هل سمعت بتأثير ايكيا؟ ما علاقته بالتفويض؟
التفويض فن وعلم في الوقت نفسه، فهو تفاعل دقيق بين عدة عناصر من ضمنها: التعاون، وتمكين الآخرين، والصبر، وسحر تأثير ايكيا.
يُستخدم مصطلحا "التعهيد" و"التفويض" في عالمِ الشركات الناشئةِ بصورةٍ متبادلةٍ في كثيرٍ من الأحيانِ، ولكن يوجد فارقٌ بسيطٌ بين الاثنين، وفهمُ هذا الفارق أمرٌ أساسيّ للوصولِ إلى إدارةٍ فعّالةٍ لشركتكَ النّاشئة ونجاحها.
فعندما تقوم بالتّعهيدِ، فأنت في الأساسِ تسلّمُ مهمّةً أو مشروعاً إلى طرفٍ آخر، تتوقّعُ منه التّعاملَ معه دون تدخّلٍ كبيرٍ من جانبك، ويتمّ عبر عقدِ صفقةٍ. في حين يجري التّفويض بشكلٍ آخر مختلفٍ، فهو عمليّةٌ أساسها التّعاونُ، وتنطوي على الثّقةِ والإرشادِ وقليلاً من تأثير "ايكيا" IKEA [شركةٌ سويديةٌ للأثاثِ والمفروشاتِ] الذي لم تكن لتتوقّع أن يلعبَ دوراً فيها.[1]
السبب وراء ارتباط التفويض بالتعاون
لا يتعلّقُ التفويض بمجرّد إزاحةِ المهامِ عن كاهلكَ، بل بمشاركةِ رؤيتكَ وتطلعاتكَ مع الغير، وطرح الكثير من الأسئلةِ. وعندما تفوّضُ، فأنت لا تزال جزءاً من العمليةِ، ولن تكون مهمتكَ هي أن تلقي المهمّة على كاهلِ غيركَ، وتذهبُ وحسب. لكن بدلاً من ذلكَ، تظلّ بالقربِ، وتحرصُ على ألا تنأى بنفسكَ عن مجرياتِ الأعمالِ. ومع ذلك يبقى هنا أمر مزعج، لكن لا بدّ من تقبّله؛ مفاده أنّه: بغضِّ النّظر عن مدى إتقانكَ لإيصالِ رؤيتكَ، فإنّ الشّخص الذي تفوّض إليه المهمّة سيصل على الأرجح إلى 70% فقط من توقعاتكَ في المرّة الأولى؛ وليس ذلك بخطئه، بل إنّها ببساطةٍ طبيعةُ العملِ.
وهنا يأتي دورُ الصبر والتّدريب المستمر. ومع مرور الوقتِ، تقتربُ تلك الـ 70% أكثر وأكثر من 90%. ولكن تذكّر، أنّها لن تصبحَ 100% أبداً، لأنّ الطّرف الذي أسندتَ المهمّة إليه ليس أنت. وهو يقوم بالعملِ وفقاً لمنظوره الفريدِ، ويستخدم فيه مهاراتهُ وإبداعهُ الخاصّ، وهذا أمرٌ حسنٌ.
شاهد أيضاً: 5 فوائد ستجنيها إذا فوضت المهام وتخليت عن "سأقوم بها بشكل أفضل"
تجنب الوقوع في فخ الإدارة التفصيلية
قد تتطوّرُ الأخطاءُ في التفويض بسرعةٍ وتأخذُ منحىً آخر، فيه يتحوّلُ الأمرُ إلى تطبيقِ الإدارةِ التّفصيليةِ. وعندها يكون الحلُّ في الحفاظِ على نوعٍ من التّوازنِ ما بين إعطاءِ التّوجيهاتِ ومنحِ صلاحيّاتِ الإدارةِ الذّاتيةِ للغيرِ.
وتتحدّدُ أولى علاماتِ النّجاحِ في التفويضِ عندما تشعرُ بالارتياحِ في بدايته. ولكن التفويض لا يتوقّفُ عند هذا الحدِّ. فمرادك في النّهايةِ تمكينُ موظّفيك من أداءِ المهامِّ، وذلك بالانتقالِ من مرحلةِ عقدِ علاقاتِ تعاونٍ وثيقةٍ معهم إلى مرحلةٍ أخرى يصبحون فيها أهلاً للثّقةِ في تولّي زمامِ الأمورِ المنوطة بهم وإدارتها. الأمرُ أشبهُ برحلةٍ طويلةٍ تبدأ من التّكاتفِ في العملِ على إنجازِ المهمّاتِ، ثم تنتقلُ إلى منحِ الموظّفين كاملَ الصّلاحيّةِ للتّعاملِ معها مع إبداءِ الثّقةِ في الخياراتِ التي يتّخذونها لإنجاحِ سيرِ العملِ.
