نعناع السعودية.. من متجر إلكتروني صغير إلى أكبر سوق إلكتروني
خلف نجاح شركة نعناع السعودية الناشئة، هناك قصة نجاح مُلهمة لثلاثة رواد أعمال حققوا النمو والتوسع.
يثبتُ النّجاحُ الكبيرُ الذي حقّقته شركة نعناع Nana الناشئة في المملكة العربية السعودية، والتي تعتبرُ اليوم أكبرَ سوقٍ إلكترونيّ لبيعِ البقالةِ في المنطقةِ، أنّ نجاحَ الأعمالِ لا يتطلّبُ دائماً أفكاراً معقّدةً، ويكفي أن يكون صاحبُ الفكرةِ أو المشروعِ واعياً لاحتياجاتِ السّوقِ والعملاء، إذاً كيف تأسّست شركةُ نعناع؟ وكيف وصلت قيمتُها السّوقيةُ بغضونِ سنواتٍ قليلةٍ من تأسيسها إلى أكثر من 165 مليارِ دولارٍ أميركيٍّ؟.
تأسيس شركة نعناع
بدأت شركة نعناع (Nana) عملها كمتجرٍ صغيرٍ للبقالةِ على الإنترنت، مستهدفةً فئةَ الشّبابِ، وبوقتٍ قياسيّ باتت تطبيقاً ذكيّاً يتخصّصُ في توصيلِ منتجاتِ البقالةِ إلى العملاءِ من خلالِ الإنترنت، وهي اليوم تعملُ في 18 مدينةً سعوديةً.
شاركَ في تأسيسِ الشّركةِ ثلاثةُ روّادِ أعمالٍ، هم: الخبيرُ في مجالِ التّكنولوجيا سامي الحلوة، ومهندسُ البرمجيّاتِ بكر الشريف، إضافةً إلى المتخصّصِ في تصميمِ الأجهزةِ أحمد الصمعاني، الذين عقدوا العزم خلال 2016م، على تطويرِ شركتهم ونجحوا في الحصولِ على الأضواءِ اللّازمةِ لجذبِ المستثمرين لدعمِ مشروعهم.
الرؤية الاستراتيجية لشركة نعناع
بما تمتلكُه من تقنياتٍ حديثةٍ وخططٍ توسّعيةٍ ضخمةٍ، تسعى شركة نعناع لتكون الشّركةَ الأولى في مجالِ تموينِ موادّ البقالةِ المتنوّعةِ للمنازلِ، بينما يركّزُ القائمون بشكلٍ دائمٍ على استراتيجيتهم في تحقيقِ النّموّ أوّلاً، ثم الانتقال إلى مرحلةِ تحقيقِ الأرباحِ. وفي عامِ 2022م، اتّخذت الشّركةُ من الجملِ شعاراً لها، لتستلهمَ منه الموثوقيّةَ والألفةَ مع أصحابه، وقدرته الكبيرة على الصّبرِ والوصولِ إلى غايته.
تتمثّلُ الرّؤيةُ الاستراتيجيّةُ للشركةِ، في توفيرِ حياةٍ يوميّةٍ أكثرَ سهولةً لعملائها، والهدفُ من تغييرِ علامتها التّجارية إلى الجمل، كان الاقترابُ أكثر من الجمهورِ المستهدفِ، كما قال سائد العلي رئيسُ قطاعِ التسويق في نعناع.
وتتوضّحُ رؤيةُ الشّركةِ أكثر فيما قاله نائبُ رئيسِ قطاعِ المواردِ البشريّةِ بالشّركةِ، هشام العلي، من أنّ موظّفي الشّركةِ هم من يصنعون ثقافتها، وثقافتهم تشكّلُ القيمَ، التي بدورها تُحدّدُ المستقبلَ في نعناع.
شاهد أيضاً: أفضل 10 شركات ناشئة في السعودية
خدمات شركة نعناع
لا تتجاوز مدّةُ تنفيذِ أيّ طلبٍ من نعناع الرّبعَ ساعةٍ فقط، وتلك إحدى أهمّ ميّزاتِ التسوق في الشّركةِ، التي تختصُّ ببيعِ الاحتياجاتِ اليوميّةِ من البقالةِ، وتتيحُ لعملائها إمكانيّةَ الدّفعِ حين استلامِ طلبهم، أو عبرَ الأونلاين، كما يمتلكُ الزّبائنُ فرصةَ تجهيزِ طلباتهم وجدولتها للحصول عليها في الوقت الذي يرغبونه.
