نسبة السيولة السريعة: مفهومها، وأهميتها، وكيفية حسابها
تعرّف على المقياس الذي يُحدّد مدى قدرة الشركة على سداد ديونها الحاليّة، ممّا يُعطي تصوّراً عن صحتها المالية بسرعةٍ وبساطةٍ
جميعُ الشَّركات تقريباً معرَّضةٌ لمواجهة مشكلاتٍ غير متوقَّعةٍ في التَّدفُّق النَّقديّ، والَّتي تتطلَّبُ منها بيع الأصول لتغطية النَّفقات، فعادةً لا تكون الإيراداتُ ثابتةً شهريّاً، وقد تحدث تغيّراتٌ سوقيَّةٌ شرسةٌ تُؤثِّر على مواكبة الالتزامات، وتعدُّ نسبة السيولة السريعة من الوسائل الَّتي يُمكنُ أن تساعدَ رائد الأعمال في التَّعرُّف على الطَّريقة الَّتي سيؤثّر بها بيع الأصول من أوراقٍ ماليَّةٍ وحساباتٍ مدينةٍ على وضعه الماليّ، فهي الطَّريقةُ الأكثر سرعةً وبساطةً لقياس قدرة الشَّركة على تحويل الأصول قصيرة الأجل بسرعةٍ إلى نقدٍ.
فما هي نسبة السيولة السريعة، وما القانون الَّذي يساعدكَ في حسابها بكفاءةٍ؟ وما دورها في تقييم الأداء الماليّ للشَّركات؟ بل وما العوامل الَّتي قد تؤدّي إلى خفض نسبة السيولة السريعة، وبالتَّالي زيادة المخاطر الماليَّة وهروب المستثمرين؟ كلُّ هذا وأكثر سنرصدهُ في الأسطر المقبلة.
ما هي نسبة السيولة السريعة؟
نسبة السيولة السريعة هي صيغةٌ ومقياسٌ ماليٌّ يُحدِّد مدى قدرة الشَّركة على سداد ديونها الحاليَّة، وعادةً ما يستخدم المحاسبون والمتخصِّصون الماليون هذه النِّسبة لقياس الصِّحَّة الماليَّة للشَّركة بسرعةٍ وبساطةٍ، وهي تُعرَّف أيضاً بالاختبار الحمضيّ أو اختبار الأسيد. وتسعى نسبة السيولة السريعة في الأساسِ لمعرفةِ ما إذا كان لدى الشَّركة ما يكفي من أصولٍ سائلةٍ، سواءً نقد أو ممتلكات يُسهل تحويلها سريعاً إلى نقدٍ؛ لتغطية الالتزامات الحاليَّة وتكاليف التَّشغيل والدُّيون وشيكة السَّداد.
والنُّقطة الأساسيَّة هنا، والَّتي يُجبُ الانتباه لها عندَ حساب نسبة السيولة السريعة، أنَّها ليست اختباراً لمعرفة مدى الدُّيون المستحقَّة على الشَّركة أو ما إذا كان يُمكن للمؤسَّسة الحصول على قروضٍ أو تمويلٍ لتغطية أيّ ديونٍ حاليَّةٍ، لكنَّها تهتمُّ فقط بحساب نسبة الأصول السَّائلة إلى الالتزامات، وكلَّما كانت الأصول أكبر من الالتزامات أو مساويةً لها، كان هذا دليلاً على الصّحَّة الماليَّة للشَّركة وفقاً لنسبة السيولة السريعة. [1]
الفرق بين نسبة السيولة السريعة والعادية
هناك نسبتان رئيسيتان عادةً ما تُستخدمان لقياس الصِّحَّة المالية للشَّركة، وهما النسبة السريعة والنِّسبة الحاليَّة أو العاديَّة، وكلٌّ منهما يعملُ من خلال مقارنة الأصول بالالتزامات.
