نظام العمل لأربعة أيام: رفاهية للموظف أم عقبة أمام الإنتاج؟
مع اعتماد نظام الأربعة أيام، انخفضت مستويات التّوتر اليومي، وزادت ساعات النوم، لكن هل هذه الفوائد كافيةٌ لدفع الشّركات لاعتماده؟
في شهر أيّار الفائت، أعلنت شركة لوسيديا السّعوديّة الانتقال إلى نظام عمل لمدة أربعة أيّامٍ أسبوعيّاً، لتكون بذلك أوّل شركةٍ سعوديّةٍ تعتمد هذا النّظام، في خطوةٍ بدأتها دولة الإمارات العربيّة المتّحدة عام 2021، والّتي تبيّن لاحقاً مدى جدواها في إحداث تغييرٍ إيجابيٍّ في حياة الموظّفين والموظّفات، لكن هل حقّاً يمكن لنظام العمل 4 أيّامٍ في الأسبوع تحقيق منفعةٍ متبادلةٍ للشّركات والموظّفين؟
ذكرت لوسيديا في إعلان التّحوّل إلى نظام العمل لمدة 4 أيّامٍ في الأسبوع، أنّه يعتبر شاهداً على التزامها بتبنّي الأساليب الحديثة، ويمثّل حرصها الدّائم على تمكين فريق عملها، ومساعدتهم على تحقيق التّوازن بين الحياة والعمل، كذلك تعزيز الابتكار، معربةً عن فخرها بوصفها أوّل شركةٍ تعتمد نظام 4 أيّام عملٍ في الأسبوع، آملةً أن تكون تجربتها ملهمةً لباقي الشّركات التّقنيّة الرّائدة.
في دراسةٍ حديثةٍ أجرتها جامعة مونستر الألمانيّة مؤخّراً، تبيّن أنّ تخفيض أيّام العمل إلى أربعةٍ في الأسبوع، قد يساهم بإحداث تغييراتٍ إيجابيّةٍ لصالح صحّة الموظّفين النّفسيّة والجسديّة.
وعلى مدى 6 أشهرٍ من التّجربة الّتي شاركت بها 41 شركةً، أظهرت النّتائج انخفاض مستوى معدّل التّوتّر اليوميّ من 191 إلى 178 دقيقةً، بينما ارتفعت ساعات النّوم بمعدّل 38 دقيقةً أسبوعيّاً، وفي نهاية المطاف أعلنت 39% من الشّركات المشاركة بالتّجربة اعتمادها هذا النّظام في العمل. [1]
الإمارات وتجربةٌ مشابهةٌ
في كانون الأوّل عام 2021، أعلنت إمارة الشّارقة في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، اعتماد نظام 4 أيّام عملٍ في الأسبوع، وبعد مضيّ 8 أشهرٍ، عملت دراسةٌ أجرتها سلطات الشّارقة على تقييم التّجربة. وبيّنت الدّراسة الّتي شاركت بها عدّة جهاتٍ حكوميّةٍ، مثل البيئة والشّرطة والموارد البشريّة وغيرها، أنّ اعتماد نظام 4 أيّام عملٍ في الأسبوع، ساهم بزيادة جودة العمل والإنتاجيّة، وعزّز مستويات رضا الموظّفين، كما انخفضت نسبة الحوادث المروريّة بنحو 40% مقارنةً بالرّبع الأوّل لعام 2021 قبل تنفيذ النّظام الجديد حينها. [2]
وبعد نجاح التّجربة في إمارة الشّارقة، انضمّت إمارة دبي إليها، عبر مبادرة "صيفنا مرنٌ"، لفترةٍ تجريبيّةٍ، بهدف تشجيع الموظّفين على تحقيق أفضل توازنٍ ممكنٍ بين الحياة والعمل، ليبدو وكأنّ دبي قد تعتمد نظام العمل هذا في فترةٍ لاحقةٍ بعد تقييم التّجربة.
