هل تستطيع هذه العدسة اللّاصقة الذّكيّة إحداث ثورة غير مرئية؟
نتحدّث مع مؤسّسي "إكسبانسيو" (XPANCEO)، رومان أكسيلرود وفالينتين فولكوف، في مقرّهما بدبي حول طموحاتهما لتغيير مستقبل الأجهزة القابلة للارتداء، وإحداث ثورةٍ في مجال الطّب التّنبؤيّ، وحتى تمكيننا من الرّؤية اللّيليّة
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
"مهمّتنا جريئة"، بهذه العبارة يبدأ رومان أكسلرود، رائدُ الأعمال المتسلسل ومؤسّس "إكسبانسيو" (XPANCEO)، حديثه عن رؤيتها. و"إكسبانسيو" شركةٌ ناشئةٌ متخصّصة في التّكنولوجيا العميقة تسعى لإحداث ثورةٍ في العالم التّكنولوجي من خلال عدساتها اللّاصقة الذّكية.
وعن طموحه الذي يضاهي إنجازاته، تحدّث أكسيلرود لمجلة "عربية .Inc " قائلاً: "إنّنا نعيد صياغة أسس التّفاعل بين الإنسان والتّكنولوجيا، وبهذا ندفع البشرية إلى مستقبل، حيث تتداخل قوة الحوسبة مع أجسادنا بشكلٍ يجعلها جزءاً من نسيجنا".
يعكس مقرّ شركة "إكسبانسيو" في مدينة دبي للإعلام رؤية أكسلرود الطّموحة، وبحسب مؤشر "ذا نيتشر إندكس" (The Nature Index)، يصنّف مختبر "إكسبانسيو" كأحد أبرز ثلاث مؤسّساتٍ بحثيّة في الإمارات، كما يحتلّ المركز الأوّل بين المؤسّسات البحثيّة التّابعة للشّركات في غرب آسيا.
وقال أكسيلرود: "بدأ كلّ شيءٍ في لحظةٍ حاسمة في حياتي. كنت قد بلغت الثّلاثين للتو، وخرجت من آخر مشروعٍ عملي، ممّا أدخلني بشكلٍ غير متوقّع في أزمةٍ مبكّرة لمنتصف العمر، كنت أتوق إلى إنجاز شيءٍ أكبر". وأوضح أنّه كان يشعر بأنّ الأجهزة البدائيّة والضّخمة تقيّده بدلاً من أن تمكّنه.
حلم أكسيلرود بابتكار الجيل القادم من الحوسبة، وهي رؤيةٌ كان يؤمن بأنّها ستمكّن البشرية من الارتقاء لتصبح نوعاً عابراً للكواكب. وكان يتصوّر مستقبلاً تندمج فيه التّكنولوجيا في أعماق أجسادنا بسلاسة، لتمنحنا قوّةً خارقةً لنعيش حياةً أطول، وبصحّةٍ أفضل، وسعادةٍ أعظم. لكنّ سدّ الفجوة بين الخيال العلمي والواقع ليس أمراً سهلاً، ووجد أكسيلرود نفسه في مأزقٍ في محاولاته لتحديد تصوّر الشّكل النّهائيّ لهذا الجهاز. وحالفه الحظ في لحظةٍ غير متوقّعة عندما كان يتصفّح موقع "بينتريست" (Pinterest)، حيث لفتت انتباهه صورةٌ مميّزةٌ لامرأةٍ ترتدي خوذة رائد فضاء، بعينيها البرّاقتين، وداخل الخوذة تكشّفت رقصة باليه سماويّة: كواكبُ صغيرة تدور حول رأسها بخفّةٍ ورشاقة. بالنّسبة لأكسلرود كانت هذه الصورة تجسيداً مثالياً لرؤيته وطريقةٍ لتحقيقها، ليدرك أنّها تكمن في أناقة العدسة اللّاصقة.
