إعادة ضبط المسار: استراتيجيات لتجديد الأمل في عالم الأعمال
لن تنتهي الأمور، إن كان الجميع مستعداً لمشاركة المغارم اليوم والمغانم في المستقبل
بقلم هوارد تولمان Howard Tullman، الشريك الإداري العام في G2T3V و Chicago High Tech Investors
بعد عقدٍ من الصِّراع والكفاح في أعقاب الرُّكود الكبير، ومن ثمَّ تحمُّل ثلاث سنواتٍ عجافٍ أخرى من الجهد العقيم إلى حدٍّ كبيرٍ خلال الوباء، وصل الملايين من المؤسِّسين والمموّلين والمدراء التَّنفيذيين والموظَّفين الرَّئيسيين في الشَّركات إلى نقطةٍ حرجةٍ لإعادة النَّظر في حياتهم المهنيَّة وحياتهم العائليَّة والفرص والبدائل المتاحة لهم، إذ إنَّ التَّقييمات الباهظة، والتَّوقُّعات المحمومة، والجداول الزَّمنيَّة المتفائلة بشكلٍ سخيفٍ، والتي أيّدها الكثير منهم بقوَّة، تحولت جميعها إلي يأسٍ. [1]
هناك حسٌّ جديدٌ بالجوانب العمليَّة والواقعيَّة السَّاخرة، كما أنّ للصَّبر والمثابرة حدوداً، وقد تمَّ اختبارهما بشدةٍ خلال السَّنوات القليلة الماضية، ويوجد اليوم ضغطٌ متزايدٌ لمعالجة السُّؤالين الأكثر أهميَّة وحلِّهما: ما الخطوة التَّالية وما الذي يمكن أن تقدَّمه لي شركتي كسببٍ للبقاء؟
إنَّ الخيارات الممنوحة قبل 10 سنواتٍ تنتهي صلاحيتها أو انتهت بالفعل، وحتَّى المستفيدين الأكثر التزاماً لا يرون آفاقاً مستقبليَّةً مشجِّعةً بما يكفي حتَّى لممارسة الخيارات بسعرٍ تعادليٍّ، فالمصروفات النَّقديَّة التي يجب دفعها هو آخر شيءٍ يتطلَّع أيُّ شخصٍ إلى تقديمه هذه الأيام (هناك شعورٌ قويٌّ في بعض الحالات بأنَّه قد يكون إهداراً للمال من أجل تعويض الخسائر، وللممارسات غير النَّقديَّة مشكلاتٌ متعددةٌ، إذ إنَّها تقلِّص باستمرار النَّتائج الماليَّة المتواضعة من كلِّ الجهود المبذولة حتَّى الآن، وقد يكون لها عواقبٌ ضريبيَّةٌ سيئةٌ وفوريَّةٌ أيضاً على الموظَّفين الَّذين يمارسونها.
ومن المحتمل أن تكونَ وسائل الشَّركات المؤجَّلة وخطط الحوافز الأخرى مغمورةً تماماً، ومن غير المرجَّح أن تتعافى أو تتحسَّن قريباً، نظراً للتَّخفيضات الإجماليَّة في التَّقييمات في معظم الأسواق، كما أنّ الافتراض المعقول هو أنَّ بضع سنواتٍ إضافيَّةٍ من العمل الجادِّ والحظِّ السَّعيد قد تعيد الشَّركة إلى مستويات التَّقييم في جولة التَّمويل الأخيرة.
على الجانب الآخر من المعادلة، إنَّ الممولين والمقرضين الموجودين في مجالس إدارة الشَّركات النَّاشئة ولجان الشَّركات ليسوا في عجلةٍ من أمرهم لمساعدة شركات محفظتهم على مراجعة تعويضات الموظَّفين؛ لأنّ لديهم مشكلات خطيرة تتعلَّق بالأداء والمساءلة، وما تزال نافذة الاكتتاب العام الأوليّ، خاصَّة بالنَّسبة لشركات التُّكنولوجيا، مغلقة.
