِ على ما هو أساسيّ للأشخاصِ، فعندما تواجهُ أزمةً، هناك الكثيرُ من العواملِ خارجَ نطاقِ سيطرتك. كما بإمكانك، على الجانبِ الآخر، أن تحثّ فريقك على تجاهلِ الضّجيجِ والتّركيزِ على ما يهمّ فعليّاً: مهمّتكم، عملاؤكم، وشركاؤكم.
والأكثرُ أهميّةً، كانت رسالةُ ناديلا التي تهدفُ إلى طمأنةِ جميعِ الأطرافِ المعنيّةِ. عندما تكون في موقعِ القيادةِ ويمرّ فريقك بأزمةٍ، يكونُ الارتباكُ والفوضى حاضرين بقوّةٍ. ووظيفتكَ هي أن تكون قوّةُ الاستقرارِ والهدوءِ التي تجعل فريقكَ يشعرُ بالأمانِ. قد يبدو الاهتمامُ بالمشاعرِ أمراً تافهاً، ولكن مهمّتكَ هي الحفاظُ على تركيزِ النّاسِ على المهمّةِ، إذا كنت تأملُ في تجاوز الأزمة.