وقال أكسيلرود: "حينها خطرت ببالي الفكرة: ألن يكون رائعاً لو استطعت عرض اللّعبة على السّقف، مع ظهور رسائل "واتساب" في الزاوية و"إكسل" على الأرضية؟".
قادته جهوده في البحث عن شريكٍ يستطيع الإسهام في مشروعه الطموح برؤيةٍ علميّة إلى الدكتور فالينتين فولكوف، وهو خبيرٌ في مجال النانوفوتونيات والمواد المتقدّمة يعد بين أبرز 2% من العلماء في العالم. حالياً يقود فولكوف، باعتباره مؤسّساً مشاركاً وشريكاً علميّاً، قسم البحث والتّطوير في "إكسبانسيو"، إذ جمع فريقاً من أبرز العلماء والباحثين، يعمل على تطوير المنتج، الذي من المتوقّع أن يدخل مرحلة التّجارب السّريريّة بحلول عام 2026. وذكر فولكوف: "ما عزّز تمسّكي بـ"إكسبانسيو" هوأنّه فرصةٌ للعمل على مشروعٍ يمكن أن يغيّر حقّاً العالم، وأنا فخورٌ جدّاً بما أنجزناه حتى الآن".
قيادة الثورة غير المرئيّة
يتمّ تصميم عدسة إكسبانسيو اللاصقة الذكيّة، الّتي تدمج بين تقنياّت الواقع المعزّز (XR) والذّكاء الاصطناعيّ (AI) والنانوفوتونيات، من أجل تغيير وجه عدّة قطاعات، بما يشمل الرياضة والرّعاية الصّحيّة والتّكنولوجيا الماليّة والقطاع المصرفي وصناعة السّيارات حتى وصولاً في نهاية المطاف إلى الفضاء.
إلّا أنّ تحقيق رؤية أكسلرود وفولكوف لمستقبلٍ خالٍ من الأجهزة التّقليديّة ليس بالمهمّة السّهلة، ويظنّ أكسلرود أنّ الشركة في طليعة ثورةٍ غير مرئيّة ستعيد صياغة طريقة تفاعلنا مع التكنولوجيا.
ويقول أكسلرود: "إنّ الثورة غير المرئيّة هي تغيرٌ عميقٌ وجذريّ في كيفية اندماج التكنولوجيا في حياة الإنسان. فنحن على وشك تحويل التكنولوجيا من شيءٍ ملموسٍ ومرئيّ إلى تحسينٍ سلسٍ وغير محسوس لوجودنا بالذّات".
في مختبر "إكسبانسيو" يقود الدّكتور فولكوف فريقاً من الباحثين يدرسون خصائص الغرافين ومواد أخرى ثنائية الأبعاد اكتشفها الحائزان على جائزة نوبل، كونستانتين نوفوسيلوف وأندريه غيم، في بداية الألفينات، إضافةً إلى الطّرق المحتملة لاستغلال هذه المواد لتطوير جيلٍ جديدٍ من الأجهزة القابلة للارتداء. ويوضّح فولكوف: "هذه هي مركّباتٌ مبتكرة تنتمي إلى عائلة المواد الشّبيهة بالغرافين، وهي تفتح أبعاداً جديدةً للتّفاعل بين الضّوء والمادة وتتميّز بقدراتٍ تحويليّة بالنّسبة للفوتونيات المتكاملة والرّعاية الصّحيّة والواقع المعزّز".
وبعد عدة ساعاتٍ من النّقاشات المفصّلة حول الجمع بين السحر والعلم، والذي يجري في مختبر "إكسبانسيو"، يتبيّن بوضوح أنّ التّحكم في انتشار الضّوء وطرق تطبيقه يمثّلان جوهر عمل الشركة. ويشرح فولكوف: "نتمكّن عبر التّحكّم الدّقيق في اتجاه الضّوء وتعديل طول الموجات من إحداث تراكبات للواقع المعزّز ذات وضوحٍ استثنائي ودقّةٍ عالية مع تقليل التّشويهات إلى أدنى حد".