إذ تجد صناديق الاستثمار التَّقليديَّة صعوبةً في جمع أموالٍ جديدةٍ (بصرف النَّظر عن مشاريع الذَّكاء الاصطناعيّ)؛ لأنَّ أرقام معدَّل العائد الدَّاخلي الخاصَّة بها ضعيفة للغاية (نتيجة لانتهاء مهلة كوفيد)، ولأنَّها لم تحقِّق سوى عددٍ قليلٍ جداً من عمليَّات الخروج النَّاجحة من الشَّركات القديمة والقائمة منذ فترةٍ طويلةٍ للاستشهاد بها كدليلٍ على وجود رؤيتها واستمرارها، ومن المرجَّح أن يُنظرَ إلى معاملات الاندماج والاستحواذ التي تحدَّث على أنَّها مبيعاتٌ رخيصةٌ وشبيهةٌ بالزَّواج الاضطراريّ.
شاهد أيضاً: أتسعى للاستحواذ؟ انتبه لسبع إشارات تحذيرية عند تقييم شريكٍ محتملٍ
إنَّ رجال الأعمال ـوهم بلا شكٍّ من بين أكثر الأفراد تفاؤلاً في العالم- يجدون أنفسهم غير مرتاحين إلى حدٍّ ما عندما يطلبون من موظَّفيهم الاشتراك لبضع سنواتٍ أخرى، ويعلم المؤسِّسون أنَّهم بذلك يطلبون من الفريق قبول الاحتمال القائم بأنَّه حتَّى في نهاية الشَّريحة التَّالية من الألم والموارد النَّادرة والضَّغط؛ فإنَّ جرَّة الذَّهب التي كان موعوداً بها في السَّابق ستكون قد تقلَّصت إلى مستوياتٍ من المكافأة والعائدات التي قد تتضاءل، وتبهُت أمام تعويضات هؤلاء الفقراء المغفّلين الَّذين حصلوا على وظائف يوميَّة في البنوك الكبرى والشَّركات الاستشاريَّة.
عادةً، في هذه المرحلة، أودُّ أن أقدّمَ بعض الاقتراحات الملموسة التي استخدمناها في العشرات من شركات الاستثمار التَّابعة لنا، ولكن الحقيقة هي أنَّ كلَّ حالةٍ هي حالةٌ فرديَّةٌ في هذه المرحلة، وتعتمد كليَّاً على تاريخ الشَّركة، وعدد اللّاعبين الرَّئيسيّين المشاركين، والخطط والبرامج السَّابقة، وكميّة الخيارات والأسهم المتاحة وغير المخصِّصة، ومجلس الإدارة ورغبة المستثمرين في حلِّ المشكلة بقوَّةٍ، ولكن في كلِّ حالةٍ، يكون المفتاح هو محاولة اتِّخاذ التَّدابير الوقائيَّة، وليست النَّابعة من ردِّ الفعل.
اعتقادي الخاصُّ هو أنَّ النَّوع الوحيد من الحلول الذي سينجح، هو: إعادة ضبطٍ جريئةٌ وكبيرةٌ، حيث يقوم المستثمرون بالتزامٍ جديدٍ قويٍّ تجاه الفريق (نسيان كلِّ التَّاريخ الماضي) والتَّعامل مع التَّخصيصات الجديدة للملكيَّة (الحاليَّة والمستقبليَّة) كما لو كانوا يموّلون مشروعاً جديداً، وهذا يعني الكثير من العمل والمحادثات والمفاوضات، وذلك أكثر من مجرَّد محاولةٍ لتقليص حصَّة الإدارة في الشَّركة، فإذا لم تؤمن جميع الأطراف بقوّةٍ بمستقبل الشَّركة، فليس هناك سبب للبدء في المسار بنصف التَّدابير، أو الاستسلام على مضض، أو جداول الاستحقاق الطَّويلة للغاية.
شاهد أيضاً: كيف تحوّل الهيكل التنظيمي لمؤسستك إلى أكثر الأدوات قيمةً في عملك؟
ما يفاجئني دائماً في العديد من هذه المناقشات هو أنَّ نفس المستثمرين والمقرضين، الَّذين يعقدون صفقاتٍ جديدةٍ مع إدارةٍ لم يتمّ اختبارها على الإطلاق، غالباً ما يتردِّدون في العودة إلى فرق الإدارة والشَّركات التي يعرفونها، أولئك الَّذين لديهم سجَّلٌ حافلٌ، إنَّهم يفضلون دعم صفقةٍ جديدةٍ مع اثنين من المبتدئين مع بصيص من الفكرة بدلاً من فريقٍ تمَّ اختباره عبر الزَّمن وقام ببناء عملٍ حقيقيٍّ ببطءٍ، ويمكنك أن تسمِّي هذا التَّردُّد عنباً حامضاً (التَّظاهر بعدم الرَّغبة به لصعوبة نيله) أو تجنُّب الإحراج مع شركائهم، ولكن أيَّاً كانت تسميتهُ، فمن الواضح أنَّه يمثِّل عائقاً كبيراً أمام تحقيق إعادة الهيكلة بحجمٍ جديدٍ مناسبٍ للشَّركة، وباستخدام هذا النَّهج يمكنك بالتَّأكيد أنَّ تضمَّنَ المزيد من الفشل الذي ينتظركَ بعد فوات الأوان في المستقبل.
