هل تطمح إلى ذاكرة أقوى؟ ربما ستجد في الصيام المتقطع المفتاح لذلك
أهمية النظام الغذائي في تجديد النشاط العصبي وإنشاء خلايا الدماغ الجديدة
ثلاث مسائلٍ أتمنَّى أن تستخلصها من هذا المقال:
- دراسةٌ عصبيَّةٌ مثيرةٌ للاهتمام تبحث في تأثير النّظام الغذائيّ على الذَّاكرة.
- نظرةٌ جديدةٌ وتستحقُّ التَّأمٌّل حول صحَّة الدِّماغ، قد تتعارض مع المفاهيم التي سمعتها بها في مراحل حياتك الأولى.
- وما هي المسألة الثَّالثة؟
أدعوك للابتسام، فأنا لم أنس المسألة الثَّالثة، إنَّما هي ذات بُعد تأمليٍّ، وسيكون من الأجدر تأجيلها إلى ختام حديثنا، فلنتجه إلى الدِّراسة البحثيَّة، والتي أُجريت في جامعة كينجز كوليدج لندن، وكان هدف الباحثين تحديد ما إذا كان الصيام المتقطِّع يعزِّز تطوُّر خلايا عصبيَّةٍ جديدةٍ في الحصين، ويُحسُّن من أداء الذَّاكرة لدى فئران التَّجارب.
دامت التَّجربة ثلاثة أشهر، مركَّزةً على دراسة جيناتٍ دماغيَّةٍ معينةٍ تُعرف باسم كلوثو، وتمَّ تقسيم الفئران إلى ثلاث مجموعاتٍ:
- مجموعة ضابطة من الفئران تُطعم كما اعتادت.
- مجموعة خضعت لقيودٍ في السُّعرات الحراريَّة (CR)، تمَّ تقليص مقدار طعامها اليَّوميِّ بنسبة 10%.
- ومجموعة الصِّيام المتقطِّع (IF)، حيث تمَّ تخفيض كمية الطَّعام بالمثل، لكن تمَّ إطعامها كلَّ يومٍ بديل خلال مدة الدِّراسة.
في نهاية الدِّراسة، أظهرت فئران المجموعة IF تحسُّناً ملحوظاً في الاحتفاظ بالذَّاكرة طويلةِ الأمد مقارنةً بالمجموعتين الأخريين، حسبما ذُكر في بيانٍ صادرٍ عن الجامعة، "عند فحص أدمغة هذه الفئران، تبيُّن أنَّ جين كلوثو قد تمَّ تنشيطه، وزاد تكوين الخلايا العصبيَّة مقارنةً بتلك الفئران التي اتَّبعت نظام CR الغذائيّ". نُشرت نتائج الدِّراسة في مجلة Molecular Psychiatry.
أوضحت الدُّكتورة ساندرين ثوريت، المشاركة في الدِّراسة والقائمة بأعمال مختبر تكوين الأعصاب والصِّحة النَّفسيَّة للبالغين في كينجز كوليدج: "تُظهر نتائجنا أنَّ كلوثو... يشغل دوراً محوريَّاً في تكوين الخلايا العصبيَّة لدى البالغين، وتُشير إلى أنَّ "الصِّيام المتقطِّع" يُعدُّ وسيلةً فعّالةً لتعزيز الاحتفاظ بالذَّاكرة طويلة المدى لدى الإنسان".
وإليكم المسألة الثَّانية للنِّقاش، وتتعلَّق بمصطلح ثوريت: تكوين الخلايا العصبيَّة لدى البالغين، وربَّما نشأ الكثير منّا على فكرة أنَّ الدِّماغ هو أحد أجزاء الجسم التي لا تتجدَّد، وثوريت تخبرنا بغير ذلك، حيث تؤكِّد في محاضرتها على TED، التي شُوهدت أكثر من 11 مليون مرَّة، وتحمل عنواناً واضحاً: "بإمكانك تنمية خلايا دماغيَّةٍ جديدةٍ، ها هي الطَّريقة".