تأثير ايكياعلى التفويض
هل تعرفُ ما هو "تأثير ايكيا؟" سأشرحه لك.. عندما تقومُ بتجميعِ أثاثِ ايكيا بنفسك، عندها يتكوّن رابطٌ يجمعُ ما بينك وبينه ويجعلك تتّحدُ به. فعندما تبتاعُ طاولةً من هذه الشّركةِ، فهي لن تكون مجرّدَ طاولةٍ، بل طاولتكَ التي تحملُ طابعك ولمستك الخاصّةَ. ويُلخصُ هذا التّأثير بالشعورِ بالفخرِ والتّملكِ تجاه شيءٍ قد بذلتَ جهداً للحصولِ عليه.
ولكن لتكون لك بصمتكَ المميّزة حقّاً في عمليّةِ التّفويض، حاول غرسَ مفهوم تأثير ايكيا في أذهانِ فريقِ عملك. فبدلاً من مجرّدِ تكليفِ المهامّ، أشرك الموظّفين في خطواتِ اتّخاذِ القرارِ. ودعهم يأتون بتصميمهم الخاصّ من تلك الطاولةِ من ايكيا. يجب أن يشعروا أنّ المهامَّ التي فُوضت إليهم تنتمي إليهم وتقع ضمنَ مسؤولياتهم الخاصّةِ، ما يساعدُ على تعزيزِ شعورهم بالفخرِ في إنجازاتهم.
شاهد أيضاً: 3 أمور عليك النظر فيها قبل تأسيس أوّل عملٍ لك
سحر المساءلة
مثلُ التّفويضِ بدون متابعةٍ كمثلِ زراعةِ بذرةٍ وعدمُ سقيها البتّة. إذ يتطلّبُ التّفويضُ النّاجحُ التزاماً من جميعِ الأطرافِ. وذلك من خلال وضع توقّعات واضحة، ومواعيد نهائيّةٍ محدّدة، وفحص بشكلٍ منتظمٍ، وليس لمجرّدِ ضمانِ إتمامِ المهمّةِ، وإنّما أيضاً للتأكّد من تقدّمِ سيرها بالتّنسيقِ مع رؤيتك الخاصّةِ.
التفويض هو استثمار
يوجدُ افتراضٌ خاطئٌ يقولُ بأنّ التفويض هو طريقةٌ مختصرةٌ لإنجازِ المهامّ . لكنّه في الحقيقةِ الطّريقُ الأطولُ والأكثرُ متعةً. وبينما يُمكنني إكمالُ مهمّةٍ في يومٍ أو يومين بمفردي، ربّما يمتدُّ هذا الجدولُ الزّمنيّ إلى أسبوعٍ عند تفويضها.
وهنا مربطُ الفرسِ: فالتفويض ليس مجرّدُ بنودٍ في قائمةِ المهامّ ينبغي إكمالها، بل هو استثمارٌ في فريقِ العملِ. إنّه غرسٌ لمفهومِ تأثير ايكيا الخاصّ، حيث يتحوّلُ إكمالُ المهامّ في نهايةِ المطافِ إلى وضعٍ تلقائيّ، فيه ينجزُ فريقُ العملِ كلّ تلكَ المهامّ بسلاسةٍ، لأنّه يشعرُ بتواصلٍ شخصيٍّ معها.
ولتكون متمكناً فعلاً من أداءِ عمليّةِ التفويض، ينبغي لك تغييرُ نمطِ تفكيرك. إذ لا يمكنك أنْ تعامله على أساسِ أنّه تعهيد، الذي هو مجرّدُ صفقةٍ، وبدلاً من ذلك، انظر إليه على أنّه استثمارٌ في الوقتِ. في البدايةِ، قد تقضي 15 إلى 20 دقيقةً يوميّاً على كلِّ مهمّةٍ تفوضها، ثم مع مرورِ الوقتِ يقلّ ذلك تدريجيّاً. لكن تذكّر أنّ كلّ دقيقةٍ تستثمرها في الإرشادِ والتّوجيهِ اليومَ هي دقيقةٌ تسهمُ في رفعِ مستوى الكفاءةِ في مؤسّستك وتحقيقِ النّموّ في المستقبلِ.
أقولُ أخيراً: إنّ التفويض هو فنٌّ وعلمٌ في الوقتِ نفسهِ، إنّه تفاعلٌ دقيقٌ بين عدّةِ عناصر من ضمنها التّعاونُ، وتمكينُ الآخرين، والصبرُ، وسحرُ تأثير ايكيا. لذلك في المرّةِ القادمةِ التي تجدُ نفسك أمامَ خيارين مألوفين بالنّسبةِ إليك؛ إما القيامُ بالمهمّةِ بنفسكَ وإمّا تفويضها للغيرِ، تذكّر أنّ التفويض لا يتعلّقُ فقط بمشاركةِ المهامّ، بل يتعدّى مفهومه إلى مشاركةِ الرّؤى والأهدافِ والنّموّ.