ولكن إذا كان الجميع موافقين ومؤيّدين وعلى استعدادٍ للعمل على ذلك، اسمحوا لي أن أقدَّم بعض الملاحظات الفلسفيَّة؛ لأنَّ الطَّريقة التي تجري بها العمليَّة وكيف تصل إلى الصَّفقة النِّهائيَّة هي أهمُّ بكثيرٍ من الأرقام الفعليَّة والأموال المشاركة:
1. لعبة جديدة بدون لوم
هناك الكثير من الأعذار والمبرِّرات والتَّفسيرات إلى جانب قدرٍ كبيرٍ جداً من اللُّوم، ولكن النَّظر إلى الوراء وتوجيه أصابع الاتِّهام لن يساعدَ، لم تسر الأمور كما كان مخطِّطاً لها أو متوقَّعاً، ولم يتنبأ أحدٌ بحدوث جائحةٍ تحدث مرَّةً واحدةً في العمر، ولكن الآن كلَّ شيءٍ يتعلَّق بالمضي قدماً.
2. لا دروس ولا محاضرات
يجب على الجميع أن يفهموا ويعترفوا بالأخطاء والحسابات الخاطئة التي ارتكبت، ولكن لا أحد يريد أن يحشرَ أنفه في ذلك، لا تتوقَّع اعتذاراتٍ واسعةٍ من أعضاء الفريق الَّذين ظلَّوا يبذلون قصارى جهدهم لسنواتٍ لبناء العمل، ولا ينبغي أن يكون أيٌّ من هذا خبراً جديداً للمستثمرين أو مجلس الإدارة.
3. إنَّها حقيقةً وليست معروفاً
ابدأ من افتراض أنَّ هذه التَّغييرات هي في مصلحة الجميع، وليست معروفاً، ولا تنازلاً، ولا مسابقةً أو منافسةً، بل إن الهدف هو وضع الأعمال والمستثمرين وأعضاء الفريق الرَّئيسيين في أفضل وضعٍ لتحقيق النَّجاح ومن ثمَّ التَّحرك.
4. الجميع راضون، وليسوا سعداء
من المُسلَّم به أنَّه لن يكونَ هناك ما يكفي لإرضاء الجميع؛ هذا هدفٌ غير واقعيّ في البداية، والهدف الحقيقيّ هو التَّوصُّل إلى ترتيبٍ عادلٍ يركِّز على الحوافز والسُّلوكيَّات الصَّحيحة، ويتمُّ توزيعه بالتَّساوي بين الأطراف، ولا يتعلَّق الأمر بالفائزين أو الخاسرين على المدى القريب، فالجميع في نفس المركب.
5. اترك قضمة لوقت لاحق
يجب على كلِّ طرفٍ أن يُخطّطَ لترك شيءٍ صغيرٍ على طاولة المفاوضات، والألم المشترك هو جزءٌ مهمٌّ من العمليَّة، وعادةً ما يكون توفير القليل من المخزون والاحتفاظ ببعض الذَّخيرة لإجراء تعديلاتٍ مستقبليَّةٍ من الأساليب الحكيمة.
شاهد أيضاً: ستيف جوبز يُلقي الضوء على أساس النجاح والرضا الدائمين
أُدرك أنَّ الكثير من هذا غير ملموسٍ في بعض النَّواحي، لكنَّني أودُّ أن أستشهدَ بإيمينيم Eminem، وهو مرجعٌ عالميٌّ في مثل هذه الأمور، والَّذي قال: "لا أستطيع أن أخبركَ ما حقيقته، يمكنني فقط أن أخبركَ كيف يكون الشُّعور به"، واجعل الأمر يبدو عادلاً ومشتركاً وستُحَلُّ باقي الأمور بنفسها.