إذن، ماذا يعني ذلك بالنسبة للبشريّة؟
ويقول أكسيلرود: "إنّنا نعيد تحديد الطريقة التي يتفاعل بها البشر مع التكنولوجيا. فبينما يعتمد الناس اليوم على أجهزةٍ خارجيةٍ كبيرة الحجم للتّعامل مع العالم الرّقميّ، ستتيح عدسة إكسبانسيو اللّاصقة للمستخدمين إمكانية استهلاك المحتوى والتّواصل عبر وسائل التّواصل الاجتماعي وحتى اللّعب بسهولة لا مثيل لها".
انطلاقاً من إعادة تعريف القدرات التّشخيصيّة والتّأثير على نظام الرّعاية الصّحيّة العالميّ، ستعمل العدسة اللّاصقة الذكية كجهازٍ متقدّمٍ قابلٍ للارتداء يوفّر الكشف المبكر عن الأمراض، بما في ذلك السّرطان أو كوفيد-19، كما ستحلّل المؤشرات ذات الأهمية الحيويّة للدّم وحرارة الجسم وضغط العين، وكلّ ذلك من دون الحاجة إلى زيارة العيادة الطبيّة. وإضافةً إلى ذلك سيتمكّن الأشخاص، الذين يعانون من ضعفٍ في تمييز الألوان، من رؤية طيفها الكامل، وحتى الحصول على رؤيةٍ ليلية أفضل. وفي هذا السّياق أوضح فولكوف أنّ إنجاز كل ذلك سيتمّ من خلال عدسةٍ واحدةٍ فائقة الرّقة ترتدى بسهولةٍ مثل العدسات اللّاصقة العادية".
من جانبه، بيّن أكسلرود: "نحدث ما نسميه بالتّجربة اللّانهائية للواقع الممتد، وذلك من خلال دمج جميع أجهزتكم في عدستنا اللّاصقة القوية والمجهّزة بميزاتٍ لا حصر لها تحسن كل جانبٍ من جوانب حياة الإنسان. فمن خلال تقديم تجربةٍ تتيح التّفاعل دون استخدام اليدين، نعيد تعريف مفهوم الأجهزة القابلة للارتداء بمعناها التّقليدي".
"إكسبانسيو".. الشركة الأكثر طموحاً في التكنولوجيا العميقة
بحصدها أكبر جولة تمويلٍ تأسيسي في المنطقة العربية بقدر 40 مليون دولار، جذبت رؤية أكسيلرود وفولكوف الجريئة اهتماماً كبيراً من قبل المستثمرين الذين يستعدّون لجولة تمويل ثانية. وما يسهم في ذلك يتمثّل في أنّ لديهما سبعة نماذج أولية فعالة و11 طلب براءة اختراع قيد الانتظار، إضافة إلى 30 ابتكاراً من المحتمل أن تحصل على براءة اختراع، في مجالي البصريات والنانوفوتونيات.
وبفضل مسيرة فولكوف العلميّة الرّائعة وسمعته، انضمّت نخبةٌ من أفضل المواهب من الجامعات العالميّة الرّائدة إلى فريق البحث والتّطوير في الشركة. وفي هذا المجال أقامت "إكسبانسيو" شراكاتٍ استراتيجيّة مع مؤسّساتٍ بحثيّة عالميّة مثل مركز دونوستيا الدّولي للفيزياء في إسبانيا، وجامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد، والجامعة الوطنية في سنغافورة.
وبحسب أكسيلرود وفولكوف، فإنّ عدسات "إكسبانسيو" اللّاصقة الذّكيّة ستحلّ محلّ الأجهزة المرئيّة القابلة للارتداء بالكامل.
وفي ختام حديثه، قال أكسيلرود: "نفعل ما نفعله لأنّنا نعرف أنّ هذا الأمر فريدٌ من نوعه، وأنّنا تخوض غمار مجالاتٍ جديدة لم تطرق من قبل. ما نفعله، وفي حال القيام بذلك بشكلٍ صحيح، سيزيل العديد من القيود التي تكبح البشرية لزمنٍ طويل".