ولكنَّ النّسبة الحاليَّة أو العاديَّة تأخذُ في اعتبارها الأصول الَّتي يُمكن تسييلها خلال عامٍ سواءً مخزونٌ أو عقاراتٌ أو مصروفاتٌ مدفوعةٌ مقدَّماً أو غيرها، ولكنَّ النِّسبة السَّريعة تُركِّز فقط على الأصول قصيرة الأجل للغاية، والَّتي لا تتعدَّى شهراً أو عدَّة أشهرٍ على الأكثر؛ لذا تُعدُّ النسبة السريعة أكثر صرامةً؛ لأنَّها لا تحسب مطلقاً أيَّ مخزونٍ من البضائع أو مستحقَّاتٍ خارجيَّةٍ للشَّركة يصل أجلها إلى عامٍ.
كما أنَّ كلَّ نسبةٍ تُقيِّم الصِّحَّة الماليَّة للشَّركة بطريقةٍ مختلفةٍ، فالنِّسبة العاديَّة تمنح درجاتٍ مرتفعةٍ للغاية للشَّركات الَّتي تتمتَّع بمخزونٍ كبيرٍ، في حين أنَّ النِّسبة السَّريعة تمنحُ الشَّركة الَّتي لديها أصولٌ سائلةٌ درجاتٍ أكبر، ولا تهتمُّ كثيراً بالمخزون والَّذي قد يستغرقُ بعض الوقت لحين تحويلهِ إلى أموالٍ سائلةٍ، وبالتَّالي لا يُلبِّي الاحتياجات المُلحَّة. [2]
وفي الواقع لا توجد نسبةٌ بمفردها قادرة على وضع تصوُّرٍ صحيحٍ ومتكاملٍ للصِّحَّة الماليَّة للشَّركة أو قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، فعلى المحاسبين دائماً اتِّباع أكثر من مقياسٍ ماليٍّ لتحديد الوضع الأقرب لصِّحَّة الشَّركة، وفقاً للظُّروف العاديَّة للسُّوق أو عند حدوث طوارئ سواءً كوارثٌ طبيعيَّةٌ أو حروبٌ أو انتشار أمراضٍ أو غيرها من ظروفٍ تُؤثِّر على الأسواق المحليَّة والعالميَّة.
شاهد أيضاً: 5 دروس عن المال لم تتعلمها في المدرسة
أهمية نسبة السيولة السريعة في أداء الشركات المالي
نسبة السيولة السريعة مهمَّةٌ للغاية؛ لأنَّها تُعطي لمحةً سريعةً عن الصِّحَّة الماليَّة للشَّركة، وترصدُ طريقة استخدامها للأصول بطريقةٍ لا تؤدِّي إلى تراكم ديونٍ أكثر من قدرتها على التَّعامل معها، وتساعدُ نسبة السيولة السريعة في تحديد الأداء الماليّ للشَّركة وفقاً للآتي: [3]
- تحليل البيانات الماليَّة: يهتمُّ مستثمرو الأسهم أكثر بطريقة توزيع الأرباح وقوَّتها، كما أنَّ الدَّائنين يرغبون في التَّأكُّد من قدرتهم على الحصول على مستحقَّاتهم في الوقتِ المحدَّد.
- فهم ربحيَّة الشَّركة: فالنِّسبة السَّريعة تُساعدُ في تحديد مقدار الرِّبح الَّذي تحقِّقه الشَّركة مقابل كلِّ دولارٍ من المشتريات، ومدى جودة استخدام الشَّركة لأموال مستثمريها، وهذه النّسب تُحدِّد قدرة الشَّركة على ترجمة المبيعات إلى أرباحٍ.
- تحليل الكفاءة التَّشغيليَّة للشركة: تساعدُ نسب معيّنة في تحليل درجة كفاءة الشَّركة، مثل: معدَّل دوران الحسابات المدينة، ومعدَّل دوران الأصول الثَّابتة، ونسبة دوران المخزون ومقارنة هذا بالمنافسين.
- تحديد سيولة الشَّركات: وهي قدرة الشَّركة على الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل، مثل: الرَّواتب والضَّرائب والنَّفقات التَّشغيليَّة خلال 6 إلى 12 شهراً.
- تحديد المخاطر التِّجاريَّة أمام الشَّركة: نسبة السيولة السريعة تُساعدُ على فهم أعمال الشَّركة والمنحنى الَّذي تتَّخذه، وبالتَّالي محاولة مقاومة الأخطار مبكِّراً قبل إعلان الإفلاس أو الاستدانة بطريقةٍ أكبر من القدرة على السَّداد.
