كيف تتخلص من المماطلة؟ إليك خطوة واحدة كفيلة بتغيير كل شيء
كلّ ما تحتاجه للبدء ليس وقتاً إضافيّاً، بل شجاعةً صغيرةً تواجه بها أعذارك، لتكسر وهم الصّعوبة وتفتح باب الإنجاز

تواصل معي أحد القرّاء عبر البريد الإلكترونيّ قائلاً إنّه يرغب في إطلاق مشروعه الخاصّ، لكنّه يشعر بأنّ الأمر صعبٌ جدّاً. إلى جانب ذلك، هو لا ينوي ترك وظيفته الحالية بدوامٍ كاملٍ -وهو بالمناسبة القرار الأنسب لمعظم روّاد الأعمال المبتدئين- غير أنّه لا يشعر بأنّ لديه الوقت الكافي. وأوّل ما خطر ببالي: "كلّ شيءٍ يبدو صعباً إلى أن تجرّبه، ولا أحد يملك الوقت الكافي أصلاً".
ثمّ تذكّرت شيئاً بسيطاً كنت أؤجّله منذ أسابيع: تركيب مروحة شفطٍ للمطبخ. أجّلت هذا المشروع لأكثر من ثلاثة أسابيع. السّبب؟ الجهاز ثقيلٌ، ولم أكن واثقاً من كيفيّة تثبيته على الحائط (ولا كيف أرفعه وحدي). لم أكن متأكّداً من طريقة تركيب المروحة الدّاخليّة، أو من عدّة تفاصيل أخرى. وكلّما خطرت ببالي هذه التّعقيدات، وجدت شيئاً آخر أفعله بدلاً من البداية.
نحن مبرمجون على التسويف
في الحقيقة لأكون منصفاً مع نفسي –لا لتبرير ردود أفعالي الحادّة، بل لتفسير التّأجيل– إنّ عقولنا بالفعل مهيّأةٌ للمماطلة في بعض الأمور. فالنّظام الحوفيّ في الدّماغ (Limbic System)، وهو المسؤول عن ردود الأفعال السّلوكيّة والعاطفيّة، لا يهتمّ إلّا بالحاضر. إذا شعرت بالجوع؟ كل. إذا شعرت بالخوف؟ اهرب. إذا شعرت بالتّوتّر؟ انسحب. أمّا إذا واجهت مهمّةً صعبةً أو مثيرةً للقلق؟ فـالحلّ -من وجهة نظره- هو: تأجيلها.
وحتّى لو كانت "قشرتك المخّيّة الـحديثة" (Neocortex) -الجزء الأكثر تطوّراً في دماغك، والمسؤول عن اتّخاذ القرارات الطّويلة الأجل- موقنةً بأنّ عليك إنجاز هذه المهمّة، أو بأنّها ستكون مفيدةً لك في المستقبل، فإنّ الـنّظام الحوفيّ قد يتغلّب عليها.
لذلك تجد نفسك تؤجّل أحياناً اتّخاذ قراراتٍ صعبةٍ، مثل فصل موظّفٍ ضعيف الأداء، رغم قناعتك العقلانيّة بأنّه يضرّ بالفريق. لذلك أيضاً قد تؤجّل مكالمات العملاء الـباردة، أو إعداد العرض التّقديميّ، أو حتّى الذهاب إلى النّادي الرّياضيّ. وهناك العديد من الأمور الّتي تعلم بعقلك الواعي أنّها جيّدةٌ لك، لكنّها تبدو صعبةً أو مرهقةً أو مخيفةً بدرجةٍ لا تسمح للنّظام الحوفيّ بتقبّلها.
فما الحلّ؟ في مثل هذه اللحظات، أجد نفسي أؤجّل من جديد. لست شخصاً كسولاً، ولا تنقصني الإرادة. لقد أثبتُّ مراراً أنّني قادرٌ على إنجاز المهامّ الصّعبة. ومع ذلك، يظلّ هناك صراعٌ داخليٌّ دائمٌ بين القشرة المخيّة الحديثة الّتي تدفعني للتّخطيط والإنجاز، والنّظام الحوفي الّذي يميل إلى تجنّب التّوتر والمجهود. وفي كثيرٍ من الأحيان، ينتصر هذا الأخير؛ لأنّه ببساطةٍ أسرع استجابةً، وأعمق تأثيراً.
