5 دروس في التسويق من الإعلانات الأكثر تأثيراً في عيد الأم
من الدعم غير المشروط إلى تجاوز التوقعات، كيف تستغلّ الإعلانات مناسبة عيد الأم لرواية قصص عميقة تُعزّز الصلة بين العلامات التجارية وجمهورها؟
عيد الأم ليس مجرّد مناسبة نحتفل بها سنويّاً، بل هو يوم تتجلّى فيه مشاعر الحبّ والامتنان العميق لتلك الشّخصيّة الاستثنائيّة في حياتنا، الأم. هذه المناسبة، المحمّلة بالعاطفة والحنان، تمثّل فرصةً ذهبيّةً للعلامات التجارية للتّواصل مع جمهورها بطريقةٍ تلامس القلوب وتُعزّز الرّوابط العاطفيّة، فالأغاني، والأفلام، والمسلسلات التي تعبّر عن حبّ الأم، مثل الأغنية الخالدة "ست الحبايب"، تشكّل خلفيةً ثقافيّةً غنيّةً يمكن للحملات الإعلانيّة أن تبني عليها.
في هذا المقال، لن نكتفي بالنّظر إلى عيد الأم كمناسبةٍ للتّعبير عن المشاعر فحسب، بل كنقطة انطلاقٍ لاستكشاف كيف يمكن للإعلانات أن تتجاوزَ البيع والتّرويج لتلمسَ جوهر العلاقات الإنسانيّة، وسنركّز على كيفيّة استغلال هذه العاطفة في صناعة الإعلان بطريقةٍ تعود بالفائدة على العلامة التّجاريّة وتُعزّز تواصلها مع الجمهور.
ليكون فعّالاً، يجب على الإعلان أن يحتوي على عدّة عناصر مهمّةٍ: يجب أن يكونَ ترويجيّاً، ومقنعاً، ومستهدفاً، وإبداعيّاً، مع الحفاظ على الاتّساق مع جوهر العلامة التّجاريّة. لن نغوصَ عميقاً في النّظريات الأكاديميّة حول التّسويق والإعلان، بل سنسلّط الضّوء على بعضٍ من أكثر الحملات الإعلانية ذكاءً وتميّزاً والتي ارتبطت بعيد الأم، لنستخلصَ منها دروساً قيمة يمكن تطبيقها في استراتيجيات التّسويق الفعّال.
الدعم غير المحدود: "ماحدش هيقف في ضهرك قد مامتك"
في لوحة الإعلانات الزّاخرة بالألوان والأصوات، يبرز إعلان فودافون مصر لعام 2021 كلوحةٍ فنيّةٍ تستلهم جوهر العلاقة بين الأمّ وأبنائها. "ماحدش هيقف في ضهرك قد مامتك"، جملة تنبض بالحياة، تحمل في طيّاتها الدّفء والأمان. وفي عالم التّسويق، هذه الجملة تعدّ دعوةً للعلامات التّجاريّة لتقديم الدّعم اللّا مشروط لعملائها، تماماً كالدّعم الذي لا تبخل به الأمّ على أبنائها.
وهذا الإعلان يعلّمنا درساً قيّماً في كيفيّة بناء الثّقة والولاء بين العلامة التّجارية وجمهورها، فعندما تعتنق الشّركات هذا المبدأ، تصبح العلاقة مع العملاء أكثر من مجرّد معاملة تجارية، إذ تتحوّل إلى رابطٍ عميقٍ يتجاوز حدود الزّمان والمكان.
علينا أن نتذكّر، الإعلان النّاجح لا يقتصر على بيع المنتج فحسب، بل يبيع تجربةً، ووعداً بالدّعم، ورسالةً مفادها أنّ وراء كلّ منتجٍ قصّةً، ووراء كلّ قصّةٍ إنسانٍ يستحقّ كلّ الدّعم والتّقدير.
في النّهاية، هذا المحور من الإعلان يدعونا إلى التّفكير وإعادة تقييم كيفيّة تفاعلنا مع العملاء، وكيف يمكننا أن نكونَ مثل الأم التي تدعم أبناءها دوماً، بكلّ حبٍّ وإخلاصٍ.
الجودة أولاً: "امنحها الفرصة ليكون عندها Quality Time"
من خلال إعلان فودافون مصر لعام 2022، يُعرض علينا درسٌ آخر ذو قيمةٍ بالغةٍ، يتمثّل في أهميّة منح الأمّهات "Quality Time"، أو ما يمكن ترجمته إلى "وقت ذو جودة عالية". ينسج هذا الإعلان قصّةً تخرج عن النّمط التّقليدي لتوقّعاتنا عن دور الأمّ، مقدّماً لمحةً نادرةً عن رغبتها في التّمتع بوقتٍ لنفسها، بعيداً عن الأدوار المعتادة التي تبدع بها. وهذه الفكرة، على بساطتها، تحمل بعداً تسويقيّاً هائلاً: القيمة المضافة للتّجربة.
