الرئيسية الذكاء الاصطناعي هل تزرع روبوتات الدردشة بذور الوحدة في بيئة العمل؟

هل تزرع روبوتات الدردشة بذور الوحدة في بيئة العمل؟

دراسةٌ جديدةٌ تحذّر من أنّ الإفراط في استخدام روبوتات المحادثة قد يزيد مشاعر العزلة بين الموظفين ويهدّد جودة التّفاعل البشريّ في بيئات العمل الحديثة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

غيّر الانتشار السّريع لروبوتات المحادثة الذّكيّة شكل التّفاعل بين البشر والآلات بشكلٍ جذريٍّ، ولكنّه قد يحمل في طيّاته مشكلةً حقيقيّةً؛ فقد توصّل باحثون من شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) ومختبر الإعلام في معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا (MIT) إلى أنّ الاستخدام المتواصل "لشات جي بي تي" (ChatGPT) قد يؤدّي إلى تفاقم مشاعر الوحدة لدى الأشخاص الّذين يعتمدون عليه بشكلٍ مفرطٍ. وإذا كانت شركتك تستثمر في الأدوات الذّكيّة لتسريع العمل، فإنّ هذا الاكتشاف يستحقّ التّوقّف عنه.

ورغم أنّ نتائج الدّراسة طرحت بدقّةٍ وبشيءٍ من التّوازن، إلّا أنّها تعزّز تحذيراتٍ انطلقت في عام 2023، عندما نبّه الدّكتور فيفيك مورثي، رئيس الجراحين العامّ آنذاك، إلى وجود "وباءٍ" من الوحدة والعزلة الاجتماعية تؤثّر سلباً على صحّة الأمريكيّين. وقد أشار في حديثٍ مع إذاعة "إن بي آر" (NPR) إلى أنّ "التّكنولوجيا الّتي نعيش معها غيّرت بشكلٍ عميقٍ الطّريقة الّتي نتواصل بها مع بعضنا البعض".

هذا لا يعني بالطّبع أنّ استخدام الأدوات الذّكيّة في بيئة العمل يجب أن يمنع، ولكنّه من الضّروريّ التّفكير في الوقت الّذي يقضيه الموظّفون، وهم يتفاعلون مع روبوتات المحادثة. وقد لاحظ الباحثون في دراستهم المشتركة أنّ الغالبيّة العظيمة من المشاركين استخدموا روبوت المحادثة لفتراتٍ قصيرةٍ نسبةً، بينما كان هناك عددٌ أقلّ من المستخدمين الّذين قضوا ساعاتٍ طويلةً في التّفاعل معه.

وهؤلاء الّذين يستخدمون روبوتات المحادثة بشكلٍ مكثّفٍ، هم الّذين بدت عليهم آثارٌ أكبر. فقد أظهرت النّتائج أنّ الاستخدام اليوميّ المكثّف، بغضّ النّظر عن نوع الوسيلة أو طبيعة المحادثة، كان مرتبطاً بمستوياتٍ أعلى من الوحدة والاعتماد المفرط والسّلوك الإشكاليّ، إلى جانب انخفاضٍ واضحٍ في التّفاعل الاجتماعيّ. وأوضحت مجلّة "بيزنس إنسايدر" (Business Insider) في تغطيتها للدّراسة أنّ مثل هذه الأبحاث تكون دائماً معقّدةً بطبيعتها، إذ إنّ مشاعر العزلة تتقلّب باستمرارٍ، وتتأثّر بعوامل كثيرةٍ. ولهذا السّبب، قاس الباحثون في دراستهم مشاعر الوحدة والتّفاعل الاجتماعيّ الفعليّ للمشاركين، بهدف التّمييز بين العزّلة الحقيقيّة والانطباع الذّاتيّ بالوحدة.

ولكن ما تأثير النّبرة في الحوار مع هذه الأدوات؟ تماماً كما هو الحال في التّفاعل البشريّ، كان للنّبرة أثرٌ كبيرٌ على مشاعر المستخدمين؛ فقد وجدت الدّراسة أنّ المستخدمين شعروا بمزيدٍ من الوحدة عندما تمّ توجيه شات جي بي تي للتّحدّث بنبرةٍ حياديّةٍ وجافّةٍ، أي بأسلوبٍ رسميٍّ وفعّالٍ، أمّا عندما طلب منه أن يتفاعل بطريقةٍ "مبهّجةٍ، مفعمةٍ بالحيويّة، وجذّابةٍ" تعبّر عن مشاعر المستخدم، لم يعانِ هؤلاء بنفس القدر من الوحدة.