- تحديد الخطط المستقبليَّة: عبر الحصول على نسبٍ معيَّنةٍ يُمكن لأصحاب الشَّركات وضع خططٍ مستقبليَّةٍ أو اقتحام أسواقٍ جديدةٍ أو تشجيع المستثمرين على الاستثمار في الشَّركة.
- اكتشاف نقاط الضَّعف: هذه النِّسب تُوضِّح نقاط القوَّة والضَّعف في كلِّ شركةٍ، خصوصاً عند مقارنتها مع نسبٍ سابقةٍ أو نسب المنافسين في نفس الصِّناعة؛ ممَّا يزيدُ من القدرة على التَّطوير ومراقبة الأداء عموماً.
قانون نسبة السيولة السريعة
يتضمَّن قانون نسبة السيولة السريعة تقسيم أصول الشَّركة الأكثر سيولةً أو الأصول المتداولة على إجمالي الالتزامات المتداولة وفقاً للقانون الآتي:
النسبة السريعة= الأصول السائلة / الالتزامات المتداولة
مع اعتبار أنَّ الأصول السَّائلة للشَّركة هي كلُّ الأصول النَّقديَّة أو القريبة من النَّقد، سواءً أوراقٌ ماليَّةٌ قابلةٌ للتَّسويق، مثل: الأسهم والسَّندات، أو الحسابات مستحقَّة الدَّفع من العملاء خلال فترةٍ قصيرةٍ. أمَّا الالتزامات أو المطالب المتداولة، فهي أيُّ ديونٍ فوريَّةٍ مُستحقَّةٍ على الشَّركة بما يشمل الأموال المستحقَّة على الشَّركة، سواءً للعملاء أو الشَّركات الأُخرى وأجور الموظَّفين، والضَّرائب والمدفوعات مقابل الدُّيون طويلة الأجل مثل الرُّهون العقاريَّة أو القروض.
كيفية احتساب نسبة السيولة السريعة
لنفترض أنَّ شركةً ما تمتلك نقداً وما يعادله بقيمة 5 ملايين دولار، وأوراقاً ماليَّةً قابلةً للتَّسويق بقيمة 3 ملايين دولارٍ، و2 مليون دولارٍ أُخرى في حساباتٍ مستحقِّة الدَّفع خلال فترةٍ قصيرةٍ، إذا ستكون الأصول عالية السيولة لديها تساوي 10 ملايين دولار. فإذا كان لديها التزاماتٌ متداولةٌ تصل إلى 5 ملايين دولار في نفس فترة جمع المستحقَّات الماليَّة لها من الأسواق الخارجيَّة، فإنَّ إيجادَ نسبة السيولة السريعة سيكون وفقاً للآتي:
نسبة السيولة السريعة للشركة= 5+3+2 / 5= 2.0
فإذا النسبة السريعة في هذا المثال تساوي 2، وهي نسبةٌ جيّدةٌ بالنِّسبة للشَّركات.
طريقة تحليل نسبة السيولة السريعة
من النَّاحية المثاليَّة ترغب معظم الشَّركات في الحصول على نسبةٍ سريعةٍ تصل إلى 3 أو أكثر، كما أنَّ بعض الصِّناعات تتَّسم بمتطلَّبات نسبةٍ سريعةٍ أعلى بكثيرٍ مثل قطَّاع التُّكنولوجيا، والَّذي يُمكن أن تصل النِّسبة السَّريعة به إلى 10 أو 12. وعموماً فإنَّ النِّسبة السَّريعة الجيِّدة هي أيُّ رقمٍ أعلى من 1 أو 1:1، والَّتي تعني أنَّ الشَّركة لديها كميَّة أصولٍ؛ السَّائلة تساوي تماماً التزاماتها المتداولة، وتُشير النِّسبة الأكبر إلى قدرة الشَّركة على سداد هذه الالتزامات أكثر من مرَّةٍ، فمثلاً نسبة 1:5 تؤكِّد قدرة الشَّركة على سداد ديونها 5 مرَّاتٍ.
