أنقذ عملك من ملل الروتين بتبنّي طقوسٍ مميّزةٍ
خطواتٌ بسيطةٌ، بأثرٍ سحريٍّ، لتقليل القلق وزيادة التواصل الاجتماعي، فالبشر مستعدّون للطقوس بطبيعتهم.
بقلم نيك هوبسن Nick Hobson، مدير قسم الإدارة في أمريكا الشمالية لشركة Influence At Work، وهي شركة استشارية في العلم السلوكي
هل شعرتَ يوماً بأنّك تفعلُ ما تفعلهُ من بابِ الواجبِ فقط؟ يوماً بعد يومٍ، تمتلئُ حياتنا بالرّوتينِ والعاداتِ، ورغمَ كفاءتها، يُمكن أن تكونَ خاليةً من الإلهامِ والرّوحِ. وهذه الروتينات غالباً ما تعملُ خارجَ إدراكنا الواعي، وتفتقرُ للهدفِ أو المعنى أو النّيةِ، ولكن ماذا لو كان هناكَ وسيلةٌ لتحويلِ هذه الأنماطِ الرّتيبةِ إلى شيءٍ أكثرَ من مجرّدِ روتينِ؟ تعالوا إلى عالمِ الطّقوسِ. [1]
قبلَ بضعِ سنواتٍ، أنشأتُ مع زملائي الأكاديميّين نموذجاً جامعاً حول علمِ نفسِ الطّقوسِ، إذ نناقشُ فيه كيف يُمكن لتحويلِ الرّوتيناتِ العاديّةِ إلى طقوسٍ أن يكونَ أداةً قويّةً لتخفيفِ القلقِ، وبناءِ الرّوابطِ الاجتماعيّةِ، واكتشافِ معانٍ أعمقَ في حياتنا. وعلى عكسِ الرّوتينات، تكون الطّقوسُ مقصودةً؛ إنّها عاداتٌ مشبعةٌ بالأهميّةِ والرّموزِ الشّخصيّةِ، وتحوّل الأفعالَ اليوميّة إلى لحظاتٍ من التّأملِ الواعي والمغزى والارتباطِ.
حدِّد النية
إذاً، كيف نحوّلُ الرّوتينَ إلى طقسٍ؟ يبدأُ الأمرُ بالنّيةِ. على سبيلِ المثالِ، يُمكن أن تكونَ قهوتكَ الصباحيّة أكثر من مجرّدِ جرعةِ كافيين بدون وعيٍ، إذ من خلالِ تخصيص لحظةٍ للتّمتعِ برائحتها الفوّاحةِ، والتّأمل في اليومِ الّذي أمامكَ، والاستمتاع بشربِ الرّشفة الأولى بوعيٍ، تُحوّل هذه العادة اليوميّة إلى طقسٍ ذي مغزى، ممّا يُمكن أن يقللّ من القلقِ ويُعِدَّك عقليّاً لبدايةِ اليومِ.
تمتلكُ الطّقوس أيضاً قوّةً فريدةً لربطنا بالآخرين، إذ في عالمٍ تزدادُ فيه العزلةُ، يُمكن للطّقوس خلق شعورٍ بالمجتمعِ والانتماءِ، سواء كان ذلك عشاءً عائليّاً حيث يتحدّثُ الجميعُ عن أحداثِ يومهم، أو اجتماعَ فريقٍ أسبوعيٍّ يبدأ باقتباسٍ تحفيزيٍّ، كما وتشكّلُ هذه الطُقوس روابطَ اجتماعيّةٍ أقوى وشعوراً بالهدفِ الجماعيّ.
الطقوس في مكان العمل
يتجاوزُ أثرُ الطّقوس حدودَ الحياةِ الشّخصيّة ليشملَ ثقافةَ المؤسَسةِ. إذ في مكانِ العملِ، يُمكن للطقوسِ أن تعزّزَ بيئةً مبنيّةً على الثّقةِ والأمانِ والارتباطِ والمغزى. ويُمكن أن تقوّي طقوسٌ بسيطةٌ، مثل: احتفال الفريقِ بالانتصاراتِ الصّغيرةِ كلّ يومِ جمعةٍ، ثقافةَ التّقديرِ والإيجابيّة. هذه الطّقوسُ ضروريّةٌ لمكانِ عملٍ صحيٍّ وفعّالٍ، وهي تضمنُ أن يشعرَ الموظّفون بقيمتهم وارتباطهم.