لكن هناك وسيلةٌ فعّالةٌ لهزيمة هذا الصّراع: واجه أعذارك، ولا تهرب منها. ابدأ بما لديك، من حيث أنت. تعلّمت هذا الأسلوب من كتاب "كيف تكتب كثيراً: دليلٌ عمليٌّ للكتابة الأكاديميّة المنتجة" (How to Write a Lot: A Practical Guide to Productive Academic Writing) للمؤلّف بول سيلفيا. من بين نصائحه الذّكيّة: حوّل أعذارك إلى مهامٍّ قابلةٍ للتّنفيذ.
مثالٌ على ذلك، إن كنت لا تملك وقتاً للكتابة إلّا يومي الثّلاثاء والسّبت؟ حسناً، اكتب في هذين اليومين. إن كنت بحاجةٍ للبحث قبل أن تبدأ الكتابة؟ لا بأس، اعتبر البحث جزءاً من الكتابة، وأنجزه خلال الوقت المخصّص لها. وإن كان بدء مشروعك التّجاريّ يبدو معقّداً؛ لأنّه يتطلّب الكثير من الخطوات؟ لا مشكلة: اختر خطوةً واحدةً فقط، وابدأ بها. مثلاً: احصل على رقم تعريفٍ ضريبيٍّ (EIN)، أو افتح حساباً بنكيّاً للشّركة، أو أنشئ جدولاً بسيطاً لتتبّع المصاريف.
حين تنظر إلى المشروع ككلٍّ -بجميع خطواته غير المألوفة- سيتحوّل إلى كابوسٍ مربكٍ، وقد لا تبدأ أبداً. لكن إن اخترت خطوةً واحدةً فقط، حتّى لو لم تفعلها من قبل؟ يمكنك تعلّمها. وربّما تكتشف أنّها أسهل ممّا تظنّ، وبعضها مجّانيٌّ تماماً.
كيف تخلّصت من عادة المماطلة؟
هذا ما فعلته في النّهاية مع مروحة الشّفط. كُنتُ متردّداً لأنّي لم أعرف كيف أثبّت المروحة، ولم أرغب في تثبيت الوشاح قبل معرفة ذلك. فقلت لنفسي: حسناً، دعني أركّز على كيفيّة تثبيت المروحة أوّلاً، ثمّ واجهت مشكلة رفع الوشاح وحدي، فابتكرت طريقةً باستخدام قطعتي خشبٍ ومساند خزائنُ. كانت هناك سلسلةٌ من العقبات الصّغيرة، وما أن بدأت أواجهها واحدةً تلو الأخرى، حتّى بدأت أنجز المهمّة.
والأجمل من ذلك، كما يقول آدم غرانت، أنّ المماطلة منحتني وقتاً للتّفكير بأساليب إبداعيّةٍ؛ فلو بدأت في اليوم الأوّل، ربّما لم يكن التّنفيذ بهذا الإتقان، أو على الأقلّ، هذا ما أقنّع به نفسي!
جرّبها أنت
- تريد ممارسة الرّياضة، لكن وقتك لا يتجاوز 20 دقيقةً؟ رائعٌ، مارس تمريناً مكثفاً وسريعاً.
- تحبّ القراءة، لكن لا تجد وقتاً سوى قبل النّوم؟ ممتازٌ، اقرأ 10 دقائق قبل أن تنام، وهذا سيساعدك على النّوم بشكلٍ أفضل.
- تريد بدء مشروعك، لكن وقتك الوحيد هو في استراحة الغداء؟ لا بأس، أنجز شيئاً صغيراً وأنت تتناول الطّعام.
الفكرة بسيطةٌ: حوّل أعذارك إلى خطواتٍ عمليّةٍ؛ إن كنت تستطيع تنفيذ شيءٍ واحدٍ فقط، افعل ذلك الشّيء، وإن كان لديك وقتٌ لشيءٍ واحدٍ فقط، استخدمه.
في النّهاية، الطّريقة الوحيدة للتّغلّب على المماطلة هي أن تبدأ، وأفضل وسيلةٍ للبداية -خاصّةً إن كنت تؤجّل منذ فترةٍ- هي أن تبدأ بخطوةٍ صغيرةٍ.