وهذا أمرٌ منطقيٌّ تماماً. فلو كانت محادثتك مع روبوتات الدردشة أشبه بحوارٍ مقتضبٍ مع موظّفٍ في دائرةٍ حكوميّةٍ، من الطّبيعي ألّا تشعر أنّك مسمعٌ، أمّا إذا كان الأسلوب يشبه ذاك الصّوت الحميم كما في فيلم "هي" (Her) الّذي أدّت فيه سكارليت جوهانسون دور المساعد الذّكيّ، فستشعر أنّك تخوض تجربةً حقيقيّةً وإنسانيّةً.

والسّؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل آن الأوان لإعادة التّفكير في استخدام الأدوات الذّكيّة في بيئة العمل؟ إذا كانت شركتك من الجهات الّتي سارعت إلى تبنّي هذه الأدوات، فقد تتساءل الآن: هل يجب أن نعيد التّفكير في استخدامها؟ أو على الأقلّ، هل علينا أن نقلق بشأن الصّحّة النّفسيّة للموظّفين؟

الإجابة ليست حاسمةً حتّى الآن. فبحسب الدّراسة، لا يوجد ما يستدعي القلق العاجل، ولكن المؤكّد أنّ الأمر يستحقّ المتابعة والاهتمام. فالتّكنولوجيا الذّكيّة باتت جزءاً أساسيّاً من بيئة العمل، وأصبحت اليوم قادرةً على محاكاة التّفاعل البشريّ بشكلٍ مذهلٍ.

ومن جهةٍ أخرى، في تقريرٍ حديثٍ لمجلّة "وايرد" (Wired) ألقى الضّوء على تسابق شركة "غوغل" (Google) مع أوبن إيه آي في مضمار الذكاء الاصطناعي. فبعد تطويرٍ وإطلاقٍ لمساعد "جميني" (Geminiمن غوغل، صرّحت إحدى المديرات التّنفيذيّات للمجلّة بأنّها استبدلت مكالماتها اليوميّة مع شقيقتها خلال التّنقّل بالدّردشة مع "جميني لايف" (Gemini Live). ورغم أنّ هذا الإنجاز يحتسب لغوغل من ناحية التّقدّم التّكنولوجيا، إلّا أنّه يفتح باب التّساؤلات حول تأثير ذلك على العلاقات الأسريّة.

حاليّاً، توجد معظم الأدوات الذّكيّة في خلفيّة بيئة العمل، وهي أشبه بأدوات مساعدةٍ ذكيّةٍ، وليست بديلاً عن التّواصل البشريّ. على سبيل المثال، استخدام ميزة "كوبيلوت" (AI Copilot) من "مايكروسوفت" (Microsoft) لكتابة البريد الإلكترونيّ بسرعةٍ في "أوتلوك" (Outlook)، من غير المحتمل أن يؤثّر سلباً على علاقاتك في العمل، خاصّةً إن اقتصر استخدامك لـشات جي بي تي على مهامك المكتبيّة خلال ساعات العمل.

لكنّ الصّورة الكبرى تُشير إلى تغيّرٍ مقلقٍ: فالعلاقات في بيئة العمل آخذةٌ في التّآكل، والصّداقات بين الزّملاء تتراجع. في الوقت نفسه، يدفع التّنفيذيّون في شركات التّكنولوجيا بقوّةٍ نحو استخدام الأدوات الذّكيّة، مثلما تفعل شركة "سلاك" (Slack) الّتي تتوقّع مستقبلاً يقضي فيه الموظّفون وقتاً أطول في الحديث مع الوكلاء بدلاً من زملائهم.

حتّى لو ساعدت هذه الأدوات الذّكيّة على رفع كفاءة الموظّفين وزيادة أرباح الشّركة، فإنّه من المهمّ ألّا ننسى أمراً جوهريّاً: سعادة الموظّف عاملٌ أساسيٌّ في تحسين الأداء، وكثيرٌ من الدّراسات العلميّة أثبتت أنّ الموظّفين السّعداء هم الأفضل في الإنتاجيّة والاستقرار.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: