هل يؤثر العمل على الحمل؟ نصائح لضمان صحة الأم والجنين
تعلّمي كيفيّة تحقيق التّوازن بين المتطلّبات الوظيفيّة وصحّتك كامرأة حامل في بيئات العمل المختلفة
هل يؤثر العمل على الحمل؟ سؤالٌ يطرحُ نفسه بقوَّةٍ في مجتمعاتنا اليوم، حيث يتزايد عدد النّساء اللَّاتي يوازنَّ بين مسيرتهنّ المهنيَّة ومتطلَّبات الأمومة، فمع تقدُّم الزَّمن وتغيُّر الأدوار الاجتماعيَّة، بات من الضَّروريّ إعادة النَّظر في حقوق النِّساء الحوامل داخل بيئات العمل. فبينما يتطلَّب الحمل اهتماماً ورعايةً خاصَّةً، يبقى العمل مصدر الدَّخل الأساسيّ للعديد من النِّساء؛ لذا تتجدَّد المطالبات بأحقيَّة المرأة في الحصول على إجازة حملٍ مدفوعة الأجر والمزايا الَّتي تحمي صحَّتها وصحَّة جنينها، في هذا السّياق تأتي الأهميَّة الإنسانيَّة لتوفير بيئة عملٍ داعمةٍ، تضمن للمرأة حقوقها، دون أن تتعرَّضَ لضغوطٍ قد تؤثّر سلباً على حياتها أو حياة الجنين، إذ إنَّ مناقشة هذه القضيَّة ليست مجرَّد رفاهيَّةٍ، بل هي ضرورةٌ لضمان عدالةٍ اجتماعيَّةٍ وصحّيَّةٍ داخل المجتمع.
هل يؤثر العمل على الحمل؟
هل يؤثر العمل على الحمل؟ السُّؤال الَّذي يشغل بال الكثير من النّساء العاملات الحوامل، حيث يمكن أن تتداخلَ متطلَّبات الوظيفة مع احتياجات الجسد في هذه الفترة الحسَّاسة، الأمر السَّائر أنَّه بالنِّسبة للعديد من النّساء، يُمكن أن يستمرَّ العمل خلال فترة الحمل دون مشاكل تُذكر، خاصَّةً إذا كانت المرأة تتمتَّع بصحَّةٍ جيّدةٍ، ولم يُكن لديها أيُّ مضاعفاتٍ في الحمل، ومع ذلك هناك بعض العوامل الَّتي قد تُؤثِّر على الحمل بناءً على طبيعة العمل وظروفه، وإليك بعض النِّقاط الَّتي يجب مراعاتها:
- نوع العمل: إذا كان العمل يتطلَّب مجهوداً بدنيّاً كبيراً، مثل: رفع أوزانٍ ثقيلةٍ أو الوقوف لفتراتٍ طويلةٍ، من الطَّبيعيِّ أن يؤدِّي ذلك إلى إجهادٍ للجسد، الأمر الَّذي يُمكن أن يُؤثِّر على صحَّة الأم وجنينها؛ لذا لا بدَّ من مراعاة هذا الجانب والابتعاد عن الأعمال المجهدة.
- التَّوتُّر والضُّغوط النَّفسيَّة: العمل في بيئةٍ متوتِّرةٍ أو تحت ضغوطٍ شديدةٍ، لا يقلُّ سوءاً عن الأعمال المجهدة جسديّاً، فالضُّغوط الشَّديدة غالباً ستزيد من مستويات التَّوتُّر لدى العاملة الحامل، وهو ما يمكن أن يُؤثِّر سلباً على الحمل.
- العمل مع المواد الخطرة: تُنصح النِّساء الحوامل بعدم التَّعرُّض لأيّ موادٍ كيميائيَّةٍ، أو إشعاعيَّةٍ ضارَّةٍ، الأمر الَّذي قد يسبِّب مشاكل كبيرةً للجنين، على رأسها جعله عرضةً للتَّشوُّهات؛ لذا فإنَّ هذا النَّوع من الأعمال غير مستحبٍّ بالنِّسبة للمرأة الحامل.
- التَّوازن بين العمل والرَّاحة: بحال كنتِ تعملين في بيئة عملٍ تحوي بعض العنصريَّة أو التَّنمُّر، يجب ألَّا تكترثي بتلك التَّعليقات الَّتي تقول إنَّ مكان المرأة الحامل المنزل، وعوضاً عن ذلك خذي استراحةً كلَّما احتجتِ لها، فليس مطلوبٌ منك إثبات أيِّ أمرٍ، وما تعيشينه شيءٌ طبيعيٌّ وعلى الجميع معرفة هذه الحقيقة، لا تستهوني أبداً بضرورة تحقيق التَّوازن بين العمل والرَّاحة.