شاهد أيضاً: تشير علوم الأعصاب إلى أن الروائح الليلية تعزز الذاكرة وتزيد الإنتاجية
تشرح ثوريت أنَّ هذه المعلومات تمثِّل حقلاً علميَّاً حديثاً نسبيَّاً، مستهلَّةً حديثها في TED بكيفيَّة تعريفها لزميلٍ لها، وهو طبيب أورامٍ، بهذا المفهوم، تقول ثوريت إنَّه بمجرِّد الوصول إلى سنِّ الخمسين، يكون الدَّماغ قد جُدّد بما فيه الكفاية حتَّى أنّ كل الخلايا العصبية الأصليَّة التي وُلدت بها تُستبدل بخلايا عصبيَّةٍ نشأت في مرحلة البلوغ، ومن ثمَّ، تقف الأسئلة أمام الباحثين: هل الخلايا العصبيَّة المتجدِّدة أكثر كفاءةً؟ وهل هناك أساليب يمكن للنَّاس اتِّباعها لتحفيز نموِّها وتجديدها؟
بالفعل، كما تقول ثوريت، هناك أنشطةٌ طبيعيّةٌ تعزِّز أو تقلِّل من تكوين الخلايا العصبيَّة، مثل:
- النَّوم، والعلاقات الجنسيَّة، والجري تزيد من تكوين الخلايا العصبيَّة.
- حرمان النَّوم، والشَّيخوخة، والتَّوتر تقلِّل منه.
- الأطعمة والمشروبات التي نتناولها أيضاً لها تأثيرٌ في زيادة أو نقصان تكوين الخلايا العصبيَّة.
الاستهلاك الغذائيّ للفلافونويدات وأحماض أوميجا 3 الدِّهنيَّة، مثل: الشُّوكولاتة الدَّاكنة، التُّوت الأزرق، أو الأسماك الدِّهنية مثل السَّلمون، يزيد من تكوين الخلايا العصبيَّة، بينما الكحول (ومن المتوقَّع أن يكون ذلك غير مفاجئ) يمكن أن يقلِّله.
كما قد تكون خمَّنت، توصَّلت ثوريت وزملاؤها خلال دراستهم الأخيرة على الفئران، إلى أنَّ تنظيم السُّعرات الحراريَّة أو الصِّيام المتقطِّع -الذي يُعرّف ببساطة، كما تقول، بأنَّه "التَّباعد بين الوجبات"، سيزيد من تكوين الخلايا العصبيَّة، وهذا يقودنا إلى المسألة الثَّالثة والأخيرة، وتتعلَّق بالأمل والفائدة التي يمكن أن تجنيها القيادات الإداريَّة من هذه الأبحاث.
والأمل السَّريريّ يدور حول ما إذا كان تكوين الخلايا العصبيَّة لدى البالغين يمكن أن يسهمَ في "منع التَّدهور المرتبط بالتَّقدُّم في العمر" أو "المرتبط بالضُّغوط النَّفسيَّة"، حسب تعبير ثوريت، أمَّا بالنِّسبة لك، فالفائدة قد تكون أكثر إلحاحاً، فأنت، على الأرجح، تقضي يومك في توليد الأفكار الجريئة، والتَّواصل مع الأطراف المعنيَّة، وربَّما تقديم العروض، وأخيراً، تحاول تذكُّر عددٍ لا يحصى من التَّفاصيل الصَّغيرة التي تحتاجها لتحقيق النَّجاح.
كل جزءٍ مهمٍّ، والذَّاكرة تلعب دوراً محوريَّاً في ذلك، لذا، إذا كان هناك دليلٌ على أنَّ تغييراً بسيطاً في أسلوب الحياة -سواءً كان ذلك عن طريق الصِّيام المتقطِّع، أو تغيير النِّظام الغذائيّ، أو الحصول على قسطٍ أكبر من النَّوم، أو الانخراط في الجري (أو غيره من الأنشطة الهوائيَّة)- قد يكون من المنطقي تجربةً بعض هذه الخيارات.
لمزيدٍ من النصائح النفسية والجسدية، تابع قناتنا على واتساب.