في عالم التسويق، يعدّ الوقت الذي نقضيه في فهم حاجات ورغبات جمهورنا، وتقديم منتجاتٍ أو خدماتٍ تُلبّي هذه الرّغبات بجودةٍ عاليةٍ، من أسمى الاستثمارات. ليس الأمر مقتصراً على مجرّد تحقيق مبيعات، بل يتعلّق بإنشاء تجارب ترتقي بمستوى التّوقعات، وتجعل العملاء يشعرون بأنّهم قضوا وقتهم في شيءٍ يستحقّ.
الإعلان يعلّمنا أيضاً أنّ الابتعاد عن المألوف وتقديم محتوىً غير تقليديٍّ يمكن أن يكونَ له تأثيرٌ أكبر بكثيرٍ من المتابعة العمياء للتّوجهات السّائدة. تماماً كما في الحياة، التّنوع والجدّة في التّسويق يمكن أن يجدّدَ الاهتمام ويبقي الجمهور مشدوداً.
بتقديرنا لأهميّة الوقت، وسعينا لملئه بما هو ذو قيمةٍ ومعنى، نستطيعُ أن نرفعَ من قيمة عروضنا التّجاريّة، ليس فقط في أعين جمهورنا، بل وفي السّوق ككلٍّ. إن الهدف هو خلق لحظات ٍلا تُنسى، تجعل العلامة التجارية جزءاً لا يتجّزأ من قصص الحياة اليوميّة للأشخاص، بما يتجاوز مجرّد كونها مزوّداً للسّلع أو الخدمات.
الأصالة والابتكار: "لا تكرر نفسك ولا تكن نمطياً"
في إعلان راش براش لعام 2022، يُقدَّم لنا درسٌ مهمٌّ في الابتكار وتجنّب التّكرار، إذ بطريقةٍ طريفةٍ ومبتكرةٍ، تعرض الممثّلة المصريّة المعروفة، عارفة عبد الرسول، أهميّة الابتعاد عن الهدايا النّمطية في عيد الأم، مستخدمةً أسلوب الرّاب الكوميديّ لتوصيل رسالتها، إذ يبرز الإعلان كيف يمكن للأصالة والابتكار أن يجعلا الرّسالة التّسويقيّة أكثر جاذبيّةً وتأثيراً.
هذا المحور يعلّمنا أنّ في التّسويق، كما في الحياة، الخروج عن المألوف والتّقليدي يمكن أن يكونَ مفتاحاً للنّجاح، فالابتعاد عن الرّتابة والتّكرار لا يجدّد اهتمام الجمهور فحسب، بل يمكن أن يسمّ العلامة التجارية بالمبدعة والمبتكرة.
التّحدي الذي يواجه العلامات التّجارية ليس في العثور على فكرةٍ جديدةٍ فحسب، بل في كيفيّة تقديم هذه الفكرة بأسلوبٍ يلفت الانتباه ويترك أثراً في الذّاكرة، إذ إنّه يتطلّب الجرأة لتجربة أشكالٍ جديدةٍ من الاتّصال والتّعبير، والذّكاء لمعرفة ما يمكن أن يتردّد صداها لدى الجمهور.
في زمنٍ تعجّ فيه وسائل التّواصل بالمحتوى، يصبح التّميز أمراً لا غنى عنه، فالإعلانات التي تجرؤ على أن تكونَ مختلفةً، سواء من خلال الفكاهة، والأصالة، أو حتى الصّدق العاطفيّ، هي التي تخلق صدىً في الأذهان وتبني تواصلاً عميقاً مع الجمهور.
والابتكار والأصالة ليستا فقط عن ابتكار المنتجات الجديدة أو الخدمات، بل عن كيفيّة تقديمها والتّرويج لها بطرقٍ تجعل النّاس يشعرون، ويفكّرون، وربّما يغيّرون سلوكهم. وهذا الدّرس من إعلان راش براش يدعونا إلى التّفكير خارج الصّندوق وإيجاد طرقٍ جديدةٍ للتّواصل مع جمهورنا، بطريقةٍ تجعل العلامة التجارية لا تُنسى.