تلبّي نعناع احتياجاتِ السّوقِ بطريقةٍ ذكيّةٍ انطلاقاً من فكرتها البسيطة بتوصيلِ البقالةِ، والتي طوّرتها لتصبحَ تجربةً ممتعةً تقدّمُ المساعدةَ للجميعِ، خصوصاً أولئك المنشغلين بالكثيرِ من الأعمالِ، حيث يوفّرُ نعناع هايبر 22 ألفِ منتجٍ منوّعٍ، بينما يوفّر نعناع إكسبرس أكثرَ من 2+ ألفِ منتجِ بقالةٍ.
أمّا أثرها الأكبرُ فبرزَ خلال جائحةِ كورونا والحجرِ المنزلي عام 2020، لتكونَ نعناع بمثابةِ الحلّ السّريّ للجميعِ آنذاك، حيث ربطت العملاءَ بالمتاجرِ وخدماتِ التّوصيلِ، كما تقدّمُ خدماتِ التّسوقِ من متاجرَ الهايبر ماركت، وخدمة تصفح السّلع التي يبحثُ عنها الزّبون، إضافةً إلى خدمةِ التّوصيلِ السّريعِ.
النموذج الاقتصادي واستراتيجية العمل
لم يكن من الصّعبِ على شركةِ نعناع جنيّ الأرباحِ، كونها تعملُ في قطاعٍ يعتبرُ خدميّاً لغالبيةِ العملاءِ في السّعودية، الذين يبحثُ كثيرٌ منهم عن خدماتِ توصيلٍ سريعةٍ لاحتياجاتهم اليوميّةِ.
كما كان للشراكاتِ التي عقدتها نعناع أهميّةً بالغةً في النّموّ وتحقيقِ الأرباحِ، إذ ركّزت على الشّراكةِ مع المتاجرِ القويّةِ التي تنتشرُ منتجاتها في المجتمعِ السّعوديّ، مثل: بنده وكارفور ومانويل، وأتاحت لعملائِها إمكانيّةَ شراءِ ما يرغبونه إما من منصّتها أو من التّطبيقِ الخاصّ بها.
عقدُ الشّراكاتِ مع المتاجرِ القويةِ كان فكرةً ذكيّةً جدّاً من نعناع، فهي بذلك تخطّت موضوعَ المنافسةِ، وانتقلت مباشرةً إلى مرحلةِ التّعاونِ، كذلك الحالُ كان بالنسبةِ لتلك المتاجرِ، التي باتت تعي اليوم أنّ التّسوقَ لم يعد تقليديّاً كما السّابقِ، وأنّ من يستطيعُ الحصولَ على أيّ منتجٍ من المنزلِ، ربّما لن يستهلكَ وقوداً ووقتاً للخروجِ لإحضارهِ. وهنا لا بدَّ من الانتباهِ لكونِ السعودية، إحدى أكثرِ الدّولِ العربيّةِ التي تتبنى الاتجاهَ نحو التجارة الإلكترونية، ما عزّزَ من فرصِ نموّ نعناع.
كما أنّ اتّخاذَ الشّركة من الجملِ شعاراً لها في المرحلة الجديدة التي دشنتها عام 2022م، يعتبرُ خطوةً تحسبُ للشّركةِ، كونها استخدمت أسلوبَ تسويقٍ عاطفيٍّ جدّاً، عبر استخدامِ الرّمز الذي ينظرُ إليهِ كثيرٌ من أبناءِ المنطقةِ بحميميّةٍ بالغةٍ.
جولات التمويل
خاضت شركةُ نعناع السّعودية منذ نشأتها وحتى عام 2023م، 6 جولاتٍ تمويليةٍ، الأولى كانت في 2016م، حصلت خلالها على 2.1 مليون دولارٍ في جولةٍ استثماريةٍ (Seed) من مستثمرين ملائكيين، وفي عامِ 2017م خاضت ثاني جولاتها التّمويليّة بقيمةِ 2.2 مليون دولارٍ.
وحصلت على جولةٍ استثماريةٍ أخرى بقيمة 6.6 مليونِ دولارٍ، عام 2019م، من صندوقِ Impact46 الذي يركّزُ على الاستثمارِ في شركاتِ التّقنيّةِ بالسّعوديةِ، وMEVP التي تعتبرُ من أكبر شركات استثمارات رأسمال المخاطر في المنطقةِ، وبمشاركةِ، ومضةِ كابيتال الإماراتية، وWatar Partners، إضافةً إلى الشركة السعودية للاستثمارِ الجريءِ.