كامرأةٍ حاملٍ عاملةٍ، أنت تحتاجين لمشاركة طبيبكِ كلَّ التَّفاصيل المُتعلِّقة بالعمل، والتَّأكُّد منه فِما إن كان فيها ما يضرُّ فتبتعدين عنه، العمل مهمٌّ بالتَّأكيد لكنَّ صحَّتك وصحَّة جنينكِ أكثر أهميَّةً في هذه المرحلة، وعلى مدرائكِ وزملائكِ إدراك تلك الحقيقة ومراعاتها.
تأثير العمل عن بعد على الحمل
اليوم وفي ظلِّ التَّحوُّلات المُتسارعة في أنماط العمل الحديثة، وتزايد الاعتماد على العمل عن بعد، تُصبح الإجابة على سؤال: هل يؤثر العمل على الحمل؟ أكثر سهولةً من أيّ وقتٍ مضى، حتَّى أنَّ العمل من المنزل يبدو الحلَّ السّحريَّ بالنِّسبة لمعظم النّساء الحوامل، والنِّساء يدركنَ تماماً أهميَّة العمل عن بعد بمرحلة الحمل، ففي دراسةٍ استقصائيَّةٍ أُجريت عام 2023، شملت أكثر من 400 امرأةٍ حاملٍ، أشرنَ أنَّ ساعات العمل المرنة وترتيبات العمل عن بعد، إضافةً إلى إجازة الأمومة المدفوعة، أهمُّ ثلاث مزايا وظيفيَّةٍ يرغبنَ بها، وقالت نصف النّساء المستهدفات بالدِّراسة، إنهنَّ يفضلنَ العمل عن بعد على زيادة راتبٍ مقدارها ألف دولارٍ سنويّاً.
وبالنِّسبة لمعظم النِّساء، فإنَّ العمل الهجين بات اليوم أمراً غير قابلٍ للتَّفاوض بالنِّسبة لهنَّ، وبحسب مسحٍ تمَّ إجراؤه عام 2023 أيضاً، شمل أكثر من ألف امرأةٍ يعملنَ بدوامٍ كاملٍ عن بُعدٍ، قالت 72% من النّساء المستهدفات إنهنَّ سيبحثنَ عن عملٍ جديدٍ بحال ألغى المدير نظام العمل عن بعد، وألزمهنَّ بالدَّوام المكتبيّ داخل مبنى المؤسَّسة، وهذا ليس مستَغرَباً نظراً للمزايا الكبيرة الَّتي يُقدِّمها العمل من المنزل للمرأة الحامل. [1]
شاهد أيضاً: استراتيجيات ونصائح لتحقيق التوازن بين العمل والأمومة
التّخفيف من الإرهاق البدنيّ
تُعاني النّساء في فترة الحمل من أعراضٍ طبيعيَّةٍ، مثل التَّعب والغثيان وآلام الظَّهر، السَّفر اليوميُّ إلى العمل والجلوس بملابس قد لا تكون مريحةً لساعاتٍ طويلةٍ، يُمكن أن يزيدَ من حدَّة هذه الأعراض، لحسن الحظِّ أنَّ العملَ من المنزل موجودٌ كخيارٍ، إذ إنّه يُقلِّل من الإرهاق البدنيِّ، ويُتيح للمرأة الحامل التَّحكُّم في بيئتها والرَّاحة عند الحاجة، حيث يُمكنها الاستلقاء لتخفيف آلام الظَّهر أو أخذ قسطٍ من الرَّاحة عند الشُّعور بالتَّعب، ممَّا يُقلِّل من الضَّغط الجسديَّ الَّذي يُمكن أن يُؤثِّرَ سلباً على صحَّتها وصحَّة الجنين.
تحسين التّوازن بين العمل والحياة الشّخصيّة
العمل عن بعد يُوفِّر للمرأة الحامل مرونةً كبيرةً في إدارة وقتها، حيث تستطيع تحديد أوقات العمل المناسبة لها، وتخصيص وقتٍ أكبر للرَّاحة والعناية بصحَّتها، دون الحاجة إلى الالتزام بساعات عملٍ صارمةٍ، هذا النَّوع من التَّوازن بين العمل والحياة الشَّخصيَّة يُقلِّل من التَّوتُّر ويساعد في تحسين الصّحَّة النَّفسيَّة، وهو أمرٌ ضروريٌّ للحفاظ على حملٍ صحيٍّ.
تقليل مخاطر التّعرّض للأمراض
في بيئة العمل التَّقليديَّة، تتعرَّض المرأة الحامل لخطر الإصابة بالأمراض المعدية، مثل نزلات البرد والإنفلونزا وحتَّى كوفيد-19، والَّتي يمكن أن تؤثِّر على صحَّتها وصحَّة جنينها، والعمل عن بُعدٍ يقلِّل من احتمالات التَّعرُّض لمثل هذه المخاطر، حيث يمكنها العمل في بيئةٍ منزليَّةٍ نظيفةٍ وخاليةٍ من العدوى.
التّحكم في بيئة العمل
تستطيع المرأة الحامل من خلال العمل عن بعد أن تتحكَّمَ بشكلٍ أكبر في بيئة عملها، سواءً كان ذلك بتعديل درجة حرارة الغرفة، أو اختيار كرسيٍّ مريحٍ، أو تحديد الإضاءة المناسبة، كلُّ هذه العوامل تُسِهم في خلق بيئةٍ مريحةٍ تُساعد على تحسين الإنتاجيَّة وتقليل الإجهاد، كما أن التَّحكُّمَ في البيئة يساعد أيضاً في تخفيف أعراض الحمل، مثل الغثيان الصَّباحي، حيث يُمكن للمرأة تعديل الرُّوتين اليوميّ بما يتناسب مع حالتها الصِّحيَّة.
تعزيز الدّعم العائليّ
لم تعد الإجابة على سؤال: هل العمل يؤثر على الحمل؟ تثير مخاوف الكثير من النّساء في ظلِّ إمكانيَّة العمل من المنزل، الَّذي يتيح للمرأة الحامل أن تكون أقرب إلى أفراد عائلتها، وبالتَّالي الحصول على المزيد من الدَّعم النَّفسيّ والعاطفيِّ، وهو أمرٌ غايةٌ في الأهميَّة بفترة الحمل، حيث إنَّ وجود الشَّريك أو الأسرة بالقرب منها يُمكن أن يُخفِّف من التَّوتُّر، ويخلق جوّاً من الرَّاحة والاستقرار، ممَّا ينعكس إيجاباً على صحَّة الأمِّ والجنين.
التّقليل من التّوتر والضّغط النّفسي
بيئة العمل التَّقليديَّة قد تفرض على المرأة الحامل ضغوطاً نفسيّةً إضافيّةً، بسبب التزامات العمل وتوقُّعات الأداء العالي، والعمل عن بعد، بفضل مرونته وإمكانيَّة التَّحكُّم في ظروفه، يُمكن أن يُقلِّلَ من مستويات التَّوتُّر والضَّغط النَّفسيّ، فتنظِّم المرأة يومها، وتتجنَّب الاجتماعات المُجهدة.
التّوفير في الوقت والتّكاليف
السَّفر اليوميُّ إلى مكان العمل يُمكن أن يكون مرهقاً ومكلفاً، ليأتي العمل من المنزل الَّذي يوفِّر الوقت الَّذي يُقضى في التَّنقُّلات، والَّذي يمكن استخدامه للرَّاحة أو ممارسة الأنشطة المفيدة مثل المشي أو القيام بتمارين خفيفةٍ. بالإضافة إلى ذلك، يُقلِّل العمل عن بُعدٍ من التَّكاليف المرتبطة بالسَّفر، مثل الوقود أو وسائل النَّقل العام، ممَّا يخفِّف من العبء الماليّ في ظلِّ حاجة النّساء إلى مزيدٍ من الأموال خلال فترة الحمل، سواءً لشراء المكمّلات الغذائيَّة الخاصَّة، أو لتجهيز مستلزمات الطّفل الجديد.
زيادة الإنتاجيّة
يعتقد بعضهم أنَّ العمل من المنزل قد يؤدِّي إلى تراجع الإنتاجيَّة، ولكنَّ الواقع يشير إلى أنَّ العديدَ من النِّساء يجدن أنَّ العمل في بيئةٍ مريحةٍ ومألوفةٍ يزيد من تركيزهنّ وإنتاجيَّتهن، فحين تعمل المرأة الحامل في بيئةٍ تدعم راحتها واحتياجاتها الصّحيَّة، تكون أكثر قدرةً على الإنجاز دون الشُّعور بالإرهاق الَّذي قد تعاني منه في بيئة العمل التَّقليديَّة.
مرونة في التّعامل مع المواعيد الطّبية
أثناء فترة الحمل، تحتاج المرأة إلى متابعةٍ طبيَّةٍ منتظمةٍ، والعمل عن بعد يُوفِّر لها المرونة في حضور المواعيد الطِّبيَّة دون الحاجة إلى تقديم طلبات إجازةٍ أو التَّفاوض مع أصحاب العمل، فهذا يضمن أنَّها تستطيع الالتزام بجميع مواعيدها الطّبيَّة الضَّروريَّة، دون أن يُؤثِّر ذلك على سير عملها.