تجربةٌ رائدةٌ في الغرب
اكتسب نظام العمل 4 أيّامٍ في الأسبوع أهمّيّةً بالغةً في بريطانيا، مع اتّجاه العديد من الشّركات لتبنّيه مؤخّراً، مع ذلك فإنّه، وعلى الرّغم من فوائده الواضحة، إلّا أنّ يوم العمل قد يكون طويلاً بالنّسبة للأشخاص الّذين يعملون لساعاتٍ طويلةٍ مضغوطةٍ لتعويض يوم عطلتهم الإضافيّ، كما تقول كبيرة مسؤولي الشّؤون القانونيّة والموظّفين في شركة إيميرالد (Emerald) للنّشر، إيما تريغينزا (Emma Triginza).
وتمنح الشّركات البريطانيّة الموظّفين حرّيّة اختيار نظام العمل 4 أيّامٍ في الأسبوع، على أن يكون طول اليوم العمليّ أكبر من اليوم بظلّ نظام العمل الطّبيعيّ لخمسة أيّامٍ في الأسبوع، وهذا ما قد يؤدّي إلى تباينٍ في نمط عمل الموظّفين، الأمر الّذي يمكن أن يؤثّر على الأشخاص الّذين اختاروا العمل بنظام العمل الطّبيعيّ، وفق تريغينزا، مشيرةً أنّه قد يكون من الصّعب العمل في ظلّ الاختلافات المتعدّدة في ساعات العمل.
بينما يرى الشّريك المؤسّس في شركة كورتكس (Cortex)، مات ثورنتون (Matt Thornton)، أنّ اعتماد نظام العمل 4 أيّامٍ في الأسبوع، أدّى إلى تحويل التّركيز على ساعات العمل، عوضاً عن التّركيز على إنجاز العمل نفسه. [3]
وفي عام 2023، قالت منظّمة العمل الدّوليّة في تقريرٍ لها، إنّ الدّراسات الّتي أجريت على تأثير نظام العمل هذا، خلصت إلى نتيجةٍ مفادها بأنّه يحسّن قدرة الموظفين على تحقيق التّوازن بين العمل والحياة، وأشار التّقرير نفسه إلى أنّه، رغم ذلك، لا يوجد إجماع كافٍ حول التّأثيرات النّفسيّة والصّحيّة على الموظفين الذين يعملون تحت ضغوطٍ كبيرة.
رغم تنامي الاهتمام العالميّ بنظام العمل لأربعة أيّامٍ في الأسبوع، سواءً في الغرب، أو في العالم العربيّ، خاصّةً في دول الخليج، يبقى هذا النّظام سبباً للجدل في الأوساط الاقتصاديّة؛ إذ تسعى الشّركات عموماً إلى زيادة الإنتاجيّة، وتخشى من تراجعها إذا ما اعتمدت هذا التّوجّه. ومع ذلك، قد تجد الشّركات نفسها مجبرةً على التّكيّف مع هذا النّظام بفضل الدّعم الحكوميّ المتصاعد، ساعيةً إلى استثمار فوائده والتّغلّب على تحدّياته.
مزايا محفّزةٌ وتحديّاتٌ محتملة
تشير الكاتبة والصّحفيّة المتخصّصة في الأعمال والإدارة، جيسيكا ستيلمان، إلى تزايد الأدلّة الّتي تؤكّد أنّ أسبوع العمل لأربعة أيّامٍ يحقّق فوائد كبيرةً للموظّفين ويسهم في رفع الإنتاجيّة. في تجربةٍ واسعةٍ في المملكة المتّحدة شملت 61 شركةً، لوحظ ارتفاعٌ طفيفٌ في الإيرادات خلال التّجربة، بينما أفاد الموظّفون بانخفاض الإرهاق، وزيادة الإنتاجيّة، وتحسّن جودة النّوم.