وصولاً إلى العامِّ 2020م، حين حصلت على 18 مليون دولارٍ من جولةٍ استثماريةٍ قادها أكبر صندوقٍ للاستثمارِ في الشّرق الأوسطِ، STV، وشاركَ فيها المستثمرون ذاتهم في الجولةِ السّابقةِ، إضافةً إلى شركاءِ وتر. لتسجّلَ بعدها الشّركةُ قفزةً جديدةً حين حصلت على تمويلٍ بقيمةِ 50 مليون دولارٍ في جولةٍ تمويليّةٍ جديدةٍ خلال 2022م، قادها صندوقا FIM Partners، وSTV.
أما آخرُ جولاتها التّمويليّةِ وأكبرها حتى اليوم، كان في شهر فبراير 2023م، حين حصدت 133 مليون دولارٍ، بقيادةِ يوني فينتشرز والمملكة القابضة، وبمشاركةِ كلٍّ من شركة الجاسر القابضة، وشركة سلطان القابضة، كذلك مجموعة دلة البركة، وشركة الألماس الأحمر، وشركة الجماز القابضة، وغيرهم.
وبحسبِ القائمين على الشّركةِ، فإنّها تعملُ على الاستفادةِ ممّا تحصلُ عليه من الجولاتِ التّمويليّةِ، للتوسّعِ والاستمرارِ بتقديمِ الخدماتِ، وتنويعها بما يخدمُ الجميع.
شاهد أيضاً: 6 حيل نمو بسيطة للشركات الناشئة
التحديات والفرص
مع النّموّ السّريعِ والنّجاحِ الذي حقّقته نعناع، لا يبدو أنّ التّحدّياتِ التي تواجهها كبيرةٌ جدّاً، بالمقابلِ تمتلكُ الكثيرَ من الفرصِ خصوصاً مع الرّؤية السّعودية 2030، في التّحوّل نحو التّجارةِ الإلكترونيّةِ.
ومن التّحدّياتِ التي واجهتها الشّركةُ، كان نقصُ الدّقّةِ في المخزونِ، لكن سرعانَ ما تمّ التّوصلُ لحلولِ التّغلّبِ عليها، عبر عقدِ شراكةٍ بين نعناع وشركة يانغو ديلي Yango Deli Tech العالميّةَ خلال نيسان 2023م، الذي ساعد نعناع في تحسينِ اقتصادياتِ الوحدةِ، وتعزيزِ تجربةِ العميلِ، ودعمِ توّسّعها في أسواقٍ أخرى.
التوجهات المستقبلية
مطلع عام 2023، قالَ الرئيس التّنفيذيّ للشّركة، إنّ نعناع تنوي طرحَ أسهمها في سوقِ الأسهمِ السّعوديّ خلال عامين، وأضافَ خلال لقاءاتٍ صحفيّةٍ، أنّ جولةَ التّمويلِ الأخيرة التي حصلت عليها الشّركة بقيمةِ 133 مليون دولارٍ، ستساهمُ في توسيعِ نشاطهم سواء في السّعودية أو الدّولِ المحيطةِ.
الشّركةُ التي تتواجدُ في 18 مدينةً سعوديةً إضافةً للقاهرة، تسعى لتقودَ نموَّ السّوقِ السّعوديةِ في مجالِ التّجارةِ الإلكترونيّةِ، كما تعملُ للوصولِ إلى 40% من حصّةِ السّوقِ حتى عام 2025، وفق ما ذكرَ الحلوة.
من الواضحِ أنّ شركةَ نعناع تعتبرُ حاجةً مُلحّةً في السوق السعوديةِ، بالنظر لكونها تنطلقُ من هدفِ تأمينِ كلّ احتياجاتِ الزّبائن بطريقةٍ سهلةٍ وآمنةٍ وميّسرةٍ، كما أنّها نجحت بإعادةِ تعريفِ معنى متجرِ البقالةِ التّقليديّ، والارتقاء بهذه الصّناعةِ محليّاً أو إقليميّاً، ما ساهمَ بتسريعِ نموّ الشّركةِ، التي عليها اليوم أن تحافظَ على هذا النّجاحِ وتسعى للابتكارِ، لأنّ المنافسةَ ربّما لن تكونَ سهلةً مع التّوجّه السّعودي نحو التجارة الإلكترونية.