نصائح للعمل بأمان خلال الحمل
إذا كان سؤال هل العمل يؤثر على الحمل؟ ما يزال يشغل بالك، تستطيعين التَّفكير بالاستراتيجيَّات الَّتي ينبغي عليك اتِّباعها، لإزالة أيِّ مخاوف لديكِ، والحفاظ على راحتكِ أثناء العمل خلال هذه الفترة من حياتكِ، فجرِّبي اتِّباع هذه الخطوات الَّتي وعلى الرَّغم من بساطتها، إلَّا أنَّها تساعدك كثيراً: [2]
- خذي فترات راحةٍ: إذا كُنت تقفين لفترةٍ طويلةٍ، اجلسي وارفعي قدميكِ أو تحرَّكي قليلاً، حيث إنَّ تحريكَ العضلات يمكن أن يساعدَ في تقليل تورُّم القدمين والكاحلين أثناء الحمل.
- استمرِّي في الحركة: إذا كان عملك يتطلَّب الجلوس لفتراتٍ طويلةٍ، احرصي على الوقوف والمشي لمدَّةٍ قصيرةٍ كلَّ ساعةٍ، أو كلَّ ثلاثين دقيقةً إن أمكن، كذلك قومي ببعض تمارين التَّمدُّد أثناء الوقوف لتخفيف أو منع آلام أسفل الظَّهر، وهي شائعةٌ خلال الحمل.
- ارتدي ملابس مريحةً: اختاري أحذيةً مريحةً وملابس حملٍ مناسبةً، يمكنك أيضاً تجربة الجوارب الضَّاغطة الخاصَّة بالحمل الَّتي تساعد في منع أو تخفيف التَّورُّم والدَّوالي.
- اشربي الكثير من الماء: احتفظي بزجاجة ماءٍ كبيرةٍ في مكان عملك واملئيها باستمرارٍ، هذا سيساعدك أيضاً على تذكُّر أخذ فترات استراحةٍ للذَّهاب إلى الحمام.
- تناولي وجباتٍ خفيفةً ومنتظَّمةً: تناول الطَّعام بانتظامٍ يساعد في منع الغثيان الصَّباحيّ وانخفاض مستوى السُّكَّر في الدَّمّ، اختاري وجباتٍ غذائيَّةً متوازنةً وغنيَّةً بالألياف مثل الخضروات الورقيَّة والبقوليَّات والحبوب الكاملة لتخفيف الإمساك المرتبط بالحمل.
- اطلبي تعديلاتٍ في مكان العمل: إذا كان مكان عملك يُسبِّب لكِ الألم، ارفعي قدميكِ تحت المكتب أو اطلبي المساعدة في تعديل الكرسيّ أو الشَّاشة بشكلٍ صحيحٍ، لا تتردَّدي في طلب دعائم للمعصم أو معدَّاتٍ أُخرى يُمكن أن تمنعَ إصابات الإجهاد المتكرِّر، مثل متلازمة النَّفق الرُّسغيّ.
- قلِّلي من التَّوتُّر: إذا لم تستطيعِ التَّخلص من مصدر التَّوتُّر في مكان العمل، حاولي إيجاد طرق للتَّعامل معه خارج العمل، مثل: تمارين التَّمدُّد أو التَّنفُّس العميق أو اليوغا الخاصَّة بالحمل، أو حتَّى المشي القصير لتصفية ذهنكِ.
- لا تشعري بالذَّنب: إذا تأخرتِ في الوصول للعمل بسبب موعدٍ مع الطَّبيب، أو كنتِ تعملين ببطءٍ أكثر من المعتاد، فلا تكوني قاسيةً على نفسك، صحَّتكِ وصحَّة طفلك تأتي أولاً.
- اقبلي المساعدة: إذا عرض زملاؤك تقديم المساعدة لكِ، فلا تتردَّدي في قبولها، هذه فترةٌ مميزةٌ في حياتك، ومن الجيّد أن تحتفلي بها وتستمتعي بالتَّغيير الكبير، بينما تستمرِّين في عملكِ.
شاهد أيضاً: 90 يوماً إجازة أمومة للنساء الإماراتيات في القطاع الخاص
في الختام، يظلُّ التَّحدِّي الكبير الَّذي تواجهه النّساء اليوم هو تحقيق التَّوازن بين متطلَّبات العمل والحمل، إنَّ تمكين المرأة من الحصول على إجازة حملٍ مدفوعة الأجر وتوفير المزايا الَّتي تدعمها خلال هذه الفترة ليس مجرَّد التزامٍ قانونيٍّ، بل هو ضرورةٌ إنسانيَّةٌ وأخلاقيَّةٌ، فمن خلال تقديم الدَّعم المناسب، نضمن لها القدرة على العناية بنفسها وبجنينها دون المساس بحقوقها المهنيَّة.