القيمة العاطفية: "الهدايا المصنوعة يدوياً ذات معنى أوقع"
يأتي إعلان Nivea لعام 2014 ليضيءَ على أهميّة القيمة العاطفيّة، إذ يظهر في هذا الإعلان أطفالٌ يقدّمون هدايا مصنوعةً يدويّاً لأمهاتهم، مضيفين إليها لمساتٍ شخصيّةٍ تُعبّر عن مشاعرهم العميقة، فهذا الإعلان ليس مجرّد ترويجٍ لمنتجٍ، بل هو رحلة إلى قلب العلاقة الإنسانيّة، مذكّراً الجميع بأنّ الهدايا التي تحمل قيمةً عاطفيّةً ذات مغزى أكبر بكثيرٍ من أيّ شيءٍ يمكن شراؤه بالمالِ.
والدّرس المستفاد هنا يتجاوز حدود الإعلانات ويصل إلى جوهر التّسويق نفسه، ففي عالمٍ أصبح فيه النّاس يغرقون في السّلع والخدمات، تبرز الحاجة إلى التّواصل العاطفيّ كعاملٍ مميّزٍ، والعلامات التّجارية التي تنجح في إضفاء القيمة العاطفيّة على منتجاتها وحملاتها الإعلانيّة، هي التي تبني علاقاتٍ مستدامةٍ وعميقةٍ مع جمهورها.
الاستثمار في القيمة العاطفيّة ليس مجرّد استراتيجيّةٍ تسويقيّةٍ، بل هو تأكيدٌ على أنّ الشّركات ترى عملائها كبشرٍ ذوي مشاعر وعواطف، لا مجرّد أرقام في تقارير المبيعات. سواء كان ذلك من خلال هديّةٍ مصنوعةٍ يدويّاً، أو منتجٍ مصمّمٍ بعنايةٍ ليحملَ رسالةً خاصّةً، فإنّ القيمة العاطفيّة تُعزّز الارتباط بين العلامة التجارية وجمهورها.
التوقعات مقابل الواقع: "لا تصدقها عندما تقول لا أريد هدايا"
يأخذنا إعلان شركة بيكو لعام 2023 في رحلةٍ تستكشف الفجوة بين التّوقعات والواقع، خاصّةً عندما يتعلّق الأمر بالهدايا والتّقدير. "لا تصدّقها عندما تقول لا أريد هدايا"، فهذه الجملة تسلّط الضّوء على الدّيناميكية المعقّدة والمحبّبة بين الأمّهات وأبنائها، وكيف أنّ التّعبير عن الحبّ والتّقدير قد يأتي في أشكالٍ مختلفةٍ عن المتوقّع.
وهذا الإعلان يعلّمنا أهميّة فهم الحاجات والرّغبات غير المعلنة لجمهورنا. وفي سياق التسويق، يكون الجمهور أحياناً غير قادرٍ على التّعبير الواضح عن رغباته أو قد يقلّل من أهميّة حاجاته، والعلامات التّجاريّة النّاجحة هي تلك التي تتعمّق في فهمٍ عميقٍ لعملائها، ليس فقط من خلال ما يقولونه، بل من خلال ما لا يقولونه.
إعلان بيكو يرمز إلى أهميّة تجاوز التّوقعات وتقديم شيءٍ يفاجئ ويسر الجمهور. وفي الواقع، غالباً ما تكون المفاجأة والإبداع في تقديم الهدايا أو العروض هي ما يخلق تجربةً مميّزًة ويُعزّز العلاقة بين العملاء والعلامة التّجاريّة.
ومن الدّروس الهامّة هنا، أنّ على الشّركات ألّا تتوقّف عند تلبية التّوقعات الصّريحة فحسب، بل يجب أن تسعى دوماً لإضافة قيمةٍ تفوق ما يتوقّعه الجمهور، إذ يُظهر هذا الإعلان كيف أن الاستماع الفعّال والتّفاعل الإيجابيّ مع الجمهور يمكن أن يوجّه الشّركات لإيجاد طرقٍ إبداعيّةٍ لإثراء تجارب عملائهم وبناء ذكرياتٍ دائمةٍ.
نختتم هذه الرّحلة بالتّأكيد على أنّ ما يبقى في الذّاكرة ويترك أثراً في القلب ليس مجرّد المنتجات أو الخدمات، بل القصص التي تُروى من خلالها. الإعلانات التي ناقشناها لم تكن مجرّد دعاياتٍ تجاريّةٍ، بل كانت رسائل مليئةً بالحبّ، والحنين، والأمل، تُعبّر عن فهمٍ عميقٍ للإنسانيّة بكلّ تعقيداتها وجمالها.
لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.