وتوضّح ستيلمان أنّ تقليص أيّام العمل لا يعزّز الرّضا الوظيفيّ فحسب، بل قد يسهم أيضاً في الإستدامة البيئيّة عبر تقليل التّنقّل وخفض الانبعاثات الكربونيّة. كما يستغلّ الموظّفون وقتهم الإضافيّ في أنشطةٍ مجتمعيّةٍ وتطوّعيّةٍ، ممّا يعزّز توازنهم بين الحياة المهنيّة والشّخصيّة.
ومع ذلك، تلفت ستيلمان النّظر إلى تحدّياتٍ تواجه تطبيق هذا النّظام، منها زيادة الضّغط على الموظّفين لإتمام المهامّ في وقتٍ أقصر، ممّا قد يؤدّي إلى شعورهم بالإرهاق مع نهاية أيّام العمل المكثّفة. وقد يجد البعض صعوبةً في الانفصال التّامّ عن العمل خلال يوم العطلة، ما قد يؤثّر على فعاليّة النّظام.
وترى ستيلمان أنّ تجربة أسبوع العمل لأربعة أيّامٍ تمثّل خطوةً مبتكرةً نحو بيئة عملٍ أكثر توازناً وتحفيزاً، لكنّها تتطلّب دراسةً متأنّيةً للتّحدّيات المحتملة لتحقيق توازنٍ بين الفوائد المنشودة ومتطلّبات العمل.
ومن ناحيةٍ أخرى، تبرز تحدّياتٌ إضافيّةٌ ترتبط بتطبيق هذا النّظام في بعض الدّول والقطاعات. ترى الخبيرة أليسون ديفيس، المؤسّسة والرّئيسة التّنفيذيّة لشركة "ديفيس آند كومباني" (Davis & Company)، أنّ النّظام قد لا يناسب الجميع، خصوصاً الشّركات الّتي تسعى للتّوفيق بين رضا الموظّفين والأداء الماليّ.
وتوضّح ديفيس أنّ تطبيق أسبوع عملٍ من أربعة أيّامٍ قد يواجه صعوباتٍ عمليّةً في بعض المجالات، حيث قد لا يكون قابلاً للتّطبيق أو مستداماً، وتشير إلى أنّ بعض الشّركات قد تجد صعوبةً في تلبية احتياجات العملاء أو الحفاظ على مستوى الإنتاجيّة المطلوب عند تقليص أيّام العمل.
وترى ديفيس أنّ هناك بدائل عمليّةً يمكن للشّركات اعتمادها لتحسين التّوازن بين الحياة المهنيّة والشّخصيّة للموظّفين دون الحاجة لتقليص أيّام العمل، مثل نظام الإجازات المدفوعة (Paid-Time Off - PTO) الّذي يمنح الموظّفين مرونةً في استخدام إجازاتهم وفقاً لاحتياجاتهم الشّخصيّة.
وتؤكّد ديفيس أنّ نظام العمل لأربعة أيّامٍ قد يكون مناسباً لبعض الشّركات، لكنّه ليس حلّاً شاملاً لجميع التّحدّيات، خاصّةً في الدّول النّامية أو القطاعات الّتي تتطلّب حضوراً مستمرّاً للموظّفين. لذا يجب على كلّ شركةٍ تقييم مدى ملاءمة هذا النّظام لظروفها واحتياجاتها قبل اتّخاذ قرار التّطبيق. [5]
في المحصّلة، يمثّل نظام العمل لأربعة أيّامٍ في الأسبوع خياراً واعداً لتحسين بيئة العمل وزيادة الإنتاجيّة، لكنّه ليس نموذجاً قابلاً للتّطبيق الموحّد في جميع الدّول والقطاعات. يعتمد نجاح هذا النّظام على طبيعة الإقتصاد واحتياجات السّوق، ممّا يستدعي دراسةً معمّقةً ومرونةً في التّنفيذ لضمان تحقيق التّوازن بين الإنتاجيّة ورفاهية الموظّفين.