علاوةً على ذلكَ، يُمكنُ للطّقوسِ في الإعداداتِ المؤسّسيّة أن تساعدَ في توجيهِ العملِ خلال التّغييرِ وعدم اليقينِ. ومن خلال الحفاظِ على بعضِ الطّقوسِ، يُمكن للشّركاتِ توفير شعورٍ بالاستقرارِ والاستمراريّة لموظّفيها، مما يخفّفُ من التّحوّلاتِ ويحافظُ على الرّوحِ المعنويّةِ.
لكن من المهمِّ أن نلاحظَ أنّ الطّقوس لا تكونُ جميعها مفيدةً، تماماً كما يحدثُ مع الرّوتيناتِ، إذ يُمكن أن تصبحَ باهتةً أو تفقدَ معناها إذا لم يتمّ إعادة النّظر فيها وتحديثها بشكلٍ دوريٍّ. المفتاحُ هو الحفاظُ عليها متناغمةً مع قيمكَ والظّروف الحاليّة، ممّا يسمحُ لها بالتّطورِ معكَ.
في عملي مع العملاء، أشاركُ في ممارسةٍ تُسمى "رصد الطقوس". تأتي الطّقوسُ بشكلٍ طبيعيٍّ للبشرِ الّذين يعيشون في مجموعاتٍ، وهي جزءُ من قصّة تطورنا، حتّى إن البعضَ يقولُ إنّها السّببُ في وجودنا اليوم كنوعٍ من أنواعِ الطّبيعةِ. وفي هذا السّياقِ، ستظهرُ الطّقوس تلقائيّاً حتّى بدون محاولةٍ منّا. ولكن في المؤسّسات، حيث تكون الكفاءةُ والسّاعاتُ المحدّدة للعملِ هي أولويّةٌ قصوى، قد يُحكم على الطّقوس ظلماً بأنّها إضاعةٌ للوقتِ. أيّها القادةُ، دوركم هو تفنيدُ تلكَ الفكرةِ، فمجموعةٌ بدون طقوسٍ ليست مجموعةً على الإطلاقٍ.
حاول رصدَ الطّقوسِ، قد تكون مخفيةً، وقد تمرُّ عليها مرورَ الكرامِ كوسائل بسيطة للعملِ أو عاداتٍ غريبةٍ يقوم بها الفريقُ. ولكن عندما ترى لمعةً صغيرةً من طقسٍ ما، يُمكنكَ تعزيزها باستخدامِ علم الطّقوس، إذ يُمكنكَ تكبيرُ تأثيراتها لجلبِ المزيدِ من الفرحِ والمغزى إلى فريقكَ، ولكن هناك طريقةٌ صحيحةٌ للقيامِ بذلكَ؛ هناك علمٌ للطّقوسِ وكُتيّبُ تعليماتٍ لتتبعهُ.
الطقوسُ أكثرَ من مجرّد روتيناتٍ مزخرفةٍ؛ إنّها وسيلةٌ لحقنِ النّية والمغزى والارتباط في حياتنا اليوميّةِ، سواء كانت على الصّعيدِ الشّخصيّ أو المهنيّ. ومن خلالِ تحويلِ العاداتِ الرّوتينيّةِ إلى طقوسٍ واعيةٍ، نصبحُ منفتحين لتقليلِ القلقِ، وتعزيزِ الرّوابطِ العميقةِ وعيشَ حياةٍ أكثر رضاً. لذا، خُذ لحظةً للنّظرِ في روتيناتكَ اليوميّةِ، كيف يُمكنك تحويلها إلى طقوسٍ تجلبُ الفرحَ والمغزى والارتباط إلى حياتكَ اليوميّةِ؟ تذكّر، في تحويلِ الرّوتينات إلى طقوسٍ، يكمنُ سرّ حياةٍ أغنى وذاتَ مغزىً أكبرَ.