ومع هذا فإنَّ النّسبة الأقلّ من 1:1 لا تعني إفلاس الشَّركة أو الحُكم بالإعدام عليها، ولكن يعني فقط أنَّه ليس لديها أصولٌ سائلةٌ لسداد التزاماتها قصيرة الأجل، ولكن قد تتمتَّعُ بمرونةٍ هائلةٍ مع المقرضين مثلاً لسداد هذه الالتزامات، أو حتَّى يكون لديها فرصةٌ لتأجيل بعض الالتزامات لبيع المخزون أو الأصول الأُخرى.
كما أنَّ النِّسبة السَّريعة المرتفعة للغاية ليست فكرةً جيّدةً أيضاً، فهي تشيرُ إلى وجود فائضٍ ماليٍّ كبيرٍ للغاية لدى الشَّركة يُمكن أن تستغلُّه في الاستثمار بطريقةٍ أفضل أو استكشاف أسواقٍ جديدةٍ.
ما الذي يؤدي إلى انخفاض نسبة السيولة السريعة؟
هناك الكثير من العوامل الَّتي تؤدِّي إلى انخفاض نسبة السيولة السريعة، ومن هذه العوامل: [4]
- طبيعة الصِّناعة، والَّتي تتسمُ بمتطلَّباتٍ مختلفةٍ لرأس المال العامل، فتجارة التَّجزئة لديها مخزونٌ كبيرٌ؛ وبالتَّالي نسبةٌ سريعةٌ منخفضةٌ، أمَّا شركات الخدمات، فتتمتَّع بنسبة سيولةٍ مرتفعةٍ في العادة.
- طريقة الشَّركة في تحصيل المدفوعات من العملاء تؤثِّر أيضاً على نسبة السُّيولة، فالشَّركة الَّتي تمنحُ فترات سدادٍ أطول قد تعاني من نسبة سيولةٍ منخفضةٍ.
- عدم إدارة المخزون بطريقةٍ صحيحةٍ بحيثُ تكون الحركة بطيئةً، وبالتَّالي منتجاتٌ كثيرةٌ غير مبيعةٍ، ممَّا يفرض تحديَّاتٍ تتعلَّق بالسُّيولة.
- عدم اتِّباع استراتيجيَّات نقدٍ سليمةٍ، فقد تختار شركة الاحتفاظ بكميَّات نقدٍ كبيرةٍ، حتَّى إذا خسرت فرصاً بديلةً، وقد تختار أُخرى الحصول على فرصٍ استثماريَّةٍ متنوِّعةٍ، ولكنَّ الموازنة بين الأمرين هو ما يزيد من نسبة السُّيولة السَّريعة.
- التَّغيُّرات الموسميَّة، فالشَّركات ذات المبيعات الموسميَّة سوف تعاني من أزمات سيولةٍ، مثل منتجعات التَّزلُّج على الجليد مثلاً أو مبيعات العطلات.
- عدم الاستثمار في الأوراق النَّقديَّة، فهي من الوسائل الَّتي تُعزِّز السُّيولة مثل السَّندات الحكوميَّة، فهي شكلٌ من أشكال الاستثمار الآمن سهل البيع دون مخاطرٍ.
- عدم وضع شروط دفعٍ مواتيةٍ مع الدَّائنين، فعلى الشَّركة وضع شروط دفعٍ أطول مع المورِّدين لزيادة نسبة السيولة السريعة، فكلَّما كانت فترة الالتزامات طويلةً سوف تكون الدُّيون قصيرة الأجل أقلّ من الأصول السَّائلة.
شاهد أيضاً: أين تنفق المال كشركة ناشئة؟
وفي النِّهاية، فإنَّ نسبة السيولة السريعة مقياسٌ أساسيٌّ لمدى قدرة الشَّركة على الوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل، ولكنَّها ليست المؤشّر المثاليَّ أو الوحيد، بل مجرَّد أداةٍ من عدَّة أدواتٍ أُخرى يجب أن يستخدمها المحاسبون لتقييم الشَّركة وقدرتها الماليَّة وأدائها عموماً.